في غزة “فقط” .. زواج يبدأ بالتقسيط وينتهي بالسجن !




الأردن العربي – أمد – الجمعة 26/4/2019 م … 

كتبت أحلام عفانة: بتعابير وجه تُعبر عن مدى الألم، سرد الشاب “ب.ع” البالغ من العمر 26 ربيعاً، تفاصيل قصته بعد أن أصبح غير قادر على سداد أقساط إحدى مؤسسات تيسير الزواج، حيث بيّن أنّه يقضي عدة أشهر من العام في السجن بسبب حكم قضائي يُلزمه بتسديد الأقساط أو الحبس.

وتابع: “كنت أعمل لدى مطعم شهير في غزّة بمجال إعداد الحلويات، وبسبب ضيق الأوضاع الاقتصادية قرر صاحب المطعم إغلاقه، وبذلك أصبحت غير قادرٍ على تسديد أقساط المؤسسة أو حتى توفير حياة كريمة لعائلتي، وبكل حال فإنّ هذا هو واقع وطني ولا أملك أي وسيلة لمواجهة هذا الواقع إلا الدعاء والتقرب من الله”.

ولم يختلف الحال كثيراً مع الشاب “ن.ح” الذي تزوج في العام 2016 عن طريق إحدى مؤسسات تيسير الزواج، حيث تزوج وسكن مع والده في منزل العائلة إلا أنّ ذلك لم يدم طويلاً عقب طرده من المنزل وزوجته بسبب خلافات عائلية، فانتهى به الأمر مستأجراً لمنزل لا يستطيع على دفع قيمة إيجاره أو حتى تسديد قيمة قسط مؤسسة تيسير الزواج.

وأوضح لـ “أمد للإعلام”، انّه بعد الزواج سدّد عدة أقساط من مستحقات مؤسسة تيسير الزواج، ولكّن المشاكل الأسرية دفعته لاستئجار منزل هو وزوجته، وبذلك أصبح غير قادر على تسديد قيمة الأقساط أو دفع الإيجار الشهري وتوفير مقومات الحياة لعائلته التي أضيف لها فرداً جديداً.

وأردف: “بعد طردي من منزل والدي سدّدت بعض أقساط المؤسسة وفي أشهر أخرى إيجار المنزل، حتى أنّ الطعام كانت تجلبه زوجتي من بيت أهلها، ولكن مع ضيق الأوضاع الاقتصادية أصبحت غير قادر على تسديد أقساط الزواج لمؤسسة التيسير، ما دفعها إلى اللجوء للمحكمة واستصدار قرار بحبسي، وانتهى بي الأمر ملاحق للشرطة وبالكاد أستطيع توفير الطعام لزوجتي وابني من خلال بعض الأعمال مثل: النقل والمساعدة في أعمال البناء والبلاط وتشطيب المنازل”.

مشاريع خدماتية

بدوره، قال مدير مؤسسة فرحة لتيسير الزواج سلامة العوضي، إن مشروع فرحة لتيسير الزواج هو مشروع خدماتي بالدرجة الأولى، حيث يقدم مستلزمات الفرح للعروسين بالتقسيط السهل والمريح وبجودة فارقة في مجال الأفراح.

وأضاف لـ “أمد للإعلام”: “ونقدم من خلال المشروع جميع مستلزمات الفرح، من غرفة نوم، وصالة، وبدلة للعروسين، وكروت دعوة، ومواصلات، وحفلة العريس وغير ذلك، إلى جانب الهدايا”.

وأوضح العوضي أن مؤسسته توفّر أكثر من آلية للدفع تتناسب وقدرة العريس على الالتزام بعد الفرح، حيث يقدم مشروع فرحة عدة عروض تراعي ظروف قطاع غزة التي لا تخفى على أحد، وعليه يختار العريس ما يناسبه من تفاصيل للفرح، بالمقابل عليه الالتزام.

وأشار إلى أنه منذ اشتداد الأزمات على قطاع غزة في السنوات القليلة الماضية، ومؤسسته تغيّر في خطط التعامل مع الجميع، حيث أنها في الفترة الأخيرة بدأت بتقليل الدفع الشهرية وغض البصر عن تخلّف بعض العرسان عن الدفع لأكثر من ثلاثة شهور أحياناً بسبب وضعه المادي الصعب.

وتابع: “ولكن في النهاية المشروع يحتاج إلى أن يتحصّل على ماله كي يستطيع أن يزوّد الآخرين بالخدمة، ويضمن استمرار عمله أيضاً”.

ولفت إلى أن الخيار الأخير في هذه الحالة هو القانون، إذ يتم الوصول إلى هذا القرار بعد استنفاذ كافة الخيارات المتاحة، وشعور المؤسسة بأن العريس لن يلتزم إلا بالقانون، مردفاً: “بكل أسف يبقي هذا خيارانا الذي لا نرغب به”.

قضايا ومحاكمات

من جهته، أوضح الناطق الإعلامي باسم الشرطة الفلسطينية أيمن البطنيجي، أن الموضوع لم يأخذ الطابع والحيّز الكبير من مجموع الذمم المالية التي تتابعها الشرطة، مؤكداً: “الأمر الآن سهل جداً وليس صعب”.

وأضاف لـ “أمد للإعلام”: “قمت بزيارة لكافة مراكز الشرطة لم أجد عدداً كبيراً من الأشخاص المحكومين على ذمم مالية لها علاقة بتقسيط الزواج بل قلّة، ولكن يوجد ذمم مالية أخرى”.

ونوّه البطنيجي إلى أنه عندما تتقدم مؤسسة تيسير زواج بشكوى ضد شخص للمطالبة بمبلغ مالي متراكم عليه، فهذا من حقها كباقي الحقوق الأخرى.

وبيّن أنه يتم التعامل مع هؤلاء الأشخاص كغيرهم من الآخرين، حيث إن المؤسسة ترفض مساعدتهم ويتم حبسهم في السجون بمدّة تُقّدر حسب المبلغ المطلوب منه دفعه، لافتاً إلى أنه عند توفّر دعم من الخارج تحاول الشرطة وضعهم في الدرجة الأولى في سبيل الإفراج عنهم.

استنزاف الشباب

في حين، أوضح الخبير في الشأن القانوني عبد الكريم شبير، أن هدف الجمعيات الخيرية هو دعم ومساندة الفئات الهشة والضعيفة، ومن واجب الجمعية ومجلس الإدارة أن يقوم بتحصيل تمويل لدعم هذه الفئات.

وقال لـ “أمد للإعلام”: “إذا استهدفوا الشباب والشابات في دعمهم للزواج، الأصل أن تقوم هذه الجمعيات بإحضار المهر وكل ما يلزم لتكاليف الفرح بمساعدة من جهات داعمة ومساندة للشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو الخارج”.

وأشار إلى أن ما تفعله الجمعيات اليوم بتوقيع العرسان على سندات مديونية منظمة أمام كاتب العدل أو كمبيالات أو شيكات أو أي أوراق بالمديونية، هذا يعدّ مخالفاً لأهداف الجمعية لأنها تعتبر جمعية “غير ربحية”.

وبيّن أن القانون شرعن هذا الأمر حتى يكون هناك خدمة لأبناء الشعب الفلسطيني وخاصة الشباب المقبلين على الزواج، أما الممارسات التي تقوم بها تلك الجمعيات الخيرية غير قانونية، مضيفاً: “الأصل ألّا يكون هناك تحميل لأي مستفيد من هذه المشاريع أي مديونيات أو التزامات مالية”.

وفي حال تشكّت الجمعية على إحدى الشباب لعدم دفعه الأموال المتراكمة عليه، قال شبير: “الأصل أن يدفع المحامي الذي يقوم بالتوكل عن هذه الفئات الهشة بعدم قانونية هذه المعاملات لمخالفتها أهداف الجمعية، لأن أصل المال أن يكون داعماً للشعب الفلسطيني وليس لصالح الجمعية والعاملين فيها”.

وأردف: “تم اعتقال بعض الشباب لأن المحامين لم يعالجوا القضايا بالشكل القانوني الصحيح، ولم يطعنوا في عدم قانونية الإجراءات التي تقوم بتنظيمها الجمعيات غير الربحية”، معتقداً أن هذه المعاملات غير قانونية وتعتبر باطلة لأنها مخالفة لأهداف الجمعية، والأصل أن يتم الطعن في هذه الإجراءات ووقف التنفيذ ضد كل هذه الفئات الهشة.

على صعيد آخر، المواطن “س.ن” يبلغ من العمر (54 عاماً) ويُعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، طرده صاحب المنزل من الشقة التي يقطنها منذ (11) عاماً، وذلك لعدم مقدرته على سداد قيمة الإيجار مدة (14) شهراً، حيث روى لـ”أمد للإعلام” معاناة عائلته وهي تنسحب من بيتها التي عاشت به أجمل اللحظات الأسرية.

