قراءة في رواية ” المنسي ..التاريخ كما يجب أن يكون” للكاتب الساخر وائل مكاحلة / اسعد العزوني

الأردن العربي – الثلاثاء 31/3/2020 م …




كتب :أسعد العزوني

*الكاتب يسبر أغوار الزمن  محملا بهموم الحاضر ويمتلك رؤية شفافة للأمور

الرواية علاج ناجع لمشاكلنا المستعصية وهي تشخيص حي لما نعاني منه

من حسنات الإقامة الجبرية في بيوتنا التي فرضت من قبل الجنرال الغامض “كورونا”،أنك تتعرف على مكتبتك  من جديد ،لتعرف الكتب التي لم تقرأها لسبب أو لآخر،وقد عثرت في مكتبتي المتواضعة  على رواية لم أقرأها بعنوان”المنسي..التاريخ كما يجب أن يكون”للكاتب الساخر وائل مكاحلة ،الذي لا أعرفه ولم أسمع به من قبل ولم نلتق،بمعنى انه مجهول بالنسبة إلي،والقراءة للمجهول مغامرة،ومع ذلك “كلبشني”هذا الكاتب الذي لا أعرفه يوما كاملا وأجبرني على التطواف معه في ثنايا التاريخ والمنعطفات التاريخية الهامة،ولا أنكر انني إستمتعت معه كثيرا وإستفدت أكثر،وبذلك كانت صحبته مقدرة.

منذ أن ولغت في قراءة مقدمة الكاتب المكاحلة ومقدمة الساخر المعروف أحمد شريف الزعبي أدركت انني هو وأنه أنا !!!كيف؟سؤال منطقي ومشروع ،مع انني قلت أنني لا أعرفه ،جوابي بسيط وهو اننا في قراءتنا للأحداث صورة طبق الأصل عن بعضنا رغم انه كاتب ساخر وأنا كاتب جارح،فنحن متفقان على تشخيص الداء العربي وعلى الدواء أيضا،وهنا فإنني أنفي عن صاحبنا صفة الكاتب الساخر في هذا النص على الأقل ،لأنه غاص  في العمق وشخص الحالة كنطاسي بارع ووضع الوصفة الصحيحة ،ومن يفعل ذلك يكون جادا وليس ساخرا!!!

إستهل مكاحلة روايته بالحديث عن حرب البسوس ،وغاص في ماضينا  إبان الجاهلية ما قبل الإسلام ،وأبدع في وصف الحالة، بعناوين والغة في الشفافية  والمباشرة وهي  الفخر الأحمق والكبرياء الزائفة والثأر الذي لا يتوقف إلا بفناء القوم أجمعين ،وحقيقة الأمر  أن وصفنا بالجاهلية لا يختلف كثيرا عن وصفنا هذه الأيام ،وأستميح الكاتب عذرا  وأقول أننا نعيش إنفصاما كبيرا وواضحا منذ الجاهلية حتى يومنا هذا ،بإستثناء العهد الإسلامي في فترته الذهبية .

كان البعض  في العهد الجاهلي منساقين وراء خبث أصحاب التوراة المزيفة الذين شقوا الصف العربي وأشعلوا حرب الأوس والخزرج  في المدينة ،كما كان البعض في مكة يستمع إليهم وينفذ أجندتهم بعدم الإستماع لنبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم،وكان   العرب أصلا ينقسمون إلى قسمين :المناذرة يتبعون الفرس والغساسنة يتبعون الرومان ،وفي العصر الحديث كان هناك عرب موسكو وعرب واشنطن كما كان عرب لندن وعرب باريس وهكذا دواليك،وقد غلبت علينا حالة ملوك الطوائف التي تعرض لها كاتبنا .

وأسمح لنفسي أيضا وبعيدا عن النص الروائي  أن الفخر العربي  كان وما يزال كاذبا وليس موجودا أصلا،فبم نفخر ونحن لا وزن نوعيا لنا ولا مكانة لنا بين الأمم ،ونحن مركوبون رغم كثرتنا وثرواتنا التي ليست لنا  من قبل أصحاب التوراة المزيفة ،الذين جاؤونا أساسا من مملكة الخزر  في بحر قزوين وكانوا أتباعا للملك الخاقان الذي إتبع اليهودية بعد  أن هزمه المسلمون إبان عهد هارون الرشيد شر هزيمة.

هناك من العربان  من باعوا دينهم الذي تظاهروا فيه وتستروا به طيلة السنوات السابقة وتصهينوا وأخذوا يروجون لأحقية اليهود في فلسطين التي تنازلوا عنها للصهاينة ،ويتسابقون للتطبيع مع مستدمرة إسرائيل الخزيرة الإرهابية التلمودية الصهيونية،وهناك من يكرس التنسيق الأمني معها ،وآخر دعواهم  تمويل صفقة كبيرة من أجهزة التنفس لمواجهة كورونا إشتراها الموساد قبل أيام ولم يخجل من التنويه عن مصدر التمويل،أما موضوع الثأر فهو كذبة كبرى لأن الصهاينة لم يتركوا دولة عربية إلا وتركوا بصمتهم الإرهابية فيها وقتلوا منها ودمروا ومع ذلك نرى العربان يجنحون ليس للسلم فقط ،بل ينسحقون حد الإستسلام ،ومع ذلك لا أحد يثور.

