كيف يمكن أن نقرأ الحراك “الشعبي” في الأردن؟ / عمر الرداد

عمر الرداد ( الأردن ) الجمعة 7/12/2018 م …



رغم أنّ كثيراً من المؤشرات كانت تدل على إمكانية استئناف “الحراك الاحتجاجي” لنشاطاته في الأردن، إلّا أنّ الحكومة “المفعمة بأمل كبير”، وثقة عالية في إمكانية خروج الأردن من أزماته الاقتصادية، كما ورد على لسان رئيسها غير مرة، وفي مناسبات مختلفة، تقابل باستغراب واستهجان شديدين في أوساط نخبوية وشعبية؛ كونها لا تقوم على أسس واضحة، أو مؤشرات حقيقية، انعكست بتقديرات حكومية بأنّ احتمالات تحرك هذا الشارع تبدو محدودة جداً، إلا أنّ هذا الشارع تحرك للأسباب ذاتها التي دفعته للتحرك، في حزيران (يونيو) الماضي، التي تم تتويجها بالقرار الملكي بالاستجابة للشارع، والإطاحة بحكومة هاني الملقي.
وبعيداً عن سياقات المقارنة؛ بين الحراك الذي تمّ في حزيران (يونيو) الماضي، وأطاح بحكومة الملقي، والحراك الذي يجري حالياً ضدّ حكومة الدكتور عمر الرزاز، خاصة ما يتعلق بزخم المشاركة، وانخفاض أعداد المشاركين مقارنة بالحراك ضدّ حكومة الملقي، إلا أنّ القاسم المشترك بين الحراكين؛ كان الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية المتردّية، وشيوع أجواء من اليأس من إمكانية حدوث “حلحلة” بهذه الأزمة،وتداعياتها وانعكاساتها المباشرة على المواطنين.
لقد كان لافتاً للنظر في الحراك الحالي انطلاقته رغم الحملة المحكمة التي شنّتها ضدّه قوى متعددة، سبق أن كان لها دور فاعل في الحراك ضدّ حكومة الملقي، وتحديداً النقابات المهنية التي قادت الحراك السابق، وأحزاب تحت التأسيس، كالتحالف المدني، إضافة إلى غياب جماعة الإخوان المسلمين عن هذا الحراك، وأحزاب وسطية، وهو ما يعني أنّ الشارع يؤكد مجدداً أنه بلا رأس، وأنّه كما يتجاوز الحكومة والنواب، فإنه يتجاوز قوى قديمة وجديدة، وربما كان عدم وضوح الجهة الداعية لهذا الحراك أحد أبرز الأسباب في ظهوره بأعداد أقلّ مما ظهرت عليه ضدّ حكومة الملقي،رغم ان حجم المشاركة في “مليونية”الخميس،رغم الأجواء الماطرة،عكس إصرارا من “الشارع” على التحرك.
إنّ جردة حساب لإنجازات حكومة الرزاز، والتي يبدو أنّها محدودة جداً،من وجهة نظر الشارع، باستثناء قدرات وميزات شخصية لرئيس الحكومة، تحسب له بـ “تبريد” الملفات الساخنة، وقدرته على إجراء حوارات، بسعة صدر غير معهودة، وما دون ذلك؛ فإنّ التلكؤ في الإعلان عن التشكيلة الحكومية الأولى له، وضمّها أغلبية من حكومة الملقي المقالة، وحتى التعديل الوزاري الذي تمّ على الحكومة، والشكوك في قدرته على استثمار الولاية العامة، كانت مأخذاً من قبل الخصوم، وعلى رأسهم التيار البيروقراطي، فيما يوصف بالدولة العميقة، فيما كان التعامل “الناعم “مع قضايا فساد، أبرزها: قضية الدخان المزوّر، أحد أبرز المآخذ على الحكومة، وجاءت وقائع مثل فاجعة البحر الميت، لتصبّ الزيت على النار، ناهيك عن قانون ضريبة الدخل الذي تمّ إقراره من قبل مجلس النواب، والمفارقة بين أسعار النفط عالمياً، وعدم انعكاسها محلياً، بشكل مناسب.
أما قانون الجرائم الإلكترونية المزمع طرحه على مجلس النواب؛ فقد جاء ليطرح مزيداً من الشكوك حول توجهات الحكومة، وتساؤلات عميقة حول ما يمكن أن يميزها عن حكومة الملقي، أو الحكومات السابقة، وتساؤلات حول مطالبات الرئيس بإشاعة ثقافة الأمل والابتعاد عن الإحباط،إضافة للإجراءات المتخذة لإحباط الحراك، وما يتردد حول قيام الحكومة بقطع خدمات الانترنت عن منطقة الدوار الرابع.
ولعل ابرز ما يميز الحراك ضد حكومة الرزاز،غياب الشعور الذي برز خلال الحراك الذي تمّ ضدّ حكومة الملقي، بأنّ العاصمة تمّ “اختطافها” من قبل التيارات المدنية، وهو ما دفع أكثرية حراكات الأطراف حينها للمشاركة في حراك الدوار الرابع في الأيام الأخيرة منه، فيما كانت مشاركة حراكات المحافظات هي الأبرز، وبشعارات وهتافات ذات سقوف أعلى،تذكر بالحراكات عام 2012.
تطرح اليوم في الاردن ،وعلى نطاق واسع تساؤلات،فيما اذا كان الرئيس الرزاز،فوّت فرصة الدعم التي توفرت له من ” جلالة الملك” والشارع عند تكليفه،وفيما اذا ما زالت الفرصة القائمة لاستعادة هذا الدعم، خاصة على مستوى الشارع؟.
لقد ثبت أنّه حتى في سياسات ومعالجات الحكومات السابقة؛ إنّ معالجة الأزمات الاقتصادية بالقطعة، لم ولن تحقق نتائج تذكر، وأنه بدون برنامج تحول اقتصادي حقيقي، لا يرتبط فقط بمفاهيم الريع والإنتاج، ولا حتى العقد الاجتماعي الجديد، ولا بالتركيز على الصورة الإعلامية لرئيس الحكومة والوزراء،بالتزامن مع إصلاح سياسي، فإنّ البقاء في دوامة التجريب والبحث عن حلول سيتواصل، وبنتائج غير مضمونة، وهو ما يجعل مقولات التفكير خارج الصندوق ضرورة وطنية، ليس فقط للخروج من الأزمة الاقتصادية؛ بل من أجل وضع القطار على السكة ليمضي، خاصة أنّ قطارات كثيرة ستنطلق في المنطقة على وقع تحوّلات دولية وإقليمية عميقة،يخشى معها ان يكون قطارنا”السلحفاة” الوحيدة بالمنطقة.

قد يعجبك ايضا