فراس عزيز ديب يكتب : عن النصرِ الاستخباراتي وتداخل الأولويات في سورية ولبنان


 




 

الأردن العربي – الأحد 1/9/2019 م …

كتب فراس عزيز ديب :

نهايةَ صيفٍ ساخنة برائحةِ التين والعنب، أم بدايةَ خريفٍ أحمر برائحة البارود؟ هذه الأسئلة وغيرها جرى الحديث عنها منذ ما بعدَ خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في مهرجان «سياج الوطن».

لعل أهمية هذا الخطاب جاءت بعد عدوانٍ «إسرائيلي» على نقاطٍ عسكريةٍ في سورية ارتقى خلالها شهداء لـ«حزب الله»، ما يعني أن الجميع انتظرَ الرد أو الوعد بالرد، ولأن الكيان الصهيوني هذه المرة أعلن مراراً وبشكلٍ مباشر أو غير مباشر بأنه لن يسمحَ بردٍّ موضعي يستفيد منه الحزب إعلامياً حتى لو أدى ذلكَ إلى حربٍ شاملة، فإنه من المنطقي عدم النظرَ إلى موقف الحزب من الرد أو عدمهِ كحالةٍ جامدة غير قابلةٍ للتبدلِ أو التغيير حسب مقتضيات الواقع، ولكي تتضح الصورة أكثر حول تبيان إلزاميةَ رد الحزب على الاعتداء من عدمهِ لابد من النظر إلى معطياتٍ ثلاثة:

