لبنان/ بيروتُ من تَعَبٍ ومن ذَهَبٍ , وأندلسٍ وشام .. إِنَّهُ عَلََّمَكُم أَن تقرؤوا، فاحِبُوهُ .. احِبُّوهُ قَلِيلاَ! / ديانا فاخوري




ديانا فاخوري ( الأردن ) – الأربعاء 5/2/2020 م …
وهكذا تلتقي صرخة محمود درويش بنداء نزار قباني .. وكان محمود درويش قد ناشدنا ان
“فسّر ما يلي”:
بيروت (بحر – حرب – حبر – ربح)”! فنجيب ..
البحرُ: أبيض من منظومة البحار الخمس
الحربُ: المتاهة اليمنية وهيروشيما البسوس
 
الحبرُ: “صفقة القرن” حبر على ورق
 
الربحُ: ل”ايفانكا” وما تمثل

100 مليون دولار يوميا!

حوالي “100 مليون دولار يوميا” هي حصة السعودية من تكلفة الغرق في المتاهة اليمنية وهيروشيما البسوس، وهذا ببساطة يعني ان ما تتكبده السعودية على حربها في اليمن في العام الواحد يتجاوز كافة ديون لبنان بالعملات الصعبة والتي تُقدّر ب 35 مليار دولار .. ومن هنا ربما جاءت نصيحة فيلتمان  للإدارة الاميركية وبعض الحكام العرب بتمويل لبنان وعدم “إدخاله في التجربة” كي لا يقع فريسة للمحور الروسي الصيني بخيارات قد تكون مغرية وتصعب، ان لم تستحل، العودة عنها: المشاريع الاستراتيجية والنفط والغاز بالتعاون مع روسيا. اما الكهرباء والاتصالات والمطارات والموانئ والسكك الحديدية، مثلا، فبالتعاون مع الصين صاحبة المشاريع المماثلة حتى في الغرب والحامل الأكبر لسندات الخزينة الاميركية بما يزيد عن 3,6 تريليون دولار!

يأتي هذا في سياق الهجمة الاقتصادية التي تقودها الصين الى جانب المنافسة السياسية والعسكرية المتنامية التي يخوضها بوتين و رفاقه رفضآ للتفرد الأمريكي يردفها تكتل البريكس في تصديه للاحتكارات الأمريكية وهيمنتها على الأسواق والأسعار والثروات .. انها التحولات الجيوستراتيجية في العالم واصطفاف المصالح السياسية الجيوستراتيجية لكل من روسيا والصين وايران وبالتالي لدول اسيا الوسطی – كما كررت مرارا .. وها هي مبادرة “الحزام والطريق” الصينية تلتقي مع مبادرة ”الاتحاد الاقتصادي الاوراسي” الروسية والموقع الايراني الاستراتيجي كمركز للتجارة والطاقة، وكحصن منيع في مجابهة الجهادية التكفيرية التي يتلاعب بها الغرب ! وعليه جاء التراقص التركي ليتوائم مع مبادرتي “الحزام والطريق” و”الكتلة الاوراسية” الامر الذي يملي “سوريا عربية علمانية موحدة” ترسم القدر وتربط البحار الخمسة لتلتقي الرياح والامواج السياسية بالامال الاقتصادية الكبری وتمنع بذلك التيه العربي قبل وقوعه في الصحاری وعلی ظهور الابل بعد نضوب النفط او نضوب الحاجة اليه ومع استشراس الذكاء الاصطناعي (AI)!

