مواجهة ما يسمى “بصفقة القرن” / فؤاد دبور

نتيجة بحث الصور عن فؤاد دبور

فؤاد دبور ( الأردن ) الجمعة 12/7/2019 م …




اسميها المرحلة النهائية لتصفية قضية الشعب العربي الفلسطيني واستكمال اغتصاب ارض فلسطين العربية وصولا الى تحقيق المشروع الصهيوني “من النيل إلى الفرات” وقد بدأت المؤامرة على فلسطين العربية منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الرسمي الأول عام 1897م في مدينة “بال” السويسرية برئاسة “ثيودورهرتسل”، حيث تم وضع أسس الاستيلاء على ارض فلسطين أولا، وكانت المرحلة الأولى الكبرى في الخامس عشر من أيار عام 1948م وتلتها مراحل أخرى وبخاصة عدوان الخامس من حزيران عام 1967م، حيث تم احتلال ما تبقى من فلسطين العربية وكذلك الجولان العربي السوري.

وتمر المراحل واحدة تلو أخرى وجاءت اتفاقات أوسلو لتشكل مفصلا ومنعطفاً خطيراً في سياق تصفية قضية الشعب العربي الفلسطيني لصالح الكيان الصهيوني عبر ما سمي بـ “الحل النهائي” الحدود والمياه والاستيطان واستبعاد حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وجاء الان دور مرحلة التصفية النهائية عبر المشروع الصهيوني الأمريكي المسمى بصفقة القرن، حيث ضم كل أرض فلسطين العربية والجولان العربي السوري إلى الكيان الصهيوني إضافة إلى الأرض المحتلة من جنوب لبنان وانهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين بدءا بالتخلص من المنظمة الدولية “الانوروا”، وتثبيت المستعمرات الاستيطانية المقامة على ارض الضفة الغربية المحتلة وضم القدس العربية.

تدرك الإدارة الأمريكية ما تريده من خلال صفقة قرنها، حيث تُمني نفسها والكيان الصهيوني في إنهاء الصراع. وتضع إدارة الرئيس ترامب من خلال مسعاها نصب عينيها نجاح صفقتها – معتقدة أنها قد تمكنها من إعادة تشكيل المنطقة والإقليم وفق رؤيتها ومصالحها المتطابقة مع رؤية الكيان الصهيوني ومصالحه . وهنا لابد من التأكيد أن مرد نجاح الإدارة وفشلها لا يعود لمشيئتها، بل مرهون بمواقف الأطراف المستهدفة من الصفقة وهم الفلسطينيون وكل من يقف في مواجهة السياسات الأمريكية ويتصدى لها (أي محور المقاومة).

وعلى الرغم من عدم تبني أي من المسؤولين في الإدارة الأمريكية طرحاً سياسياً محدداً لـ” صفقة القرن ” حتى الان، إن لجهة ما تتضمنه، أو تحديد تاريخاً لتطبيقها. إلاّ أنها لاقت اهتماماً غير مسبوق في وسائل الإعلام ومن قبل المحللين، وأفردت، ولا زالت، هذه الوسائل على مختلفها اهتماماً عالي الوتيرة وبرامج وتحليلات ودراسات قائمة جميعها على ما يتم تسريبه من قبل المعنيين ب” الصفقة “، وكأن الأمر يسير وفق مخطط الهدف منه، تحقيق قدر من التهيئة النفسية، وكذلك اتاحة ممارسة الضغوط على الأطراف المستهدفة من ” الصفقة “.

والصفقة، هي في مجموعها وحسب المُسرّب منها، هي نتاج مجموعة أفكار صهيونية صاغها بنيامين نتنياهو، بحيث تكون متطابقة مع سقف المطالب الصهيونية، ومنسجمة مع رؤية نتنياهو لحل القضية، والتي تحمل ما يسمى ب” السلام الاقتصادي ” الذي يبدأ بالدول العربية لا بالفلسطينيين.

