مكافأة الفساد بدل محاربته / سميح خلف

نتيجة بحث الصور عن سميح خلف

سميح خلف ( فلسطين ) الإثنين 10/6/2019 م …




هناك مقولة تقول “اينما وجد المال وجد الفساد” ولكن هل هذه المقولة تنطبق على جميع المكون و المنظومات السياسية و الاقتصادية في العالم ، ام هي موجهة فقط و قد تكون صحيحة لواقعنا في الشرق الاوسط ، اما في اوروبا فهناك منظومات مراقبة و محاسبة فعالة تطال رئيس الدولة و ما دونه من مؤسسات و اجهزة و هنا لا يعنينا الفساد في الانظمة السياسية في المنطقة فلها من يتحدث عنها و لكن يعنيني الان الفساد في النظام السياسي الفلسطيني وهو فساد مزمن و متدرج في اتساعه لعدة اعتبارات اقليمية وذاتية كانت مترابطة مع مؤشرات سياسية و برامج كانت وبوضوح صارح خروج عن الخط النضالي و الاهداف الذي وجد فيها النظام السياسي من بعد سنوات معدودة وقليلة من جود منظمة التحرير الفلسطينية و الفصائل ، حقيقة لم يكن هناك منظومة محاسبة و مراقبة و اسما كنا نسمعه ونشاهده و عناصره و كادره من بيننا وهو القضاء الثوري ، منذ البدايات اسقطت قيادة منظمة التحرير و الفصائل و على رأسها حركة فتح مبدأ “العنف الثوري” وهو الركيزه الاساسية و الركن الاساسي لاستمرارية الثورة و الحفاظ على توجهاتها و اهدافها و سلامتها من كل انواع الفساد و بالتالي ظهر الفساد بوجود الدكتاتوريات و المال السياسي المشروط منحه لافراد و تجاوز كل الاطر الحركية او النظام الاساسي لمنظمة التحرير او النظام الداخلي لحركة فتح ، وهو ما ينطبق على باقي الفصائل بلا استثناء .

من النادر و القليل جدا ان تجد من كان لهم حظوة و نعرفهم جيدا منذ البدايات ان لا يكون ثريا و ان لا يكون لديه على الاقل مئات الالاف من الدولارات و المشاريع الصغيرة و الكبيرة و العقارات هل تقول لي هذا هو راتبه ؟ طبعا لا فالراتب محسوب و معروف منذ ان كان 10 دنانير او 150 ليرة لبنانية ، هذا هو ملف كبير يفتح كثير من التبويبات لا نستطيع حصرها في مقال و خاصة الظواهر التي وجدت و استشرست و كبرت منذ الساحة الاردنية الى الفكهاني و فندق ابو النواس في تونس وعدن و حالة الانفلاش في كل تلك المدن السابقة و الاتية تونس العراق السودان و الجزائر و الساحات الاخرى ، حالة فلتان وضخ اموال بلا حسابات و بلا مراقبة لقادة و كادر كنا نسميه من الحاشية و يمارسون كل انواع الفساد ولا تحدثني هنا عنها فملفاتها كبيرة .

عندما بدأنا في محاربة الفساد و ظهر هذا جليا بعد الانشقاق عام 1983 و بالتحديد بعد الخروج من طرابلس لبنان و كانت على رأس التوجهات لمحاربة الفساد بكل انواعه و الجواسيس الذي افرج عنهم و اخذوا رتب عسكرية في اوساطنا يعملون و يعيشون و يترعرعون ، كانت توجهات ابو جهاد الاعداد لحرب شاملة على الفساد السياسي و الاقتصادي و السلوكي كما هي كانت توجهات ابو اياد و القائد المنفذ الرائع و العظيم عاطف بسيسو .

استدت الازمة و اشتد الصراع في داخل مكونات الجيش و دوائر منظمة التحرير و حركة فتح ايضا مع حسابات دقيقة بعدما انتشر الارهاب بكل انواعه تحت مقولة كل من ينادي بالاصلاح في داخل حركة فتح و الجيش و الاجهزة بأنه منشق و انه ضد القرار الفلسطيني المستقل الذي اطلقته دكتاتورية القيادة في منظمة التحرير و فتح ، لا نريد هنا ان نخوض في كل العوامل التي ادت الى الانشقاق و مطالبها الاصلاحية ضد الفساد ، ولكن الظروف العربية و الدولية ادت الى خطورة احتواء سوريا لحركة الانشقاق و تحت هذا المفهوم تم ملاحقة كل الكادر في داخل المؤسسات الرسمية لذين ينادوا بالاصلاح تحت تهمة الانتماء للمنشقين فالذين كانوا يعملون للاصلاح داخل التيار الرسمي يكادوا يكونوا اكثر من الذين انشقوا ولكن الارهاب المادي و المعنوي و السجن و الاعتقالات و العزل كانت اهم السلوكيات لخنق كل حركات الاصلاح في داخل التيار الرسمي .

