حوارات قناة نور الشام السورية (الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي والعلمانية) / د. عدنان عويّد

نتيجة بحث الصور عن البوطي على نور الشام

د. عدنان عويّد* ( سورية ) – الخميس 19/3/2020 م …




  • باحث ومفكر وكاتب وأكاديمي سوري

      الأربعاء, في الثامن عشر من آذار/ 2020/, من الساعة الواحدة إلى الثانية ظهراً, كان هناك حوار على فضائية (نور الشام) السورية, مع الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي, وهو أحد أعمدة المؤسسة الدينية الرسمية قبل وفاته وما بعدها. أعد اللقاء وأجرى الحوار معه الإعلامي الأديب والشاعر المتميز(جمال الجيش). حيث طُرحت في هذا الحوار قضايا على درجة عالية من الأهمية والخطورة معاً في دولة تدعي حكومتها وحزبها الحاكم العلمانية منهجاً في سياسة الدولة والمجتمع. وهي الدولة المتعددة الطوائف والمذاهب والديانات, التي تقاوم منذ تسع سنوات أشرس قوى الارهاب في العالم ممثلة بالأصولية الإسلامية الداعية إلى تطبيق (الحاكمية) باسم الفرقة الناجية, حيث كلفت هذه الحرب المجنونة قتل مئات الألاف من أبناء الشعب السوري, ودُمر فيها الأخضر واليابس, وفي مقدمة من دمر الإنسان ذاته. علماً أن هذا الحوار أعيد بثه على هذه القناة مرات عدة و بفترات متقطعة خلال السنين الماضية.

     سأقف هنا في الحقيقة عند مسألتين أساسيتين طرحتا في هذا الحوار, تتعلق المسألة الاولى بالعلمانية وموقفها من الدين بشكل عام. والمسألة الثانية وهي, إقرار الشيخ البوطي بحاكمية الدين على الدولة والمجتمع, ورفضه توظيف الدين خدمة لمصالح ومشاريع سياسية واجتماعية وضعية عند قوى حاكمة تدعي العلمانية.

     وقبل نقدنا لرؤية الدكتور البوطي أو موقفه من هاتين المسألتين, لفت انتباهي أن دور الأستاذ جمال في هذا اللقاء لم يكن أكثر من طارح لأسئلة, حيث غابت رؤاه العقلانية التنويرية التي نشهد له بها في حوارات كثيرة, قد أجراها على هذه الفضائية ذاتها  حول قضايا مصيرية تهم حياة قطرنا الصامد في وجه المؤامرة التي حيكت ضده, ولم نزل كلنا ندفع ضريبة الدم بسببها.

رؤية البوطي في رده عن معنى العلمانية:

     لقد رد الشيخ البوطي وبكل ثقة, بأن العلمانية ضد الدين لآنها تعمل على إبعاد الدين عن السياسة, وهي فكر غربي لا يصلح لواقعنا الذي نعيشه. ورأيه هذا جاء بعد مقارنته القائمة على رؤى ذاتية تفتقد الحجة والمنطق, بين الديانة المسيحية في أوربا وعلاقتها بالسلطة والمجتمع, حيث تبين له أن المسيحة لم تستطع أن توافق بين العقيدة وإدارة شؤون الدولة والمجتمع, فجاءت العلمانية لتفصل الدين عن الدولة. وبين الدين الإسلامي القادر في عقيدته وتشريعه على هذه الإدارة, كونه يمثل عقيدة جعلها الله عز وجل صالحة لكل زمان ومكان من جهة, وهي جاءت للناس كافة من جهة ثانية.

     بناءً على هذا الموقف المقارن بين المسيحية في الغرب والإسلام عندنا, يقر الشيخ البوطي بضرورة اعتماد الدين الإسلامي دين دولة, كونه يحمل تشريعاً إلهيا لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثله, وهو تشريع قادر على حل مشاكل الناس كافة لأن واضعه أدرى بشؤون عباده وهو خالقها. والبوطي في طرحه هذا يطالب ضمنا بتطبيق (حاكمية الله) التي يطالب بها الإخوان المسلمون, والفصائل الجهادية التي تقاتل في سورية مثل داعش والنصرة وغيرهما, بالرغم من تأكيده بأنه ضد الإرهاب, والإسلام عنده دين الرحمة والمحبة.

