النيوليبرالية من الافول إلى السقوط؟  / زياد حافظ

إذاعة النور | أمين عام المؤتمر العربي القومي د. زياد الحافظ




زياد حافظ* ( لبنان ) – الأحد 5/4/2020 م …

*كاتب اقتصادي سياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي

عرضنا في المقالات السابقة التناقضات في الفكر النيوليبرالي وفي تطبيقاته من قبل النخب المنتسبة له. نعتقد أنه من المفيد استذكار السمات الرئيسية والتناقضات التي نتجت في الفكر وعن الفكر لاستخلاص مدى إمكانية استمرار تلك المنظومة في إدارة شؤون الدول.

السمة الأولى هي التظاهر بالتمسّك بالحرّية المطلقة للفرد إذا كان ذلك ممكنا لأن ليس هناك من حرّية مطلقة.  لكن يزعم النيوليبراليون أن الحرّية تفجّر الطاقات وتدفع إلى التقدّم.  والحرّية تنجر إلى التعامل بين الأفراد في أسواق “حرّة” يتنافسون فيها.  غير أن هدف التنافس هو إلغاء المتنافسين ويخلص دائما إلى حالات احتكارية تخلق الندرة المصطنعة لتحقيق أرباح ربوية وريعية في آن واحد.  فهذا تناقض بين الفكر ونتيجة ممارسته.

السمة الثانية هي أن الفكر الليبرالي يدّعي أنه متلازم مع المشاركة أو الديمقراطية كما يزعم النيوليبراليون بينما في حقيقة الأمر هو على حذر كبير من المشاركة وبالتالي يميل إلى الحكم التسلّطي ويشبه فكر المحافظين الجدد.  وهنا يكمن تناقض كبير بين الادعاء في ضرورة تراجع دور الدولة في العجلة الاقتصادية والتعاطف مع الحكم التسلّطي الذي يكبح الميل للمساءلة والمحاسبة عند الناس.  فالدولة النيوليبرالية ليست دولة ديمقراطية كما يزعم مفكرّوها بل ربما أقرب للدولة الأمنية أو حتى الدكتاتورية.

السمة الثالثة هي أن الفكر النيوليبرالي لا يقرّ بوجود مجتمعات بل بأفراد فقط كما صرّحت مرغاريت تاتشر وبالتالي ما يُسمّى بالمسؤولية الاجتماعية يصبح نوعا من الهراء.  فالمسؤولية الاجتماعية التي تقع على صاحب المشروع هو فقط تأمين الربح للمساهمين كما قال أحد كبار المفكّرين النيوليبراليين ميلتون فريدمان.  فالإنسان في آخر المطاف ليس إلاّ مستهلكا في خدمة من يقدّم له السلع والخدمات بغية الإثراء عند أصحاب المشاريع.  وهذه النظرة تطلّب أن تتراجع الدولة في تدخلها في العجلة الاقتصادية وأن تحمي الملكية الخاصة قبل أي اعتبار آخر وإن كان على حساب “المجتمع”.  فالفكر النيوليبرالي لا يقر بوجود مجتمع ولا يريد الدولة ان تتدخل في الحياة الاقتصادية إلاّ لتطبيق القانون والقانون مهمته حماية الملكية الخاصة.  وهذه الاعتبارات تتخطّى حدود البلاد لتعمّ المعمورة.  وهنا تبرز السمة للفكر النيوليبرالي الذي يؤلّه السوق.  فسيادة السوق هي فوق سيادة الدولة والوطنية والقومية التي أصبحت مفاهيما أصابها التآكل في عالم معولم عبر التشابك والشبكات.

