الاردن: صفقة القرن .. وماذا بعد؟ / أحمد عبد الباسط الرجوب

أحمد عبد الباسط الرجوب ( الأردن ) – الخميس 6/2/2020 م …



هدأت نسبيا زوبعة صفقة خراب القرن المشؤومة والتي تبنت تصورات الارهابي نتنياهو وفي فصل جديد يعبر عن عدم الشعور بالمسؤولية الدبلوماسية فقد اعلنها تفاخرا امام ناخبيه الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاسبوع الماضي (181 صفحة) بإشراف جاريد كوشنر صهر الرئيس الامركي وكبير مستشاريه…، وهي ليست سوى مبادرة تتعلق بأزمة الشرق الأوسط والتي لا يمكن اعتبارها سوى بالخطة الاستفزازية.

وهي ليست المرة الأولى التي يخرق فيها الرئيس الأمريكي التوافق الدولي الهش في هذه القضية. لقد فعل ذلك ايضا في نهاية 2017 عندما اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارة بلاده إليها. كذلك عندما اكد السيادة الصهيونية على الجولان السورية. والآن خطى الرئيس الأمريكي خطوة أبعد من كل ذلك. ولكن بهذه الخطوة نجح ترامب فقط في توحيد موقف المنظمتين الفلسطينيتين فتح وحماس ـ ونجح ايضا في إثارة توتر غير ضروري في عموم المنطقة..

جاءت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسمومة، من رجل غارق في جهله فقد أطلق على المسجد الأقصى مسجد “الأكوى” والإعلان في واشنطن لم يكن سوى استعراض بالنسبة لرئيس وزراء الكيان، وبالنسبة للرئيس الأمريكي أيضا الهدف منه حشد وتحفيز القاعدة الشعبية للانتخابات المقبلة والتي تقع ضمن منطق فرض الحقائق على الأرض من طرفٍ واحد، لتجعل الصراع معها، بل وتجعل صراع الفلسطينيين اليومي مع الاحتلال أكثر صعوبة ومرارة، وبرغم اجحاف الصفقة المعلن بحق الفلسطينيين صاحب الوطن والأرض لفلسطين التاريخ، الا اننا نري انها ليست الصفقة الكاملة التي سيتم التفاوض حولها..

مشروع صهر ترامب جارد كوشنير لم يُصمم لصنع السلام في المنطقة، ولو أنه غير ذلك لكان من الضروري أن يجلس الفلسطينيون الذين يُعقد السلام معهم على طاولة المداولات، وبدلا من ذلك تمت صياغة “الخطة” فقط بمشاركة اطراف صهيونية التطرف، فقد تبنت حكومة ترامب وبكل بساطة كل تصورات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو حول مستقبل الفلسطينيين وقدمتها كمشروع خاص بها. بيد أن ذلك يشكل سابقة لا مثيل لها، فقوة عظمى تتخلى عن موقف أساسي في سياستها الخارجية وتسمح لحليف صغير أن يملي عليها موقفه …لكن إعلان ترامب ونتنياهو لن ينهي ظلم الاحتلال ولا يشير إلى طريق يقود نحو مزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط…

وفي قرأتي المتانية لصفقة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، وجدت التركيز على ثلاثة تحديات هامة وردت في هذه الصفقة الخبيثة وهى:

اولاُ: قيام الدولة الفلسطينية المعزولة ذات الصلاحيات المحدودة والتي تخضع بشكل مباشر لإسرائيل (أي تكريس للوضع الحالي الذي فرضته إسرائيل على الأرض) والتي تشمل دولة فلسطينية على أرض ستكون أكثر من ضعف مساحة المنطقتين المعروفة بـ (أ) و(ب) في الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية اليوم، وهو ما يعني أن الدولة الفلسطينية ستكون على مساحة ما بين 80 و90% من مساحة الضفة الغربية فقط، التي تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي 5,860 كم²، والتي تشكل ما نسبته 21.9% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية، مع نصف مليون سكان (المستوطنين) يهودا والسامرة وغور الأردن…

ثانياً: تكريس وتأكيد مبدأ توطين فلسطينيي الأردن واللاجئين فيها داخل أراضي المملكة وضمان عدم مطالبتهم نهائياً بحق العودة خاصة أنّ قسماً كبيراً منهم يحمل الجنسية الأردنية، مع محاولة تشجيع مزيد من الفلسطينيين للهجرة إلى الأردن.

ثالثاً: إنهاء أو زعزعة الوصاية الهاشمية على المقدسات في الأراضي الفلسطينية هو التحدي الثاني الذي يوجهه الأردن ضمن صفقة القرن.

وهنا نتفهم جيدا وبرغم أن الأردن والفلسطينيين في مركب واحد في مواجهة الصفقة، ولكن ظروف كل منهما مختلفة، فعمان التي لديها علاقات تاريخية مع عرابي الصفقة سواء الولايات المتحدة أو دول الخليج أو إسرائيل، سيختلف رد فعلها في الأغلب عن رد الفعل الفلسطيني، على عكس السلطة الفلسطينية التي بدأت في إتخاذ مواقف معلنة في مواجهة الصفقة… هل ننتظر قرارا فلسطينيا سيكون “حل السلطة الفلسطينية” احد الخيارات المطروحة رداً على مواجهة الصفقة والتي فرضت تسويات مشوهة على الشعب الفلسطيني؟،.. هل سيكون حل السلطة الفلسطينية في إطار المداولات والمباحثات في اجتماعات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير؟… ننتظر في الافق الى غربي النهر من رام الله..

