لبنان … فرصة تاريخية لنسف إرث:” ثلاثون عاماً من الفساد” / موسى عباس

موسى عبّاس  ( لبنان ) السبت 2/11/2019 م …




منذ ما يقارب الثلاثون عاماً إجتمع ممثلو  ما تبقى من أركان السلطة اللبنانية في مدينة الطائف السعودية وأقروا (مجبرين من قبل الأمريكيين والسعوديين والسوريين )ما سُمّي حينها “وثيقة الطائف” والتي عُرفت فيما بعد تحت اسم ” إتفاق الطائف” والذي على أساسه تم تعديل العديد من مواد الدستور اللبناني وبموجب تلك التعديلات تم تكريس النظام الطائفي والمذهبي وتشريعه دستورياً، تحت ذريعة إنهاء الحرب الأهلية في لبنان التي كرّست ليست فقط الإنقسامات الأفقية والعامودية في المجتمع اللبناني ، وإنّما كرّست زعامات طائفية جديدة تموضعت بقوّة السلاح على رأس المذاهب وأصبح أتباع تلك المذاهب تَبَعاً (بكل ما تعنيه تلك الكلمة من استتباع وعبودية) للزعيم الذي لا تُرد كلمته ولا يتزحزح من موقعه الذي إغتصبه في السلطة السياسية وبموجبه أرسى زعامته المذهبية على مدى ثلاثة عقود متتالية ولا زالت تتالى ، برعاية كاملة ومتكاملة من السلطة الدينية في كل مذهب ، وأصبحت الطوائف بمجملها  مُرتهنة للزعماء الذين تقاسموا وتحاصصوا في كل شيء من مقدرات البلاد المالية والسلطوية فنهبوا  المال العام  وتوزعوا المناصب من أصغر مراكز الدولة وصولاً إلى أعلاها.

على مدى عقودٍ ثلاثة تراكمت الديون  على اللبنانيين حتى ناهزت المئة مليار دولار مترافقةً مع تراكم الفساد وتراجع القطاعات الإنتاجية كافةً الى درجة إنهيار بعضها كليّاً كقطاع الكهرباء الذي  صُرفت عليه المليارات وبدلاً من تطوره انهار  ويصفه اللبنانيون بأنه مغارة اللصوصية.

بعض الوزراء في الحكومات المتعاقبة  وزوجاتهم وأبنائهم أصبحوا يمتلكون الثروات الطائلة ويرفضون إقرار قانون الإثراء غير المشروع وحتى مجرّد المناقشة فيه وكذلك  غالبية النواب الذين يتكرر  تعيينهم

(وليس انتخابهم) في مجالس النواب المتعاقبة.

وصل الفساد الى درجة أن رئيس وزراء سابق وهو من أثرياء العالم يحصل على قرض من مصرف لبنان المركزي بملايين الدولارات بفائدة ضئيلة جدّاً ويقوم بإقراض تلك الأموال لخزينة الدولة بفائدة مرتفعة جداً ، وعندما تتجرأ  قاضية على إحالة ملفه إلى التحقيق  تقوم قيامته وسرعان ما يكفون يدها، وهناك آلاف الأمثلة التي تؤكد فساد غالبية من تولى المراكز العامة للدولة والقريبين منهم الذين استغلوا مواقعهم للإستيلاء على أموال الشعب.

وهكذا أمسى  لبنان ينافس على المرتبة الأولى في الفساد عالمياً .

– فرصة التغيير:

إن الإنتفاضة التي حدثت منذ السابع عشر من تشرين الأول 2019 والتي  بدأت صادقة في جميع مطالبها  الإصلاحية (قبل أن يستغلها بعض الفاسدين من زعماء الأحزاب لتحقيق مآربهم الخاصة وبعض الدول الراعية لهم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية  بهدف زرع فتنة تجر البلاد والمقاومة  إلى حرب أهلية داخلية )، إن تلك الإنتفاضة أعطت الفرصة التي قد لا تتكرر على المدى المنظور  لبعض الشرفاء إن كانوا “ممن يتولّون المسؤولية المباشرة في إدارة شؤون البلاد أو من المؤثرين الفعليين في الشأن العام ” أعطتهم الفرصة لإحداث تغيير جذري وثوري في كل شيء بدءاً من:

– تشكيل حكومة خبراء في جميع المجالات لا يتجاوز عدد الوزراء فيها عدد الخمسة عشر وزيراً ممن عرفوا بالنزاهة  وبنظافة الكف تعمل تلك الحكومة فوراً على:

– اجتثاث الفساد والفاسدين من جذورهم وبقوّة القانون من خلال إحالتهم سريعاً إلى قضاء حر ثوري ونزيه لا يراعي لا التوازنات السياسية ولا الطائفية.

– مصادرة أموال وممتلكات جميع الذين أثروا على حساب المال العام من العاملين في القطاعين العام والخاص .

– إقرار قانون من أين لك هذا يطال جميع المواطنين ودون استثناء.

– العمل على ربط العملة الوطنية  بسلّة من العملات الأجنبية وليس فقط بالدولار.

– رفض تخصيص القطاعات العامة والعمل على إصلاحها وتنظيفها من الفاسدين.

–  العمل على إجراء تعديلات دستورية تلغي المحاصصة في الوظائف بما فيه وظائف الفئة الأولى  لتنحصر الشروط  لتولي أي منصب في فقط النزاهة والكفاءة.

-إصدار قانو ن انتخابي جديد على أساس النسبية ولبنان دائرة واحدة ومنع ترشّح أيٍ كان من الذين تحوم حولهم شبهات الفساد.

وهكذا  يكون هذا العهد قد أنقذ لبنان من براثن الذين تكالبوا على سرقة لقمة عيش الفقراء على مدى عقود وكذلك يكون قد أنهى تاريخ فترة مشؤومة بدأت منذ توقيع إتفاقية الطائف 1989.

اذا حدث ذلك فعلاً يكون لبنان قد أضحى يقال فيه صدقًا وليس مجازاً :

” سعيدٌ من له مرقد عنزة في لبنان”.

ويبقى ذلك مُجرّد “حلُمٍ يكاد يستحيل تحقيقه”.

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا