مكانة الطاقة في العدوان على سوريا + الغاز أداة تطبيع / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 9/1/2020 م …




يمكن اعتبار هذا النّص مُكمِّلاً لمقالَتَيْن سابقتَيْن، بشأن اقتصاد سوريا، نُشرتا في كانون الأول/ديسمبر 2019، الأولى بعنوان “سوريا، الحرب على الجبهة الإقتصادية، ومكانة النّفط”، والثانية بعنوان “احتلال عسكري وحصار اقتصادي”.

دَوْر المحروقات في الإستراتيجية العدوانية الأمريكية:

اعتبرت الولايات المتحدة، منذ العقود الأولى من القرن العشرين، النفط مادّة استراتيجية، وجب السيطرة عليها، سواء لاستهلاكها، أو لمَنْعِ الخُصُوم من الوصول إليها، وتندرج العلاقات مع السعودية، منذ العقد الثالث من القرن العشرين، في هذا الإطار، حيث هيمنت الشركات الأمريكية على نفط السعودية والخليج، وبالتالي على الأُسَر الحاكمة…

طَوّرت شركات الطاقة الأمريكية خلال العقد الأخير تقنيات استخراج الزّيْت الصخري (النفط والغاز) فانخفض ثمن تكاليف استخراجه، وارتفع إنتاج الولايات المتحدة، التي لا تهتم إدارتها الإتحادية كثيرًا بالأضْرار التي يُلحقها استغلال الزيت الصخري بالبيئة وبالمائدة المائية وبحياة البشر والحيوان، لأن استخراجه يستوجب استهلاك كميات كبيرة من المياه ويستوجب ضَخَّ كميات كبيرة من المواد الكيماوية الضَّارَّة بالمُحيط.

كان النفط الصخري يُستَخدَم، قبل سنة 2008، في الصناعات الكيماوية، وأصبح سنة 2008، يستخدم كوقود تدفئة، واستثمرت الشركات الأمريكية، بدعم من الدولة، في تطوير تقنيات استخراجه، التي كانت مرتفعة، ما رفع الإنتاج الإنتاج الأمريكي (بعد عقدٍ واحدٍ)، خلال سنة واحدة، بنسبة 33% بين سنتي 2017 و 2018، وكان الرئيس السابق “باراك أوباما” قد صرح في كانون الأول/ديسمبر 2012 “سوف تُصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط، سنة 2017، وسيتجاوز إنتاجها السعودية، بفضل النفط الصخري…”، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الولايات المتحدة مُصدِّرًا للغاز وللنفط، وقدّرت وكالة الطاقة الأمريكية أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام لِيَصِلَ إلى 13,2 مليون برميل يوميا بنهاية سنة 2020، بفضل ارتفاع إنتاج النفط الصخري، وأدّى ارتفاع الإنتاج الأمريكي وصادراتها من النفط والغاز الصخرِيَّيْن، إلى عدم ارتفاع سعر برميل النفط (حوالي 60 دولارا) رغم انخفاض إنتاج ليبيا وفنزويلا وإيران، وخفض منظمة الدول المصدرة (أوبك) وروسيا إنتاجها، وتستخدم الولايات المتحدة النفطَ والغازَ الصخْرِيّيْن كسلاح استراتيجي للهيمنة على أسواق الطاقة، ولتخريب اقتصاد روسيا الذي يعتمد على النفط، ويعتمد على تصدير المحروقات إلى أوروبا وآسيا، وتستخدم أمريكا الإبتزاز ضد أوروبا، عبر التهديد المُباشر، وعبر فرض عقوبات على الشركات المشاركة في إنجاز خطوط أنابيب نقل الغاز الروسي، وكان آخر ابتزاز، يتمثل في اتحاد نواب الحزب الديمقراطي ونواب الحزب الجمهوري، لفرض عقوبات أمريكية جديدة على الشركات الأوروبية والروسية المُساهِمَة في إنجاز خط “السيل الشمالي 2” (أو نورث ستريم 2) عبر بحر البلطيق إلى شمال ألمانيا، وقُدّرت تكلفة هذا الخط بأكثر من 11 مليار دولار، وتُعتَبَرُ هذه العقوبات الجديدة تصعيدًا سياسيًّا وعسكريًّا ضد روسيا، وتضمّن نفس القانون، فرض عقوبات على الشركات المُساهمة في بناء خط أنابيب “السَّيْل التُّرْكِي” (ترك ستريم) الذي سوف ينقل الغاز الروسي عبر البحر الأسود إلى تركيا، ثم إلى أوروبا الشرقية والجنوبية، وكانت الولايات المتحدة قد نجحت، سنة 2014، في إفشال خط أنابيب “السّيْل الجنوبي”، لنقل الغاز الرّوسي، عبر البحر الأسود، إلى إيطاليا، وأدّى ذلك القرار الأمريكي إلى تكبيد شركة “إيني” الإيطالية للمحروقات والطاقة، خسائر كبيرة… من جهة أخرى، فرَضت الولايات المتحدة، في تموز/يوليو 2018،على الإتحاد الأوروبي توقيع وثيقة تعاون استراتيجي في مجال الطاقة، وضاعَفَت دول الإتحاد الأوروبي وارداتها من الغاز الصخري الأمريكي، رغم غلاء سعره وقِلّة جَوْدَتِهِ، مقارنة بالغاز الروسي، وساهم الإتحاد الأوروبي بقيمة فاقت 700 مليون دولارا، سنة 2018، في تمويل إنشاء البُنية التحتية لتيْسير نقل المحروقات الأمريكية إلى أوروبا، ورغم الخضوع الأوروبي، لم تَسْلَم الشركات الأوروبية من العُقُوبات…

