هل وقعت فرنسا في الفخ الذي نصبته لسورية؟ / د. خيام الزعبي

نتيجة بحث الصور عن مظاهرات باريس

د. خيام الزعبي ( سورية ) الأحد 2/12/2018 م …

 بعد أكثر من ثمان سنوات على اندلاع الثورات في الدول العربية تحت شعارات الحرية والمساواة وبعد استمرار معاناة بعض هذه الدول من تبعات تلك الثورات المدعومة من القوى الغربية بزعم تصدير الديمقراطية والعدالة لشعوب تلك البلاد، رأينا بأم أعيننا مظاهرات السترات الصفراء وسط أعمال عنف وتخريب للممتلكات الخاصة والعامة، في جادة الشانزليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس وأقدم المتظاهرون، على تحطيم الحواجز الحديدية وإضرام النيران وتحطيم واجهات المحلات، وسط تواجد مكثف من قوات الشرطة الفرنسية احتجاجاً على سياسة الرئيس الفرنسى الحالي إيمانويل ماكرون، الاقتصادية، وقد شاهدنا تدخلا عنيفا من قوات الأمن الفرنسية، ولم نسمع صوتاً واحداً أو إصدار أي بيانات من منظمات حقوق الإنسان، أو وسائل الإعلام الأمريكية والغربية تطالب بضرورة ضبط النفس، وأن على النظام الفرنسي أن يستجيب لطلبات المتظاهرين، مع التلويح بمقاطعة فرنسا، والتدخل العسكري لحماية مطالب المتظاهرين .




نتيجة بحث الصور عن خيام الزعبي د. خيام الزعبي

فلو توقفنا  قليلاً، وتأملنا فيما يحدث من قتل، وتدمير، وتخريب وما أصاب العراق ، وليبيا الخضراء واليمن ومصر وتونس والسودان والصومال، واليوم في سورية نكتشف إن الوطن العربي يتعرض لمؤامرة كبيرة تهدف إلى تمزيقه، والسيطرة على مقدراته من قبل الطامعين وتحويل الوطن العربي بالكامل لمستعمرات قواعد غربية، ونرى أيضاً إن هذا التغيير المصطنع من قبل الغرب بمساندة من وكلاء لهم بالوطن العربي كان ضرورياً على الغرب فعله لكي تبقى الشعوب العربية منهكة ومشتتة لعشرات السنين وتثبيت هيمنة المستعمر.

ما من مرة تدخّل الخارج في دولة إلا وعبث فيها ومزق مكوناتها وأثار فيها الحروب والفتن، هذا الخارج يغتنم الفرصة عند أية أزمة داخلية في بلد ما كي يحقق مصالحه وإستراتيجياته.

في عام 2011 رأينا تدخل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الصارخ في الشأن الليبي عسكرياً والإطاحة بالرئيس القذافي ونظامه من المشهد السياسى في ليبيا، وتسربت وثائق مؤكدة تقول بأن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزى، سارع لأخذ زمام المبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين، لتبنى الحملة العسكرية ضد الرئيس القذافي، لتعويض فشل بلاده في أن يكون لها دور مؤثر فى ثورتي مصر وتونس، وللانتقام من القذافي بعد فشل صفقة السلاح معه، كما كشفت وثيقة أخرى عن رسالة بعث بها مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، يحذر من تورط فرنسا في توريد أسلحة وذخائر، للمسلحين الليبيين، وتدريب قوات المتمردين للانتفاض ضد نظام القذافي.

