نعوم شومسكي – عواقب الحرب بين إيران وأمريكا لا يمكن التنبؤ بها




الأردن العربي – الأربعاء 8/1/2020 م … 

حاوره: سعيد السالمي

قال المفكر والفيلسوف الأمريكي، نعوم تشومسكي، إن عواقب الحرب بين أمريكا وإيران لا يمكن التنبؤ بها، ولكنها قد تكون مدمرة.
وحذر تشومسكي، في أول حوار مطول، يخص به صحفي مغربي هو سعيد السالمي، من أن إيران تتوفر على القدرات الصاروخية كافية لشن غارات على الشمال الشرقي السعودي، ما سيؤدي إلى محو العربية السعودية.

وأوضح تشومسكي أن الولايات المتحدة الامريكية قد ترد بهجمات مدمرة وبعد ذلك ستتسع دائرة الصراع ولا أحد يمكنه أن يعرف كيف يوقفها.

وفيما يلي نص الحوار.

– شرف عظيم أن أكون معك هنا. تعتبر دائما أن هناك خطران يهددان البشرية ، وهما الدمير البيئي والتهديد النووي .لنبدأ بالأول اي التدمير البيئي دكتور تشومسكي بصفتك فيلسوفا هل تعتقد انه لا يزال هناك مجال لتحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والعلمي والاكراه الاخلاقي؟

= لكي نطرح المسألة في الاتجاه الآخر، فإن التقدم العلمي هو السبيل الوحيد للإفلات من كارثة ستكون من الناحية الاخلاقية فاجعة كبرى. إن العلم هو الذي سيساعدنا، وهو طريقتنا الوحيدة للنجاة من كارثة وشيكة سيسببها التدمير البيئي. كما أقول دائما فإن تدمير الآفاق المتعلقة بحياة انسانية منظمة هي أفظع جريمة يمكن تخيلها، ولكن الجواب الوحيد على هذه المشكلة هي التقدمات العلمية. على سبيل المثال، إذا استطعنا الانتقال إلى الطاقة المستدامة فذلك بفضل الانجازات العلمية وليس بفضل الأدب.

– الفاجعة قريبة جدا؟ هل أنت متشائم دكتور تشومسكي؟

= أعتقد أن الكارثة قريبة جدا وليس هناك أي مبرر للطعن في الاجماع الساحق.. 100% من علماء المناخ الجادين يتوفرون على دلائل على أننا سنصل الى الكارثة في غضون جيل أو جيلين. إننا نتجه مباشرة نحو الكارثة إن لم يتم اتخاذ خطوات جادة، ولن يتم اتخاذها.

– بخصوص التهديد الثاني، اي التهديد النووي كما تعلم فقد انسحب ترمب من اتفاقية 2015 الشهيرة ولكن الاحداث الاخيرة اظهرت وكأنه لا يستطيع شن الحرب على إيران أليست هذه نقطة إيجابية في نظرك؟

= لا أعتقد أن إدارة ترمب ترغب في شن الحرب على إيران.. عواقب ذلك لا يمكن التنبؤ بها ولكنها قد تكون مدمرة. على سبيل المثال، إيران تتوفر على القدرات الصاروخية الكافية لشن غارات على الشمال الشرقي السعودي. هذه المناطق الشيعية التي تضم اغلب المحطات النفطية، والتي تضم كذلك محطات تحلية المياه، ما سيؤدي إلى محو العربية السعودية. الولايات المتحدة الامريكية قد ترد بهجمات مدمرة وبعد ذلك ستتسع دائرة الصراع ومن يدري إلى أين نسير؟ هذا سيظهر أمامه تنظيم “الدولة الاسلامية” ككيان وديع.. لا أعتقد أنهم يريدون شن الحرب على إيران ولكن التحركات الاستفزازية التي يقومون بها يمكن ان تقود إلى صراع فجائي في خليج هرمز سيتفجر دون ان تكون لدى أي منهم نية في ذلك. مقابل اطلاق القوارب الايرانية الصغيرة، هناك حاملات الطائرات الامريكية.. إلى أين نمضي؟

– سيكون خرابا حقيقيا ولكن الشرق الاوسط وشمال افريقيا او الشرق الاوسط كما تسمونها هنا في امريكا منطقة مضطربة للغاية . هل انت متفائل بشأن مستقبلها؟ مع كل المشاكل الثقافية والاثنية؟

