هل يمكن إصلاح الرأسمالية؟ هل توجد “رأسمالية تقدّمية”؟ … قراءة في بعض أطروحات “جوزيف ستيغليتز” / الطاهر المعزّ

الطاهر المعزّ ( تونس ) الجمعة 27/9/2019 م …




جوزيف ستيغليتز هو اقتصادي وأكاديمي أميركي، يُصنَّفُ كأحد أقطاب تيار “الكينزِيِّين الجدد”، ويقول إنه لا يتفق مع النظريات التي تدّعي إن الأسواق قادرة على تنظيم وضبط نفسها، وخلق حالة توازن، عبر عملية العرض والطلب، دون تدخل الدّولة، لضبط وتقنين النشاط الاقتصادي، ويُعلّل ضرورة تدخّل الدّولة، من أجل “ضمان سير الأسواق بفاعلية، وتجنّب الفوضى والأزمات المُتعاقبة والدّورية”…

كان “جوزيف ستيغليتز” قريبًا من جهاز السلطة ومن دوائر القرار السياسي، سواء في الولايات المتحدة، أو في أوروبا، وعينه الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون”، سنة 1993، عضوا في مجلس المستشارين الاقتصاديين لإدارته، وترأس هذه اللجنة من سنة 1995 إلى سنة 1997، وهي سنة التحاقه بالبنك العالمي، في منصب أكبر المُستشارين الإقتصاديين للبنك، ونائب رئيس البنك حتى سنة 2000، ومع ذلك يَدّعِي أَنْصارُه “إنه مُعادي للسياسات التي تفرضها المؤسسات المالية الدّولية”، وبعد سنة واحدة (سنة 2001) حصل على ما تُسمى “جائزة نوبل” للإقتصاد (هي في الواقع ليست جائزة نوبل، ولكنها سُمِّيت كذلك، ويُسندها المصرف المركزي بالسويد)، اعترافًا من اللجنة “بأهَمِّيّة إسهاماته النّظَرِيّة في مجال الإقتصاد الشّمولي”، وأدّت به انتهازيّتُه حدّ العمل مع الرئيس الفرنسي الأسبق “نيكولا ساركوزي”، أحد المُقرّبين جدا من تيار المُحافظين الجدد، وأحد أشد المُعادين للطبقة العاملة وللفُقراء وللشعوب المُضْطَهَدَة، وأحد أكبر المدافعين عن حرية رأس المال والأسواق، والبورصة، ونَصّبه ساركوزي، سنة 2008، رئيسًا للجنة “قياس الأداء الاقتصادي والرُّقِي الاجتماعي”، وفي سنة 2009، عيَّنه رئيس الجمعية العمومية للأمم المتحدة رئيس “لجنة الخبراء، من أجل إصلاح المنظومة النقدية والمالية الدولية”…

نَشَرَ “ستيغليتز” أبحاثًا تلخص نظرياته بشأن سير الأسواق وعدم تكافؤ المتعاملين (المَصارف والمُقْتَرِضِين، على سبيل المثال)، بسبب عدم حصولهم على نفس القدر من الأخبار ومن المعلومات، بل وتباين هذه المعلومات، ويجعل من هذا التّبايُن منطلقًا لتفنيد وجود “اليد الخفية” للأسواق التي ادّعى وجودَها “آدم سميث”، ويدّعي “ستيغليتز” من هذا التباين سببًا “لعجز الأسواق عن ضمان سير فعال يحقق الكفاءة الاقتصادية المرجوة”، وسببًا يؤدي إلى رَفْع المصارف نسبة الفائدة على القُرُوض، وأصبحت هذه النّظرية تُسمى “اقتصاد المعلومات”، منذ بداية عقد السبعينات من القرن العشرين…