الاردن وماذا بعد؟

الأردن اليوم يشهد حالة قلق غير مسبوقة بشأن مستقبله وأمنه وأمانه واستقراره، والمسألة لم تعد تحتمل التسويفات الرسمية، وذلك في بلد ينوء تحت ثقل الديون الخارجية، ومكشوف للعواصف السياسية الإقليمية، حيث بدأت تطرأ على المجتمع الأردني في الآونة الأخيرة تحوّلات نوعية وكميّة، وذلك في ظلّ صَخَب تسارُع الأحداث والمُتغيّرات الإقليمية والدولية، الأردن الآن تمارس عليه ضغوط امريكية بحُكم موقعه الجغرافي،… الأزمة السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي تعصف بالأردن عميقة، وأهم أسبابها هو استمرار سيطرة القلّة القليلة على مقاليد الحُكم والقرار، وذلك بتجليّاته المُتنوّعة فساداً وبطالة ومديونية واستحواذاً على الثروات ومحسوبية وترهّل، ما أدّى إلى إهمال المُحافظات وتهميشها من التنمية الاقتصادية المجتمعية، وفُقدان الثقة المُتنامي في قُدرة الدولة على وقف هذا التدهور الحاصل نحو الحافّة، كما أن موجات زحف المُتعطّلين عن العمل إلى الديوان الملكي، مُطالبين بوظائف لهم، دليل قوي على فُقدان الثقة في قُدرة الحكومة على اتّخاذ القرارات، وذلك بعدما جرى تفريغ مؤسّسات الدولة من مضمونها، والتخلّي عن مُقدّرات الأردن الاستراتيجية من بوتاس وفوسفات وإسمنت لصالح عمليات خَصَخَصَة، خلَت من أدنى معايير الشفافية، واستمرار اعتماد الأردن على القروض والمِنَح الخارجية، ما ضرب استقلالية قراره السياسي والاقتصادي معاً…

الاردن لا زال يتخذ موقفا متشددا من صفة خراب القرن، لكنه يتابع تطورات هذه الصفقة بحذر  متذبذب والسبب أنه في وضع اقتصادي صعب للغاية. وهنا تأتي الإغراءات لإخضاعه للتوافق مع صفقة القرن (4) جزرات مقابل القبول بها…

1.  الوصاية التامة والحصرية على المقدّسات الإسلامية. ومن منطلق «لكلّ مسلم الحق بزيارة الأماكن المقدسة» وهو ما تحدث عنه تاجر العقارات ترامب خلا اعلان صفقته المسمومة…

2.  بلغت ديون الأردن أكثر من 40 مليار دولار… مقابل الموافقة على صفقة القرن سيقدّم له مساعدات مالية تخرجه من أزمته الحالية، لكن مؤقتاً. وعلى المدى البعيد ستفرض الدول الداعمة على الأردن استقبال العدد الأكبر من أهالي الضفة الغربية ونسبة من فلسطينيّي الـ 48 لتأمين الأمن الديموغرافي للدولة اليهودية..

3.  انشاء خط السكة الحديدية من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الأردن ومنها يتفرّع إلى الخليج، والى غرب العراق، والى جنوب سورية، ومنها الى شمال سورية وكردستان العراق. ايّ أنّ الأردن يكون مركز ترانزيت وتوزيع Hub.

4.  مدينة نيوم: مدينة المستقبل تغطي مساحة تساوي تقريباً مساحة فلسطين، وتشمل أراضي سعودية شمال غرب المملكة ومصرية أراضي في سيناء مع حرية الحركة لسكان غزة للعمل في المشروع وأردنية في منطقة العقبة..

وهنا نتوقع بأنّ واشنطن / ترامب سوف تستخدم عدة خيارات وسيناريوهات إذا ما أصر الأردن على موقفه، منها قطع المساعدات الأمريكية والتي تقدر بـ 1.275 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى أنّ واشنطن تسعى إلى التلويح بعدة خيارات أخرى تتمثل في مطالبة دول الخليج في عدم تقديم أي مساعدات ومعونات اقتصادية للأردن وقطع أي حوافز متعلقة به، إضافة إلى إمكانية التلويح بخيار وقف التصدير للأردن، والسعي لوقف تصدير النفط العراقي باتجاه الأردن كونه لان الامريكي له موطأ قدم بالعراق.

ولذا فإن الأردن يحرص على رفض صفقة السلام الأمريكية بحذر شديد وبأقل الخسائر، على اعتبار أنّ المرحلة القادمة تتطلب التعامل بحكمة معها، مع التاكيد بأنّ الأردن لن يسير في اتجاه تمرير صفقة القرن ولن يكون مشاركاً فيها وعلى الأرجح سيواصل رفض الصفقة ولكنه سيكون حذراً في التعبير عن هذا الرفض على أمل أن تمر رياح الصفقة بأقل خسائر ممكنة.

ختاما نقول … أحاديث وتصريحات ملكية كررت أكثر من مرة الموقف الأردني من أي تسوية، فقد قال جلالة الملك عبد الله الثاني باختصار شديد بشأن صفقة القرن: “موقفنا معروف جداً … كلا واضحة جداً للجميع”

باحث ومخطط استراتيجي

[email protected]

قد يعجبك ايضا