اذكر عندما قمنا مجموعة كوادر بتأسيس تنظيم لحركة فتح في داخل القوات في عام 1984 على غرار ممارسة كل الفصائل ممارسة شعائرها التنظيمية في القوات ، استدعيت انا شخصيا للتحقيق و مباشرة مع غرفة العمليات في القوات و باشعار من نائب رئيس الاركان لجيش التحرير الوطني الفلسطيني بتهمة انشاء هذا التنظيم  كانت اهدافه هي ملاحقة الفساد في القوات الذي كان يمارسه عارف خطاب و الذي خرج عن السلوكيات الانسانية سواءا مالية او انسانية ، لا نريد ان نفتح دفاترها الان وقيس على ذلك كل الساحات التي لدينا لها ملفات بشخوصها .

المهم عندما احتدت الازمة و الصراع تدخل عباس زكي سفير منظمة التحرير في اليمن و طلب منا التعاون معه لمحاربة تلك القيادة في داخل القوات و هنا لا نريد ان نفتح هذا الملف و هو يدرك ذلك لما فيه من اشياء اخر وهو ملف كبير ايضا ، المهم لم يكن لدينا توجه لمحاربة ياسر عرفات و لكن كان التوجه لمحاربة الفساد الذي كان يتستر عليه ياسر عرفات بشكل او بأخر ، عرض علي عارف خطاب مباشرة 300 دينار يمني اي ما يعادل 900 دولار شهريا فوق راتبي و بصفتي مهندس للقوات عرض علي مبالغ اخرى للموافقة على بعض الانشطة الفنية في داخل القوات ، طبعا رفضت ذلك و في نهاية العرض عندما فتحت مع عاطف خطاب كثير من ملفات الفساد قال لي “اذا لم اكن كذلك وارتكب كل هذه السلوكيات لن ترضى عني  القيادة و لن اكون في هذا الموقع قيادتك بدها هيك و انت بطريقك هذا لن تنال شيء ولن تصل الى اي موقع مرموق في داخل حركة فتح و المنظمة” قلت له اتيت ليس لان اكون قائد بل لكي اكون مقاتلا من اجل تحرير فلسطين ، انتهى اللقاء و بدأنا نعيش في القوات و كأننا مطاردون في ننام في اكثر من مكان في القوات في الليلة الواحدة ، حديث يحتاج لملف مفتوح لنتحدث عنه .

انتقل الفساد مع تطور النظام السياسي الفلسطيني و ضرب الاعماق و الجذور في كل المؤسسات و الاطر التنظيمية و انتقل مع الفساد السياسي و الامني و الاقتصادي لمدرسة اوسلو وشكلوا جمهورياتهم الخاصة بكل اجهزتها و هذا ما نلاحظه اليوم و اذا ما درسنا موضوع الفساد فهو عميق و من المستحيل ان نقطع جذوره بقيادة هذا النظام السياسي لانه هو اصول الفساد وهو فساد ممنهج لتمرير توجهات سياسية و امنية و تسطيح ثقافي سواءا في داخل الاطر او المؤسسات او الحاضنة الشعبية ولولا ذلك لما كان هذا الانحدار السياسي و الامني و الاخلاقي و السلوكي فكل شيء مستهدف في الايقونة الفلسطينية .

الناشط السويطي و في هذا التوقيت بالذات نشر عدة ملفات ووثائق للفساد ، فساد اجهزة السلطة مع توقيت هذا النشر يعلن اشرف الجعبري الذي شكل حزب جديد على اعين ناظر السلطة يطالب بضم الضفة لاسرائيل و شكل غرفة تجارية بينه و بين الاسرائيليين في مستعمرة “ارييل ” يقول اشرف الجعبري انني سألاحق رجال السلطة قضائيا و بأسماء محددة عن ملفات فساد لمحاكم اوروبية و محلية ، هذا هو الجعبري الذي اطلق حزبه مع ظهور ملفات الفساد ايضا ، لا نشكك في توجهات السويطي و اهدافه فهو رجل نظيف ولكن توافقت موجة انتشار ملفات الفساد و بوقاءع رقمية و وثائقية في نفس تلك الفترة و التساؤل هنا :

من الذي سرب تلك الوثائق عن حكومة رامي الحمد الله و الخارجية الفلسطينية والوزراء و سلطة الحككم المحلي و الشؤون المدنية ؟ اذا للاجابة عن هذا السؤال هنا صراع في داخل الضفة الغربية لا استثني احد منهم فهي حلقات فساد تصارع بعضها البعض لانهاء ملفاتها تحضيرا لخلافة عباس و ربما لاسقاط بعض الوجوه من الفساد في داخل السلطة بما يتوافق مع من سرب تلك الوثائق واستخدم في نشرها مجموعة من الوطنيين الانقياء ليتصدروا المشهد ويدفعوا الثمن ايضا ، انه صراع دوائر الفساد لاغراض سياسية امنية و ليس لمحاربة الفساد بحد ذاته ، فالفساد عميق مع النظام الرسمي العميق الذي يحتاج كل من فيه الى اصلاح .

سميح خلف

قد يعجبك ايضا