= منطقة الشرق الاوسط تشتغل بشكل جيد في اتجاه الانتحار.. ليس فقط بسبب القضايا الثقافية، أقصد أن معظم مناطق الشرق الاوسط وشمال إفريقيا ستكون في القريب من الأيام غير قابلة للحياة. المناطق الرئيسية المنتجة للنفط، التي كان لديها حوالي 30 أو 40 سنة، لم توفر إلا فرصاً ضئيلة. إنهم يأملون أن يتمكنوا من التحول من إنتاج الوقود الأحفوري إلى طاقة مستدامة ولكنهم بالكاد يتحركون في هذا الاتجاه، ويوسعون إنتاج الوقود الأحفوري الذي سيدمر المنطقة.. هذا فضلا عن النزاعات الثقافية وغيرها من النزاعات الداخلية القاسية للغاية والتي تجعل من الصعب جدا الوصول إلى قرارات عقلانية حاسمة حولها.

– هذا يذكرني بما تقوله عن المجمتع الاسرائيلي مع مشاكلة الداخلية والثقافية .إلى أي حد يمكن ان تؤثر على قوة اسرائيل؟ هل يمكن ان نتوقع تدميرا داخليا كما يقول آخرون؟

= هذه مشكلة خطيرة، ولكنها ليست الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل. أعتقد أن مشاكل إسرائيل الثقافية الداخلية هم السكان المتدينون القادمون من أوروبا الذين يتزايدون بشكل سريع وعميق للغاية، ولا يساهمون في المجتمع وأصبحوا يشكلون عاملاً مهما يقوض الطابع العلماني للمجتمع، بشكل سيؤدي إلى أزمة داخلية خطيرة. هناك الجالية اليهودية العربية أيضا التي تساهم في ذلك بمكونها، أي السفارديم.

– هل سمعت بصفقة القرن؟

= لا نعرف حتى إذا كانت موجودة أم لا. ولكن من خلال المقترحات التي تم تسريبها، يبدو أنها محاولة للقضاء على القضية الفلسطينية من خلال توفير بعض التمويل الذي من شأنه أن يرضي الحد الادنى من الفلسطينيين الذين لا تهمهم أي إشارة بخصوص مصادر هذا التمويل، وستؤدي إلى نوع من التحالف بين إسرائيل والانظمة العربية الرجعية. من الصعب جدا أن تجد برنامجا جيوسياسيا منسجما وراء الفوضى التي يخلقها ترمب. ولكن هناك واحدا ظاهرا وهي محاولة بناء تحالف بين الدول الاكثر رجعية في الشرق الاوسط وأعني دكتاتوريات الخليج ومصر السيسي وإسرائيل، وجعل هذا النوع من التحالف الدولي الرجعي قاعدة قوة لترمب يمكن أن تمتد إلى برازيل “بولسونارو” وقلة أخرى.. يبدو هذا بشكل أكثر وضوحا في إملاءَات “ستيف مادن” الذي كان مستشارا وتحدث عن الموضوع بشكل علني، ولعله ما شكل خلفية الأشخاص الذين ينجزون جميع أنواع التحليلات الجيواستراتيجية في إدارة ترامب، والتي قد لا تصل إليه لأنه مشغول بشيئً آخر. إنه لا يعرف شيئًا ولا يهتم، ولكن بالنسبة للفلسطينيين فهذا يعني مجرد إنهاء كل شيء.

– هذا السؤال التقليدي: كيف تفسر ليس الصمت ولكن تواطؤ الحكام العرب؟

= ما يهم الحكام العرب هي مصالحهم الخاصة. ثرواتهم وسلطتهم وهيمنتهم وسيطرتهم. يضطرون لإظهار الاهتمام بالفلسطينين بهدف الحفاظ على هدوء شعوبهم التي تعتبر هذه القضية قضية مهمة. هناك نوع من التحالف الضمني بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل منذ سنة 1967.. 1967 هي السنة التي شهدت فيها سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه إسرائيل تغييرا جذريا. قبل ذلك كان هناك التزام أمريكي، ولكن ليس بهذا التطرف الذي أتى فيما بعد. والسبب أن إسرائيل قدمت سنة 1967 خدمة كبرى للولايات المتحدة والسعودية معاً بتدمير أسس القومية العلمانية العربية التي كانت غريما أساسيا للعربية السعودية والإسلام المتطرف. إنه صراع قديم يعود للحقبة التي احتل فيها البريطانيون المنطقة وكانوا يدعمون الاسلام المتطرف ضد القومية العلمانية. عندما تولت الولايات المتحدة زمام الأمور في المنطقة تبنت السياسة نفسها. وهذا أمر مفهوم. فالقومية العلمانية يمكن أن تقود نحو الاستقلال وإنشاء تحالفات أخرى، ولكن الاسلام المتطرف يمكن أن يتحكم فيه. ليس دائمًا، فقد كان 11 سبتمبر استثناءً، لكنها سياسة تنجح في معظم الاوقات. إذن بعد سنة 1967، كانت سياسة الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة في البداية مبنية على ثلاثة أسس: أولاها المملكة العربية السعودية، وثانيها إيران في عهد الشاه، وثالثتها إسرائيل. كانت العلاقات بين إيران وإسرائيل وثيقة للغاية. لقد اتضح أنهما من الناحية النظرية في حالة حرب ولكن العلاقة بينهما في الواقع وثيقة للغاية. ظهرت هذه الامور بعد سقوط الشاه وانكشفت الكثير من المعلومات واتضح أن الكثير من الزعماء الاسرائيليين كانوا يزورون طهران، وكان هناك تقارب كبير بينهما، وكانت اسرائيل وإيران تعزفان على نفس السمفونية في العديد من الملفات التي كانت المملكة العربية السعودية طرفاً فيها. ومن أوجه صفقة القرن الكبرى هذه، إخراج هذا كله إلى العلن.. ليس إيران الحالية طبعا، ولكن الانظمة العربية الرجعية وغيرها في المنطقة.

