الاهمال والفساد وأثرهما على الاقتصاد / د. عادل عامر

د. عادل عامر ( مصر ) الثلاثاء 19/2019 م …




أن الإهمال والفساد وجهان لعملة واحده ولكن ما شهدناه ورصدناه شيء لا يصدق وتغول يد الفساد والاهمال. أن التصدي للفساد لا يختلف عن مواجهة الإرهاب. الفساد بأنه التعدي على المال العام بأي شكل أو صورة، ويترتب عليه نتائج وخيمة على كافة أفراد المجتمع، بينما الإرهاب هو التعدي على حياة الآخرين،

ويرتب عليه أيضاً عواقب وخيمة تضر كافة أفراد المجتمع، وتنال من أمن واستقرار المجتمع، أن محاربة الفساد والإرهاب أمر واجب على كل فرد في المجتمع، سواء من العامة أو المسؤولين. ويظل بالطبع تطبيق القانون هو أقصى درجات مكافحة الفساد، غير أن الشكل القانوني المراد تطبيقه بحاجة الي أن يكون ملائما كي يؤدي الي النتائج المرجوة، والا فإن وجود القانون وتطبيقه سيكون جهدا بلا طائل، ولهذا السبب بالذات تفشل جهود مكافحة الفساد في أغلب الدول العربية لأن القانون مختل أو أن تطبيقه يعاني من علل وفساد هو نفسه! فعلى الصعيد الاقتصادي يؤدي الفساد إلي: إعاقة النمو الاقتصادي مما يقوض كل مستهدفات خطط التنمية طويلة وقصيرة الأجل. إهدار موارد الدولة أو على أقل تقدير سوء استغلالها بما يعدم الفائدة المرجوة من الاستغلال الأمثل. هروب الاستثمارات سواء الوطنية أو الأجنبية لغياب حوافزها. الإخلال بالعدالة التوزيعية للدخول والموارد وإضعاف الفعالية الاقتصادية وازدياد الهوة بين الفئات الغنية والفقيرة. اضعاف الإيرادات العامة للدولة نتيجة التهرب من دفع الجمارك والضرائب والرسوم باستخدام الوسائل الاحتيالية والالتفاف على القوانين النافذة.

التأثير السلبي لسوء الإنفاق العام لموارد الدولة عن طريق اهدارها في المشاريع الكبرى بما يحرم قطاعات هامه مثل الصحة والتعليم والخدمات من الاستفادة من هذه الموارد. تدني كفاءة الاستثمارات العامة وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة بفعل الرشاوي التي تدفع للتغاضي عن المواصفات القياسية المطلوبة. وعلى الصعيد السياسي يؤدي الفساد إلي: تشويه الدور المطلوب من الحكومة بشأن تنفيذ السياسة العامة للدولة وتحقيق مستهدفات خطط التنمية. انهيار وضياع هيبة دولة القانون والمؤسسات بما يعدم ثقة الأفراد فيها. اضعاف كل جهود الإصلاح المعززة للديمقراطية بما يتزعزع معه الاستقرار السياسي. إقصاء الشرفاء والأكفاء عن الوصول للمناصب القيادية بما يزيد من حالة السخط بين الأفراد ونفورهم من التعاون مع مؤسسات الدولة. إعاقة وتقويض كافة الجهود الرقابية على أعمال الحكومة والقطاع الخاص.

وعلى الصعيد الاجتماعي يؤدي الفساد إلي: انهيار النسيج الاجتماعي وإشاعة روح الكراهية بين طبقات وفئات المجتمع نتيجة عدم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. التأثير المباشر وغير المباشر لتداعيات الفساد الاقتصادية والسياسية على استقرار الاوضاع الامنية والسلم الاجتماعي.

فانتشار الفساد في القطاع الخاص يؤدي إلى زيادة كلفة العمل او المنتج التجاري من خلال زيادة المدفوعات غير المشروعة، وازدياد النفقات الإدارية الناجمة عن التفاوض مع المسئولين. عرقلة النمو وزيادة الفقر والعجز عن مكافحته، لان مساعدة الفقراء تتطلب تحويل الموارد العامة إلى أنشطة تصب في إطار تعزيز النمو كإلزامية التعليم الابتدائي والرعاية الصحية الأولية إلا أن ذلك لا يناسب السياسيين الباحثين عن أموال الفساد فهم غير قادرين على جمع أموال ضخمة إلا من مستويات مرتفعة من الإنفاق التي تتيح قدرا أعظم من فرص الفساد كعمليات شراء الأسلحة ومشاريع الأعمار الكبرى لذا لا يحتل الإنفاق لمصلحة الفقراء سوى أدنى مرتبة في سلم أولويات بلدان الفساد السياسي.

الحد من تقديم الخدمات، وارتفاع أعباء توفير كمية قليلة من الخدمات العامة أو على الأقل التوزيع غير العادل لها، أو تردي نوعيتها، أو صعوبة الحصول عليها دون رشوة أو توسط وتركز مداخل مقاومة الفساد في نظرية الاختيار العام على الإصلاحات الاقتصادية والدولة كطريق رئيسي للإصلاح. بينما مدخل الاقتصاد السياسي يحبذ التدخل السياسي الواعي كأداة أساسية لجهود مقاومة الفساد.

