وطنيون جزائريون مأساتهم مستمرة … منفيو كاليدونيا، هل تعرفونهم؟




السبت 19/1/2019 م …

الأردن العربي –

كثيرة هي المآسي التي عاشها الجزائريون منذ أن سقطت بلادهم ضحية نظامٍ استعماريٍ استيطاني عنيف في 1830؛ مُصادرة الأرض، إبادة قبائلٍ عن بِكرة أبيها (قبيلة العَوْفِية، أولاد رياح)، طمْس الثقافة والهوية، وتهجير مئات العائلات إلى باقي بلاد المغرب والمشرق.

لكن تبقى القصة الأكثر مأساوية هي النفي الذي تعرّضت له فئة منهم إلى بلادٍ تبعد عن وطنها بأكثر من عشرين ألف كلم، فما قصة أولئك الجزائريين الذين وجدوا أنفسهم في أقصى شرق المحيط الهادي في منتصف القرن 19 م؟

ثورة المقراني (1870-1871)

تواصلت المقاومات الشعبية في مختلف المناطق الجزائرية بعد استسلام الأمير عبد القادر في 1847 م وشكّلت القبيلة والزاوية الصُّوفية، كبنيتين اجتماعيتين تقليديتين، المُحرِّك الأساسي لها. لم تشذّ عن هذه القاعدة مقاومة محمّد المقراني وشقيقه بومزراق، (تنحدر عائلة المقراني من أصولٍ حَفْصِّية، وهي سلالة بربرية من إحدى بطون قبائل مصمودة التي جاءت من جبال الأطلس الكبير المغربي وحكمت تونس الحالية وأجزاء كبيرة من شرق الجزائر، ثم استقلّ أمراء منها بمدينة بجاية عن الحكم المركزي الحفصيّ في تونس)، الذي جمع حوله عدداً من القبائل البربرية في شرق الجزائر، لتمتد بعدها إلى القبائل العربية في منطقة الزّاب والصحراء مُستفيداً من الغطاء الديني الذي وفرّه له الشيخ الحدّاد أحد رموز الطريقة الصوفية الرحمانية.

لقد تضافرت مجموعة من الأسباب المباشرة وغير المباشرة في إشعال نار الثورة كان أهمها، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي السّهلية الخصبة وتسليمها إلى طلائع المستوطنين الأوروبيين، تصاعد وتيرة حملات التبشير المسيحية في مناطق شديدة التعلّق بالإسلام الشعبي الصوفي، وإصدار “مرسوم كريميو” الذي منح الجنسية وحقوق المواطنة الفرنسية لحوالى 35 ألفاً من اليهود الجزائريين وتمييزهم عن باقي “الأهالي” المسلمين بمضاعفة الإجراءات التعسّفية بحقهم التي كرّست التهميش والاحتقار والتفقير.

خاضت المقاومة سلسلة من المعارك ضد الجيش الفرنسي إلى أن خمدت كغيرها من المقاومات الشعبية في القرن التاسع عشر، لأسبابٍ عديدةٍ ليس هنا مجال ذكرها، باستشهاد قائدها محمّد ومواصلة شقيقه بومزراق القتال بعد أن لجأ إلى الصحراء حتى أُلقيَ القبض عليه.

قمعت الإدارة الاستعمارية مقاومة المقراني بعنفٍ شديد شمل مصادرة الأراضي والانتقام الجماعي والتهجير من أجل ردع باقي القبائل والزوايا، بجعلها تدفع ثمناً باهظاً مقابل مجرّد التفكير في أية محاولة للمقاومة. فقد حُوكم قادتها في محكمة مدينة قسنطينة (شرق البلاد) وصدر حكم بالسجن على زعيمها الروحي ، الطاعن في السن، الشيخ الحداد، الذي توفى بعدها بسنتين، ثم بالإعدام ابتداءً ببومزراق ثم قرّرت السلطات الاستعمارية نفيه مع مجموعة من أتباعه إلى كاليدونيا الجديدة لتبدأ المأساة.

رحلة النفيسنة 1995 بادر الباحث الجزائري الصدّيق تاوتي إلى نفض الغبار عن قضية أولئك الجزائريين الذين تمّ إبعادهم إلى كاليدونيا الجديدة ودخلوا في غياهب النسيان مع مرور الزمن، وذلك من خلال كتابه “المبعدون إلى كاليدونيا الجديدة – مأساة هوية منفية”، الذي ألّفه بعد أن اطّلع على كل ما كُتِب عن الموضوع من وثائق أو دراسات، أهمها دراسة “العرب في كاليدونيا الجديدة” للمعلم كوليني.

كما عاين عن قرب أوضاع أحفاد المنفيين ودرس معاناتهم. شرح الكاتب الظروف الصعبة لترحيل الجزائريين التي تمّت في أربع رحلات بحرية، وظروف حياتهم في سنوات النفي الأولى في مناطق نيساديو ونوميا وبوراي التي تميّزت بالأعمال الشاقة والتعذيب، ثم علاقة المنفيين بثورة الكاناك (السكان الأصليين لكاليدونيا الجديدة) ضد الهيمنة الأوروبية البيضاء سنة 1878. وكذا بقادة ثورة “كومونة باريس” الذين تم نفيهم أيضاً إلى الجزيرة.

ويسرد تاوتي تواصل حملات النفي والإبعاد حتى بداية القرن العشرين، التي طالت مجموعات وأفراد مِمَّن شاركوا في ثورة الأوراس سنة 1916، أو من رافضي التجنيد الإجباري في الحرب العالمية الأولى.

بقايا هوية منفيّة … وحنين للوطن

قد يعجبك ايضا