الصراع العلني بين الأمريكيين والمقاومة في لبنان، إلى أين ؟ / موسى عباس




موسى عبّاس  ( لبنان ) – السبت 11/7/2020 م …
تدّعي الإدارة الأمريكية أنّ حزب الله هو الذي يقود الحركة السياسيّة في لبنان وبالتالي هو الذي يهيمن على الحكومة الحالية حكومة الرئيس حسّان دياب.
واقعاً أنّ هذا إدّعاء كاذب وتزوير للحقائق والوقائع التي يعرفها غالبية اللبنانيين ، خاصّةً إنّ هذا الإدّعاء لا زال يتكرّر منذ تشكيل حكومة  “الرئيس نجيب ميقاتي” وإلى الآن ،وحتى في حكومة حليفهم “سعد الحريري”.
أمّا لماذا هذا الموقف ؟
بكلّ بساطة:
لأنّ المقاومة التي قادها حزب الله ضد الإحتلال الصهيوني والتي لا يزال يقودها أدّت ليس فقط إلى دحر الإحتلال وهزيمته في 25 أيّار من العام 2000 وإنّما إلى هزيمة أكبر وأشمل في 14  آب من العام 2006 بعد حرب ال33 يوماً والتي كانت اشتعلت في 12  تمّوز  من العام نفسه حيث راهن حينها الصهاينة والأمريكيون والغرب والأعراب المتصهينين وقسم من اللبنانيين راهنوا وعملوا بكلّ قواهم على سحق المقاومة وإزالتها من الوجود للإنتقام لهزيمة العام 2000 ولإعادة تكريس نظريّة “الجيش الذي لا يُقهر” وأنّ “العين لا تقاوم المخرز” وأنّ قدر العرب هو الإستكانة والخضوع وأنّ عليهم التسليم بالأمر الواقع ، لأنّه كما غرس إعلامهم وإعلام العرب  بعد الهزيمة العربيّة في حرب حزيران 1967 أنّه من “المستحيل هزيمة الصهاينة .
لكن المقاومة في لبنان لم تنجز  فقط تحرير  الأرض ، وإنّما هزمت المشروع الأمريكي الصهيوني الذي هيمن على المنطقة منذ العام 1948 ، وكذلك أيقظت روح التحدّي لدى الشباب العربي وإنتزعت مفهوم الإستسلام والخنوع الذي كان تعمّق في ذاكرة  الوعيْ في العقل العربي  ، وكان هذا الأمر سابقةً خطيرة جدّاً لم يكن ليخطر في بال الصهاينة وحلفائهم أنّه ممكن الحدوث في بومٍ من الأيّام.
وبناءً على ما تقدّم، وبعد فشل مشاريع الفتنة الطائفية التي تواصلت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفشل جعل الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة في حالة صِدام  مع  المقاومة، وبعد هزيمة مشروع الصهاينة والأمريكيين في تغيير النظام في سوريا،
 ولأنّ حزب الله كان له الدور الفعّال  في إنجاز ذلك ، لذا  لجأ الأمريكيون إلى فرض حصار  قاسٍ جدّاً  بدايةً على حزب الله وعلى بيئته الحاضنة ولمّا لم يُجدِ ذلك نفعاً قرّروا تجويع  الشعب اللبناني بالكامل بالتواطؤ ومشاركة طُغمة فاسدة  لبنانيّة من حيتان المال والسياسة من كبار السياسيين والاقتصاديين وأصحاب المصارف  وحاكم المصرف المركزي،وبالتكافل مع غالبية الأنظمة العربية الحاقدة والناقمة على المقاومة التي عرّتهم وكشفت عمالتهم للصهاينة  والتي رفضت مهادنتهم أو السكوت عن جرائمهم بحق شعوب اليمن وسوريا والعراق وفلسطين.
وهكذا بات الصراع مكشوفاً وبات اللبنانيون عامّةً والمقاومة وبيئتها خاصّةً في مواجهة مكشوفة  مع جميع الأطراف المعادية لها داخلية وعلى رأسها:
 -أحزاب القوّات اللبنانية والكتائب وجماعة داعش ومن دار في فلكهم من مواقع دينية وسياسية من مختلف الطوائف وهؤلاء لايخفون محاباتهم للصهاينة واستعدادهم لتطبيع العلاقات  معهم فيما لو أتيحت لهم الفرصة كما لا يخفون استعدادهم لقتال المقاومة .