     وعلى هذا الأساس تأتي المسألة الثانية التي طرحها في هذا الحوار, عندما قارن أيضاً بين من يؤمن بهذه الحاكمية من الحكام المسلمين المؤمنين بضرورة تطبيق الحاكمية, وبين الحكام الذين يدّعون أنهم مسلمون أمام الناس, في الوقت الذي يستغلون فيه الدين فقط لتمرير مشاريع وتبرير سياسات وضعية في الدولة والمجتمع لا يقرها الدين وفق (حاكميته) التي حددتها شرائعه. وعلى هذا المعطى, يعتبر هؤلاء الحكام عنده انتهازيين أو براغماتيين لا يمثلون الدين الإسلامي ويستغلونه لمصالحهم.  علماً أن هذا الرأي كان قد أكد عليه أيضاً في مكان آخر بعيدا عن هذه اللقاء, في كتابه (العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر), وهو كتاب مقرر لطلاب الشريعة في جامعة دمشق, حيث كان فيه أكثر وضوحاً بإدانته لهؤلاء الحكام, الذين يدعون أنهم يؤمنون بالإسلام ولا يطبقون حاكميته أو شريعته, وقد جاء فيه:

     ( أما الدين الإسلامي فيحوي في أصله إلى جانب مبادئ الاعتقاد, الأحكام التي تضبط شؤون الدولة وتتكفل بإقامة أنظمتها وقوانينها. فحجزه عن ممارسة صلاحياته ومسؤولياته, ففي ذلك, تغيير لجوهره وإبطال لكثير من مضمونه… ). (1). ثم يتابع ناعتاً من يؤمنون بالعلمانية ضمناً, ويتقربون إلى الإسلام قولاً, قائلاً: (إن التظاهر بالخضوع له – أي الدين –  بعد ذلك كذب عليه ومخادعة له ولمشرعه.) (2).

     إن  مسألة فهم البوطي للعلمانية وغيره الكثير ممن يؤمنون بالحاكمية الرشيدة على حد قوله, ظل فهماُ قاصراً ومبتسراً في الحقيقة, كونه يقف عن مسألة جزئية من العلمانية وهي (فصل الدين عن السياسة). بينما العلمانية في جوهرها, هي ليست ضد الحرية الدينية, وإنما العمل على مركزتها في الفرد من منطلق الحرية الفكرية والفردية, فـ (الدين لله والوطن لجميع مكونته). إن العلمانية في سياقها العام, دعوة عقلانية لاقامة  مشروع الدولة المدنية, التي تعني: إقامة المواطنة, ودولة القانون, والمؤسسات, والتعددية, والتشاركية, واحترام المرأة, والرأي الاخر, وحرية الإعلام.. وغير ذلك من قضايا تهم القيم الإنسانية النبيلة وتعترف بأن الإنسان سيد نفسه.

     إذن لقد تكثفت العلمانية عنده وعند الكثير ممن يجهلون جوهرها ودلالاتها على أنها فصل الدين عن الدولة فقط, وهذا  يعني غياب القدرة على فهم طبيعة العلاقة بين السياسية والعلمانية والدين, وخاصة عدم إدراكه أن دولة كسورية متعددة الديانات والطوائف والمذاهب, لا يمكنها ان تحكم بالدين وإحدى فرقه الناجية.

     أما موقفه من اللادينية من خلال رده على سؤال ملتبس طُرح عليه ولم يُحدد دلالات هذه اللادينية هل تعني اللادينية عدم الايمان بالله؟, أم عدم الايمان بحاكمية النص الديني, والايمان بنظريات وضعية توافق قضايا العصر ومشاكله؟.

     على العموم لقد حدد إجابته بقوله : هو مع اللادينية إذا ظلت محصورة في عقل صاحبها, إما إذا أخرجها على الناس وقال بها, فهذا ممنوع ولا يلتقي مع أصول الحكم الديني.

     إن البوطي هنا أصدر حكمه في هذه المسألة كممثل وحامي للدين, على اعتبار الدين هو فقط من يجب أن يسود فكراً وممارسة, وكل من يطرح فكراً لا دينياً أي وضعيا, فهو خارج عن الدين يحب أن يقصى, ويمنع من التعبير عن فكره وقناعاته.

يظل السؤال المشروع الذي يطرح نفسه علينا اليوم أمام هذه المقابلة ومضمونها وهي تبث في وقت تحتفل فيه قوى الحاكمية بعيد ثورتها التاسعة: لماذا هناك في سورية من يحارب العلمانية, علماً أن الدولة ممثلة برئيسها تقول بالعلمانية وتطالب بضرورتها في سورية؟.. ثم من هو المستفيد من محاربتها والدعوة إلى تطبيق الحاكمية بديلاً عنها, وكلنا يعرف ماذا عمل اصحاب هذه الحاكمية في سورية وشعبها خلال التسع سنوات الماضية؟.  

كاتب وباحث من سورية

[email protected]

  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1- د. محمد سعيد رمضان البوطي.(العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر) . وهو كتاب مقرر لطلاب الشريعة في جامعة دمشق. ص 248  

2 – المرجع نفسه ص248 

قد يعجبك ايضا