في زمن الإفلاس: “حكاية الأمين واللّص” / موسى عباس




موسى عبّاس ( لبنان ) – الثلاثاء 21/7/2020

تتعاقب الحكومات الواحدة تلوَ الأخرى فيما يبقى رياض سلامه حاكماً للمصرف  ويمارس السياسيات  التي أدّت إلى تدمير إقتصاد وماليّة لبنان دون حسيبٍ أو رقيب وبحماية مرجعيات سياسية ودينية وطائفية تتحكّم برقاب العباد، بينما رفض الحاكم السابق أدمون نعيم” تنفيذها وكاد يدفع حياته ثمناً  لموقفه.
د.ادمون نعيم يرفض الخضوع لإرادة السياسيين ، فما هي حكايته؟
إنه الحاكم السابق لمصرف لبنان في مرحلة من أصعب المراحل التي عاشها لبنان وذلك من عام ١٩٨٥ إلى عام ١٩٩١ ، والذي يُشهد له أنه حافظ على ودائع الناس في المصارف برفضه الدائم إقراض الدولة بمختلف وزاراتها ؛ فأصدرت السلطة يومها أمرا بإحضاره بالقوة ، وسحبه من قدميه من مكتبه في الطابق السادس إلى الطابق الارضي ، إلا أنه تمكن من الإفلات بمساعدة موظفي المصرف.

وفق ما هو موثق في كتاب “تاريخ المصارف”، رفض حاكم مصرف لبنان الدكتور إدمون نعيم تحويل أموال طباعة جوازات السفر لصالح وزارة الداخلية خلال عهد الحكومتين عام 1990.

“كانت الكلفة مضخمة جدا ، أجرى عندها نعيم مناقصة أخرى وبمواصفات أفضل فتبيّن أنّ الكلفة أقل بكثير مما هو مطلوب ، فرفض تحويل المال”.

كان الحاكم في إجتماع المجلس المركزي في مصرف لبنان (كان ممنوعاً على أيٍّ كان الدخول إلى قاعة اجتماع المجلس المركزي)، حين ورده إتصال من رئيس الجمهورية الياس الهراوي.

خرج نعيم ليرد على الإتصال ليجد ضابطاً أمنياً موفداً من وزير الداخلية : “معالي وزير الداخلية عازمك ع فنجان قهوة”.

رد الدكتور إدمون نعيم رافضاً بذريعة عدم تمكّنه من الخروج من المصرف وقال “إذا في شي ضروري أهلا وسهلا فيه يتفضّل يشرب قهوة عندي”.

عندها، أطلق الضابط رصاصتين في الهواء وبدأ مع عناصره الذين فاق عددهم 15 عنصراً، بجرّ نعيم نحو المصعد ؛ وقاوم نعيم بكل قوته ولم يتمكّنوا من إدخاله المصعد إلّا بعد تمزيق قميصه وإصابته ببعض الجروح وسحبه من قدميه فيما كان رأسه على الأرض.

وفي مدخل مصرف لبنان حيث كان عنصر الشرطة “حسين البروش” قد سبقهم إلى المكان بعدما رآهم يزجّون الحاكم بالقوة في المصعد ، سأله “شو يا حاكم؟”

رد نعيم قائلاً : “ما تخلّيهم ياخدوني من هون ياحسين”.

هنا إنتصر حسين البروش لواجبه في حماية مصرف لبنان وحاكمه على التراتبية الأمنية في سلكه، حيث إن الضابط خاطف الحاكم أعلى منه رتبة.
فكّر قليلاً ثم أطلق النار على الواجهة الزجاجية السميكة للمصرف.
أُُربِكَ  الضابط وعناصره وبدأوا يتفقدون أنفسهم من الجروح.
هنا استغلّ الحاكم إنشغال خاطفيه وأسرع ليدخل خزنة مصرف لبنان حيث لا يمكن لأحد أن يدخل طابقها عندما يقفل الباب، ونجا.

رياض سلامة
تم تعيينه حاكماً لمصرف لبنان في شهر آب من العام 1993 قادماً من “ميريل لينش” بترتيب من الرئيس رفيق الحريري ، تحت شعار أنّه القادر على تثبيت الوضع المالي ، وما كان رفض الحاكم السابق ادمون نعيم فعله من التلاعب بأموال المودعين لمصلحة السياسيين وأصحاب المصارف فعله رياض سلامة وعلى مدى27 سنة  وتحت ذريعة تثبيت صرف الليرة اللبنانية اتّبع سياسة مالية تدميرية أوصلت لبنان إلى إنهيار  اقتصادي مالي نتج عنه اقفال مئات المؤسسات وطرد آلاف العمال والموظفين وبات أكثر  من 50% من اللبنانيين تحت خط الفقر ، هذا في الوقت الذي زاد الأثرياء ثراءً وعلى رأسهم غالبية السياسيين وأصحاب المصارف  الذين يُطلق عليهم اقل “حيتان المال والسياسة”.
أمّا بخصوص ثروة الحاكم والمتحكّم المالي رياض سلامة فقد كشفت وثيقة صادرة عن شركة   international cristal credit groupe  والتي مقرّها المركزي في مدينة  ليون الفرنسية أنّ تلك الثروة تبلغ  2 مليار دولار أمريكي مودعة في مصارف في سويسرا وبنما وجزر الفرجين البريطانيّة وأنّ هذه الثروة تم جمعها  في السنوات العشر الأخيرة من فترة توليه حاكميّة مصرف لبنان، اضافة الى الممتلكات غير المنقولة ومنها تلك التي رفض السجل العقاري في بيروت إعطاء إفادة عنها.
هذا هو رياض سلامة  الحاكم المتحكَم الذي انتفض  حيتان المال والسياسة ورجال دين والولايات المتحدة الأمريكية لمنع إزاحته من منصبه والذي كلّفه حفل زفاف ولده في فرنسا  أكثر من خمسة ملايين دولار.
نعم،هذا هو حرامي مصرف لبنان  الحاكم الحالي ناهب المال العام.
وذاك إدمون نعيم الحاكم الذي عرّض حياته للخطر لأجل حماية المال العام .
إدمون نعيم لم يُقِمْ الحفلات الباذخة ولم يورث القصور والأموال بعد وفاته بل ما تركه كان مكتبة قانونية مليئة بالكتب التي تُعد مرجعا فقهيا في لبنان والبلدان العربية.
* المعلومات عن إدمون نعيم من كتاب: غسّان عيّاش
“وراء أسوار مصرف لبنان، نائب حاكم يتذكّر”(1990_ 1993).

 


قد يعجبك ايضا