السمة الرابعة للفكر النيوليبرالي هي أعادة الاعتبار إلى طبقة مكوّنة في معظمها من رجال المال والأعمال ورجال الدولة والمفكّرين والجامعيين والاعلاميين الذين يتحرّكون في فلك الدولة.  والمفهوم الطبقي عند النخب النيوليبرالية لم يعد مرتبطا عضويا بملكية وسائل الإنتاج والعلاقات المجتمعية الناتجة عنها بل بمفهوم نخبوي يعتبر نفسه فوق الاعتبارات الأخرى.  المثل الواضح لذلك كان في تصريح المرشّحة هيلاري كلنتون التي وصفت أنصار منافسها دونالد ترامب ب “البائسين” ((deplorables وبالتالي لا يمكنهم أن يفهموا قضايا الدولة وإدارتها على حد زعمها ومن ينصرها. كما أن الاعلام الأميركي المملوك من قبل ست شركات فقط روّج لتلك الرؤية ما زال يعتبر المنتفضين على النخب من البائسين الذي لا “يفهمون” تعقيدات الحكم وإدارة الدولة.  فهذه النخب اعتبرت نفسها مقيّدة بقيود الدولة التي كانت تقوم بمهام تصحيح التشوّهات الناتجة عن إخفاقات السوق وذلك منذ حقبة الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي وبعد الحرب العالمية الثانية التي دمرّت أوروبا وأسقطت الامبراطوريات الأوروبية القديمة.  وتلك التشوّهات كانت مادة استغلال لتفشّي الفكر الاشتراكي والشيوعي.  فتدخّل الدولة في الحياة الاقتصادية أعاد بعض التوازن بين المكوّنات الاجتماعية التي تماسكت بسبب ذلك التوازن ما اعتبرته النخب المذكورة أعلاه انتقاصا من حقوقها ودورها في إدارة الأمور.  لكن بالمقابل، تحوّلت النخب النيوليبرالية إلى من يروّج تدخل الدولة في الحياة العامة عبر ما تعتبره إعادة هندسة اجتماعية لصالح الطبقة الحاكمة والأثرياء.

السمة الخامسة للفكر النيوليبرالي هو رضاه عن تفاقم الفجوات الاقتصادية بين مكوّنات المجتمعات.  والفكر النيوليبرالي لا يرى أي ضرر من أن فئة قليلة من المجتمع تملك معظم الثروات.  كما أن الكلام عن الحفاظ عن البيئة لا يجب أن يترجم بقرارات تحدّ من حرّية المؤسسات والشركات في استعمال الموارد الطبيعية كما تشاء وإن أدّت إلى تغييرات في المناخ، وتلوّث في الهواء والمياه.  الفكر النيوليبرالي هو تكريس للداروينية الاجتماعية حيث القوي فقط يستحق البقاء.  من هنا نفهم جهود النخب النيوليبرالية في سعيها إلى تفكيك دولة الرعاية من ضمان صحّي إلى صناديق البطالة.  فالأخيرة لم تعد مشكلة عندهم بل مطلوبة لأنها تدعم استمرار الأجور والرواتب المتدنية.  ولذلك شجّعت الهجرات الوافدة من الدول الجنوب للعمل في دول الشمال للقيام بالأعمال التي لم يعد يريد أن يقوم بها السكّان الأصليون في الزراعة وقطاع البناء وفي الأعمال المتدنّية الأجور والرواتب.  ففي أيام الرخاء الاقتصادي كانت تلك الهجرة مقبولة ولكن في أيام الضيق الاقتصادي فالاحتكاكات العنصرية ضد المهاجرين الوافدين تتزايد وتنمّي الحركات الشعبوية التي يمثلها ترامب.

