كيف كان العراق قبل الإحتلال الأمريكي وكيف أصبح بعده 17تمّوز1968-9نيسان2019‎؟ / موسى عباس

موسى عباس ( لبنان ) الثلاثاء 9/4/2019 م …




موسى عباس

أوّلاً:

في الذكرى السابعة عشرة للإحتلال الأمريكي- الغربي للعراق من المفيد التذكير بتقرير لجنة تشيلكوف البريطانية الذي نُشِر بتاريخ 6 تموز 2016 الذي أعلن بكل وضوح عدم قانونية الهجوم على العراق وفقاً للقانون الدولي والذي أدان مشاركة بريطانيا فيه.

ثانياً:

من حق أي مواطن عربي كما من واجب أي إنسان حُر أن يتساءل فيضع النقاط على الحروف كما يُقال ، والتساؤل لا يعني تدَخُّلاً في الشؤون الداخلية وإنّما هو من باب الحرص على بلدٍ طالما كان المُؤازر والمساند والمُشارك في السرّاء والضرّاء لإخوانه العرب لا سيّما في مِحَنِهِمْ التي عاشوها على الأقل منذ نكبة فلسطين وإعلان قيام دولة الكيان الصهيوني عام1948 .

والتساؤل هو ما الذي كان عليه العراق وما الذي تغيَّر فيه منذ أسقط الأمريكيون وحلفاؤهم نظام البعث عام 2003؟

ان كنت تكره نظام البعث وتحقد عليه أو بالعكس تترَحم عليه فلا بُدّ أن تكون موضوعياً مع نفسك أوّلاً فلا تقف موقف المُحايد بل عليك وبكلّ وضوح أن تحدِّد موقفك مما كان يجري وما جرى الى الآن ولا يزال منذ وصول حزب البعث العربي الإشتراكي إلى السلطة في 17 تموز 1968 وحتى تاريخه 9نيسان 2019.

إنّ أسوء مشهد لا يُمحى من ذاكرتي ولا زال يعتصر قلبي ألماً كلما ذكرته هو مشهد وزير الإعلام العراقي “محمد سعيد الصحّاف” أمام حشد الصحافيين يهاجم “العلوج ” ويتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور بينما دبّابة أبرامز الأمريكية على بعد مئات الأمتار تتربّع في وسط جسر الجمهورية على نهر دجلة والكاميرات تتنقل أثناء نقل الصورة بينه وبينها وبقيت لعدّة ساعات ولم يُطلَق باتجاهها طلقة واحدة قبل أن تتقدم إلى وسط بغداد .

عاد إلى ذاكرتي حينها مشهدالدبابات الصهيونية تُدمّرها دبابات الجيش العراقي أو تأسرها مع أطقمِها في معركة محور “جيعا-كفر ناسج “ما بين 12و13 تشرين الأول 1973 أثناء مؤازرتهم إخوانهم في الجيش العربي السوري خلال صدّهم للهجوم على دمشق في تشرين الأول 1973.

ثالثاً :

— ما هي إنجازات النظام السابق وما هي الأخطاء التي ارتكبها ؟

— الإنجازات الداخلية:

عند وصولهم الى السلطة كان العراق يعاني من مشكلات عدّة أهمها:

الفقر والأميّة وتدني المستوى الصحي وتسلُّط الشركات النفطية الأجنبية على الثروة النفطية والزراعة والصناعة في أدنى مستوى لهما وعدم وصول المياه والكهرباء الى غالبية المدن والقرى وهيمنة مجموعة من الرأسماليين على التجارة وعلى المرافىء وجيش مُتواضِع.

بالإضافة إلى المشكلة الأهم وهي الصراع الدائم مع المُكَوِّن الكردي.

بعد وصوله الى الحكم وخلال أقل من خمسة سنوات تم إنجاز الآتي :

— إنجاز قانون الحكم الذاتي للأكراد في 11 آذار 1970 وتطبيقه في نيسان 1975 بعد صراع مرير دام لسنوات عديدة سقط خلالها آلاف القتلى والجرحى وكان للصهاينة ولنظام الشاه في إيران الدور الأكبر في إشعاله واستمراره .

— تأميم النفط وطرد الشركات الأجنبية التي كانت تهيمن على إنتاجه وتسويقه وذلك تمّ عام 1972.

— إيصال الكهرباء الى جميع أنحاء العراق وانجاز الإصلاح الزراعي ومدّ شبكات الري ومياه الشفة وتقديم الآلات الزراعية للمزارعين والأراضي لخريجي كليّة الزراعة مجّاناً وإنشاء السدود والعمل على استكمال إنشاء النهر الثالث التي إمتد بطول حوالي 600كلم والذي توقف العمل فيه عام 1990 بسبب الحصار.

