مفاهيم سياسية مُحبطة في العالم العربي / فايز رشيد




فايز رشيد ( الأحد ) 10/2/2019 م …

رغم أن الحركة الصهيونية مثلما قيل عنها «أكبر حزب منظّم في التاريخ»، ورغم أن إسرائيل مولودها، دأب البعض من السياسيين العرب، إضافة إلى بعض أجهزة الإعلام العربية على إطلاق مصطلح: الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على الصراع في الشرق الأوسط، بل شطح البعض بعيداً في اختزال هذا الصراع إلى كلمة (نزاع)، وبدأ في التسمية من خلال مصطلح النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أو حتى تسميته بـ (الخلاف).
بدايةً، فإن المصطلحات لا تأتي عفويةً، وهي مهمة للتوصيف، الأمر الذي ينزع العفوية عنها. إن مصطلح الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي خاطئ تماماً، فرغم أن الفلسطينيين هم الواجهة في هذا الصراع، لكن الخطر الإسرائيلي لا يطال الفلسطينيين وحدهم، وإنما كل العرب من المحيط إلى الخليج. هذا ما لا نقوله نحن، بل تقوله حقائق الصراع، والأحلام الصهيونية، والأهداف الإسرائيلية، وتاريخ إسرائيل منذ ما قبل قيامها حتى هذه اللحظة. إسرائيل ما زالت تحتل هضبة الجولان العربية السورية، وسبق أن ضمّتها إلى إسرائيل، بقرار اتخذه الكنيست، وهو لا يزال يعتبر الهضبة أرضاً إسرائيلية. إسرائيل لا تزال تحتل مزارع شبعا اللبنانية، وسبق أن احتلت أراضي مصرية، وهي تلاحق الفلسطينيين والعلماء العرب في الدول العربية والعالم.
الوصف يفصل بين إسرائيل والصهيونية، التي شُكّلتْ أولا، لتكون حزبا/حركة عالمية، جعلت من أهدافها السيطرة على عصبيْ المال والإعلام في كافة أنحاء المعمورة، كمدخل للسيطرة على السياسات في الدول، أو التدخل فيها على أقل تقدير. ربطت الصهيونية مصالحها بظاهرة الاستعمار العالمي، فوجدت فيه خيرَ مشجّع ومعين لتحقيق أهدافها. كانت بداية الحركة الصهيونيّة على يد الصحافي السويسري ناتان بيرنبون، أحد أصدقاء ثيودور هيرتزل المقربين، وهو أوّل من استخدم مصطلح الصهيونيّة سنة 1890 نسبةً إلى جبل صهيون، حيث كان بيرنون يؤكد على أن نهضة اليهود السياسية لن تتحقق إلا بالعودة الجماعيّة لهم إلى الأرض الموعودة، كما جاء في التوراة على حد زعمهم. الفضل الرئيسيّ في نشوء الحركة الصهيونيّة في شكلها المعروف يعود إلى الشخص الملقب بأبو الصهيونيّة وهو النمساوي ثيودور هيرتزل، وفي سبيل ذلك ألف كتابا أطلق عليه اسم «الدولة اليهوديّة» سنة 1896، شرح فيه الأساليب والطرق العملية من أجل إنجاح وتحقيق هدف الحركة الصهيونيّة الرئيسي، وفي العام التالي لصدور كتاب هيرتزل عُقد مؤتمر بال في مدينة بال السويسريّة في الفترة الممتدة من 29 إلى 31 أغسطس/آب 1897، حيث تم الإعلان رسميا عن قيام الحركة الصهيونية كحركة عالميّة، وتم في المؤتمر انتخاب اللجنة التنفيذيّة للحركة ومقرها فيينا.
في مرحلتنا الراهنة في القرن الواحد والعشرين، وبعد سبعة عقود على تحقيق أهم هدف صهيوني وهو إنشاء إسرائيل، التي يصنفها نتنياهو كثامن دولة في العالم من حيث القوة العسكرية، نسأل: هل أن تحقيق الهدف بإنشاء إسرائيل، جعل الصهيونية تحلّ نفسها كحركة سياسية؟ وهل هناك بلد غربي بدون وجود لوبي صهيوني فيه؟ ثم إن اللوبيات الصهيونية منتشرة في العديد من بلدان العالم الأخرى، كناطق رسمي باسم التجمعات اليهودية في تلك الدول، وحركة سياسية لهم، تسيرّهم في الاتجاه الذي ترتأيه. بالتالي من الخطأ الفصل بين الصهيونية وإسرائيل، فذلك يؤدي إلى تجزئة الصراع في المنطقة، وجعله فلسطينيا إسرائيليا، بدلا من حقيقته الأساسية في أنه صراع عربي ـ صهيوني أولا وأخيراَ.
في عام 2018 جرى تسليط الأضواء على الحاخام اليعيزر كشتئيل رئيس المدرسة الدينية لخريجي الجيش وقوله «واجب احتلال أرض إسرائيل الكاملة». يقول الحاخام عن فلسطين «هذه بلادنا.. بلادنا المقدسة.. الله وعدنا بهذه البلاد وأمرنا بوراثتها، إنها أرض إسرائيل»، يتساءل الحاخام «ولكن ما هي حدود أرض إسرائيل التي تعود لنا؟ يجيب قائلاً: نحن ملزمون بأن نحتل على الأقل حتى بيروت… الله يرمز لنا بأنه يجب علينا الوصول إلى هناك. نعم، هناك ميراث آشر الذي ينتظرنا.