وفي سورية، تتحمل فرنسا شلال الدماء التي أراقها الإرهاب هناك، كما تعد أحد أضلاع المثلث المدمر لدمشق، بجانب أمريكا وبريطانيا، وكان الصراع على أشده لاقتسام الغنائم، فيما بينهم، دون الوضع في الاعتبار تدمير الأوطان وتشريد الشعوب، الأهم لفرنسا وبريطانيا وأمريكا السيطرة على الثروات ونهبها، ، فقد نصًبت أمريكا نفسها شرطياً بالمنطقة لمكافحة الإرهاب حفاظاً على مصالحها في العالم، وقد تم تأسيس صندوق لتمويل مكافحة الإرهاب لمساعدة البلدان الأخرى على تدريب قواتها لمكافحة التطرف المتنامي إلا إنها تراجعت حفاظاً على مصالحها الإستراتيجية فقامت بإنتاج تنظيم داعش ليكون ذريعة ومبرراً للتدخل في الرقعة الجغرافية الإسلامية وحماية مصالحها ونفوذها في المنطقة، لذلك تعمل دائماً على نشر التنظيمات الإرهابية في منطقتنا بهدف تسويق أسلحتها وتفكيك الشرق الأوسط إلى دويلات لتمكين إسرائيل وحماية مصالحها، ولهذا السبب رسمت لداعش دوراً دموياً لتدمير دول المنطقة، وعلى رأسها سورية.

من دون أدنى شك، السياسة السورية تدرك خطورة الغوص الأمريكي الفرنسي في اللعب على التناقضات الداخلية من خلال دعم الفوضى الحقيقية في المنطقة العربية في سياق مخطط صهيوني الفكرة وأمريكي الآداء، وعليه السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تجنى فرنسا وبريطانيا وأمريكا وحلفاؤهم، ثمار ما دمروه في سورية ؟! وهل بدأوا أيضاً بدفع الثمن كونهم طرفاً أساسياً في الأزمة السورية؟. وهل سيكتوون بالنار التي صدروها للدول العربية؟ وهذه المظاهرات هل ستكون جرس إنذارٍ يقرع بشدة للدول الغربية التي تتساهل في نشاطات بعض الجماعات والجمعيات الأصولية ؟ يبدو أن فرنسا حالياً على أبواب سيناريوهات”مرعبة” لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ظل هذه المظاهرات، كما أن هناك قلق فرنسي حقيقي يتعلق بأمنها القومي من هجمات إرهابية محتملة قد يشنها إرهابيون شاركوا الجماعات والمنظمات المتطرفة القتال في سورية، حيث باتت عودة الإرهابيين الى فرنسا مسجل خطر يهدد المصالح الفرنسية على مختلف الأصعدة، ومن هذا المنطلق يجب على فرنسا أن تتأهب لمرحلة جديدة، في إطار ذلك تجد فرنسا نفسها اليوم وبعد سنوات طويلة من الأمن والاستقرار تنزلق الى حرب مواجهات والدخول في صراع مفتوح مع هذه الأطراف، وأنا على يقين تام إن ما زرعه الغرب والإدارة الأمريكية والفرنسية من تخريب في العالم تحصد شعوبهم أشواكه الآن.

ببساطة شديدة…سورية، ستكون الشرارة الأولى التي ستحرق عروش عملاء أمريكا وإسرائيل وسترمي بهم الى مزبلة التاريخ, فإذا إستطاعت أمريكا وحلفاؤها أن تتحكم في مجريات الأوضاع وتحولها الى صالحها فإنها لن تستطيع أن تهزم المقاومة لأنها لا تؤمن بعقيدة سوى الوطن، وإنها عصية على إسرائيل وحلفاؤها لأن هناك شتان ما بين شعب يقاوم ويستبسل من أجل أرضه ووطنه، وبين شعب يطلب بكل مذلة الدعم من أمريكا، ورغم بشاعة جرائمهم من قتل وتشريد، سوف يحاكمهم التاريخ ويحاسبهم الشعب ويكشف خيبتهم للأجيال القادمة ويبقى العار يلاحقهم ودموع اليتامى والأرامل تطاردهم ودماء الشهداء تأرق مضاجعهم أينما كانوا، وسوف يذهبون بذهاب أسيادهم ويبقى قيم الخير والأخلاق والإنسانية في مجتمعنا السوري، بإختصار شديد سورية التي خطط لها البعض… أرادوها أن تكون أرضاً محروقة…حولوا بذورها إلى أعواد ثقاب… وبللوا فتيلها بالوقود لإضرام نار الحرب والفوضى والطائفية، قادرة على مواجهة مخططات الإرهاب والمؤامرات المشبوهة وإفشالها بوحدتها الوطنية.

[email protected]

قد يعجبك ايضا