الغاز في المشرق العربي:

قبل بدء العُدْوان على سوريا (الوطن والشعب والدّولة) كان التنافس حادًّا بين مَشْرُوعَيْن، لنقل الغاز عبر سوريا، أحدهما قَطَرِي، والثاني إيراني. يمر مشروع خطوط أنابيب نقْل الغاز القَطَرِي والغاز المَسْرُوق من فلسطين عبر رواق يقع جنوب شرق سوريا، فيما يمر الغاز الإيراني عبر ممر ثاني، عبر العراق وسوريا إلى البحر المتوسط، ويتبع كل من المشروعَيْن طرقات تجارية قديمة، تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وبالإضافة إلى الغاز القادم من قَطَر وإيران، تأَكّدت شركات الطاقة من وجود احتياطي ضخم للغاز في منطقة شرق المتوسط، من سواحل تركيا إلى مصر، ومن سواحل اليونان وقبرص إلى سواحل فلسطين ولبنان وسوريا…

في الجانب السياسي، كانت سوريا مُسْتَهْدَفَة من قِبَل الولايات المتحدة، منذ احتلال العراق، سنة 2003، وشكّلت سوريا القاعدة الخلفية للمقاومة العراقية، خاصة بين 2003 و 2006، ثم للمقاومة اللبنانية، خلال صيف 2006، بعد اتهام سوريا باغتيال رفيق الحريري (2005)، وأصبح النظام السوري والدّولة والوطن والشعب، في دائرة الإستهداف الأمريكي، وكانت الحملة الإعلامية بشأن ما سُمِّيَ “الهلال الشيعي”، وعن التحالف بين القوى “غير الصديقة لأمريكا”، مقدّمة أو انعكاسًا للمخططات الأمريكية، متوسطة وبعيدة المَدَى…

يُقدّر حجم الإحتياطي المُعْلَن للغاز في شرق المتوسّط بنحو أربعة تريليونات متر مكعب، وتعمل الشركات الأمريكية على احتكار استخراج الغاز من شرق المتوسّط، وبالأخص شركة “إنرجي تاسك فورس” (نوبل إنرجي) التي يرأسُها “ديك تشيني”، نائب الرئيس الأمريكي “جورج بوش” الإبن، خلال احتلال العراق، وكان “ديك تشيني” يشغل منصب رئيس مجلس ادارة شركة “هاليبرتون”، وأشرف على إنجاز مشاريع ضخمة في شرق المتوسط، بنهاية القرن العشرين، بعد تطوير تقنيات الحفر في أعماق البحار، قبل أن يُصبح نائب رئيس أمريكا، مع المحافظة على نشاطه في مجال الطاقة…