وقال: “كنت أعمل لدى شركة تُورد منتجات غذائية من الضفة الغربية إلى قطاع غزّة، إلا أنّ قرار الاستغناء عن عدد من الموظفين شملني، حتى أصبحت معيلاً لأسرة لا أقدر على توفير لقمة العيش لأفرادها، وبدأت رحلة المعاناة بالسعي لإيجاد أي فرصة عمل، حيث عملت سائقاً على مركبة لأحد الأشخاص دون أي فائدة، وعملت في مجال بيع السجائر، وغسيل المركبات، وتعبئة الوقود في إحدى المحطات، إلا أنّ جميعها لم توفر لي بالكاد مصاريف الطعام لعائلتي”.

وأضاف: “قلة الدخل جعلني غير قادر على تسديد قيمة الإيجار الشهري لصاحب المنزل، حتى انتهى بي الأمر متشرداً لا أستطيع إيجاد مكان يأوي عائلتي، وها أنا اليوم أعيش لدى أحد الأصدقاء، وزوجتي وأبنائي ذهبوا إلى منزل أهلها، وما أريده فقط توفير عمل أستطيع من خلاله لم شمل أسرتي التي أصبحت مبعثرة ولا تلتقي إلا في المناسبات”.

معاناة متأزمة

وفي ذلك أوضح الخبير في الشأن الاقتصادي معين رجب، أنه في بلادنا فلسطين وفي كافة بلدان العالم هناك من يتوفر له سكن يملكه، وهناك من يلجأ للإيجار ودفع أجرة شهرية أو سنوية مقابل هذه الخدمة التي يحصل عليها، وبالتالي يمثل إيجار المسكن علاقة بين طرفين وهما: “المالك والمستأجر” ويُلزم كل منهما بما احتواه عقد الإيجار.

وأكمل لـ “أمد للإعلام” أن العلاقة تبقى طبيعية بين المستأجر والمالك، طالما أن المستأجر قادر على سداد الإيجار الشهري في موعده، وقد تكون هناك مشاكل لأن كلاً منهما بحاجة إلى الآخر، فالمستأجر منتفع بتوفر المسكن الذي يأويه والمالك منتفع بالمقابل المادي للإيجار، لكن بسبب الظروف التي نمر بها في قطاع غزة من احتلال وحصار وقطع رواتب، أصبح شح كبير في السيولة النقدية لمعظم سكان القطاع، سواء كانوا موظفين أو رجال أعمال ونحو ذلك.

وأضاف: “زادت الأمور تعقيداً بعد الخصم الإضافي على الرواتب، بحيث أصبح الجزء المتبقي لا يشكل 20% – 30% من أصل الراتب، هذا ما جعل قدرة المستأجر على الوفاء بالتزاماته غير ممكنة، وإذا أضفنا إلى ذلك قد يكون لديه أقساط أي مديونية سابقة وهذا ما يزيد من حدة المشاكل”.

وأشار رجب إلى أن المالك قد يتفهّم ظروف المستأجر لفترة معينة، ولكن بعد عدة أشهر نجده لا يستطيع الانتظار، نظراً لأن ظروف المالك أيضاً غير مُيسّرة أو تعاني من نقص السيولة أيضاً، يعني كلاهما أصبح يعاني وفي هذه الحالة يلجأ بعض المُلّاك إلى الاضطرار لفسخ العقد من أجل إنهاء العلاقة، ما يُلزم المستأجر بترك المسكن، متسائلاً: “المستأجر لا يملك سكناً يعيش فيه ولا يستطيع دفع إيجار في مسكن آخر، فأين سيتّجه؟!”.

ولفت إلى أن هذا لا يُمثّل أمراً طارئاً، بل يأتي في ظل تراكم المعاناة لسنوات طويلة، ففي هذه الحالة يكون المستأجر قد وقع في مأزق شديد فيبدأ بالبحث عن المال هذا وإن وجد من يقرضه نظراً لأنه لا يستطيع أن يسدد ديون إضافية.

وبيّن أن الحكومة جهودها مشتتة أمام استمرار المشكلة التي يعاني منها مختلف شرائح المجتمع، مضيفاً: “من مسؤولية السطلة الراعية للوطن أن تأخذ هذه المشكلة على محمل الجد وأن تكون طرفاً أساسياً أو مؤثراً في تحييد معاناة الناس ومشاكلهم.

وأكد رجب على أن الحكومة في غزة جزء من المشكلة حيث إن معاناتها كبيرة وشديدة، فهي لا تستطيع دفع رواتب موظفيها إلا بصورة جزئية، ومع تأخير الالتزام بالسداد الشهري فنحن أمام مشكلة كبيرة تحتاج إلى تضافر جهود كبيرة حتى يتم توفير المأوى الملائم لمن يواجهون مثل هذه المشاكل.

قد يعجبك ايضا