الإنسان بين استهلاك السوق, وتعليب الأيديولوجيا / د. عدنان عويّد




Image result for ‫عدنان عويد‬‎

د. عدنان عويّد ( سورية ) الجمعة 16/8/2019 م …

     إذا كان الاستهلاك في سياقه العام يعني استخدام المنتج الاجتماعي في عملية تلبية الحاجات الإنسانية, المادية منها والروحية, فإن الاتجاه الاستهلاكي في المجتمع الاستهلاكي, كما نراه هنا اليوم, هو ليس مجرد سعي للاستهلاك من أجل أن يظل الإنسان عبر استهلاكه لحاجاته إنساناً له قيمته ومكانته الإنسانية العالية والمتميزة عن بقية ما يحيط به من مخلوقات أو كائنات, بقدر ما هو استهلاك من أجل الاستهلاك. أي استهلاك منتزع من صلته العضوية بالقيم الإنسانية, وبعملية الصرف الإبداعي للإمكانات والقوى التي يؤديها الإنسان ذاته ثمناً لحق الإبداع.

     إن استهلاك الأشياء في اقتصاد السوق اللامحدود, أصبح ثمناً في مجتمعاتنا لفقدان الشخصية, فالأشياء المنتجة لم تعد تشكل شروط عيش الإنسان ونشاط, بل تحولت إلى مثيل له, إي أن الأشياء التي يملكها الإنسان أصبحت هي المقياس الذي يحدد قيمته وسمعته وثقله وتأثيره على غيره أو أمثاله.

     ومن نافل القول التأكيد, على أن علاقة الإنسان بالشيء (السلعة), لا يجوز فهمها على أنها استخدام ذو اتجاه واحد من حيث امتلاكه هذا الشيء أو استهلاكه, إن علاقة الإنسان بالشيء (السلعة) في سياق هذا التصور, قد أفقدت هذه العلاقة جوهرها الإنساني, أي أن الشيء لم يعد ذا قيمة إنسانية تنطبع فيها كل عملية التطور التاريخي الطويلة. أو بكلمة أخرى, لم تعد تظهر في الشيء المنتج والمعد للاستهلاك تلك الجهود والتجارب والمعارف والأذواق والإمكانات وحاجات الأجيال العديدة من الناس.

     إن الشيء المؤنسن, تتجلى فيه حظوة الإنسان وتاريخه وإبداعه الحقيقي وسيرته الاجتماعية وعناصر فرديته وحياته الإنسانية الواقعية.

     إن كل هذه القيم الإنسانية النبيلة للشيء, أفقدتها طبيعة المجتمع الاستهلاكي التي أفرزتها الآلة أولاً, وما حققته هذه الآلة في اقتصاد السوق الشره الذي سلع الإنسان نفسه مادياً وروحياً وغريزيا ثانياً.

     أما بالنسبة للأيديولوجيات المفوّته حضارياً, أي الايديولوجيات الظلامية الجموديّة التي تريد للواقع ان يرتقي إليها دائماً, حتى ولو اضطرت إلى لي عنق الواقع بالقوة, فقد راحت تعمل  عبر حواملها الاجتماعيين على خلق إنسان جديد ذي بعد واحد, أي إنسان منمذج معلب, لا يرى نفسه والعالم المحيط به وكل تاريخه الماضي والحاضر والمستقبل, إلا من خلال ما رسمته له هذه الأيديولوجيات الظلامية السكسونية الجامدة. فأمام كلا المعطيين ( الآلة والأيديولوجيا) لم يعد الشيء بالنسبة للإنسان سوى وسيلة ليس لها أية قيمة إلا القيمة التي تحقق أهداف الآلة والأيديولوجيا. أي أهداف اقتصاد السوق, وأهداف الأيديولوجيا المفوّته حضارياً, ممثلة هذه الأهداف بمصالح القوى الاجتماعية المُعَبر عنها, دينياً أوضعياً.

     إن الاستهلاك المادي والثقافي يتحول هنا في النتيجة من وظيفة اقتصادية وثقافية ذات بعد إنساني./ اجتماعي, إلى عقيدة وذوق وسلوك وأسلوب حياة لإنسان معلب, أو مستهلك. أي إنسان منمذج, مذرر, مستلب, مشيئ, مغرب, ضائع في عالم منتجاته . .

كاتب وباحث من سورية

[email protected]

 

 

قد يعجبك ايضا