أعد المهندسون السوفييتيون خرائط مُفَصَّلَة لحقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، منذ حوالي أربعة عُقُود، واهتمت شركة “أموكو” وشركة “ستاندارد أويل” الأمريكيتان، بالغاز في عرض سواحل قبرص واليونان، منذ سنة 1980، لكن تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي، تحتل الجزء الشمالي من قبرص، وتهدد الشركات الأمريكية بالتدخل العسكري، في حال إنجاز عمليات التنقيب عن الغاز لفائدة قبرص أو اليونان، وجرت مباحثات سرية بين حكومة قبرص والشركات الأمريكية، وفي مقدمتها شركة “هاليبرتون” (التي يرأسها “ديك تشيني”)، التي كانت تُطَوِّرُ تقنيات الحفر في المياه العميقة، وأنشأت شركة “هاليبرتون” ثم شركة “إنرجي تاسك فورس” (اللتَيْن يُديرهُما “ديك تشيني”) في شهر آذار/مارس 2001، محطتي تسييل غاز في مصر، رغم الحجم الصغير لإنتاج الغاز المصري آنذاك، ولما ارتفع إنتاج مصر من الغاز، استفاد منه الكيان الصهيوني بأسعار تفضيلية تقل عن سعر التكلفة، إلى غاية سنة 2012، قبل أن تُصبح مصر والأردن مُورِّديْن للغاز المنهوب من سواحل فلسطين المُحتلّة، وظَهَر فيما بعْدُ أن هذا المشروع المصري لا يخدم سوى المصالح الأمريكية، وأشرفت على إعداده الإستخبارات الأمريكية، بالتعاون مع الاستخبارات المصرية والأردنية والإماراتية، ويمر أنبوب الغاز من القاهرة إلى العريش وطابا وإلى خليج “العَقَبَة”، باتجاه الأردن، ثم يتجه شمالاً إلى الحدود السورية، وإلى لبنان، وكان الإتحاد السوفييتي يتابع ملف غاز شرق المتوسط منذ سنة 1980، ثم واصلت روسيا الإهتمام به، نظرًا لأهمية المحروقات في اقتصاد روسيا، وتشكل عائدات المحروقات، حاليا، نحو 60% من إيرادات الدولة، وحاولت شركات “هاليبرتون” و”إنرجي تاسك فورس” التي يُديرها “ديك تشيني” تخريب المشاريع الروسية، وقبلها السوفييتية، عبر إغراق السعودية للأسواق، منذ 1985، والمساهمة في انهيار الإتحاد السوفييتي، الغارق، ساعتها، في احتلال أفغانستان، بالتوازي مع انخفاض الموارد الأساسية من مبيعات النفط، وكذلك عبر توقيف الأشغال في مشاريع الأنابيب الناقلة للغاز الروسي إلى أوروبا…

الغاز، وإعادة تفكيك المشرق العربي:

حصلت شركة “شل”، منذ سنة 2000، على امتياز للتنقيب عن الغاز في المياه العميقة المصرية، في البحر الأبيض المتوسط، وأعلنت سنة 2002 عن اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في المياه الإقليمية المصرية، لكن عملية ترسيم الحدود المصرية مع قبرص، التي تَمّت بصورة مُستعجَلَة، خلال أُسْبُوعَيْن، سنة 2003، حملت عددًا من المفاجآت للشعب المصري، ولشركات الطاقة، إذ رُسِمَت الحدود خلال أسبوعَيْن، في شهر شباط 2003، وفوجئت شركة “شل” بأن 17% من الطرف الشمالي لإمتيازها، والذي عثرت فيه على الغاز، لم تعد مياهاً مصرية، وكانت قبرص قد اتفقت مع الإحتلال الصهيوني على ترسيم الحدود، لتستحوذ قبرص والكيان الصهيوني على نقاط داخل المياه الإقليمية لمصر ولبنان، بتواطؤ من شركات مثل “شل” و”بريتش بتروليوم” و”توتال”، وبتواطؤ من أركان النظام المصري، حيث أسس جمال وعلاء مبارك، خلال شهر أيلول 2002، شركة “بوليون للاستثمار”، ومكتبها الرئيسي في قبرص، لتُساهم في نهب موارد مصر…