– كيف تفسر انتشار اليمين المتطرف في العالم؟

= ما يحدث في العالم بأسره، أو بالاحرى هناك مقاومة لما يحدث في العالم بأسره. أنظر إلى ما يحدث الآن في الشيلي ولبنان والمظاهرات الضخمة “هونغ كونغ”؟ هنا الكثير من الانتفاضات ضد الانظمة القمعية. جلها مرده إلى الاثر الذي خلفته البرامج النيولبرالية طيلة الجيل الاخير. لقد تركت أثرا قاسيا في كل مكان تقريبا. في الولايات المتحدة وأروبا على سبيل المثال فإن معدل تركز الثروات، الذي شهد ركودا كبيرا بالنسبة لغالبية الشعوب، أدى إلى تقويض الأشكال الديمقراطية. هناك أناس غاضبون وغير راضين ومستاؤون من المؤسسات القائمة، ما يشكل بالنسبة للديماغوجيين أرضية خصبة لتأليب غضب الناس تجاه أكباش الفداء، التي عادة ما تكون من الفئات الضعيفة كالمهاجرين الأوروبيين المسلمين أو الأمريكيين من أصل أفريقي وغيرهم، ولكنه في الوقت نفسه، يؤدي إلى نوع من رد الفعل الشعبي الذي يسعى إلى التغلب على هذه الأزمات. لهذا في الشيلي على سبيل المثال، كما رأيتم، فإن واحدا من أبرز شعارات المتظاهرين ليس “ثلاثون بيسو” ولكن “ثلاثون عاما”. نريد التخلص من إرث دكتاتورية بينوتشي التي كانت أول تجربة كبرى للنيولبرالية. تم فرضها بالقوة في الشيلي، قبل أن تنتشر لاحقًا مع “تاتشر” و”ريجن” في العالم الغربي فضلا عن الآثار التي خلفتها في أماكن أخرى على غرار برامج التقويم الهيكلي في أمريكا اللاتينية التي أنتجت عقودا من التخلف.

وكل هذا يتراكم بطرق عديدة. إذا نظرت إلى كل دولة على حدة، ستجد أن لها أسبابها الخاصة، ولكنه نوع من التيار الخفي الذي تلمسه في كل مكان. إنه نوع من الازدراء تجاه مؤسسات الوسط التي أدارت المجتمعات طيلة سنوات عديدة. إنها نتيجة طبيعية لما تعنيه هذه السياسات بالنسبة للناس. فى أوروبا مثلا فإن السمة الاساسية للاتحاد الاوروبي غير ديمقراطية لأن القرارات الكبرى التي يتخذها خارجة عن سيطرة الناس وصارت بأيدي بيروقراطية تصنع القرارات، وهو ما ينتج عنه الاستياء، خصوصا أن السياسات يطبعها التقشف بشكل كبير. في أماكن أخرى حول العالم هناك قضايا مغايرة، ولكنه نوع من التيار الخفي، إنه نوع من الربيع العربي الذي ربما سيعود.

