في الأردن ، بات الإعلام مهنة مَنْ لا مهنة له! / سليمان الطعاني

سليمان الطعاني ( الأردن ) الإثنين 31/12/2018 م …



الكل يسمي نفسه إعلامياً هذه الأيام، كل مواطن أنشأ منصة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي وكوّن قاعدة جمهور خاصة به يسمي نفسه إعلامياً! كمٌ هائلٌ وحمولةٌ كبيرة من الاعلاميين والصحفيين في الأردن، كلُّ من يقوم بتأسيس موقع إخباري اليكتروني لا يعرف منه الا اسمه وبعده كلمة نيوز يصبح إعلامياً، وكلّ من يكتب خبراً أو تعليقاً او مقالاً لا طعم له ولا لون في موقع من المواقع الاخبارية المجهولة فهو إعلامي …وكلّ من يعمل في إذاعة تجارية مغمورة ويجلس خلف الميكرفون يصرخ ويتملق وينافق ويشتم ويهدد ويجري بعض المكالمات الهاتفية يصبح اعلامياً …وكل من يملك مبلغا من المال لا يعلم الا الله من أين جاء به يقوم بتأسيس قناة تلفزيونية خاصة يصبح بين ليلة وضحاها هو وجميع أفراد أسرته وأسرة زوجته إعلاميين وصحفيين وكلّ من يقوم بتسجيل فيديو على فيس بوك مهما كانت قيمته يسمي نفسة إعلامياً…
البطاقة الأكثر استعمالا في الاردن هي بطاقة الاعلامي، قلما تجد بطاقة مزورة للمحامي أو الطبيب أو المهندس أو الصيدلي ولكن تجدها بكثرة حين يتعلق الأمر ببطاقة الإعلامي، نجدهم يشهرونها في جاهات الفشخرة والموائد الدسمة لاحتفالات السفارات في الفنادق والتمسح بتلابيب رجال المسؤولين وتلقي الاكراميات مقابل تبييض تاريخ أسود للصوص المال العام أو يشهرونها لابتزاز المواطن على مختلف مستوياته الوظيفية، هذا من جماعة فلان وذاك محسوب على فلان وهذا يقبض من فلان ويدفع لفلان والخاسر الوطن والمواطن!
وما نراه سبباً قوياً للرغبة في الاستخدام المكثف مؤخراً لهذه اللفظة، هو ذلك الرونق الاجتماعي الذي بدأت تضفيه على من يطلقها على نفسه، وما تشي به من برستيج يجعل الشخص الموصوف بها ذَا قدر أكبر وصاحب حظوة في وسطه البشري، سيّما وأن الإعلامي يُدعى إلى الندوات والمؤتمرات والمهرجانات والورش والولائم الدسمة والحفلات المخملية تحت ضغط هذه الكلمة التي لا تدع له مجالاً للتغيب، وطالما أن الداعي قد رفع غرور هذا الإعلامي درجة وربما درجات بمنحه هذا الوصف الأثير إلى قلبه والذي يزيد من أجنحة طاووسه الداخلي، فلا مفر من أن الدعوة ستكون مقبولة بغض النظر عن ضحالة الفاعلية.
وعلى وقع ذلك كله أصبح إعلامنا خالياً من المصداقية؟ مغالياً مأجوراً مفبركاً فاقداً للثوابت وبأيدي عابثين يتصدرون الشاشات والمنابر الاليكترونية، كم من شخصيات ارتقت واصبحت ذات ثقل سياسي كان وراؤها قلم مبتور مباع في سوق الصحافة السوداء، وكم من حالة تزوير للحقائق وتغيير للواقع واستخفاف بالعقول وترويج للأباطيل التي لم نعد نستحي منها، كم من دول سقطت بفعل إعلامها الأسود، وكم من شعوب سقطت بأقلامها الرخيصة المندسة فمتى وصل الفساد والانحطاط الى الإعلام فقد وصل الى كافة قطاعات المجتمع!
صحيح أن لكل مهنة أخلاقيات تعبر في مضمونها عن العلاقات بين ممارسيها من ناحية والعلاقات بينهم وبين عملائهم وزبائنهم من ناحية أخرى وهذه الأخلاقيات والسلوكيات متعارف عليها ومحمية قانونيا ويعاقب كل من ينتحلها … إلا مهنة الإعلام، أصبحت مهنة مَنْ لا مهنة له، مهنة مفتوحة على مصراعيها لكل من هبّ ودبّ وهناك من لم يكمل الابتدائية يقدم نفسه كإعلامي ويقوم بطبع بطاقات يقدمها لمن يقابله ويعرف على نفسه الاعلامي فلان ويستسهل أن ينادونه الآخرون بهذه اللفظة.
شخوص نرجسيون يسمون أنفسهم اعلاميون تحولوا الى أبواق للمفسدين يقتاتون من فتات موائدهم، كيف لهم أن يكوّنوا سلطة؟ أناس باعوا مهنتهم تزلّفاً وتملّقاً وتسلّقاً بثمن بخس، منصب أو دراهم معدودة، كيف لهم أن يكوّنوا سلطة؟

قد يعجبك ايضا