بلاد العُرب أوطاني / د. نضال القطامين

د. نضال القطامين* ( الأردن ) الإثنين 14/1/2019 م … 
* وزير أردني سابق…



لسنا بحاجة إلى مباراة في كرة القدم، كي نقرأ حجم التشظي الذي يعتري حال الأمة الواهن.
بين يدي مباراة ٍ في كرة القدم، وعلى وقع تعليقات صبيانية من صفحات على الفيسبوك، مزورة وحقيقية؛ اكتظت الصحف والمواقع الإلكترونية بمقالات ومقالات مضادة، يخيّل لقارئها أننا أمام حربٍ ضروس، وأمام اختبار حقيقي لتوصيف العلاقة بين شعبين عربيين، تجمعها سهول حوران وقمح عمراوة، قبل أن تجمعها مبادىء العروبة واللغة والدين.
على الأرض الأردنية نحو مليون ونصف أخ وأخت وابن وبنت، من سوريا، دفعهم القلق، وأجبرتهم الفوضى، وألزمتهم النار، على ترك حقولهم ودورهم ومدارسهم، ليسكنوا خيما أممية، يبقوا فيها حتى الصباح يقظين يحلمون بالعودة والمدرسة والحقل.
لكنّ أحداً في هذا الوطن العروبي، لم يتركهم وحدهم، بل تقاسم معهم شربة الماء ولقمة العيش والمتجر والصنعة، وعاشوا ويعيشون؛ أخوة في الدم والجيرة والعروبة.
لسنا بحاجة لبضعة صفحات صفراء على منبر متهالك، لنعرف حجم هذا الوطن وحجم رسالته، لسنا بحاجة لمزيد من الذكريات البائسة، ولكأن الوعاء العربي الذي تأسست عليه المملكة، بيت عنكبوت تعبث به أعوادٌ سوداء.
لن يُفتح الأفق لمريدي الشرذمة، أقصد أولئك الذين يغمسون خبزهم في شاي الفرقة، ويستبيحون فضاء الانترنت الأزرق، لممارسة هوايتهم الخبيثة، في رمي أعواد الثقاب المشتعلة وسط كومة القش.
الانتصار في مباراة كرة القدم لن يغادر حدود الملعب الرياضية. غيرُ مسموح له أن يتقمّص أدوار الساسة، ولن تنضج فكرة إسقاطه على تاريخنا العربي الكبير.
على نحوٍ حزين، يمضي هذا الجيل بأحلام الوحدة والحرية والإستقلال إلى مصير مجهول. لا يمكن لورثة الهتافات ولأحفاد المؤتمرات العروبية، أن يسمحوا باستمرار هذه المهزلة، ولم تنطلق هتافات الاوائل بأن هذه الأمة عربية واحدة، وذات رسالة خالدة، لم تنطلق هذه الروائع لكي يركلها الحمقى ويحشروها في زوايا الركنيات وضربات المرمى.
في الجانب الآخر، أتفهّم أن إسقاط فكرة العروبة والقومية وتأطيرها على ما يحدث على الساحة من مصالح قُطْرية، هو ضربٌ من السذاجة. لكن الأمة لا ولن تموت، ولا تموت مبادئها.
على نحو كئيب، عمّق المجددون في الدعوة للقطرية بدل الوحدة، وللتفرّق بدل الاجتماع، جرح العروبة النازف، ووجدوا في ميادين “الكيبوردات” خيولهم الجامحة نحو إغلاق فكر العامة على حدود سايكس بيكو المصطنعة، ونحو تبديد كل فكرة عروبية قومية تنير تاريخنا الكبير.
لكنه يبقى تاريخاً كبير، وستبقى بلاد الشام وفكرة العروبة حاضنة أساسية للإنطلاق نحو الحضارة من جديد، ونحو الزهو من جديد، وعلى نخب الأمة وأعيانها ومفكّريه، أن يُخرِجوا هذا الجيل من قمقم القطرية وأن يعيدوا فيه نشيدنا الأول، بلاد العُرب أوطاني، بل وطني، ورائعة نزار التي يفتتحها بأبيات خالدة:
انا يا صديقة متعب بعروبتي… فهل العروبة لعنة وعقاب…
أمشي على ورق الخريطه خائفا…
فعلى الخريطة كلنا أغراب…
أتكلم الفصحى أمام عشيرتي… وأعيد .. لكن ما هناك جواب…
إني الدمشقي الذي احترف الهوى …
فاخضوضرت بغنائه الأعشاب…
اللاهثون على هوامش عمرنا… سيان إن حضروا وإن همُ غابوا..

قد يعجبك ايضا