– تهدد الاشكال الديمقراطية ، ولكنه يعكس ايضا أزمة الديمقراطية التمثيلية، أليس كذلك دكتور تشومسكي؟

= في أوروبا بشكل لافت للنظر للغاية. لذا، كما قلت في أوروبا تتخذ قرارات كبرى من طرف بيروقراطية غير منتخبة في بروكسل مع البنوك الشمالية المتعجرفة. وهو ما لا يختلف كثيرا عن الولايات المتحدة وبريطانيا. بفعل البرامج النيوليبرالية، وتزايد تركز الثروات، وركودها بالنسبة لعامة الناس، انعكس سلبا على ملامح الديمقراطية الغربية، وأخص بالتحديد القوة الساحقة للثروة المركزة، فإن قوة الشركات التي تم النفخ فيها بشكل كبير خلال فترة النيوليبرالية في القاعدة الوحيدة خلال مواقف الناس تجاه الكونغرس هي في دعم رقم واحد. لا أحد لديه أي إيمان في الفاتحين كانت أسباب وجيهة.

– قلت قبل قليل إن الربيع العربي قد يعود الشعوب ثارت ضد الدكتاتورية والاستبداد ولكن التدخل الجيوسياسي دمر المنطقة الآن صارت رهينة بين الاستبداد والاستقرار .ما هو الحل في نظرك دكتور تشومسكي؟

= الحل هو ما بدأ مع الربيع العربي، وتم إحباطه بسبب تركز السلطات. أي دفع البلاد إلى القضاء على البنيات الاجتماعية الرجعية الاستبدادية وإدخال الديمقراطية الحقيقية. كانت هناك خطوات في هذا الإتجاه ولكن تم سحقها بطريقة أو بأخرى. في تونس إلى حد ما هناك نوع من التقدم. في مصر، كانت هناك انتخابات انتخبت جماعة الإخوان المسلمين التي كان لها طابعها القمعي البيروقراطي الذي أدى، لسوء الحظ، إلى الانقلاب العسكري. رحبت الفئات التقدمية من الشعب كثيرًا بالانقلاب العسكري لأنها اعتقدت أنه سيرسي الديمقراطية في مصر. وهذا مجرد وهم. ربما كان هذا الانقلاب العسكري أصعب فترة في تاريخ مصر. سوريا بالطبع كل شيء دمر بالكامل، لكنني أعتقد أن “الجينات” لا تزال موجودة وستطفو على السطح مجددا في المستقبل، كما هو الحال في مصر، التي شهدت مؤخراً مظاهرات ولكن تم سحقها..

– الحكام العرب يستغلون هذا الوضع لقمع شعوبهم بينما تزداد الازمة الاجتماعية سوءًاما نصيحتك للحكام السلطويين العرب؟

= لا نصيحة للزعماء العرب. إنهم يعرفون ما يفعلون. النصيحة يجب أن توجه لعامة الشعب. عليهم أن ينظموا وينفذوا خطوات مهمة لمحاولة إسقاط وتفكيك البنية السلطوية للدولة في الميدان الإقتصادي، وهذا بأيدي الشعب. أما الزعماء فلن يفعلوا ذلك. لأنهم من يستفيدون منه. لقد حدث هذا في المغرب تحت الضغوط الشعبية، وكان ذلك بمثابة تَراخي للبنيات السلطوية. نفس الشيء حدث في الولايات المتحدة، وأعني أن الولايات المتحدة اليوم، من نواح كثيرة، أكثر تحضراً مما كانت عليه قبل 50 أو 60 عامًا، لكن هذا ليست هدية من القادة. تأتى ذلك بسبب النشاط الشعبي الذي أجبر الطبقة الحاكمة على الخضوع لضغوط الشعب، ويمكن ان تذهب ابعد من ذلك.

– في المغرب احتقان اجتماعي كبير. المئات من العتقلين السياسيين. تم اعتقال المئات من المتظاهرين السلميين في الريف بسبب مطالبتهم بالشغل والجامعة والمستشفى .الكثير من الصحفيين في السجن .ما رأيك في هذا الوضع دكتور تشومسكي؟

= السؤال ليس ما هو رأيي في ذلك. السؤال هو ما الذي يجب فعله حيال ذلك.. أقصد إذا نظرت إلى مصر حوالي 60 ألف. هذا هو الوقت الذي ينبغي أن يكافح فيه التنظيم الشعبي للتغلب على هذا الوضع وسيكون جيدا للغاية أن يلقوا تضامنا دوليا يدعمهم، لكن الحكام لن يفعلوا أي شيء. يجب عليك فرضه على الحاكم وهناك طريقة واحدة فقط تنجح وذلك من خلال الأنشطة الشعبية التي ليس من السهل أن تطلق عليها الشرطة الرصاص أو تعتقل النشطاء وما إلى ذلك، ولكن مع مرور الوقت يمكن أن تنجح. أنظر إلى التاريخ، هناك العديد من الأنظمة القمعية التي بدت وكأنها ستستمر للأبد وتمت الإطاحة بها.

قد يعجبك ايضا