يستهل الكاتب روايته بالحديث عن الصحراء ولا اتفق معه في توصيفها ،لأنني وبعد أن تعرفت على قيصر الصحراء العلّامة البروفيسور أحمد ملاعبة الذي لقبه اللمان بقيصر الصحراء،وكثرة حديثه عنها وعن مزاياها  ،كونه سبر أغوارها بحكم إختصاصة أصبحت عاشقا لها ،وهي جنة ،لكنني اتفق مع الكاتب في موضوع قطاع الطرق ،مع ان هذا الموضوع ليس حديثا ،بل هو قديم قدم الإمبراطوريات التي مرت على هذه الأرض وسادت عليها ثم بادت،وقد أقيمت القلاح والحصون لحراسة قوافل التجارة وحماية الحجيج من قطاع الطرق النهابين السراق.

واعترف هنا ان ذكاء الكاتب الوقاد قاده إلى توظيف ظاهرة قطاع الطرق  للولوج إلى مبدأ وهو ان على الإنسان ان يواجه مصيره بشجاعة في حال لم يكن من الموت بد لأنه من العار ان يموت جبانا،كما يفعل الأعرابي الذي تتعرض قافلته التي يحرسها لغارة قطاع الطرق،وقد وظف الكاتب الحوار بطريقة مدروسة للكشف عن الهوية،ومن الواضح ان الكاتب قد غاص في التاريخ وحدد مفاصله قبل الشروع في كتابة روايته.

إمتاز الكاتب بذكاء عجيب وهو يخلط الماضي بالحاضر ويتحدث مع المهلهل عن “السبايكي”وهي قصة الشعر الشبابية المعروفة،كما انه إنحاز علانية لآل مرّة ضد كليب ،وهو يتحدث عن حرب البسوس،وأجاد أسلوب السهل الممتنع ،وإستل قارئه الجاد من على أريكته ليشاركه جولاته وحواراته وهذا هو الحكم على جودة الرواية ،فالكاتب الذي لا يأخذني للتحليق معه في فضاءاته لا أقرأ له.

هناك زاوية أخرىيجب تسليط الضوء عليها وهي ان الكاتب أردني له علاقة بالصحراء ،لكنه تقمص دور إبن إفريقيا وإختار تونس الخضراء، وأسهب في الترويج لإفريقيا وصناعاتها أمام كليب وصحبه وأقنعهم بالتجارة معها لحاجة في نفس يعقوب،وكان الكاتب موفقا في الجزء الأول من روايته بعنوان “حرب البسوس”،حيث أسقط ما فيها وبكى على واقعنا المهزوم.

فتح بغداد

في الجزء الثاني من روايته بعنوان “فتح بغداد”،ربط الكاتب مدينة بغداد العراقية بمدينة ستالينغراد الروسية،ليحكي لنا تاريخ هاتين المدينتين العريقتين اللتين تعرضتا لحروب وحصارات جامدة ،وكان غواصا ماهرا في التاريغ ويسير على هدي بوصلة لا تخطيء،وكان يغرق بالتفاصيل دليل إلمامه العميق بالأحداث كما انه يجير الوقف لصالحه لتطهيره من الدرن،ويجيد سبرغور الشخصيات التي يتحدث عنها فيعطيها حقها في الوصف ومساحتها في التعبير،وبسبب حرفيته الماهرة والدقيقة فإنك تشعر أنك معه في كل حطوة يخطوها ،وما يثير الإعجاب اكثر فيه قدرته على التوظيف ومقارنة الماضي بالحاضر ،فهو يمتلك ذاكرة قوية وقدرة فائقة على التوظيف.

ففي خضم الحديث عن أجواء غزو  تيمور لمك لبغداد يذكرنا بالحرب العراقية-الإيرانية وإحتلال العراق وسقوط بغداد ،كما انه يمتلك حسا قوميا –وطنيا عالي الهمة ،يتمثل في عدم خيانته لبغداد وإقدامه على قتل مرافقية إلى بغداد بالسم الذي أعطي لهم لقتل حاكمها وحاشيته ،وقد سجل نقطة إضافية حين نسب جمال الجارية ناردين إلى حلب التي تشتهر بالجمال فعلا.

تشبه كتابة المكاحلة نهرا شيد بدقة متناهية حتى لا تتسرب المياه من شقوقه الجانبية أو من القاع ،وهذا ما يشجع القاريئ على مواصلة الإلتصاق بالكاتب حيث يذهب وفي كافة محطاته الغنية بالأحداث،وشدني كثيرا وهو يتحدث عن الخيانة كسبب رئيسي لسقوط المدن والأمكنة وهو يرمي إلى ما جرى بغداد مؤخرا حيث الخيانة الداخلية التي ساعدت الغزاة على إختراق أسوار بغداد.