من الخطأ الفصل بين الصهيونية وإسرائيل وتجزئة الصراع وجعله فلسطينيا إسرائيليا، بدلا من حقيقته كونه صراعا عربيا ـ صهيونيا

قبل أشهر تقريباً دعا الحاخام يتسهار دافيدوفيتش إلى إبادة الفلسطينيين كشعب، وكان قد صرّح: «بأننا أصحاب البيت هنا، لا يوجد محمد.. هذه الأمة كلها تعيش على حد السيف مقابل أمة تقدّم الخيرات للعالم.. هم ليسوا شركاء في هذه البلاد، بل هم غرباء تماماً.. نحن الذين عدنا إلى البيت بعدل ورحمة. يحق لنا أن نقوم بإبادة هذه الأمة كلها حيث نعيش، فهي أمة قاتلة». بالتالي نسأل هؤلاء الجاهلين أو الذين يتجاهلون الحقيقة: هل هو نزاع/صراع فلسطيني ـ إسرائيلي؟
على صعيد آخر، «من الرئاسة إلى القبر» مبدأ يعمل بموجبه القائمون على النظام الرسمي العربي! فقد أعلن قادة أحزاب التحالف الرئاسي فى الجزائر، عن ترشيحهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقبلة للمرة الخامسة على التوالي، والمقرر عقدها في 18 أبريل/نيسان المقبل. الرئيس بوتفليقة من مواليد عام 1937 ، تجاوز في مدة حكمه مدة حكم الرئيس هواري بومدين ليصبح أطول رؤساء الجزائر حكماً. تسلّم الرئاسة منذ عام 1999 حتى هذه اللحظة أصيب بمرض صحي قيل إنه خطير في عام 2005  ونقل لمستشفى فرنسي في ظل فوضى إعلامية كبيرة. وقالت الصحف الفرنسية حينها، إن حالته الصحية تعاني من خطر واضح كاد يؤدي بحياته. تعرض الرئيس الجزائري في عام 2007 إلى محاولة اغتيال. سمح تعديل الدستور لبوتفليقة بفرصة الترشح لعهدة رئاسية ثالثة، بعد أن حدد النص السابق للدستور عدد الفترات الرئاسية باثنتين فقط. في عام 2009 أعاد الجزائريون انتخاب بوتفليقة للمرة الثالثة على التوالي، وقد ترشح لولاية رابعة في خضم ضجيج أثير حول «لا ديمقراطية القرار» وصلاحيته كرئيس، كما فساد شقيقه السعيد بوتفليقة، وقامت احتجاجات متفرقة منددة بذلك، رغم حالته الصحية التي ظهر بها عند دخوله لمركز الاقتراع، وكذلك عند أدائه للقسم، حيث كان يتنقل باستخدام كرسي متحرك. في عام 2013 إثر مرض عضال عاد الرئيس بوتفليقة إلى الجزائر بعد غياب تجاوز الثلاثة أشهر! رغم كل ذلك، فإن الرئيس يترشح للمرة الخامسة.
