لماذا لا ترد سوريا على إعتداءات الطيران الصهيوني / نارام سرجون

نارام سرجون ( سورية ) – السبت 4/7/2020 م …




عندما يصعب تفسير الاشياء البسيطة فلأنها تكون بسيطة جدا والدخول في مبالغات الشروح والتفسير تجعلها غير مفهومة واحيانا توصل الى نتائج مغايرة .. فالدين مثلا هو طريقة تفكير بسيطة والكتب اللاهوتية والسماوية تحديدا ليست شيفرات كتبها الاله للتشويش على البشر .. لكن رجال الدين يقعرون المعاني ويحفرون السطور ويبقرون بطون الكلمات بحثا عن الكنوز المخبأة كما يزعمون رغم ان الايمان والعمل الصالح شأن بسيط وفطري أحيانا ولايحتاج مساجد فخمة وطقوس تطويب في الفاتيكان .. فلا المسيح كان بحث عن فاتيكان ولا النبي محمد كان مكترثا بالثريات والقباب ولم يطلب من ابن تيمية او غيره ان يترجم كلام الله وكأنه رسالة مشفرة لايفهمها الا ذوو اللحى .. ومايحدث لرسالة الله بسبب اجتهاد رجال اللاهوت هو انهم يعقدون سبيل الوصول الى الله كمن يحفرون انفاقا وممرات مظلمة للناس تحت الارض يقودونهم من خلالها على اضواء الفوانيس وهم قادرون على السير فوق الارض وتحت ضوء الشمس .. ورجال الدين لايقبلون الا أن يفتحوا بطون الكلام بحثا عن الخواتم الذهبية واللؤلؤ المخفي في الحكايات .. ومايفعلونه ليس الا قتلا لكلمات الله وتعذيبا لها لتقر وتعترف بما لم تكن تعنيه ..انه اعتراف تحت الاكراه والتعذيب .. ولذلك خرجت علينا المذاهب .. وشيوخ المذاهب .. وقتلنا بعضنا كبشر بين اتباع هذا واتباع ذاك ..

ولذلك فانني عند قراءتي في السياسة أتجنب ان أضع عمامة او لحية كما لو كنت العب دور الشيخ والمفسر .. وأحاول فهم الاشياء بأبسط الطرق .. فأبسط الطرق مثلا في فهم الربيع العربي كانت في النظر الى التحالف بين كل قوى الرجعية العربية والغرب واسرائيل لأدرك بعيدا عن اي مساعدة وطريقة ان مايحدث هو لعبة استخبارات كبرى وقع ضحيتها البسطاء والحالمون الرومانسيون بعالم فاضل ثوري ..

ولكن عندما أتوقف اما الضربات الاسرائيلية المتكررة فانني اجد انها كانت على الدوام تعبيرا عن حالة العداء بيننا وبين الاسرائيليين وهي دليل لايقبل الشك والتأويل في أننا الخطر الاول والوحيد الذي يقض مضجع اسرائيل .. لأن الاسرائيليين لايرسلون طائراتهم الى دبي والقاهرة وابو ظبي او الى الرياض لقصفها بل يرسلون طائرات مدنية تحمل سياحهم ورياضييهم ودبلوماسييهم .. الا دمشق تخصها طائرات ف 15 وف 16 وف 22 وف 35 وكل افّات اميريكا واسرائيل .. وغياب الغارات منذ حرب تشرين عام 73 الى قيام مايسمى الثورة السورية دليل لايقبل الشك ان اسرائيل تنفست بوجود الثورجيين .. وانها نسقت معهم وانها تغير من أجل ان يساعدوها وتساعدهم في تحالف واضح ..
اما سبب استمرار الطيران الاسرائيلي في الاغارة بعد انهيار منظومة مايسمى الثورة السورية وتآكلها فانه عائد الى سبب آخر يجعل فهمه عصيا علينا خاصة انه يأتي بعد استقرار الروس في الساحل السوري وبعد تسلم صواريخ اس 300 ..

المنطق السليم والبسيط يجب ان يوصلنا ودون تعذيب للكلمات ولبس الطرابيش والعمامات الى حقيقة هي ان هذه الضربات لاتؤثر في القرار السوري ولن تغير اتجاه سورية المعادي لوجود كيان غير شرعي على أرضها الطبيعية اسمه اسرائيل مكان فلسطين .. وهي لن تغير اتجاه المعركة النهائي في سورية نحو دحر المعارضة المسلحة .. ولن تغير سياسة سورية في دعم كل من يقاوم اسرائيل بشرف .. ولكن يبقى السؤال هو عن سبب اصرار اسرائيل على هذه الضربات التي لن يكون غرضها تأديب الايرانيين ولاابعادهم .. لأن الايرانيين لن يخرجوا بسبب غارات متقطعة والغارات حدثت كثيرا تحت هذه الذريعة ولم يتغير شيء فلماذا يظن الاسرائيليون ان الايرانيين وحزب الله يعدون الغارات وعندما تصل الى رقم معين سيحزمون امتعتهم ويغادرون .. رغم ان المنطق يقضي ان يحسب الاسرائيليون لتصرف آخر وهو عمل انتقامي ضدهم تقوم به ايران من سورية (مع سورية) او من جنوب لبنان ..

غالب الظن ان ذريعة الوجود الايراني غير كافية الا لاقناع سكان تل ابيب بذلك .. اما ان الاسرائيليين يقدمون على هذا الامر وهم يقتربون كثيرا من الاحتكاك مع روسيا فانه سؤال آخر لايمكن ان يجيب عنه اي تحليل يقول ان الروسي يعطي الاذن للاسرائيليين بفعل ذلك لأن الروسي اذا فعل ذلك فانه خسر طائرة ايل وقد يخسر غيرها مهما كانت الاتفاقيات .. وهو يهدد تحالفه مع السوريين والايرانيين الذين ان كانوا سيرون ان تحالف روسيا مع اسرائيل على حسابهم فسيغيرون من طبيعة التحالف مع روسيا ويقللون من الاعتماد عليها واشراكها في الحلول والمبادرات ويفكرون في بدائل اكثر جدوى وأقل خسارة .. والروس يدركون ان المنصة التي يقفون عليها في العالم هي ايران وسورية التي ترفع من منسوب فاعلية العامل الروسي في السياسة الدولية .. وخسارتها لايران وسورية سيعني خروجها من اهمية التأثير في الساحة الدولية .. اما ان عدم استعمال الصواريخ فانه مرهون بقرار من موسكو غير مقنع لانه ايضا يضع روسيا في خانة الحليف لاسرائيل .. لأن روسيا لم تعطنا الصواريخ الحديثة من اجل اسقاط قذائف جهنم وصواريخ جبهة النصرة .. بل من اجل هدف محدد وعدو معلوم هو سلاح الجو الاسرائيلي .. ولاشيء غيره .. وهذا ماتعلمه روسيا علم اليقين .. واذا منعنا من استخدامه ضد سلاح الجو الاسرائيلي فان من الاجدى ان يعاد الى مخازنه في روسيا .. لأنه لافرق بين وجوده مقيدا الى المخازن في سورية وبين وجوده في روسيا .. كما انه ليست لنا حاجة به لقتال اي دولة محيطة أخرى .. وطبعا لانحتاجه لاسقاط امارة الجولاني او اسقاط عمامته في ادلب .. ولا لاسقاط وليد بيك جنبلاط او طائرات سعدو الحريري .. ولذلك فلايمكن الركون الى تحليل ان الروس يمنعوننا من استخدام سلاح هم يعلمون اين سنوجهه ..