– القسم الآخر والمتمثّل بجماعة سعد الحريري ووليد جنبلاط  يعادون  المقاومة وبيئتها لكنّهم غير مستعدين لقتالها إلا إذا تغيّرت الظروف الإقليمية والمحلّية لصالح الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وتعمل سفيرة الولايات المتحدة في لبنان على تحريض هؤلاء جميعاً ضد المقاومة .
بكل صلافة وعنجهية يجول المسؤولون الأمريكيون وسفراء الدول العربية المطبّعة مع الكيان الصهيوني على  القيادات الرسمية اللبنانية ويبلغونهم وبشكل صريح المطالب الأمريكية والتي هي المطالب الصهيونية، وتتصرّف السفيرة الأمريكية “دوروثي شيا” بكل وقاحة على أساس أنّها المفوّض السامي الآمرة الناهية والتي لا يجوز مخالفة أوامرها والمطالب هي:
-استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب وتشكيل حكومة جديدة موالية لواشنطن بالكامل، وعدم مشاركة حزب اللّه فيها ولو عبر أشخاص لا ينتمون إليه.
– محاصرة حزب الله وبيئته ومنع مشاركته أو أيٍّ من مناصريه في أي موقع من مواقع الدولة.
 على أن تعمل الحكومة الجديدة على:
-ترسيم الحدود البرّية والبحرية بما يتوافق مع مخطّطات الصهاينة.
– التخلّي عن البلوك النفطي رقم9 للكيان الصهيوني ، علماً أنّهم سعوا في السابق للإستيلاء على جزء منه خلال المفاوضات ورفَض لبنان .
– ممنوع الإنفتاح على الصين والعراق.
-ممنوع الحصول على أيّة مساعدات من إيران.
وتُرفِق السفيرة الأمريكية تلك المطالب بوضع عقوبات على المسؤولين اللبنانيين الذين قد يخالفون أوامرهم.
-المواجهة  مع المشروع الأمريكي الصهيوني قد تتدحرج إلى مواجهة عسكريّة لا بدّ منها
الغباء الأمريكي في عهد “دونالد ترامب ” لم يسبق له مثيل لدى أيّ من الرؤساء الأمريكيين السابقين سيّما في السياسة الخارجيّة ، هذا الغباء المترافق مع الإيحاء بأنّ الأمريكيين هم سادة العالم وأنّ  باقي الشعوب مهما كانت إمكانياتها يجب أن تكون في خدمتهم ، هؤلاء الذين يعترفون ويفتخرون  على لسان وزير خارجيتهم
” بومبيو” بأنّهم “لصوص وقطّاع طرق”، هم “نمرٌ من ورق”،هؤلاء نجحوا فقط في الإستيلاء على ثروات دول الخليج العربي فقط لأنّ الحمقى ممن يحكمون تلك المحميّات يعتقدون أنّ كلّ شيء  يُشترى بالمال على الرغم من احتقار الرئيس الأمريكي لهم وسُخرّيتهِ منهم علناً.
لكن الأمريكيين الذين  فشلوا:
– في صراعهم مع كوريا الشمالية التي تحدّتهم ولا زالت تفعل..
– في سعيهم لإسقاط  النظام الڤنزويلي الذي يحاصرونه منذ سنوات عديدة.
– في إسقاط أو إركاع  النظام الإيراني رغم حصارهم  المستمر له منذ 40سنة.
-في صراعهم الإقتصادي مع الصين.
– في حربهم المفتوحة مع حلفائهم ضد سوريا واليمن.
وبما أنّ حليف ترامب الصهيوني نتن ياهو يخشى من هزيمة صديقه في الإنتخابات الأمريكية  فأقنعه أن بإمكانهم تحقيق إنجاز في لبنان يؤدي إلى نجاحه في الإنتخابات القادمة  بينما هو  يعمل على استغلال الفترة المتبقيّة من عهد “ترامب” لتحقيق مكاسب للكيان الصهيوني قد لا يستطيع تحقيقها مستقبلاً إذا هُزِم .
 وأهم تلك المكاسب إنجاز صفقة القرن بالترافق مع محاصرة لبنان اقتصاديّاً  متوهِّماً أن المقاومة التي وضعت حدّا لغطرسته ستُجبَر  على التخلّي عن سلاحها أو عن البعض من مبادئها  ،متناسياً أنّ من انتصر في حروبه السياسيّة والعسكريّة والإقتصادية السابقة جميعها بإمكانه قلب الطاولة على رؤوس الجميع وسينتزع الإنتصار أيضاً في هذه الحرب وان عنجهية الامريكيين  والصهاينة وحلفاؤهم الأعراب ستُمرّغ في وحل الهزيمة التي قد تكون هذه المرّة أقسى بكثير من سابقاتها.

قد يعجبك ايضا