وراء اكمه لبنان / د. سمير محمد أيوب

الأردن العربي – الأربعاء 30/10/2019 م …




كتب الدكتور سمير محمد ايوب
وراء أكَمةِ لبنان
يا رب لا تهجر سما لبنان ،
بسبب سوء الاوضاع المعيشية ، والفساد العميق في لبنان ، اختنق جُلُّ اللبنانيين ، فانتفضوا . وناهضوا الطبقة السياسية الحاكمة ، واخطبوط الحكم ، ومنظومة النهب العام . وبدا الانفجار الاجتماعي ، كما لو أن ثورة شعبية عابرة للطوائف والمذاهب ، تحلم بوطن خال من السوس ، تعم لبنان من اقصاه الى اقصاه .
بعد اقل من اسبوعين ، دخلت على خط الاعتصامات ، قوى دولية مشجعه كاميركا ، وقوى اقليمية داعمة ، وقوى محلية من التوابع ، راعية واخرى منفذة ، كجعجع ، والسنيوره مثلا . التفت على وجع الناس وعدالة مطالبهم ، وخطفت الحراك ، وركبت امواجه ، قبل ان تتبلور قواه وقياداته وتنتظم تحالفاته في اطر واضحة ، وتعمق ثقافة التغيير، وتجسدها في خطوات عملية ميدانية .
بعد أقل من اسبوعين ، برز الى العلن ، في دهاليز الانتفاضة وعلى سطحها ، سوق عكاظ سياسي ، اختلط في صراخه ، شوارعية تعميمية . تحاول تزييف الاسباب والتضبيب على المسببين الحقيقيين ، لأخذ المظاهرات الى عناوين مختلفة ، تحرفه عن هدفه الاساس الذي بدأت به . وبدأ العبث عبرهرج الشتائم ، والاحقاد الطائفية والمذهبية ، وتمرير شعارات ومطالب سياسية هلامية ليست بريئة . رافقها تقطيع اوصال لبنان .
حراك ترشده السفارة الامريكية ورئيس جامعتها ، ويشجعه السنيوره ، ويقوده جعجع ، في منطقة تغلي مع العدو الصهيوامريكي ، لن تكون وقائعة ، في مهب الصدف والعشوائيات . بل كل شيء في كتبه بحساب ، وفق المعروف من قواعد الفوضى المضبوطه . فصلها الاول التركيز على اسقاط العهد لاحداث فراغ سياسي ، واشغال لحزب الله وعزله سياسيا. ومن ثم المطالبة بحماية دولية ، تزلزل الارض من تحت اقدام قوى الممانعة والمقاومة ، تمهيدا لشن حرب عليها ، وسلبها سلاحها . أثارت مثل هكذا تطورات ، تساؤلات مشروعة وسلسلة شبهات ، عمن ينظم أجندات الحراك ومن يموله ، وعمن يقوده ميدانيا .
في ظل هذا الحرف والركوب والسرقة ، ونوعية المطالب ورسائلها الملغومة ، الى اين ذاهب لبنان ، وما هي مآلات ما يجري هناك ؟
يصعب اصدار احكام قطعية الدلالة ، فالحراك لوحة سريالية قطعية الثبوت ، مثقلة بمجوعات بشرية غاضبة ، متنافرة المرجعيات والاهداف والادوات . تمثل لبنان بكل طوائفه واطيافه السياسية . بين تلك المجاميع ، من هو مرتهن ،ومن يدفع ومن يقبض ، بيهم الواقعي الجائع والواقعي المتخم ، وبينهم الحالم بالتغييرالشامل والاصلاحي والفوضوي . ولكن لاننا نعلم علم اليقين ، أن الاهداف النبيلة قد تحملها ايد قذره ، لا نملك الا السنة تحذر بلا تأتأة : لا بارك الله بأهداف تبدو نبيلة ومحقة ، إن جعلت الفاسد قيما عليها .
ولبنان يترنح مثخنا بجراحه ، من الضروري التذكير، بسيناريوهات الحرب على سوريا ، وما انتهت اليه الامورهناك . وأن نذكرايضا ، بما سبق ولسنين طوال ، قد عانى منه لبنان ، انتشرت لغة الدكاكين ، شرب مطولا من اللغة الطائفية وتفلت منابرها ودكاكينها ، ومعابرها وخطوط تماس ، أبكت كل الناس ، وتوسعت في بناء المقابر .
المزاج الطائفي سميك في لبنان سريع الاحتقان ، سيحتمل خطايا الاقطاع السياسي ويحتويها . ومع شيء من التحسين والمكيجه سيعيد تدويرالواقع . ولن يسمح بصعود قيادات شابة عابرة لطوائفه ومذاهبه ولا حتى مناطقيته . مما سيعمق الازمة ، ويضع البلد على حافة شارع مقابل شارع ، ومتراس مقابل متراس ، وصولا الى انفاق ودهاليز ، لا غالب ولا مغلوب ، التي اشتهر بها الاقطاع السياسي في لبنان .
يا رب ، لا تترك لبنان ، للبُوَمْ والغِرْبان .
الاردن – 30/10/2019

قد يعجبك ايضا