فلماذا يدس نتنياهو أنفه في سورية وهو يدرك انه قد يخسر انفه امام اي ردة فعل غير محسوبة؟ خاصة ان رأى بأم عينه ان اميريكا خسرت اهم تكنولوجيا طائرة عصية على الكشف على الرادار بقيمة ربع مليار دولار في مواجهة مع صواريخ ايرانية متطورة؟ ..
الغارات الاسرائيلية تغيرت طبيعتها ومهامها وطرق تنفيذها وغايتها .. وامام التطورات والتغيرات التحديثية التي شهدها الجيش السوري والاعترافات الخجولة للاسرائيليين ان الجيش السوري طرأ عليه تغير نوعي وتحديثي بسبب الحرب فان الغارات الاسرائيلية هي غارات استفزازية واستطلاعية الطبيعة وادراك اسرائيلي انها امام قدرات دفاعية سورية يجب ان يكشف النقاب عنها قبل ان يتأخر الوقت .. ولاشك ان التقارير التي بين ايدي الاسرائيليين والامريكيين تجعلهم يتخذون قرار ارسال الطعم بحيث انه يكون على حافة المدى المجدي للصواريخ القديمة اس 200 فيما يبقى في المدى المجدي لصواريخ اخرى اكثر قدرة .. وهي تحاول بشتى الوسائل استفزاز الدفاع الجوي السوري الذي يبدو انه دفاع جوي يقبع في الظلام الدامس للجواسيس وعملاء الموساد ولايعرف عنه الاسرائيلي منذ ان ادخله اليه الثورجيون في عمليات تدمير الرادارات والقواعد القديمة بين عامي 2011 و2013 .. والتي حلت محلها قواعد وانظمة اطلاق جديدة وحديثة ومعقدة ..

الدفاع الجوي السوري ربما يكون الآن هو اهم ماتمتلكه القوات السورية من قدرات تسليحية لأن اسرائيل فقدت كل اوراقها العسكرية بعد ان فقدت الميركافا والمعركة البرية منذ صعود نجم جندي حزب الله وجندي الاقتحام في سورية .. ولم يبق الا ان تتأكد اسرائيل ان آخر دروعها المتمثل في الطيران يجب اختبار امكانية تحييده في المعركة القادمة عبر هذه الطعوم .. وهذا الاختبار هو طلب اميريكي قبل كل شيء الذي يحيط بالقواعد الروسية والسورية من تركيا وقبرص والعراق والاردن والبحر المتوسط ويرصد كل الاشارات والشيفرات التي تحرك الصواريخ ..

لااظن ان اسرائيل تريد حربا لكنها تريد الاستعداد للحرب .. ولن يكون استعدادها متينا مالم تختبر ماذا طرأ على الدفاع الجوي السوري بعد عملية اعادة البناء .. واسرائيل عندما تريد الحرب لاتنقصها الذريعة بل تحارب من دون ذريعة .. لكنها تبحث عن كنز ضائع .. تطلبه من الدفاع الجوي السوري .. تريد صاروخا واحدا تقرأ في خطوطه ولهبه وضوئه كيف ستكون حدود المعركة القادمة ..

السؤال الذي يحتاج الى التنقيب فيه والى اليقين منه هو .. الى متى سيبقى الدفاع الجوي السوري ينتظر المعركة الاهم ويترك الأسماك الصغيرة المتفرقة؟؟ .. وهل يحتاج ارضاء السوريين ان نكسر انف نتنياهو اليوم أم ان نكسر له ظهره غدا ؟؟.. الجواب هناك حيث يوجد قادة محنكون ورجال هادئون صامتون يراقبون باعصاب باردة .. ويعلمون ماذا يفعلون .. ومتى يضغطون ازرار الاطلاق .. ومتى يكسرون انف نتنياهو .. ومتى سيحين موعد قصم ظهره الذي يتجول سائحا في بلاد العرب المحتلة ..

في امثالنا القديمة نقول .. لولا أمر ماجدع قصير انفه .. واليوم لايجدع نتنياهو أنفه لكنه يضع انفه امامنا لنجدعه .. ولكن هل انف نتنياهو أهم من ظهره؟؟ ومن الذي سيقصم ظهر الآخر .. نحن ام نتنياهو؟؟ الصبر ام التهور ..

قد يعجبك ايضا