كان ستيغليتز يشغل منصب نائب رئيس البنك العالمي، عند انطلاق أزمة أسواق آسيا ثم روسيا سنة 1997 و 1998، ونَشَر عددًا من المقالات حول “ضرورة إصلاح المؤسسات المالية الدّولية”، لتتمكن من تعديل نشاط الإقتصاد العالمي، وتَجَنُّبِ الأزمات، ويقترح دعم صندوق النقد الدولي والبنك العالمي لآليات تحفيز وإنعاش الإقتصاد العالمي، بدل فَرْضِ نفس الشّرُوط على كافة الدول المُقْتَرِضَة (التقشف والخصخصة وإلغاء دعم السلع الأساسية)، وهي الشروط التي ناقشها المجتمعون في حزيران 1989، في اللقاء الذي عُرفَ فيما بعد ب”وفاق واشنطن”، وهو وفاق بين الكواسر لإخضاع الدول والإقتصاد العالمي لسلطة الشركات متعددة الجنسية، وأثار ستيغليتز جدلاً مع “ستانلي فيشر” (نائب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي)،  عبر وسائل الإعلام، وكان هذا الجدل سببًا في إبعاده من البنك العالمي، وعودته للتدريس بجامعة “كولومبيا”…

خلال الأزمة المالية لسنة 2008، بقي “جوزيف ستيغليتز” يُدافع عن العولمة الرأسمالية، “رغم خيباتها”، ويدعو إلى “إصلاح العولمة، لتكون فَعّالة”، ولتجنُّبِ “غَرق الأسواق الحرة وغرق الاقتصاد العالمي”.

أكد جوزيف ستيغليتز، في فيديو نَشَرتْه شبكة “سي إن بي سي” يوم 06 أيار/مايو 2019، “ضرورة إنشاء اقتصاد عالمي أكثر كفاءة”، واعتماد مزيد من الشفافية ومكافحة الأنشطة المالية غير القانونية، وغسيل الأموال مشبوهة المصدر، ودعا مؤسسات الدولة الأمريكية إلى الدّفاع عن مكانة الدّولار في العالم، لأنه مُهدّد بالعملات المُشفّرة، وبقرارات الصين وروسيا وبعض الدول التي تبحث عن التعامل التجاري بغير الدّولار، الذي يعتبره “عُملة جيدة” يجب أن يُساهم (الدّولار) “في تحسين إدارة الاقتصاد والاقتصاد الكلي”، وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) يوم 20 أيلول/سبتمبر 2019، أعلن “جوزيف ستيغليتز” إن ارتفاع حالات الإفلاس، بسبب تباطؤ النمو، ليس مؤشرًا لحدوث أزمة اقتصادية خطيرة، ويكفي، بحسب رأيه زيادة الاستثمار الحكومي “لتحفيز النمو، وتجنُّبِ الركود”، ويُطلق على مُقترحاته صفة “الرأسمالية التقدمية”، المتمثلة في تكفّل الدولة بتنظيم الأسواق، لتجنّب أزمة خطيرة، وليس من أجل إعادة توزيع الثروات، أو زيادة الضرائب على الثروة والمُضاربات وأرباح رأس المال، لإعادة توزيعها على العاملين والمُنتجين والفُقراء…

عُمُومًا يمكن تلخيص نظريات ستيغليتز، وتيار “النيوكينزيين” المُنبثق عن “مدرسة شيكاغو”، بمحاولة البحث في آليات سير الإقتصاد الرأسمالي لإصلاح الخلل، وعدم المساس بأُسُس النظام الرأسمالي، لأنه يعتقد أنه الأفْضَل، ويرفُضُ هذا التّيّار الذي أصبح “ستيغليتز” يمثله، التّطرّقَ إلى التناقُضات التي يحملها رأس المال داخله، ولا التناقض بين رأس المال والعمل، والإستغلال الفاحش للعُمال، واتساع الهوة الطّبَقِيّة، بين العامل الذي يُنتج الثروة، والرأسمالي الذي يستَغل عمَلَ المُنتجين…

 

 

 

قد يعجبك ايضا