لا يمتلك كاتبنا مهارة الكتابة فقط ،بل لديه مهارة الحرب وفنونها عندما إقترح على حاكم بغداد أحمد خان “ضرب الظالمين بالظالمين”،وهنا يتضح لنا اننا ليس أمام كاتب ساخر يعبث بكلامهأ بل بين يدي فيلسوف يمتلك من التجارب الكثير ،فقد أدخل سقوط بغداد الأخير مرة أخرى في مشهد الحديث عن غزو تيمور لنك لبغداد.

سقوط غرناطة

يبدأ الكاتب هذا الجزء من روايته بصدمة كبيرة لنا جميعا ويسقط ما في نفسه على الواقع،عندما يقول أن الصين فهمت المعادلة بأسرع منا نحن أنفسنا وبدأت وهي الدولة الوثنية بتصنيع الجلاليب والسبح وسجاد الصلاة لنا،وقد أتقن صاحبنا فن السفر عبر الزمن وهو بكافل قيافته الإبداعية وذاكرته القوية القادرة على تخزين المحطات وربطها مع بعضها البعض حسب مقتضيات الحاجة  ،وكان في كل سفراته يحمل معه هموم الحاضر ،وهوم بذلك يهدف إلى إيصال الرسائل لنا جميعا حول واقعنا وأسباب وصولنا إلى ما نحن في هوعليه،كما انه يمتلك مخزونا لغويا يؤهله لتكييف الفكرة وتطويعها لمراده،فها هو يحدثنا عن سر العقال الأسود فوق الغترة العربية بعد سقوط غرناطة بيد القشتاليين ،كما انه أبدى مهارة فائقة في الحديث عن تحول الشباب المسلم في الأندلس من حفظ القرآن الكريم وحب الخيل والفروسية إلى الحزن على هجران المحبوبة ،الأمر الذي سهل سقوط الأندلس.

أتقن الكاتب توصيف أوضاع ملوك الأندلس وآخرهم أبو عبد الله الصغير الذي ضيع البلاد والعباد بسبب لهوه مع النساء وإنشغاله بالخلافات الداخلية،ولا ينشغل الكاتب بإيصال رسائله إلينا مباشرة عن طريق التلقين بل يعمد إلى الحوارات والإسقاطات وإنتقاء شخصياته الواقعية المؤثرة في المشهد،كما انه يتقن فن إقتران الأشياء بعضها ببعض ،فها هو يقرن سقوط الندلس بسقوط بغداد عام 2003 من خلال وصف دقيق للحالتين- الحالة الواحدة ،وينهيه بالحديث عن الهزائم التي إتصفنا بها .

الحملة الفرنسية

يبدأ الكاتب هذه الجزء من الرواية بسؤال يشج الرؤوس الفولاذية عندما يقول من انت حتى تكتب مذكراتك ؟أنتلم تصل القمر ولم تساهم في شطر الذرة ولا في صناعة قلم رصاص بقرشين!!!وقد غاص في العمق وهو يستعرض الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابورت،ويقول ان كتاب نابليون لم يكونوا موثقين ،بل كانوا علماء في كل المجالات وهذه رسالة ليست مشفرة تتعلق بالبطانة،وكان تعرضه للأحداث رالتاريخية  ليس إستعراضيا ،بل تفكيكا وإرسال رسائل،وكما هي رغبته وواقعنا انهى هذا الجزء بهزيمة.

سراييفو

تماما كما هي عادته فقد إستهل هذا الجزء بنكء الجراج وتفجير الدمامل عند الحديث عن سقوط بغداد وإجهاض الإنتفاضة الفلسطينية على أيدي الأوسلويين ،وكذلك العشرية السوداء في الجزائر وصراع الحجاب في جامعات إستابول في تركيا،وبعد ذلك غاص في مدينة سراييفو التي إنطلقت منها شرارة الحرب العالمية الأولى ،وفاض في الحديث عنها وعن مآسيها ليختم صورته بالحديث عن  إدعاء اناس بأنهم صنعوا نصرا أكبر من هدف في مرمى او ميدالية بهت لونها.

نكبة 48

بدأ الكاتب هذا الفصل من روايته بزواجه  ،وهذا حدث سعيد في حياته لم نتعود عليه في بقية أجزاء الرواية،وسفره إلى فلسطين عبر القدس ،ليحدثنا عن أجواء قراها ويغوص عبر هذه الحيلة في خضم الموضوع ويحدثنا عن  اهمية الأرض التي يمتلكها وكيف خطط مع خطيبته للمستقبل وحسب لكل شيء حسابا،وبعد ذلك يدخلنا في لب الموضوع وهو فلسطين وما تمثله وكذلك القدس،مصيرا إلى الإغتصاب الذي تتعرض له الأماكن ،ويتطرق لمذبحة دير ياسين وما سمي زورا جيش الإنقاذ الذين دخلوا إلى فلسطين حفاة عراة ،وينتقل لحرب 48 ،ليخوض في موضوع ساخر وهو جيش الإنقاذ وجامعة الدول  العربية  ،وضياع جيش الإنقاذ امام العصابات الصهيونية الحقيرة ،ويختم روايته ب.. والله سنعود والله سنعود.

كلام الصورة

 

 

غلامف رواية المنسي.jpg

قد يعجبك ايضا