التدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية! / فهد المضحكي

فهد المضحكي ( البحرين ) السبت 2/2/2019 م …




ان سياسة الولايات المتحدة في دول أمريكا اللاتينية هي مثال واضح على الطبيعة العدوانية لنهج واشنطن تجاه هذه الدول التي ومنذ عقود تتعرض للدسائس والانقلابات التي تديرها الولايات المتحدة، ومن الادلة على ذلك ما حدث في تشيلي عام 1973، والارجنتين في عام 1976 عندما استولى الجيش – بدعم واشنطن – بقيادة الجنرال جورج رافائيل فيديلا على السلطة، بعد اطاحتهم بالرئيس ايزابيل بيرون، حيث استمر الانقلاب حتى عام 1983، في حينها قتل 30 ألف شخص، وزج بالآلاف في السجون دون محاكمات، وتعرضوا للتعذيب، وقد عرفت تلك الفترة باسم «الحرب القذرة».

ولا يختلف الأمر عندما اعلنت واشنطن نيتها في اسقاط النظام الشعبي الجديد، في نيكاراجوا وبأي طريقة كانت، وتعني بذلك اسقاط الجبهة الساندينية للتحرر الوطني التي اطاحت بحكم أناستازيو سوموزا دبايل الدكتاتوري في عام 1979م، حيث اقامت حكومة ثورية بدأت في تنفيذ برنامج واسع للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الجذرية في مصلحة غالبية الشعب، ومن أجل اقامة دولة شعبية.

ودقت واشنطن ناقوس الخطر واعلنت – كما كتب التقدمي جيرونيمو كاريرا – على عجل ان سياسة الحكومة الساندينية تتعارض مع «المصالح الحيوية للولايات المتحدة».

وقد كتب فيليب أجي، العميل السابق لوكالة المخابرات المركزية، ان وكالة المخابرات المركزية تنوي ان تستخدم في نيكاراجوا برنامجًا لاشاعة عدم الاستقرار سبق ان اختبرت في شيلي والبرتغال وجامايكا من قبل، ولكي تمول «العمليات المعادية للساندينيين»؛ خصصت الإدارة الأمريكية 19 مليون دولار لوكالة المخابرات المركزية وحدها!

وبناء على تعليمات الرئيس الأمريكي رونالد ريجان صرفت تلك الأموال على المنظمات المعادية للثورة، وتحديداً تدريب مجموعات التخريب التابعة لسوموزا، وإلى جانب ذلك نشطت وكالة المخابرات المركزية في تنفيذ مخطط للعمليات السرية، ففي يناير 1982 اكتشفت دوائر الأمن في نيكاراجوا مؤامرة للإطاحة بحكومة الساندينيين، وهو ما حدث عندما خسرت الجبهة الساندينية بزعامة دانييل اورتيغا الانتخابات عام 1990 وقد تم ذلك بدعم واشنطن لقوى المعارضة، أي تمويل منظمة كونترا المناهضة لحكومة الساندينيستا بشكل غير شرعي من قبل الولايات المتحدة!.

نشر موقع (SASAPOST) الالكتروني (مايو 2016) تقريراً عنوانه «يد واشنطن الخفية تواصل تاريخاً حافلاً من الانقلابات في أمريكا اللاتينية» تحدث فيه عن الإطاحة «بخواو غولارت» الرئيس البرازيلي عام 1963 لانه «شيوعي صريح»، كما وصفته المخابرات الامريكية. حدث ذلك عبر سلسلة من الاحداث تولى إدارتها قائد الجيش البرازيلي وحصل على دعم الولايات المتحدة الأمريكية للإطاحة بغولارت، إذ كانت واشنطن تخشى من ان تتحول البرازيل إلى «صين الستينيات»، كما قال السفير الأمريكي لينكولن جوردون.

واعترفت وكالة الاستخبارات الامريكية، بأنها مولت التظاهرات في شوارع البرازيل ضد الحكومة؛ كي تتمكن من حسم المعركة وهو ما تكرر حدوثه في ابريل 2016، عندما قرر مجلس الشيوخ البرازيلي عزل «ديلما روسيف». كان الأمر اشبه بانقلاب ناعم، انهى حكم «حزب العمال اليساري» المستمر منذ 13 عاماً. وقد دعمت حملة ازاحتها عن السلطة، من قبل «الصندوق الوطني للديمقراطية» الأمريكي، وكذلك من «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»، كما وقفت وراء الانقلاب نخب «وول ستريت» المالية، إذ دخلت هذه المؤسسات من باب الازمة الاقتصادية للبرازيل، ولكي تعمل على فتح الطريق أمام الشركات الأمريكية العابرة للقارات، لشراء الشركات الحكومية البرازيلية!.

روسيف التي عملت على خلق توجه اشتراكي جديد، يخالف مصالح الولايات المتحدة، كان مصيرها غير بعيد عن قراءات المراقبين، قامت روسيف بما يشبه الانقلاب السياسي، من خلال تقاربها من قوى دولية تناهض الاحتكار الامريكي، وانضمامها لمجموعة «بريكس» مع روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا، تلك المجموعة التي تعمل على كسر الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.

أما بالنسبة للتدخل الامريكي في الشؤون الداخلية لفنزويلا فحدث ولا حرج، ففي عام 1998 عندما تمكن هوغو تشافيز من الوصول إلى الحكم، بحصوله على اغلبية ساحقة من الاصوات الانتخابية، ومباشرة، بعد توليه السلطة، بدأ اليساري تشافيز في العمل على احداث تغييرات جذرية في فنزويلا، ابرزها استعادة السيطرة على شركات النفط الوطنية وفرض ضرائب مضاعفة على شركات النفط الاجنبية في فنزويلا، والتي كانت في غالبيتها شركات أمريكية، وعندما هاجم تشافيز الولايات المتحدة ووصف سياساتها بـ«الامبريالية الفاضحة» وهو ما لم يرق لواشنطن، لذلك عملت حكومتها آنذاك (الرئيس جورج بوش ووزير دفاعه رامسفليد) على تأليب الطبقة المتوسطة في فنزويلا على تشافيز، ودعم ضباط الجيش المعارضين له!.

وها هي واشنطن تستغل لأهدافها الخاصة، المصاعب الاقتصادية والتوترات السياسية في دول أمريكا اللاتينية، وما يحدث اليوم في كراكاس من انقلاب واغتصاب سلطات رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، ودعم خوان غوايدو رئيس البرلمان الذي عين نفسه رئيساً للبلاد، يُعد تدخلاً سافراً وانتهاكاً لكافة القواعد الدولية!.

قبل عامين، اتهم مادورو الولايات المتحدة بدعم محاولة انقلابية يقف وراءها عدد من ضباط سلاح الجو، في حينها قال: «مجلس في السفارة الأمريكية هو من كلف بوضع سيناريو الانقلاب»، وفي ذلك الوقت ونقلاً عن الاستخبارات الامريكية نشرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية: «انه من الممكن ان يُقال من منصبه، سواء في انقلاب داخل قصره أو حتى في انقلاب عسكري!».

قد يعجبك ايضا