تركيا تملأ فراغ السعودي في لبنان / فادي عيد

الميادين | فادي عيد




فادي عيد ( مصر ) – السبت 11/7/ 2020 م …

تخطى حجم النفوذ التركي في لبنان كل مراحل الخطر، وأن كان لم يكن الأمر وليد اليوم ونتذكر واقعة سقوط مجموعة من العناصر التركية تحمل جوازات سفر مزورة في بيروت بيد الأمن اللبناني عام 2012م مرتبطة بأحداث الحرب السورية، فالتواجد التركي اليوم لم يعد عبر مجموعة عناصر، بل مجموعة شبكات صارت في هيئة كيانات وتيارات سياسية.

 

فالتركي أستغل إنسحاب السعودي بعد أن أغلق بابه في وجه لبنان، وبدأت تركيا في ملئ فراغ السعودي، وصارت هي تجلس على المقعد الأول في تحريك إحتجاجات الشارع السني، وهناك الكثير من المشاهد التي تؤكد ما نقوله بداية من المجموعات التي واجهت جيش بلادها في منطقة العبدة بطرابلس وهي ترفع العلم التركي، مرورا بإستقبال السفير التركي في العبدة بأحتفال صاخب وكأنه المهدي المنتظر، وصولا لظهور عدد كبير من قيادات 14 آذار في إسطنبول خلال زيارات سرية لم يصفح عنها، بجانب كم الإحتجاجات الخارجة عن القانون والمنطق التي شاهدها شمال لبنان ولم تكن تهدف لشئ إلا لعرقلة حكومة حسان دياب بالتزامن مع ما تتعرض له سوريا ولبنان على يد واشنطن أقتصاديا وتل أبيب عسكريا.

 

وكما كانت السعودية حاضرة في لبنان عبر سعد الحريري كذلك تركيا اليوم عبر شقيقه بهاء، فبهاء الحريري كان بين قوسين وأدنى من أن يكون وريث سلطة رفيق الحريري خلال محطات عديدة طوال العقد ونصف الماضي، بداية بظهوره الأول بعد إستشهاد والده، مرورا بوقت أن افتتح مكتبه الخاص المستقل عن عائلته في يونيو 2010م، وصولا للفرصة الأكبر عندما إحتجزت السعودية شقيقه سعد بفندق الريتز كارلتون 2017م، ومارست ضغطها على عمته بهية الحريري وزوجة والده نازك الحريري لمبايعة بهاء وهو الأمر الذى تم إجهاضه بعد رفض الرئيس ميشال عون لكل هذا العبث السعودي.

 

ولم يكن بهاء بحكم رعونته في حسابات أيا من الدول التي كانت تبحث وقتها عن بديل لسعد سوى السعودية، والأن تقول الساحة أن بهاء عاد من جديد ولكن ليس من البوابة السعودية، بعد أن سعى كثيرا في ركوب موجة إنتفاضة 17تشرين الماضي.

 

فأنطلق بهاء يؤسس لقاعدة شعبية له فذهب لكل خصوم شقيقه، وإستقطب كل من وقع من حسابات تيار المستقبل بالمال، الى أن وجد بهاء ضالته في محامي مثير للجدل أسمه نبيل الحلبي، فصار هذا الحلبي ذراع بهاء الأول إن لم يكن بهاء هو من صار ذراع لمخططات الحلبي، فسرعان ما تواصل نبيل الحلبي مع أعضاء سابقون بتيار المستقبل، والتنسيق مع الجماعة الإسلامية (إخوان لبنان)، ومع كل من لديه مشاكل مع شقيقه سعد، وبالطبع مع حزب الله، ومع كل لبناني شارك في الحرب ضد دمشق.

 

وهنا لا يفوتنا أول ظهور لصاحب المنتديات المريبة في لبنان في 2011 مع عضو “المجلس الوطني السوري” المدعو عمر إدلبي في منزله ببيروت، وهو المنزل الذي منح له من تيار المستقبل وتحت إشراف العميد وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات وقتها، كي تكون غرفة عمليات لوجستية ونقطة تخزين للسلاح الخليجي المتجه نحو حمص وعرسال عبر بيروت.

 

وبعدها أسس نبيل الحلبي “تنسيقية لبنان لدعم الثورة السورية” ثم “المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان” وهي من تولت مهام فبركة الفيديوهات وصنع الأكاذيب فيما يخص الحرب السورية، ونتذكر عندما أتهم نبيل الحلبي النظام السوري بإختطاف وتعذيب ومن ثم قتل “زينب الحصني”، منتحلا صفة الدفاع عنها بأعتباره وكيلها القانوني، قبل أن تظهر الفتاة نفسها على التلفزيون السوري، ويتضح أن صور الجثة المنشورة لا تمت لها بصلة ومفبركة على يد الحلبي.

 

الى أن جائت أحداث عرسال في أغسطس 2014م كي يظهر نبيل الحلبي بصحبة وفد “هيئة العلماء المسلمين” (سلفيين لبنان المرتبطين بإستخبارات الخليج) بحجة التفاوض مع داعش وجبهة النصرة لإطلاق سراح جنود الأمن اللبناني، وهو المشهد الذي يظهر دور تيار المستقبل كوسيط بين تلك التنظيمات الإرهابية ومن يمولها في الخليج.