— من أهم الإنجازات إلزامية التعليم ومجّانيته بكامل مراحله حتى الدكتوراه وتعليم عشرات الآلاف من الطلاب العرب في الجامعات العراقية والتي كانت تُعد من أرقى الجامعات مجّاناً ، وارسال عشرات الآلاف من الطلاب العراقيين والعرب للتخصُص في الخارج على نفقة الحكومة العراقية،يُضاف الى ذلك القضاء على الأُمّية قضاء تامّاً في إنجاز قلّ نظيرُه في العالم.

— تطوير الصناعة في مختلف مجالاتها الخفيفة والثقيلة حيث وصلت إلى مستوى مُتقدم جداً.

—شبه مجانيّة وسائل النقل الحكومية الداخلية.

— تدني أسعار النفط والغاز والكهرباء للمواطنين.

__ إنشاء جيش عراقي قوي فرض نفسه بين أقوى جيوش العالم.

أما أهم الإنجازات الخارجية والتي تُهم الأُمّة العربية جمعاء:

— شارك الجيش العراقي في القتال الى جانب سوريا ومصر في الحروب ضد الكيان الصهيوني ، وكان له دور هام جداً في حرب تشرين الأول 1973 إلى جانب الجيش السوري .

— دعَم العراق في زمن حكم حزب البعث المقاومة الفلسطينية في جميع المجالات المادية والعسكرية كما دعم صمود الفلسطينيين في الداخل وموّلَ إعادة بناء المنازل التي كان يهدمها الكيان الغاصب و كذلك في تقديم المساعدات لعوائل الشهداء والأسرى .

— سعى لتشكيل جبهة عربية مُوَحدة ضد الكيان الصهيوني .

هذا غيضٌ من فيض فلا يمكن حصر الإنجازات بكاملها في بضعة أسطر.

أما من حيث الأخطاء والإخفاقات فهي تتجلى بالآتي :

— منذ وصوله الى السلطة وبالرغم من إنشائه للجبهة الوطنية المُكونة من الأحزاب المعترف فيها من قبل النظام ، إلا أنّه كان يُهيمن عليها بالكامل .

— لم يكن على علاقة جيّدة بالمرجعيات الدينيّة ولم يُقدِم على فتح حوار جدي معها، بل بالعكس وقف في وجه طموحات تلك المرجعيات في المشاركة في السلطة، الأمر الذي أدى إلى نشوء أحزاب دينية سِرّية وكان أهمها حزب الدعوة الذي أنشأه “السيّد محمد باقر الصدر” والذي اتّهمه النظام بأنه يعمل على إسقاطه الأمر الذي أدى الى إعتقاله مع شقيقته “بنت الهُدى” وإعدامهما وهذا برأيي كان أوّل مسمار دقّه النظام في نَعْشِه لأنه طعن الطائفة الإسلامية الأساسية والكبرى في العراق في الصميم وألّب القسم الأكبر من الشعب ضدّه وبرزت النتائج مع بدء التحالف الغربي والصهيوني الهجوم على العراق.

— قمع أي رأي مُعارض من أي جهة أتى.

__ الحرب العراقية_ الإيرانية التي كان للاستخبارات الأجنبية ولا سيّما الأمريكية بشكل خاص الدور الأكبر في إشعالها بهدف تدمير مُقوِّمات البلدين كما جاء في مقالة المُحقِّق الصحفي “بوب باري ” والتي كانت بعنوان

“تاريخ أمريكي/عراقي مفقود” وكما جاء في شهادة موظف الأمن القومي الأمريكي”هوارد تيشر” المحفوظة في محكمة فلوريدا تلك الحرب التي كان بالإمكان تفاديها لو تمّت الإستجابة للوساطات التي حاولت بعض الدول منع حدوثها والتي استغلّها أعداء الطرفين وساهموا في إشعال أوارِها لسنوات طويلة ومريرة.

__ أقدَمَ الأمريكييون وحلفاؤهم على تحريض دول الخليج ولا سيّما الكويت ضد العراق وتشجيع العراق بشكل غير مباشر عبر السفيرة غلاسبي التي أعلنت أن بلادها لن تتدخل في مسألة الخلاف الكويتي-العراقي ، حدث الغزو العراقي في 2 آب 1990فإتخذه الأمريكيون ذريعةً للهجوم على العراق بحجة تحرير الكويت 1991واستكمالاً للمشروع الصهيو-أمريكي في تدمير قوّة العراق وبذريعة واهية هي إمتلاكه أسلحة نووية وبعد حصارٍ طويل تم احتلاله في نيسان 2003 وانتهى حكم استمر لخمسةٍ وثلاثين سنةبالضربة القاضية.