وما كان في مقدور الإدارة الأمريكية أو رئيسها الذهاب بعيداً نحو العمل من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة رسم المنطقة على مقاس مصالحها ومصالح الصهاينة، لو أن الأوضاع الفلسطينية والعربية متماسكة وموحدة الموقف الوطني والقومي. حيث لا زالت الساحة الفلسطينية تعاني من الانقسام السياسي والجغرافي، على الرغم من كل الاتفاقات التي أبرمت لإنهائه. الأمر الذي منع من التوصل إلى صوغ رؤية وطنية شاملة تفسح في المجال أمام إعادة إحياء المؤسسات الوطنية الفلسطينية تفعيلاً وتطويراً حسب ما اتفق عليه في القاهرة عامي 2003 و 2005 أولاً. ومن ثم تمكن شعبنا الفلسطيني من إدارة الصراع مع الاحتلال من خلال المقاومة وبكل أشكالها المتاحة ثانياً وفي المقلب الآخر فإن الواقع العربي نتيجة الحروب والأزمات التي اندلعت في العديد من الأقطار العربية نتيجة لما سمي ب” الربيع العربي “، والذي جاء ضمن سياسة قادتها الإدارة الأمريكية بهدف إحكام سيطرتها على واقعنا العربي. هذا الواقع الذي وجدت فيه بعض الدول والنظم الفرصة في تقاطع مصالحها مع الكيان في استبدال أولويات الصراع ليتحول إلى ما سمي بالخطر الايراني في المنطقة . وليس من قبيل الصدفة أن يتم عقد مؤتمر المنامة في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من شهر حزيران الماضي في ظل تصعيد غير مسبوق للأوضاع في الخليج، نتيجة التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة. وهذه الأنظمة ومن خلفية ألاّ يصلها ما سمي ب” الربيع ” بدأت في الهرولة نحو التطبيع مع العدو الصهيوني وصولاً إلى إقامة التحالفات بقيادة أمريكية.  

في المحصلة فإن صفقة القرن ليست لتصفية القضية الفلسطينية وحسب، بل هي استراتيجية شاملة على مستوى الإقليم ستتيح دمج الكيان الصهيوني اقتصادياً وسياسياً وثقافياً بالمنطقة وتعمل على تهيئة بيئة جديدة يتمكن الكيان من خلالها تجديد نفسه ودوره ووظيفته التي بدأ بفقدانها منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، وتكرس فقدانه لهذا الدور الوظيفي بعد انتصار المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان بقيادة حزب الله عام 2000 و 2006، وكذلك المقاومة الفلسطينية وبخاصة في قطاع غزة.

إن التحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية، أرضاً وشعباً ومقدسات، لا يمكن مواجهتها والتصدي لها وإسقاطها، بدون توحيد الجهود لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، على قاعدة تحقيق الشراكة الوطنية والسياسية. وبالتالي مواجهة “صفقة القرن”، تستلزم تحديد المسؤوليات، بهدف تحديد ما تتطلبه هذه المواجهة من خطوات عملية:

1. إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية الموقع في 2011.

2. إسقاط الرهان على أية تسوية أو مفاوضات عبثية مع الكيان تحت أية مبررات أو ظروف.

* إعادة بناء وانتاج مؤسسات منظمة التحرير على أسس ديمقراطية تكفل شراكة وطنية وسياسية لكافة الفصائل من دون استثناء

* وضع استراتيجية وطنية فلسطينية، تكفل استمرار المقاومة بكل أشكالها، وتصعيد أعمال الانتفاضة.