 

بينما كان الأخطر بدور نبيل الحلبي في تمكين الموساد من تجنيد نشطاء سوريين، تم نقلهم فيما بعد إلى تركيا من أجل تدريبهم على التجسس وجمع المعلومات ونشر الإشاعات وفبركة الأكاذيب تحت أسم “نشطاء إعلاميين” و “إعلاميين حربيين”

 

واليوم نبيل الحلبي هو مايسترو مظاهرات العنف في لبنان، فعشرات الدراجات النارية تتحرك بعد منتصف الليل وتحرق الممتلكات الخاصة والعامة في بيروت ثم تختفي كما تظهر فجأة لدعم أي مظاهرات تدخل في اشتباكات مع الجيش بالزجاجات الحارقة، وهي الدراجات التي تحمل أرقام مزورة، ومنها من يتخذ أصحابها عناوين سكنية لهم بين البسطا الفوقا وتحويطة الغدير.

 

وأن كان أتخذ بهاء الحريري من المحامي نبيل الحلبي مستشار سياسيا، فقد أتخذ من أبن إقليم الخروب “دانيال الغوش” المعروف بإسم “جيري ماهر” مستشاراً إعلامياً، وهو من البداية بوق لأجهزة إستخبارات خارجية.

 

فماذا يريد بهاء الحريري من حرق بيروت وعرقلة حكومة حسان دياب؟!

هل جر أرجل حزب الله لصراع داخلي لتأليب الرأي العام اللبناني عليه وتشتيته على جبهات أضافية أخرى غير جنوب لبنان وسوريا فقط ؟

أم في حرق بيروت إنتقام من أهم أعمال والده، والثأر من من إنتزع الخلافة منه شقيقه سعد ؟

أم كل ما سبق

 

فلا يوجد محتج غاضب من سوء الأحوال الأقتصادية يحرق بنوك ومصارف (عصب أقتصاد بلاده)، وممتلكات العامة، فكل ما شاهدته بيروت على مدار 10 شهور سابقة كان مفتعل ومدبر من الخارج بتنفيذ قيادات سياسية من الداخل، كحال كل ما شهدته بلادنا منذ 2011م وحتي الأن، بما فيها أزمة الدولار.

 

أخيرا وليس أخرا أن كان بحكم المؤكد أن سعد الحريري صار كارت محروق لدى كل الأطراف في الداخل والخارج اللبناني مهما حاول أحد إعادة تدويره، فقد بأت الأكثر تأكيدا أن لبنان نفسه قد يصير مثل سعد محروق وممزق بفضل شقيقه بهاء الدين الحريري.

 

وأن كان لبنان عاش لعقود تحت شريعة “أتفاق الطائف” الطائفي بعد ضرب الحضور الناصري هناك بفعل تأمر جنرالات الإحتلال وحلفائهم من القيادات اللبنانية، فالأن لبنان يستعد لطائف جديد ولكن في تلك المرة تركي وليس سعودي، على أمل أن يفلح بهاء في النهاية في ما لم يفلح فيه سعد وهو حرق لبنان بكل مكوناته وأولها حزب الله المستهدف الأساسي، وما كان مشهد أعلان النيابة العامة في بيروت بدء محاكمة الإعلامي “نيشان” بتهمة الإساءة إلى تركيا يوم 8أكتوبر إلا دلالة جديدة لحجم النفوذ التركي في لبنان.

 

وأن كانت السعودية سعت كثيرا في تقديم بهاء للساحة وقت أن كانت تحتجز أخيه في الرياض، فمن المؤكد الأن أن خصوم السعودية (قطر وتركيا) هما المحرك الأساسي لبهاء، ويبدو أن الرعونة والتسرع لم تكن سمة بهاء وحده فقط، كي تسير تركيا في مخططها بالسيطرة على شمال لبنان ومِنْ ثَمَّ ربطه بالشرق السوري، وهو أمر يتم بالتنسيق بين المخابرات التركية والموساد.

 

ويبدو أنه لم يعد هناك دول تلعب دور إيجابي لصالح الدولة اللبنانية وشعبها سوى فرنسا ومصر كحال الوضع مع ليبيا، فكلاهما (فرنسا ومصر) غير مرتبط ايدولوجيا أو سياسيا بأي مكون داخل لبنان، وكلاهما لا يلعب بورقة الطائفية وله تاريخ جيد مع بيروت، ويدرك أهمية أستقرار لبنان للمنطقة، فيبقى لبنان ترمومتر الشرق الاوسط الذي بات على صفيح ساخن من ليبيا غربا وحتي إيران شرقا، ونتذكر كيف كان دور باريس والقاهرة الدور الإيجابي الوحيد خلال أزمة إحتجاز سعد الحريري في الرياض.

 

ومن هنا نفهم طبيعة الرسالة التي تسلمها الرئيس اللبناني من نظيره المصري عبر سفير مصر في بيروت بداية الأسبوع الجاري، والتي أكد فيها السيسي حرص مصر على أستقرار لبنان ورفاهيته، والاستعداد لبذل كل جهد يمكن أن يسهم في رفعة الشعب اللبناني الشقيق واستعادته لعافيته، وعن أمله في أن تسفر المفاوضات التي يجريها لبنان مع المؤسسات المالية عن نجاح يقلل الأضرار الواقعة على الإقتصاد اللبناني.

 

 

فادي عيد وهيب

الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

[email protected]

قد يعجبك ايضا