نجحت الصين في تطوير العلاقات الإقتصادية مع مصر، في بداية الألفية الثالثة، وحصلت الشركات الصينية، منذ سنة 2005 على بعض العقود الهامة في مصر، ما أثار حفيظة الحكومة الأمريكية، وحصلت الصين، سنة 2007، على نصيب هام من “المنطقة الإقتصادية الخاصة” في شمال غرب خليج السويس، حيث كانت تعمل حوالي عشرين شركة صينية للنفط وتصنيع العتاد وأجهزة التنقيب عن النفط، وغير ذلك، وتهكّمت الصحف الأمريكية من ارتفاع عدد رحلات وزراء حكومة حسني مبارك إلى الصين، ولمحت إلى حصولهم على رشاوى وهدايا، وأعلنت الشركات الصينية، بنهاية سنة 2008، انسحابها من مصر، ولم تتسرب الأسباب الحقيقية لانسحابها، لكن من المُؤكّد أن للضغوطات الأمريكية الدّور الأكبر في انسحاب الشركات الصينية، وهو ما حَصَل أيضًا في مناطق أخرى من العام.

يُشكل خط العريش – عسقلان لنقل الغاز جزءًا لا يتجزأ من خطة إيصال الغاز المُستَخْرَج من البحر الأبيض المتوسّط، إلى أوروبا، عبر ميناء “عسقلان” في فلسطين المحتلة، والعريش في مصر، والعقَبَة في الأردن، قبل عبور “الرحاب” ثم تركيا، التي ترتبط مع أوروبا بأربع خطوط نقل الغاز…

بالتوازي مع ذلك، أنجزت “هاليبرتون” (شركة “ديك تشيني”) “الخط العابر للأناضول”، وهو خط أُنْبُوب بَرِّي يَنْقُلُ غاز أذربيجان، حتى ألبانيا، عبر تركيا، ويتمثل الجزء الأخير من هذا الخط، في نقل الغاز، عبر مضيق “أوترانتو” في البحر الاردياتي ليصل إلى أيطاليا.

في لبنان، وقّعت حكومة سعد الحريري اتفاقية مع شركة “روس نفط” لإنشاء خط أنابيب غاز، ما أثار احتجاج الولايات المتحدة، لأن الشركة “مدرجة على لائحة العقوبات”، بحسب الحكومة الأمريكية، وكانت حكومات روسيا والصين تعتبر مياه شرق المتوسط منطقة نفوذ اميركية، فتتجنب العمل بها، ولا تتجرؤ على إثارة المشاكل مع أمريكا، لكن الحرب في سوريا غَيّرت الوضع…

أعلن الكيان الصهيوني عن اكتشاف الغاز، من قِبَل شركة “نوبل إنرجي” (شركة “ديك تشيني”)، في حقل “ليفيثان”، قبالة ساحل مدينة “حيفا” المُحتلّة، سنة 2010، ووقعت حكومة الإحتلال اتفاقًا نهائيا مع شركة “ديك تشيني” سنة 2013، وفي الأثناء، أسّس “ديك تشيني” شركة جديدة وصغيرة إسمها “شمعدان” ( Samdan )، والشمعدان، أحد رموز الديانة اليهودية، ورفض “ديك تشيني” تعاون شركَتَيْه (“نوبل إنرجي” و”شمعدان”)، مع أي شركة أُخْرى، ثم نَظّم “ديك تشيني” عملية تَفْلِيس هذه الشركة الصغيرة “شمعدان”، التي غيّرت إسمَها، ونقلت مقرها القانوني، سنة 2009، بعد إشهار الإفلاس من شركة أميركية مقرها في تكساس إلى شركة سويسرية، وتغيّر شكل الملكية فيها، ولم يقع الإعلان عن مالكيها الجُدُد، ثم دخلت هذه الشركة “السويسرية” في شراكة مع شركة “نوبل إنرجي”، لاستغلال حقلَيْن هامَّيْن للغاز (“ليفيثان” و “أفروديت”)، في عرض سواحل فلسطين المحتلة…

كانت شركة “نوبل إنرجي”، في حالة إفلاس، سنة 2012، فلجأت إلى المُستثمرين الصينيين لضخ الأموال، وأصبحت شركة الصين الوطنية للنفط البحري (صينوك)، في مطلع سنة 2013، شريكاً في حقل “ليڤيثان” بحصة 30%، ولم تدم الشراكة أكثر من سنة واحدة، حيث أعلنت الشركة الصينية خروجها من حقل “ليفيثان”، بذريعة أنها غير مُهتمّة بهذه المنطقة، كما انسحبت الشركات الصينية، قبل ذلك، من المنطقة الإقتصادية شمال غرب خليج السّويس.