السمة السادسة والأكثر خطورة هو استبدال النشاط المالي والنقدي بالنشاط الاقتصادي الفعلي.  السياسات المالية عند النيوليبراليين اعتمدت نهج التقشّف في الانفاق الحكومي مع ما يرافقه من تشوّهات في المجتمعات وتفاقم الفجوات الاجتماعية.  بالمقابل كان التركيز على السياسات النقدية.  والترجمة المباشرة لذلك التوجّه النيوليبرالي على الصعيد الاقتصادي تكمن في إعطاء القوّامة للسياسات النقدية وبطبيعة الحال للمؤسسات المالية.  فهي العمود الفقري للنظام النيوليبرالي بل للنظام الرأس المالي الذي انتقل من حلبة الإنتاج الفعلي للسلع والخدمات إلى إنتاج ثروة افتراضية مستندة إلى سياسات نقدية ميسّرة (أي بفوائد متدنّية) لتملّك أمكانيات مالية غير محدودة تساعدها في المضاربات واختلاق الثروات من لا شيء.  هنا كان الانفصام بين السوق المالي والاقتصاد الفعلي حيث تراجع الأخير في سلّم الأولويات عند النخب النيوليبرالية.  فتوطين القاعدة الإنتاجية الصناعية خارج البلد الأم وفي الدول الناشئة كان تطبيقا للمفهوم النيوليبرالي في السعي إلى الربح في بيئات غير مقيّدة بقيود ناظمة وتحرير المجهود لإنتاج ثروات مالية لا تستند إلى قاعدة اقتصادية تذكر. والنظام المصرفي هو نقطة الارتكاز في الفكر الاقتصادي النيوليبرالي وفي السياسات الناتجة عنه.  وذلك النظام المصرفي ألغى التنافس بين مكوّناته ليصبح محصورا في الولايات المتحدة بعدد قليل من المؤسسات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة (بنك او أميركا، ولز فارغو، سيتي غروب، بنك كورب، جي. بي. مورغان/شايز) بينما ملكية تلك المصارف لا يتجاوز أقلّ من ذلك (فانغرد غروب، ستيت ستريت كوربوريشن، بلاك روك، أف-ام-ار).  وإذا أضفنا إلى ذلك أن بنك الاحتياط الاتحادي الذي يقوم بمهام المصرف المركزي فهو مصرف تملكه مصارف خاصة بشكل غير مباشر كمجموعة روتشيلد (فرنسا وبريطانيا العظمى)، وبنك ميلون، عائلة روكفلر، عائلة واربورغ، غولدمان ساكس، عائلة لازار (باريس)، عائلة اسرائيل موسى سيف (روما)، نرى مدى التمركز في القطاع المصرفي الأميركي وامتداداته الأوروبية.

السؤال المطروح هو مدى إمكانية استمرار ذلك الفكر في التحكّم في إدارة الشأن العام في الدول الواقعة تحت السيطرة السياسية والاقتصادية لدول الغرب وخاصة الولايات المتحدة.  فأوروبا ما زالت تقاوم الهجوم على تفكيك دولة الرعاية بسبب قوّة النقابات العمّالية وثقافة اجتماعية مبنية على قاعدة التكافل أكثر تجذّرا من نظيرتها في الولايات المتحدة.  حققت النيوليبرالية نجاحات ملحوظة في تفكيك نفوذ النقابات كما حصل في المملكة المتحدة مع صعود المحافظة مرغاريت تاتشر إلى السلطة وتبنّي حزب العمّال مع طوني بلير معظم السياسات النيوليبرالية.  لكن سائر الدول الأوروبية ما زالت تقاوم وإن كانت بنسب متفاوتة رغم صعود نخب نيوليبرالية إلى السلطة كساركوزي وماكرون في فرنسا وانجيلا ميركل في المانيا.

استطاعت النخب النيوليبرالية في مواجهة أول امتحان جدّي لتلك المنظومة في مقاربة أزمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة وامتداداتها الدولية.  لكن بات واضحا أن تلك النخب لم تستوعب الدروس ولم تتعظ من المخاطر التي أصابت البنى الاقتصادية في بلادها حيث التركيز أصبح على الأسواق المالية وتكريس الانفصام بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي.  لم تتخذ النخب إجراءات تحدّ من الوقوع في مآزق مشابهة بل وصلت مرحلة الإنكار والوقاحة إلى مكافئة المسؤولين عن الأزمة عبر المساعدات المالية التي وفرّتها الحكومات!  والمخاطر التي تهدّد الأسواق المالية من انكشاف على خسائر تقدّر بأكثر من ألفي تريليون دولار قد تطيح بالهيكل المالي برمتّه وذلك نتيجة الاستمرار بنفس السياسات.