4. تنفيذ مقررات المؤسسات الفلسطينية، لجهة سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، ووقف العمل باتفاقات “أوسلو”، ووقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله، وكذلك الربط الاقتصادي مع الكيان بموجب “بروتوكول باريس”

5. وضع رؤية وطنية كفاحية تلتزم التمسك بحق العودة إلى فلسطين كل فلسطين  

توظيف ما يحققه محور المقاومة من حضور وانتصار، خصوصاً بعد ما حققته سورية بجيشها وشعبها وقيادتها، من انتصارات في مواجهة المحور الأمريكي – الصهيوني – الرجعي، بمؤازرة من حلفائها الذين انخرطوا في مواجهة لا زالت مفتوحة مع المحور الأمريكي وحلفائه وأدواته من قوى الإرهاب بكل مسمياتها وتشكيلاتها. 

وهنا لابد من التأكيد على أن التحديات لا تقتصر على الجانب الفلسطيني أو العربي وحسب، بل إن التحديات تواجه أصحاب الصفقة والعاملين عليها، من إدارة أمريكية وكيان ونظم تتماهى مع الصفقة وتعمل على الترويج والترويض بهدف السير بها.

صحيح أن الإدارة الأمريكية تمتلك من عوامل الضغط ما لم تمتلكه دولة أخرى، بحكم سطوتها وهيمنتها وقدراتها وإمكانياتها المتعددة. ولكن الصحيح أيضاً أن هذه الإدارة وصفقة قرنها تواجه من التحديات ما يجعلها تتعثر إلى حد التشكيك إن لم نقل التأكيد في إمكانية تطبيقها. وإلاّ ما معنى أن يتم تأجيل الإعلان عنها مرات عديدة، وحتى هناك شك في أن يتم الإعلان عنها خلال شهر تشرين الاول القادم أي بعد الانتخابات في الكيان الصهيوني. وهذه التحديات تتلخص بالآتي:

1.     قضايا ما سمي بالحل النهائي حول الحدود واللاجئين والقدس والمياه والمستعمرات الاستيطانية والسلاح، ستكون معضلة جدية في وجه تطبيق الصفقة، ولن تتمكن الإدارة من إيجاد حلول لها على الرغم من قيام الكيان بمحاولات عملية وحثيثة لفرض سياسة الأمر الواقع.

2.     بعد أكثر من ثماني سنوات من حرب ظالمة وممنهجة ضد سورية ومحور المقاومة، هذا المحور الذي اثبت نفسه كقوة تقلق الكيان كما المطبعين معه . وعبر تنامي قدرات هذا المحور في فلسطين ولبنان وسورية وإيران واليمن، سيشكل العقدة التي تبحث عن حلها الإدارة الأمريكية، وما التصعيد الذي نشهده ضد إيران في هذه المرحلة، انما يهدف إلى تخويفها والتهويل عليها وتشديد الحصار، من أجل ضمان احتوائها وشراء صمتها وحياديتها إزاء ” صفقة القرن “، وهذا من المؤكد لن يجدي نفعاً مع إيران وقيادتها. 

3.     الموقف الفلسطيني الرافض لتلك الصفقة جملة وتفصيلاً، والتي شكلت نقطة إجماع فلسطيني بين كل مكوناته، على الرغم مما تعانيه الساحة الفلسطينية من انقسام . هذا الموقف يمثل تحدياً جدياً في مواجهة الصفقة، يدعمه موقفاً شعبياً يعبر عن نفسه في مسيرات العودة في قطاع غزة، ونضالات شعبنا ونشطاءه في الضفة الغربية والقدس، والعمليات البطولية التي تشهدها العديد من مناطق الضفة.

“صفقة القرن” عرضت أم لم تعرض فهي ليست قدراً على شعبنا وقضيتنا، اعتماداً على الموقف الفلسطيني الموحد والرافض لتلك الصفقة والمدعوم من محور المقاومة والشعب العربي في كل اقطار الوطن وما ستحمله من عروض تضع في أولوياتها كما أسلفنا الرؤية الصهيونية القائمة على فرضية مزعومة (الاقتصاد والأمن مقابل السلام). 

الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي

فــــــؤاد دبـــــور

قد يعجبك ايضا