مظاهرات العراق ثورة ضد الفساد وأشياء أخرى / ابراهيم ابو عتيلة

نتيجة بحث الصور عن ابو عتيلة

ابراهيم ابو عتيلة  ( الأردن ) السبت 26/10/2019 م …




* تنويه لا بدّ منه ( من المشرف العام / عاطف زيد الكيلاني ) : نحن، في هيئة تحرير الموقع ، لا نتفق إطلاقا مع ما ذهب إليه رفيقنا العزيز الكاتب والمحلل السياسي ابراهيم أبو عتيلة ، ومع ذلك ، ها نحن ننشره كي لا يعتقد أننا نحجب وجهة نظره ، والتي نعتبرها مهمّة في كلّ الأحوال، بل وجديرة بالحوار والنقاش الجاد. إذ كيف نحجب مقالا لكاتب من أهم كتّب الموقع وصديق شخصي منذ نصف قرن؟!

تشهد العراق منذ بداية هذا الشهر ” تشرين أول / أكتوبر ” احتجاجات ومظاهرت شملت بالإضافة للعاصمة بغداد كافة المحافظات الجنوبية ، مظاهرات سلمية مطلبية واجهتها السلطة الحاكمة بالقمع وإطلاق الرصاص الحي رغم إنكار السلطة القيام بذلك ذلك ، فسقط الشهداء والجرحى ، وكعادة الحكومات العربية التي تردد الحجج التي تشير إلى وجود مندسين ومأجورين من الخارج هدفهم اشعال الشارع من جهة وقتل المتظاهرين السلميين من جهة أخرى دون ان تقوم السلطة ” الحكومة ” بالوقوف على الأسباب الحقيقية لتلك المظاهرات والاحتجاجات ومواجهتها ووضع الحلول لمعالجتها ، فالأسهل دائماً هو لعبة إلقاء المسؤولية على وجود طرف خارجي هدفه المس باستقرار البلاد ووحدتها.

لقد تناست الفئة الحاكمة في العراق والمرتبطة في غالبها بأحزاب الدين السياسي وميليشياتها ، تلك الأحزاب التي تخضع للضغط الخارجي تارة وضعف الذمم تارة أخرى حيث تناست الفئة الحاكمة حجم الفساد السائد فأصبح العراق من أكثر عشرة دول فساداً في العالم ، وليس من المستغرب أن تصمت تلك الأحزاب  عن كل ما يجري فلكل حزب حصة من الثروات الوطنية ولكل زعيم نصيبه ،وحصته ، فكل شيء في العراق خاضع للمحاصصة ، المناصب على اختلاف مستوياتها محاصصة إما بين الطوائف أو بين الأحزاب ، والثروات محاصصة وكل شي خاضع للمحاصصة ، ومن الطبيعي أن تقود تلك المحاصصة للفساد والمحسوبية فالحزب يهتم بأعضائه والمقربين منه وينسى غير ذلك ، وهنا تضيع الفرص والثروات عن عامة الناس غير المتحزبين والذين لا ولاء لهم إلا للوطن ..

إن اقتصار المظاهرات بشكل عام على المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية له معان ومدلولات وهنا لابد من الإشارة أن نسبة الفقر في الجنوب أعلى ” تاريخياً ” من الشمال ، وربما نتفهم وضع المنطقة ذات الأغلبية الكردية فمنذ الحصار على العراق في تسعينات القرن الماضي وهي تتمتع بالهدوء وتوجه رؤوس الأموال للاستثمار فيها بدعم وتشجيع مباشر من أمريكا ، كما ان تمتع تلك المنطقة بنصيبها من الموازنة العامة وقيام زعماء الكرد بسرقة موارد آبار النفط الموجودة في المنطقة وبيعها من خلال تركيا دون أن يقوموا بتوريد دولار واحد للخزانة العامة مما وفر لها الكثير من الموارد وكل ذلك بفضل أمريكا ودستور ” بريمر” الذي جعل من تلك المنطقة إقليماً أشبه بدولة مستقلة .. أما عن عدم مشاركة المناطق ذات الأغلبية السنية فهو أمر محير فربما يقول قائل بأن وضعهم كان أفضل نسبياً في ظل الحكومات السابقة ما قبل 2003 وربما ” وبصراحة ” لشعور الكثيرين في تلك المنطقة بتقلص دورهم في الحياة العامة وفي حكم العراق في ظل النفوذ الكبير الذي تتمتع به الأحزاب الدينية ذات المرجعيات القوية والتي تحكم العراق تقريباً .