هذه برأيي أهم الأخطاء التاريخية والتي كانت قاتلة .

رابعاً:

بعد سقوط نظام البعث ما هي إنجازات حكاّم العراق الجُدد ؟

—برأيهم أنهم أسقطوا نظاماً دكتاتورياً كان يقمع الحريات ولا يسمح بالمعارضة ، وهم وقبل أن يوصِلَهُم المحتل الأمريكي إلى سدّة الحكم باشروا بقتل البعثيين وإعدامهم في شوارع المدن والقرى ، ومن نجا فإما لأن عشيرته حمته ، أو أنه نجح بالفرار مشرداً خارج العراق. ولم يكتفوا بذلك بل اصدروا قانون إجتثاث البعث في 16 أيار 2003 الذي أعدّه مكتب الخطط الخاصّة في وزارة الدفاع الأمريكية بمشاركة أحمد الجلبي ، وطردوا الموظفين من الإدارات العامة وقطعوا رواتبهم ورواتب المتقاعدين وحتى رواتب أُسَر العسكريين بما فيهم أُسر الشهداء.

— وافقوا على حل الجيش العراقي، واعتقلوا معظم ضباطه واعدموا بعضهم ومن نجا تخفّى داخل أو خارج العراق ،وهذا ما لم يحدث في أي دولة في العالم ، وهكذا حقّق الصهاينة حلمهم في القضاء على ذلك الجيش الذي واجههُم بشراسة في حرب تشرين الأول 1973 .

— عادت الأمّيّة لتنتشر وتدنّى مستوى جميع الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية على جميع أنواعها وانتشر التسوّل في شوارع العاصمة وباقي المدن.

— جرى تقسيم العراق على أُسُس مذهبية وعرقية بتخطيط صهيو_أمريكي وهُجِّر ملايين العراقيين في أصقاع العالم، وكان “هنري كيسينجر” وزير خارجية أمريكا الأسبق قد قال: ليبقى

(الكيان الصهيوني) يجب تفتيت العالم العربي بدءاً من العراق.

__ استولت الشركات الأمريكية وأهمها “هاليبرتون”على ثروات العراق النفطية بالكامل وأصبح من غير المستغرب مشاهدة أرتال السيارات العراقية تمتد لمسافات طوية تنتظر دورها لتعبئة الوقود وباسعار مرتفعة .

—خصخصة غالبية القطاعات الصناعية والخدماتية.

— انتشر الفساد واستشرى في مفاصل السلطة وبرز الغنى الفاحش عند غالبية من وصل الى السلطة وأصبح هناك العديد من أثرياء الحرب و أعلنت المؤسسات المختصة بأثرياء العالم أسماء العديد من المسؤولين ممن تولوا السلطة والذين أصبحوا يمتلكون المليارات من الدولارات في الداخل والخارج،حيث أصدرت شركة

wealth-x المتخصّصة بالمعلومات عن أثرياء العالم تقريراً تحدّث عن أن العراق يحتل المرتبة السادسة في عدد الأثرياء في العالم وتشمل القائمة رجال سياسة ورجال أمن ورجال دين.

— إنتشار التجسُس والجواسيس بعد أن كان النظام السابق قد قضى على تلك الظاهرة.

—تصفية عشرات العلماء من مختلف الإختصاصات العلمية والذين كان لهم الدور الأبرز في تطوير العراق

—النجاح الوحيد الذي حققه الشعب العراقي بقيادة قلّة من المخلصين لوطنهم ولأُمّتهم هو نشوء مجموعة من الفصائل المُقاوِمة من مختلف مُكوّنات الشعب والتي أخذت على عاتقها مسؤولية الدفاع عن العراق ضد المحتل الأمريكي وضد الجماعات التكفيرية .

ختاماً أليس من حق ملايين العراقيين أن يسألوا أين كنّا وأين أصبحنا !؟

أليس من حقّهم ومن حق أحرار الأُمّة الذين لا يرجون إلا الخير للعراق وللأُمّة أن يُرددوا مع الشاعر العراقي : “عبدالرزاق عبد الواحد”:

دمعٌ لبغدادَ دمعٌ بالملايين

من لي ببغداد أبكيها وتبكيني .

ومع”مظفر النواب” وبدلاً من “القدس” بغداد:

بغدادُ عروسُ عروبتكم فلماذا أدخلتم كلّ زُناة الليل حُجرتها ؟.

قد يعجبك ايضا