الموضوع ذاته ينطبق على الرئيس عمر حسن البشير، الذي تطالب كلّ جماهير السودان منذ سبعة أسابيع بتنحيه، وهو القابع في رئاسة السودان لثلاثة عقود، حيث قاد انقلابا عسكريا على الحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي. تولى البشير رئاسة مجلس الإنقاذ الوطني عام 1989، وجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. هو يرفض التنحي ويصر على الترشح، كذلك، قام عدد من نواب مجلس الشعب المصري بتقديم مقترح لتعديل الدستور، من أجل إتاحة الفرصة للرئيس السيسي للترشح لولايات أخرى، وهكذا دواليك!
الغريب في الأمر، إن الواحد من هؤلاء، إن حاز كرسي الرئاسة، فهو يريد الالتصاق به طيلة حياته، وكأن لا كفاءة أخرى في بلده، غيره! ويصبح المواطن العربي في عهده، يتنفس الهواء فقط بفضل نِعَم الرئيس. الدولة تصبح ملحقة باسم الحاكم الفرد، أي أن وجودها فقط مقترن باسمه، على من يضحك هؤلاء؟ إنهم لا يهزؤون إلا بأنفسهم، عندما يصدقون أنهم أصبحوا معبودي شعوبهم. في العادة، يوجد سنّ للتقاعد لكل إنسان على وجه البسيطة، فهناك قدرة وسنّ معين للعطاء! بعده يُستهلك الإنسان، ومن حقه والحالة هذه أن يرتاح ويستمتع بما تبقى من عمره! إلا في حالة الحكام العرب، فبود الواحد منهم أن يجدد عمره أو يكون مخلّدا ليظل متربعا على كرسي الحكم.
على صعيد ثالث، فإن الرياضة هي النشاط الأكثر جماهيرية بين الشعوب، فيها الرّبح والخسارة، ولذلك قيل «الروح الرياضية»، وتعني «أن يتقبل الإنسان الخسارة». الرياضة في كلّ أنحاء العالم بعيدة عن السياسة، إلا في وطننا العربي للأسف، ففي الریاضة یسقط الإعلام في شرك السیاسة، لقد شكّل فوز قطر ببطولة كأس آسیا لكرة القدم مثالا حیا مفجعا على المستوى الذي بلغه الاستقطاب والتحیز في وسائل الإعلام، على حساب أبسط القواعد المھنیة، صحف وقنوات تلفزیونیة عریقة تجاھلت على نحو مقصود ومتعمد فوز المنتخب القطري بالبطولة، لا لأن حدثا كبیرا ھز أركان الأخبار، وطغى على نتیجة مباراة ریاضیة، بل لأن الدولة الفائزة بالكأس مكروهة من طرف مالكي تلك الوسائل. لأول مرة تكون خسارة فریق المباراة النھائیة، ولیس فوز فریق عربي بالبطولة ھي المانشیت العریض للصحف ونشرات الأخبار. في خمسينيات وستينيات القرن الزمني الماضي كان الشعور القومي في أوجه. نحن متفرقون الآن إلى شِيع وقبائل متحاربة! تعلمنا تأييد أي فريق رياضي عربي إن لعب أمام أي فريق أجنبي، الآن يحدث العكس تبعا للموقف من بلد الفريق. انتصار الفريق القطري في دورة آسيا هو انتصار لكل الأمة العربية.

قد يعجبك ايضا