موجة جديدة من الربيع العربي / زهير الخويلدي

 

د زهير الخويلدي ( الأحد ) 14/4/2019 م …




” نجاح الحراك الاحتجاجي في بعض الدول العربية في الآونة الأخيرة في التخلص من الحكام يعني أن الثورة حقيقة ثابتة لا تقبل التراجع وأن كل ارتداد إلى ما قبلها هو مجرد حنين بدائي للاستبداد والشمولية”

لقد تمكن حراك الشارع في دولتين شقيقتين ومجاورتين لتونس وهما الجزائر والسودان من إجبار من يقود البلدين على الاستقالة والتنحي من الحكم وتسليم مقاليد السلطة إلى غيره وفسح المجال لقيادات أخرى من أجل تسيير دواليب الدولتين مع التوافق مع الجيشين من جهة تأمين الانتقال وحماية المؤسسات وحراسة الممتلكات العامة والخاصة ونقل ملكية السلطة وفق الآليات الديمقراطية التي تحظى بالإجماع في العالم.

إن فرض إرادة الشعب عبر العصيان المدني والتظاهر السلمي والضغط على النخبة الحاكمة من أجل الرحيل الذي نجح في تونس وتعطل مساره نتيجة العسكرة والإرهاب والانقلابات في دول عربية أخرى قد عاد من جديد وأثبت جدواها في الجزائر والسودان وتفاعلت الشعوب المتعطشة للحرية معه وحاولت محاكاته بطريقة إبداعية وفق مراعاة الخصوصية في كل بلد وقامت بتطويعه لكي يتماشى مع الثقافة الوطنية الخاصة بها ووظفته في اتجاه تحقيق مطالب الجماهير المنتفضة وحملت راياته ورفعت شعلاته.

مهما يكن الواقع الحالي للدولتين اللتين تخلصت من الإرث التلفيقي القديم ومن منظومتين من الحكم الفاشل يشهد الاضطراب الاجتماعي والتنازع على السلطة فإن المستقبل سيكون بإرادتهما الشعبية وتحت تصرف القوى الحية والطلائع الثورية التي ملئت الشارع صخبا وحراكا وعبرت بحناجرها عن آلامها ومطالبها.

لقد جمع الحراك الاحتجاجي في نسخته الثانية بين شعارات حول الحريات ومطالب واضحة حول العدالة والمساواة وندد بالفساد المستشري في نظم الحكم والنخب التابعة وسخر بشدة من ولائها المزيف وتملقها.

كما عبرت المسيرات السلمية التي قادها الشباب والنساء والطلبة وشارك فيها العمال والتلاميذ والمعطلون والمثقفون والناشطون والمهمشون بوضوح عن رؤيتها المستقبلية وحاجتها للانفتاح على العالم والمشاركة التفاعلية مع الشعوب الحرة في تعمير الكون بعقلية ندية وعن نبذها للاستعمار والاستبداد في ذات الوقت.

إن الديمقراطية الحقيقية لا تفرض بالقوة العسكرية ولا تأتي عن طريق الدبابات والصواريخ والقاذفات والراجمات ولا تتشكل من خلال التلفيق والخلط بين القديم والجديد وبين السائد والبائد وإنما تكون نابعة من أعماق الشعوب وملتحمة بإرادة الجماهير وتصنعها القوى المنتفضة عبر طرائقها الذاتية في التنظم.

لا توجد سلطة في الكون مهما بلغت قوتها تكون قادرة على إيقاف تمرد الجماهير وانتفاضة الشعوب إذا ما صممت على إسقاط السائد وتوديع الباطل وتسلحت بالأمل في الانعتاق والوعد بالحرية والتفت حول قواها الحية وضمائرها الصادقة وعقولها المفكرة والمثقفين العضويين واتجهت بكل عزائمها نحو تحقيق هدفها.

لقد حرصت الشعوب من خلالها العقل الجمهوري الذي يحركها على الاستفادة من التجارب المدنية التي نجحت في تونس وأخذت العبرة من التجارب التي فشلت في غيرها من بلدان وانتهت إلى عسكرة الحياة السياسية ومصادرة المسار الثوري برمته وتناقضت بصورة كلية مع المشاريع اليمينية الدينية والتقليدية.

 في الواقع ظلت أنظمة الحكم العربية تفرض نفسها على شعوبها بالقوة والقبضة الأمنية وتمتلك شرعية قانونية مزورة ولم تعد تملك شرعية الآداء والمردودية بما أنها لم تعد قادرة على توفير الحد الأدنى المطلوب من الغذاء والدواء والتشغيل والتعليم الجيد والخدمات العمومية ولكنها فاقدة للشرعية الأخلاقية والأدبية ولا تجد أي تأييد جماهيري ولا تحظى بأي قبول ورضا تام من الرأي العام، وآن الأوان لكي ترحل وتقرر الشعوب مصيرها بكياناتها وإراداتها الذاتية. فهل ما زال شك في أن الربيع العربي هو تجربة تحرر للمظلومين؟ ومتى يرحل المستبد والمستعمر ويصبح شعبي حرا ويمسي وطني سعيدا؟

كاتب فلسفي

قد يعجبك ايضا