 

ولعل الجميع باتوا مدركين  أنّ مشروع الرئيس الأسد للتعاون والتشبيك تحول من مجرد رؤية استراتيجية الى أمر واقع .. تذكرون هذا المشروع الذي اقترحه الرئيس بشار الأسد في مطلع العقد الأول من القرن الحالي (أبيض، أحمر، خليج، قزوين، أسود – منظومة البحار الخمس) استثمارا لموقع سوريا الجغرافي، ووضعها في مركز شبكة الطاقة والنقل الإقليمية.. مشروع يضم روسيا وايران وتركيا ومصر والسعودية والعراق وسوريا والجزائر واليمن تكاملا مع اوروبا المتوسطية .. أرادها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل تعمل بالتفاوض لحل النزاعات وبالتعاون للتنمية والتقدم الاقتصادي ولضمان أمن الطاقة والملاحة .. مشروع يقوم على شراكة استراتيجية في الشرق الجديد، ولبنان في قلبه خاصة بعد تحدي حدود سايكس بيكو بافتتاح معبر البوكمال–القائم الحدودي بين سورية والعراق، وضمناً إيران ولبنان، أمام حركة البضائع والسيارات والزوار، وقد يُستكمل  بإعادة الحرارة إلى خط سير الغاز من إيران مروراً بالعراق إلى سورية ولبنان الامر الذي قد يطرح من جديد طريق القطار من إيران مروراً بالعراق إلى سورية فلبنان .. وفي المدى المنظور، من شأن افتتاح هذا المعبر تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية بين بلدان المنطقة.

وهكذا تستجد وقد تشتد حاجة بعض العرب للبنان المتناغم مع ذاته بتشابك مصالحه الاقتصادية والوطنية مع سورية ليقوم بدور الوسيط غير المباشر فيساعدهم على اعادة احياء علاقاتهم مع سورية متحملا المسؤولية امام حلفائهم المعترضين (الأميركيين بوجه خاص) سيما انه ما فتئ يقارع اسرائيل بمقومات المقاومة وقدرات الردع والتحرير .. من هنا صدقية وجدية لبنان في التصدي ل”صفقة القرن”!

اما هم، فلم تكن قلوبهم يوما مع المقاومة ورجال الله في الميدان العربي الفلسطيني، وكانت سيوفهم دوما من الامريكي ومع الصهيوني بحجة اننا لن نكون فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين أنفسهم وهم قد صالحوا وسامحوا من خلال اوسلو. اما وقد سقطت اوسلو بصفعة قرن، وهبّ الفلسطينيون بأعلى أصواتهم (والأيام حبلى بأفعالهم) ان لا ل”صفقة القرن”، كان لزاما على جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي اللجوء الى التجميل والمكياج لتغطية فعلتهم ودورهم في اخراج الصفقة الصفعة. 

اما ترامب فقد قدّم اَخر أوراق اعتماده لكيان الاحتلال نحو تجديد الرئاسة وإعادة انتخابه .. ابرأ ذمته، ويستعد ليوم ليس ببعيد يُنجز فيه صفقة قرن عملية واقعية مع ايران والمحور الروسي الصيني تاركا حلفائه في المحور “الصهيواعروبيكي” إياه  لارتباكاتهم بعد ارتكاباتهم .. فيا قوم اعقلوا وتعالوا ليوم مرحمة وكلمة سواء، واذكروا مع نزار قباني، بقليل من التصرف:

كَان لُبنَانُ لَكُم مَروَحَةٌ
تَنشُرُ الأَلوَانَ وَالظِلَّ الظَلِيلاَ

كَم أَوَيتمُ مِن صَحَارَيكُم إلَيهِ

وِاخْتَبَأتُم تَحتَ جِفنَيِه طَوِيلاَ

إِنَّهُ عَلََّمَكُم أَن تقرؤوا 
هَل تَقولون لَهُ : شُكراً جَزِيلاَ ؟
إِن يَمُتْ لُبنَانُ .. مِتُّم مَعَهُ
كُلُّ مَن يَقْتُلُهُ .. كَانَ القَتِيلاَ
إِنَّ كَوْناً لَيسَ لُبنَانُ فِيهِ 
سَوفَ يَبقَى عَدَماً أَو مُستَحِيلاَ
كُلُّ مَا يَطلُبُهُ لُبنَانُ مِنكُم
أَن تُحِبُوهُ .. تُحِبُّوهُ قَلِيلاَ

الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين!

نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..

ديانا فاخوري

كاتبة عربية اردنية

قد يعجبك ايضا