إن المؤامرة على العراق مستمرة .. فالعراق بلد غني بثرواته وهو بلد مؤهل بأن يلعب دوراً كبيراً على المستويين الإقليمي والدولي ، بلد لا تنقصه الموارد ولا العقول ولكنه بلد تنقصه الإدارة والقيادة الواعية.. فالعراق بلد تتصارع القوى الإقليمية على نهب ثرواته وإضعافه ولكل دولة من الدول الطامعة رجالاتها التي تنفذ أجندات تلك الدول .. كما يصح القول أيضاً بأن العراق يعاني من احتلالين :

أولهما الاحتلال الأمريكي حيث مازالت أمريكا تحتل العراق وتلعب دوراً كبيراً في كل ما يجري فيه وقواعدها وجيشها مازال متواجداً ويسرح ويمرح دون رقيب أو حسيب بحيث وصل الأمر بان يقوم رئيس الولايات المتحدة بزيارة القواعد الأمريكية دون إعلام السلطة المركزية في بغداد عن ذلك ، علاوة على أن ايرادات بيع النفط العراقي تمر من خلال البنوك الأمريكية تحديداً ، فالاحتلال الأمريكي احتلال بغيض ومكروه وهو احتلال يصب مباشرة في مصلحة الكيان الصهيوني ولعل ما يجري في مناطق الكرد لأكبر دليل على ذلك .

أما ثانيهما فهو الاحتلال الايراني ، وهنا قد يخالفني البعض وخاصة من يحسبون أنفسهم على محور المقاومة بحجة أن ايران تقدم الكثير لهذا المحور من سوريا لليمن لفلسطين ولبنان … نعم ايران قدمت وتقدم الكثير لمحور المقاومة ، أما في العراق فتلك قصة أخرى لوجود العداء التاريخي بين العرب والفرس من ناحية وبين العراق وايران من ناحية أخرى ، فمازالت ذكرى الحرب العراقية الايرانية قائمة ، ومازالت ذي قار محفورة على صخر التاريخ ، ومازالت أطماع ايران في العراق كبيرة فعند الكثيرين من رجالات السلطة الايرانية فإن العراق جزء من الإمبراطورية الفارسية وفق ما صرح به السيد علي يونسي نائب الرئيس الايراني حسن روحاني ومستشاره للشؤون الدينية قبل ثلاث سنوات ، تلك التصريحات التي كشفت عن نوايا ايران ونظرتها للعراق ، حين قال في تصريحاته غير المسبوقة “إن إيران قد أصبحت الآن امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها حالياً بغداد ، وبغداد – حسب تعبيره – مركز حضارتنا وثقافتنا كما كانت في الماضي ، وقال أن بلاده: “كانت منذ ولادتها “إمبراطورية”، مضيفا: : “العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم كما كان في الماضي .. أن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة بيننا غير قابلة للإلغاء” .. ومن هذا المنطلق قامت ايران بنهب العراق ونهب مياهه كما فعلت بمياه نهر قارون التي حوولته إلى داخل اراضي الايرانية بدلاً من أن يصب في شط العرب وأدى ذلك إلى تملح شط العرب وفقدان مدينة البصرة لمياه الشرب العذبة كم قامت بتحويل نهر ” الوند ” ومنع جريانه في العراق الأمر الذي أدى إلى تجفيف مزارع وبساتين ديالى… ومن جانب آخر ومنذ حكم الشاه فإن أطماع ايران في العراق مستمرة حيث وظفت ايران كل قوتها الدينية وقوة مرجعاياتها للتأثير على ما يجري في العراق فدربت الميليشيات لمحاربة النظام السابق تلك الميليشيات التي دخلت العراق مع الغزو الأمريكي وعلى الدبابة الأمريكية فكانت القوة الوحيدة بعد حل الجيش العراقي على يد أمريكا وتسديت تلك الميليشيات الساحة فعبثت بالمقدرات وبالثروات وبالقرارت وشكلت الأحزاب ذات التأثير الكبير في السياسة العراقية كل ذلك تحت راية الدين السياسي وأمام نظر المرجعيات ، وكما يكره العراقيون الاحتلال الأمريكي فقد تصاعد هتاف الجماهير العراقية ضد الوجود الايراني أيضاً ….

إن ما يجري في العراق يعود بشكل قطعي للاحتلالين التي تمت الإشارة إليهما فكل منهما عبث بالعراق بوسائله ومن خلال اتباعه فتغذت المحاصصة والطائفية وكبرتا مما سهل كل انواع السرقة والفساد التي يتم رعايتها وتشجيعها أيضاً من أمريكا ودول الجوار وبأيد صهيونية …. وحتى لو سكتت الشوارع وتوقفت المظاهرات فسيكون وقف مؤقت ، الأمر الذي لابد معه من تكاتف كل جهود أبناء العراق المخلصين لتحرير العراق من الاحتلالين وتمزيق دستور “بريمر ” وإعادة اللحمة الحقيقية للشعب العراقي بكل أطيافه وقومياته وطوائفه ولحين ذاك على السلطة الحاكمة الاستجابة لطلب جماهير الشعب العراقي بمحاكمة الفاسدين والحد من البطالة .

ابراهيم ابوعتيله

عمان / الأردن

26 / 10 / 201

قد يعجبك ايضا