أولاً: نصر استخباراتي
بعد العدوان الصهيوني على نقاطٍ عسكرية أدت لاستشهاد مقاتلين من حزب الله، خرج العدو ليبررَ العملية كما جرت العادة من مبدأ أن هناك سلاحاً كان في طريقهِ من سورية إلى لبنان أجبرَ الكيان الصهيوني على التدخل. ذريعة حوَّلت الكيان الصهيوني إلى ما يشبِه قضية الراعي والذئب وبمعنى آخر: إن حديث الكيان الصهيوني عن عمليةِ نقل سلاحٍ قد يكون هذه المرة صادقاً، تحديداً أنه من المرات النادرة التي يسارع فيها لتبني العملية والحديث عن تحقيقِ الأهداف من القصف رغم إعلان الحزب سقوط ضحايا له دونَ الاكتراث لفرضيةِ إمكانية الانجرار لمواجهةٍ شاملة، مع ذلك بدا الحزب وكأنه يتعاطى بهدوءِ المنتصر لا المعتدَى عليه، حتى ابتسامة نصر اللـه بدت كنوعٍ من الحرب النفسية التي لا يعرف معناها إلا من حققَ انتصاراً ما في الوقت الذي ينظر إليه الآخرون كضحية، ليبقى السؤال الجوهري:
كيف تسربت إلى مسامعِ الإسرائيليين فرضيةَ وجود شحنةٍ كهذه، مع العلم أن الحلف المقاوم ككل ليس بذاك الجهل الأمني لكي يجعل من عمليةٍ دقيقة كهذه تنفلت من سياقِ السرية المطبقة؟
لعل الروايات متعددة وكلاسيكية، لكن التفكير بطريقةٍ مختلفة قد يقودنا إلى الحقيقة، أو ما يمكننا تسميته بفرضية «الكمين المعاكس» الذي اعتمدهُ الحلف ككل وليس حزب اللـه فحسب بتسريبِ أخبار عن موعدٍ محدد لعمليات النقل حتى لو أدى اعتراضها نظرياً إلى ارتقاءِ شهداء، مقابل نقل الشحنة في موعدٍ لاحق أو سابق حسب الظروف، عندها يحقق الحلف ما هو أهم بعيداً عن العنتريات وبمعنى آخر: إن حزب اللـه رد أساساً على العملية التي كان يتوقع قيامها بوصول السلاح في الوقت المناسب عبر هذا التضليل الاستخباراتي، القضية هنا ليست مجرد ردٍّ أمني عسكري، القضية هنا أن الحلف لا يلجأ لمثلِ سيناريوهات كهذه إلا في حال وجود سلاحٍ نوعي سيتم نقله لتصبح العملية العسكرية الإسرائيلية تحصيلَ حاصل. هنا على الإسرائيلي أن يتعلم الدرس، وعليه التفكير ملياً بنوعية السلاح النوعي الذي قد يكون في أيدي مستحقيه اليوم والذي يجعل الحلف يلجأ إلى سيناريو كهذا قبل التفكير بنوعية الرد، علماً أن الكيان الصهيوني اليوم أضعفَ من تحملِ تبعات ما لدى الحزب من ترسانة عسكرية مُصرَّح عنها، فكيف وهو يعي أن هناك ما يجهله؟
ثانياً: ورطة نتنياهو أم أزمة «إسرائيل»؟
قلنا في أكثر من مقالٍ سابق إن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لا يجيد إلا لغةَ التصعيد الكلامي التي يستطيع من خلالها صناعةَ انتصاراتٍ وهمية تجعل الشارع الصهيوني متمسكاً به، لكن هذه المسرحيات الكلامية لا تلغي فرضية أنه أحد أجبن رؤساء الوزراء الإسرائيليين في العقود الثلاثة الماضية، تحديداً في ما يتعلق بشنِّ الحروب على جيران كيانهِ المسخ. مع ذلك فهو رأى بما يجري في سورية كخشبة خلاصٍ لما يحاصره من وهنٍ واتهامات ولما يحاصر الكيان المحتل من ضعفٍ وتضعضع على المستوى الداخلي. مع مرورِ الوقت ومع ترسيخِ الصمود السوري تباعاً تحولت هذه الخشبة إلى أشبهَ بجاذبٍ لما يمكن تدعيمها ليشكلوا معاً ما يشبه السد الصغير الذي يحتبس خلفه الماء، لكن هذا السد يبدو من الهشاشة أن نتنياهو ذات نفسهِ لا يعرف متى سيتحول من خشبةِ خلاصٍ إلى تيارٍ جارف سيكون الكيان المحتل أول ضحاياه؟ على هذا الأساس يبدو بنيامين نتنياهو كمن يبحث عن الخروج بأقل الخسائر في الانتخابات القادمة فهل من الطبيعي أن يساعدهُ الحلف المقاوم بإعطائه طوق نجاةٍ إن أعلن الرد؟
هنا قد يتساءل البعض: لماذا نتحدث عن طوقِ نجاة، فهل سقوط نتنياهو سيعني وصول من هو أفضل؟
بالتأكيد ليس هناك من هو أفضل ومن هو أسوأ عندما تكون المقاربة متعقلة بنهجٍ إجرامي، كأن نفاضِل مثلاً بين الإخوان الشياطين الذين قتلوا الأبرياء وفجروا الحافلات في سورية وغيرها، وداعش التي تقتل بالذبح، لا مفاضلة فكلاهما في الإجرام واحد.
هذا الحال ينطبق على الإسرائيليين، لكن بهذا الوقت لا مانع من الحديثِ عن إمكانيةِ تفجير الوضع الداخلي في «إسرائيل» أياً كانت العواقب، فالتشرذم الذي يصيب الكتل المتحالفة مع نتنياهو بسبب خوفها من انعكاس تخبطه في جميع الاتجاهات على نتائج الانتخابات القادمة لا يمكن الاستهانة به، في حين أن معركة خارجية فستجعلنا ننقذ نتنياهو والكيان الصهيوني معه.
ثالثا: الانتصار السوري
لم يكن حتى المتفائلين ليتوقعوا فكرةَ أن صيف 2019 سيمر والجيش العربي السوري يسحق الإرهابيين في كل من أرياف إدلب وحماة، ليكون الانتصار بنكهة الفستق الحلبي وقريباً الكرز، ولا حتى أن يستنجدَ خليفةَ الإجرام العثماني رجب طيب أردوغان بتظاهراتٍ يقوم بها مرتزقة يحملون الجنسية السورية على الحدود مع لواء اسكندرون المحتل ويصطدمون فيها مع الجندرمة التركية بمسرحيةٍ جديدة لا تختلف عن مسرحيات الكيميائي هدفها المتاجرة بالواقع الإنساني وبثِّ الدعاية الإعلامية ضد الجيش العربي السوري وعملياته العسكرية ضد الإرهابيين هناك، تحديداً أن استنجاد أردوغان بالشق الإنساني ليس بجديد، والأهم من ذلك أنه ما انفك يهدد الأوروبيين بطوفانِ اللاجئين خلال معركةِ إدلب.
ربما علينا القول واقعياً إن إعلان النصر السوري لا يتم إلا باستعادة كل شبرٍ من التراب السوري، لكن هذا لا يعني بذات الوقت أن النصر ليس له دلالات، وهل من دلالاتٍ أهم مما يجري في الريف الإدلبي تحديداً في أسوأ خزان إرهابي متطرف عرفه العالم وما يحققه الجيش السوري هناك من انتصارات؟ انتصار كهذا، وتحولاتٍ كهذه، كانت حتى أسابيعَ ماضية أشبهَ بالحلم تفترِض عملياً امتصاص أي حالةٍ إسرائيلية تسعى للتوريط بمواجهة ليست أولوية اليوم، دون إنكار فرضية أن في سورية تتحقق اليوم معادلة اسمها «ليس لدينا ما نخسره»، فقد يسبق مستقبلاً عملية إعادة الإعمار مناوشاتٍ ما لأننا فعلياً ليس لدينا ما نخسره، فماذا ينتظرنا؟
بدأ الجيش العربي السوري منذ صباح الأمس وقفاً لإطلاق النار من جانبٍ واحد، بشرط الرد على أي خرقٍ قد تقدم عليه الجماعات الإرهابية. يبدو وقف إطلاق النار هذا أشبهَ بتكرارٍ لسابقيهِ بهدف إعطاء التركي المزيدَ من الوقت للملمة إرهابييه وتحويلهم إلى معارضة قادرة على المشاركة في الحياة السياسية. في الإطار العام لا يبدو أن هذه المساعي ستنجح، بل ستفشل كما فشلت في السابق، وعليه فإن قرار متابعة العمليات العسكرية مسألة وقتٍ لا أكثر، إذ حتى عمليات التحرير بحاجة لفرصة لالتقاط الأنفاس والتثبيت والتأكد من وضعية القوات في الحركة والثبات، وعليه يبدو أن نهاية الصيف ستكون حارة فعلياً لكن ليس في الاتجاه الذي يرجحهُ البعض.

قد يعجبك ايضا