لكن إذا اجتازت النخب الحاكمة موقتا الأزمة المالية في سنة 2008 إلاّ أنها لم تعالج تداعيات تلك الأزمة.  فالانفصام بين الجمهور العام والنخب الحاكمة ازداد فكان صعود الموجات الشعبوية المندّدة بالسياسات النيوليبرالية التي تنادي بالتقشف بالنسبة لمعظم الشعوب ولكن مع امتيازات متزايدة للطبقات الثرية.  فانتخابات 2016 في الولايات المتحدة كانت انتخابات احتجاجية على النخب أدّت إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.  ومساهمة ترامب في سلوكه في البيت الأبيض كانت تعرية عيوب النظام النيوليبرالي الذي استفاد منه هو شخصيا وعائلته.  لكن الصراع الذي قام بين الكونغرس النيوليبرالي والاعلام الشركاتي من جهة واعلام المواقع الالكترونية الواسعة الانتشار والتي لا تسيطر عليها النخب إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي من جهة أخرى كشف مدى الفجوة بين النخب والقاعدة الشعبية.  فكان التعطيل في التشريعات وتفريغ مؤسسات الدولة من كوادرها وتفكيك المؤسسات الحكومية التي أنشئت لمواجهة الكوارث الطبيعية أو الإنسانية.  فكان المسرح متهيئا لمأساة تفشي وباء الكورونا وعدم الجهوزية لمواجهته.

لذلك ظهرت التناقضات والإخفاقات بشكل واضح مع تفشّي وباء فيروس الكورونا الذي أصاب العالم اجمع وبشكل خاص وأشد الدول التي تمارس النهج النيوليبرالي. فالوباء كشف عورات النظام النيوليبرالي وعقم فكره الذي جعل سيادة السوق فوق أي اعتبار وخاصة سلامة الانسان.  ونلاحظ أن الحكومات النيوليبرالية وقعت بين مطرقة الوباء وحصدها للأرواح وسندان الخسارات في الأسواق المالية.   ونميّز هنا بين الاقتصاد والأسواق المالية فهناك انفصام واضح بين الأسواق المالية والاقتصاد الفعلي.  فالأسواق تحوّلت بفعل المنظومة النيوليبرالية إلى مسرح إنتاج الثروة الافتراضية ومعيار النجاح بينما الاقتصاد الفعلي، أي القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية وحتى الإعمار والبنى التحتية، أصبح نوعا من العبء الذي يجب تحمّله في سبيل استمرار سيادة الأسواق المالية.  فالمعونات المالية التي تقرّها الحكومات والبرلمانات الغربية هي لمساعدة المؤسسات المالية وليس كما تزعم لتحفيز الاقتصاد.  صحيح أن بعض هذه المساعدات قد تذهب إلى بعض القطاعات الإنتاجية ولكن حصّة الأسد ستكون للمؤسسات المالية كما حصل في أعقاب الأزمة المالية سنة 2008.

مثال واحد قد يكون كافيا حول إعطاء الأولوية لمصالح الشركات في الحكومات النيوليبرالية.  ونشير هنا إلى الفضيحة الكبرى التي تعصف بفرنسا في تعاطيها مع أحد أبرز أطبائها الذي اقترح دواء الكلوروكين مع مضاد حيوي لا يكلف أكثر من 20 يورو لمدة العلاج.  فالحكومة الفرنسية عبر وزيرة الصحة المتزوّجة من أحد كبار المستثمرين في شركات تصنيع الأدوية يفون ليفي (بالمناسبة هو من افتتح المختبر الفرنسي الصيني في مدينة وهان في أيلول 2019 والذي تسرّب منه داء الكورونا) قامت بعرقلة وطمس ذلك الاقتراح ثم بشيطنة الطبيب ديديي راولت صاحب الاقتراح.  الشركات الفرنسية المنتجة لعقاقير يمكن استعمالها في مواجهة الوباء قد يصل سعر بعضها إلى أكثر من 8 الاف يورو بينما اقتراح الكلوروكين المذكور لا يتجاوز 20 يورو للعلاج الكامل.  أما الولايات المتحدة فبعد فترة من التشكيك في ذلك العلاج بدأت استيراد الكلوروكين من فرنسا ومن أماكن أخرى.  المهم هنا أن شركات الأدوية الكبيرة حاولت منع الحلول غير المكلفة لأنها وجدت في الوباء فرصة لجني أرباح غير طبيعية.  وفي وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات عديدة تفضح العلاقة بين شركات الأدوية وبعض المتموّلين الذين يستثمرون في تلك الشركات كبيل غيتس.  فقد تكون الأوبئة مصطنعة لتحقيق الأرباح لتلك الشركات بالتواطؤ مع الحكومات النيوليبرالية والمستثمرين الكبار الذين يدعون العمل الخيري.