يختلف وضع روسيا عن وضع الصين، إذ نجح فلاديمير بوتن في التخلص من كل المليارديرات الذين جمعوا ثرواتهم في عصر بوريس يلتسين، واستخدم أوليغارشيين جدداً يدينون بالولاء الشخصي له، مثل ميخائيل فريدمان، الذي دخل السوق المصرية سنة 2014، واشترى شركة نجيب ساويرس “أوراسكوم تلكوم“، المتواجدة في أربعين دولة، وكانت أسرة “ساويرس” شريكة لأبناء حسني مبارك، ولبعض الأثرياء من قيادات حركة “فتح” الفلسطينية (من بينهم “محمد رشيد تركماني” المُقرّب من ياسر عرفات)، ثم اشترى “ميخائيل فريدمان” شركة المانية للتنقيب عن الغاز، واصبح يملك أكثر من ثلث حقول الغاز المصرية في المتوسط، ولكنه لا يستثمر في هذه الحُقُول، وقد يكون الحُضُور الإقتصادي الرّوسي في البحر الأبيض المتوسّط، مُكَمِّلا للتواجد العسكري الروسي في سوريا، وللتواجد الإقتصادي في تركيا، عبر مرور خط انابيب الغاز “السَّيْل التّركي” (أو “تُرْك ستريم”)، بعد إزاحة الانبوب الأميركي “نابوكو”، الذي عَطَّلَهُ الثوار الأرمن في “قره باخ”، ودعمت الولايات المتحدة إنجاز خط “تاناب” ( TANAP ) القادم من أذريبجان والعابر للأناضول، ليَصِلَ الى “ألبانيا”، وتجري الأشغال ليَعْبُر البحر الأدرياتي. يُتوقّع أن يمر خط “السيل التركي”، داخل تركيا ثم يصل اليونان أو بلغاريا ومقدونيا، وصربيا، لِيُعوّض جزئيًّا خط “السيل الجنوبي” الذي أفشَلَتْهُ الولايات المتحدة، عبر الضّغط على الدول والشركات الأوروبية، وتهديدها بالعقوبات، لكن خطَّيْ “السيل الشمالي” 1 و 2 يوصلان الغاز الروسي إلى ألمانيا، رغم تهديدات الولايات المتحدة التي تبيع الغاز إلى أوروبا (وآسيا أيضًا) بسعر أعْلى من الغاز الرّوسي، رغم انخفاض جودة الغاز الصّخْرِي الأمريكي…

الجانب الخَفِي من العدوان على سوريا:

تُشكل شبكات خطوط أنابيب نقل الغاز، إحدى أسباب العدوان على سوريا، حيث كانت المنافسة بين مشروعَيْن، أحدهما إيراني، لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر العراق وأوريا، والآخر قَطَرِي، عبر سوريا أيضًا، وكان النّظام السوري يكتفي باستخراج ما تحتاجه البلاد من النفط والغاز، وتصدير كميات صغيرة (140 ألف برميل نفط خام، يوميا) ورَفَضَ عُروض الشركات الأجنبية لزيادة الإنتاج، وتقع سوريا في منطقة استراتيجية لتصدير الغاز إلى أوروبا، عبر البحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة غنية بالغاز، في أعماق البحر، قدّرها المهندسون السوفييتيون، منذ العُقُود الأخيرة للقرن العشرين، بنحو 4,2 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، واتفقت شركات المحروقات على تقدير حجم الإحتياطي المُعْلَن للغاز في شرق المتوسّط بنحو اربعة تريليونات متر مكعب، وتُقدَّرُ قيمته، بالأسعار الحالية، بنحو سبعمائة مليار دولار، وتُصدِّرُ روسيا إلى أوروبا ثُلُثَ حاجتها من الغاز بقيمة سبعة مليارات دولارا سنويا، وتحاول زيادة صادراتها نحو أوروبا، لكن الولايات المتحدة نجحت، جُزْئِيًّا، في عرقلة المشاريع الرّوسية، وتُشكّل المحروقات في منطقة شرق المتوسط، سببًا لخلافات عديدة بين دول المنطقة، وأحد أسباب الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، وتختزل الحرب في سوريا والإحتلال الأمريكي الأطلسي لمواقع حقول النفط والغاز، شمال شرقي سوريا، هذا الوضع، فقد عمدت الولايات المتحدة، خلال سنتَيْ 2017 و 2018، إلى زيادة عدد القواعد العسكرية في منطقة شرق الفرات، وإلى إحكام السّيْطَرة على حقول النّفط والغاز، بالإضافة إلى الأراضي الزراعية التي تُنْتِج الحُبوب والقُطن… بالإضافة إلى ما أقدمت عليه تركيا الأطلسية من إرسال العتاد والإرهابيين إلى سوريا، ثم إلى ليبيا، المُنْتِجَة للمحروقات ويقدر احتياطي نفط ليبيا بنحو خمسين مليار برميل، وربما 75 مليار برميل، واحتياطي الغاز بنحو 1,5 تريليون متر مكعب… كما تجدر الإشارة إلى الإتفاقية التي وقعتها تركيا الأطلسية، مع طرف من الأطراف العميلة في ليبيا (حكومة الإخوان المسلمين في طرابلس)، اتفاقية (سنة 2019) “لترسيم الحدود البحرية بين البلدين”، وما أبْعَدَ تركيا عن ليبيا، لكن هذه الإتفاقية تِعلّة للتدخل العسكري التركي العَلَنِي، عبر توقيع اتفاقية للتعاون العسكري، وإرسال تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا، وبذلك أصبحت تركيا تُهدّدُ مباشرة سوريا والدول المحيطة بها (لبنان والأردن والعراق)، كما تُهدّد الدول المحيطة بليبا، من مصر إلى دول المغرب العربي، بعلاقة مباشرة بالصراع على النفط والغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط…

إن المحروقات (النفط والغاز) ليست ثروة “مُستدامة”، بل أظهرت الوقائع انخفاض إنتاج الغاز والنفط من الحقول القديمة، في الجزائر وليبيا والسعودية، ولكن لم تستثمر الدول العربية عائدات المحروقات في مشاريع مُنْتِجَة، أو بلوغ الإكتفاء الذاتي الغذائي، أو في تطوير البحث العلمي، بل استخدمت الطبقات الحاكمة عائدات النفط لشراء الأسلحة، وإنعاش مجمّع الصناعات العسكرية الأمريكية، ليس بغرض تحرير فلسطين، وإنما لتخريب البلدان العربية (ليبيا واليمن وسوريا…)، وإنعاش سوق العقارات في بعض العواصم الأوروبية والعالمية، ومنذ بضعة سنوات أصبحت دُوَيْلات الخليج النّفطية مُتحالفة مع الكيان الصهيوني، ضد إيران، وضد شعوب وقوى سياسية عربية أيضًا، وبذلك تحولت عائدات النفط والغاز العربيّيْن إلى مصدر خراب، بيد الْحُكّام العُملاء…

تُمثل سوريا ساحة حرب نموذجية، تعكس صورة الحقبة الجديدة من الحرب الأمريكية الأطلسية ضد الشعوب العربية (وشعوب كثيرة أخرى في العالم)، فهي حرب متعددة الجبهات، من الجبهة العسكرية إلى الإقتصادية والإعلامية وغيرها، بمشاركة نشطة من الأنظمة العربية، وبالأخص الأُسَر المالكة لدُوَيْلات الخليج، التي أعرب مُمثلوها عن تحالفهم مع الكيان الصهيوني، ضدنا، من سوريا ولبنان، إلى ليبيا والسودان واليمن والعراق، وضد بعض الجيران، وهي حَرْبٌ لا يمكن التعويل فيها على “أصدقاء” مثل روسيا والصين، لأنهما تدافعان عن مصالحهما، وهو أمر مفهوم، ومَنْطِقِي ومَشْرُوع، ولا شيء غير ذلك، وعلى سبيل المثال فقد دعمت روسيا، إلى جانب أمريكا، احتلال تركيا مناطق سورية جديدة، شمال شرق الفرات، من جهة أخرى تطورت علاقات الصين وروسيا، على مر السنين، مع الكيان الصهيوني (الذي يقصف سوريا باستمرار)، في مجالات استراتيجية، كالطاقة والسلاح، وتبادل التّجارب والخبرات القَمْعِيّة، وعلى أي حال، لا يُمكن للحلفاء القيام بالحرب أو قيادة المُقاومة مكان أصحاب القضية، أو مكان الضّحايا، أي مكاننا نحن العرب الكادحون والفُقراء والمُتَضرِّرُون من تحالف الرجعية العربية مع الصهيونية والإمبريالية…