ولكن المداخل التي تستمد جذورها من نظرية الاختيار العام والمدخل الجماعي تميل إلى قصر تحليلها على دول ومؤسسات معينة متجاهلة دور القوة الفاعلة الدولية في تشكيل شكل الفساد ومحتوى الممارسات الفسادية على المستوى القومي.

إن مواجهة الفساد والحد منه يعد التزاماً ليس فقط على الحكومات بل وعلى المجتمعات ذاتها، لذلك وللحد من هذه الظاهرة لابد وأن تبذل الجهود سواء على مستوى وضع السياسات أو تطبيقها، كما أنه يجب أن يتم استحداث الآليات الفعالة لمواجهته، لكي يعد ذلك مؤشراً على الحكومة الجيدة والشفافية في إدارة الشئون العامة واحترام وحماية حقوق الإنسان ووجود التزام سياسي لمكافحة الفساد.

إلا أنه وباعتبار أن الفساد يمثل ظاهرة متشعبة ومعقدة، فإنه ولذلك يصعب وضع سياسات محددة وعامة التطبيق لمواجهته، ذلك أن هذه السياسات ترتبط بشكل كبير بسلوكيات وليس فقط بقرار، إضافة إلى أنها تتشابك مع مؤسسات وجهات رسمية وغير رسمية عديدة، وهو ما يتطلب بالضرورة إدخال وإشراك العديد من الجهات في التوجهات التي تعمل على وضع السياسات لمكافحته.

بالتالي، لا يمكن القول أن سياسات مكافحة الفساد هي سياسات نمطية، فخلافاً لذلك لا تتبع هذه السياسات نمطاً ونموذجاً واحداً، لذا لا يعد صحيحاً اختزالها في قيام الحكومة بوضع التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية موضع التطبيق دون الانتباه إلى أن وضع السياسات يعتبر بمثابة طرفاً واحداً في إطار عملية كبيرة تتباين فيها المصالح والأهداف

وكذلك الحلول المقدمة للحد من هذه الظاهرة. إضافة إلى ذلك فإنها ترتبط بشكل كبير بالمناخ السياسي السائد، وهو ما يؤكد ضرورة وجود توافق سياسي ووطني يهدف إلى تطوير رؤية استراتيجية واضحة لمكافحة الفساد.

إن “الفاتورة التي وصلت إلى 700 مليار جنيه ألقت الضوء على أن الفساد ساد كل أرجاء الجهاز الإداري للدولة حتى وصل عدد قضايا الفساد بهذا الجهاز سنويًا لنحو 80 ألف قضية، إلى جانب ممارسات بعض رجال الأعمال في تسقيع الأراضي والمضاربة عليها، مما بدد ثروات كبيرة، مضيفًا أنه جاء ذلك عقب حصول رجال الأعمال على جميع المزايا من ضرائب وجمارك وأسعار شديدة الانخفاض لأراضي ومرافق الدولة،

وانعكس هذا كله عبر مؤشرات اقتصادية مضللة تم العبث بها لإيهام المواطنين بأن هناك ثمة إصلاحات اقتصادية. أن التحول الديمقراطي في مصر الذي يجري الآن يساهم في الإسراع بتعويض التداعيات الاقتصادية السلبية لهذه الانتفاضة، فيعزز أداء الاقتصاد الكلي للدولة ويجذب الاستثمارات، ومن الممكن أن يؤدي إرساء دعائم فجر ديمقراطي جديد في مصر إلى تأسيس منظومة اقتصادية اجتماعية أكثر عدلاً على الأرجح بدلًا من المنظومة السابقة. “إننا في حاجة إلى ثورة قانونية لإلغاء القوانين المقننة للفساد، علاوة على إصدار بعض القوانين الخاصة بمحاربة الفساد المؤجل صدورها منذ ما يزيد علي 40 عاما، إلى جانب ضرورة استقلال الأجهزة الرقابية”. أن قيمة التكلفة المقدرة لوقائع الفساد التي تم ضبطها خلال العام المنقضي من الاختلاس والرشوة وإهدار المال العام، بلغت ما يقرب من 840 مليون جنيه،

 وتحديدًا بلغت قيمة المبالغ المُعلَن عنها في بعض– وليس كل-الوقائع 139 مليونًا و944 ألفًا و620 جنيهًا، وهي قيمة تقديرية أولية، وقد استحوذت وقائع القبض على بعض مسئولي هيئتي الجمارك والضرائب على النسبة الكبرى من هذه التكلفة.

تعتبر فعالية المؤسسات الحكومية من المتطلبات الأساسية للتنمية والعدالة. وتتطلب فعالية الأنظمة الحكومية ثقة المجتمع بالمؤسسات الحكومية وقدرتها على تنفيذ البرامج الحكومية بأمانة وإخلاص. وقد ظهر دور الدولة جليا في السنوات الاخيرة وارادتها السياسية في مكافحة الفساد بكافة أشكاله وفي مواجهة اي شخص او سلطة أصبح الان لا أحد فوق الفساد.

قد يعجبك ايضا