النخب الحاكمة في الأنظمة النيوليبرالية لم تتعلّم من التجارب السابقة بل استمرّت في نفس السياسات العبثية التي أصبحت تهدّد بشكل مباشر تماسك المجتمعات القائمة في تلك الأنظمة.  وبالتالي لا يجب أن نستغرب أن وباء الكورونا سيفرض مراجعة جذرية في الدول المصابة بالوباء.  فالعديد من المفاهيم أصبحت قيد البحث كسيادة السوق على سيادة الدولة، أو النظرة للإنسان كشيء ليس أكثر من مستهلك، أو إلى ضرورة تفكيك المنظومات الاحتكارية التي نشأت بسبب تلك السياسات، أو إلى إعادة الاعتبار للأولويات الوطنية بما فيها الهوية والثقافة، أي إلى كبح موجة العولمة التي كادت تقضي على هوية الناس وتحوليهم إلى مستهلكين فقط.

النظام النيوليبرالي بقيادة الولايات المتحدة أصبح على المحك.  فإهمال البنى التحتية لتلك الدول وخاصة البنى التحتية العائدة للقطاع الصحّي كان السبب المباشر لتفشّي الوباء والعجز في مواجهته ومعالجة المصابين.  فالقطاع الصحي الذي تم ترويج خصخصته لم يكن في يوم من الأيام مؤهلا ومستعدّا لمواجهة أوباء بالشكل الذي حصل حتى بعد ظهور أوباء مماثلة منذ بداية الألفية.  فكلفة التحضير لتلك المواجهات أكبر من قدرات القطاع الخاص الذي همّه الأوّل والأخير الربح وإن كان على حساب الصحّة العامة.

فهل تستطيع النخب النيوليبرالية تخطّي ذلك الامتحان الكبير؟ الفكر النيوليبرالي والنظام الناتج عنه سقط على الأقل على الصعيد الفكري وحتى على الصعيد العملي.  لكن الإقرار بذلك لم يحصل عند النخب النيوليبرالية.  فالظروف الموضوعية التي ساهمت في نمو وانتشار الفكر والمنظومة النيوليبرالية خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانحسار المعسكر الاشتراكي لم تعد قائمة.  ففي ظل انفراد الولايات المتحدة في التحكّم بالقرارات الدولية استطاعت المنظومة النيوليبرالية الانتشار في عالم معولم.  لكن مع صعود الكتلة الاوراسية بقيادة روسيا والصين تغيّرت موازين القوّة التي ستنعكس على مستقبل النيوليبرالية وإن كانت تلك الدولتين تمارسان نمطا من النيوليبرالية ولكن مع ضوابط لها.  فبوجود دولة قوية تخطّط وترسم المسار وليس عبر قوانين السوق تستطيع تلك الكتلة الصاعدة إبراز نموذجا مختلفا عن النموذج النيوليبرالي الغربي.

لكن في الغرب في غياب مشروع آخر وغياب قيادات ذي مصداقية وفعّالية من الصعب أن تغيّر النخب الحاكمة سلوكها إلاّ تحت الإكراه.  حتى الساعة ليس في الأفق ما يبشّر بذلك وإن كان العالم بعد كورونا غير ما قبله.  فنموذج الصين وكوبا وكوريا الجنوبية ما زال تحت نار التشكيك والشيطنة في الاعلام المهيمن في الغرب وبالتالي من المبكر توقّع أي تغيير وإن كنّا واثقين أن التغيير آت رغم كل شيء ولكن ربما ليس بالسرعة التي نتمنىّ.

 

قد يعجبك ايضا