هامش – الغاز أداة تطبيع

بدأ الكيان الصهيوني تصدير الغاز، المَسْرُوق من سواحل فلسطين، إلى الأردن، يوم الأول من كانون الثاني/يناير 2020، ليكون الأردن أول زبون للعدو، وضخ العملة الأجنبية في ميزانية العدو، لمساعدته على إبادة الشعب الفلسطيني، وتثبيت أقدام المُسْتوطنين القادمين من أرجاء العالم، في وطن وأراضي اللاجئين من الشعب الفلسطيني…

رَفَضَتْ حكومة الأردن عَرْضًا جزائريًّا وآخر عراقيا، لشراء الغاز بأسعار تَفْضِيلِيّة، وبدل ذلك، وقّعت، سنة 2016، عقدًا مع الكيان الصهيوني لشراء غاز منهوب من فلسطين، بقيمة عشرة مليارات دولارا، ولفترة 15 سنة، رغم الإحتجاجات الشعبية…

كتبت الصحف الصهيونية ان حكومة مصر، التي تتبجّحُ بضخامة حجم اكتشافات الغاز في البر والبحر، سوف تستورد، خلال أسابيع قليلة، الغاز المَنْهُوب من فلسطين، بعد أن كانت مَصْر بلدًا مُصدّرًا للغاز نحو العدو (وهي أيضًا عملية تطبيع)، ووصف وزير طاقة العدو هذه الصفقات ب”أهم عمليات التطبيع، على الإطلاق، منذ أربعة عقود” (أي منذ توقيع اتفاقيات “كمب ديفيد”).

منذ عشر سنوات، فشلت محاولات حكومة الكيان الصهيوني، والشركات الأمريكية، في اجتذاب المُستثمرين (غير الأمريكيين) للإستثمار في استخراج الغاز المنهوب من سواحل فلسطين، واجتذاب الزبائن لشرائه، لكن العقود المُوقّعة مع أنظمة التطبيع في مصر (التي ستخزن موانئها هذا الغاز المُسال) والأردن لشراء الغاز، ستشجع المستثمرين والزبائن، وستصبح حقول الغاز المسروق من الفلسطينيين مربحة، وستندمج دولة الإحتلال في المنطقة، عبر التطبيع الإقتصادي، وعبر تطوير العلاقات مع صهاينة العرب في الخليج، لتكتسب هذه العُقُود أهمية استراتيجية للمُحتلّ، وكارثة إضافية للشعب الفلسطيني، وللاجئين.

على النقيض من الأنظمة والحكومات ، يدين الشعبان الأردني والمصري أي شكل من أشكال “تطبيع” العلاقات مع دولة الإحتلال ، التي لا يزال الشّعْبَانِ (والشعوب العربية الأخرى) يعتبرانها العدو الرئيسي.

نجحت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في التفاوض والتوقيع، مع حكومتي قبرص واليونان (02/01/2020) على عقود لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز المَسْرُوق من الفلسطينيين، نحو أوروبا، ما قد يُثير اعتراض تركيا (عضو في “الناتو” وشريك تجاري وعسكري وسياحي هام للكيان الصهيوني) التي تحتل شمال قبرص وتستقبل الغاز الروسي، لتوزيعه فيما بعد ونقله إلى أوروبا الجنوبية.

تجري حكومة الكيان الصهيوني أيضًا مفاوضات مع دول آسيوية، مُستهلكة لكميات ضخمة من الغاز، مثل الصين وكوريا الجنوبية، كما تسعى لتوقيع عقود لبيع الغاز إلى الهند، التي يحكمها حزب يميني متطرف، ذو عقيدة (إيديولوجيا) قريبة جدًا من الإيديولوجية الصهيونية، ما ساعد في تطوير العلاقات التي كانت متطورة أصلاً، خلال السنوات الأخيرة لحكم حزب المُؤتمر…

قد يعجبك ايضا