من الدولة الدينية الى الدولة المدنية .. من ديانة عامودية الی ديانة أفقية! / ديانا فاخوري

ديانا فاخوري ( الأردن ) الإثنين 19/11/2018 م …



هل يتداخل الاستراتيجي والايديولوجي فلا يبقی من خط يفصل بينهما؟!
هل تبدأ بذلك حرب “المئات” (لا مجرد المئة) عام مع الحديث المدمر عن استحالة الحوار مع من يخطط “لعودة الامام المهدي الذي يعتقد الشيعة (الشيعة وحدهم؟!) انه من نسل النبي محمد وانه اختفی قبل الف عام ليعود وينشر حكم الاسلام في نهاية الزمان”؟! .. لسنا مع مذهبية الدولة او مذهبتها (اي دولة) والدستور (اي دستور) .. كما اننا لسنا مع ملحدة (الحاد) الدولة (الاشتراكية مثلا) فهذه دولة دينية بشكل سلبي معكوس أو مقلوب تقمع المعتقدات الدينية المناهضة للإلحاد تماماً كدولة الكنيسة الكاثوليكية او الدولة المسيحية في العصور الوسطى .. ونعلم ان السياسات تسير وفق المصالح ولا تتوقف بانتظار المخلص او المهدي او عند فتاوی “نفي الاخر والأغيار” .. فما بالنا نلعب بين ايديهم ونبرر لهم مبدأ يهودية الدولة من خلال طرح “الدولة المدنية المتأسلمة

 التي تعمل ضمن حدود شرع الله” بتمويل من عبدة ترامب وترحيب من

دوائر الثقافة الإمبريالية التي تعمل على توظيفها بشكل مضاد للتقدم التاريخي!؟

الامبريالية أعلی مراحل الرأسمالية فهل نجعل “الداعشية” أعلی مراحل الاسلام السياسي؟

هذا الاسلام السياسي الذي قادنا الی انفلاش ارهابي وتغذی بالمقدس وعليه مهددا الحضارات والوجود الانساني بكليته .. هذا الاسلام السياسي الذي جاءنا بثيوقراطية خلقت قهرا ودما وظلما واضطهادا وملايين الضحايا! .. من صنع الغول الطائفي وقام بهندسة الطواف حول “هيكل سليمان” لا حول “الكعبة المشرفة” بعد أن حبسونا في سجون القرون الوسطی!؟ .. نعم ومنذ مطلع النفط قاموا ومازالوا ب “طبخ” عدة صيغ مفبركة للاسلام وذلك في الاجهزة البريطانية ومن ثم الاجهزة الامريكية مستبدلين “العلماء” ب “الفقهاء”، و”المعاهد العلمية” ب “الزوايا”، والانتاج بالاستهلاك ليتحول “الاسلام” الی حفل جنائزي فيتحطيم الوعي العربي بتدمير أديانه الأساسية، وتشويه الإسلام كدين للأغلبية العربية وإبرازه كدين ذبح وقتل ونكاح، وإطلاق شياطين الاحتراب الطائفي .. وها هو مصطفى مشهور، المرشد الخامس ل <الاخوان المسلمين>، يلعب بين أيديهم منظرا في

احدى محاضراته: “ان لفظ الارهاب هو من ألفاظ القرآن الكريم، وهو عقيدة اسلامية خالصة. ليس هو فقط. ولكن أيضاً لفظ الرعب، فنحن لا ننتصر الا بالارهاب والرعب. ويجب ألاّ ننهزم نفسياً من اتهامنا بالارهاب. نعم نحن ارهابيون” ..  وبعد ذلك، وفوق ذلك، وعلى ذلك يزجون بمعادلة الصراع السني – الشيعي، وعلى هوامش هذا الصراع يصار الى بث الذعر في أعماق المسيحيين العرب وتحويل الدين المسيحي العربي الأصل إلى دين مهاجر، وفي السياق تحطيم الحضارة والإرث التاريخي والثقافي للأمة العربية بكافة مكوّناتها الاجتماعية، وبموازاة ذلك تظهير «إسرائيل» باعتبارها ربة الديمقراطية والإنسانية في قلب الشرق الأوسط المتوحش.

من سبينوزا الی اينيشتاين! .. ومن “اخوان من طاع الله” الی “داعش” مرورا ب “الخونجة” و”القاعدة” والنصرة وأخواتهم وبناتهم وكافة المشتقات والملاحق!

أكرر اليوم ما كنت قد طرحته منذ سنوات وكررته عدة مرات بخصوص “اخوان من طاع الله” ودورهم (كجمعية سياسية ترتدي عباءة الدين) المرفوض من الشريف حسين بن علي عام 1918، هاهو ريتشارد هيلمز (احد مدراء وكالة الاستخبارات المركزية السابقين) يكشف عن استحداث الوكالة – ومنذ خمسينات القرن الماضي – فرعا متخصصا في الدين الاسلامي حيث توغل أعضاء الفرع في النص وفي الحالة بهدف نسف الدين الاسلامي من الداخل وارهاقه بالفتاوی والبدع التي تجعل المسلمين مستعبدين لأنظمة معينة أو ثوارا ضد أنظمة أخری يعملون علی اجتثاثها كجزء من الفرائض التي قال بها الكتاب! .. أما الفيلسوف الهولندي سبينوزا فقد طرح سؤاله المشهور: لماذا يفترض بالله أن يكون بين أسنان هؤلاء؟ وقد طارده هؤلاء الحاخامات بالسكاكين لأنه شكك في طقوسيتهم القاتلة متسائلا: كيف يتسنی لي أن أعثر علی الله داخل تلك الغابة من اللحی؟ .. وجاء اينيشتاين ليسخر، لدی زيارته اورشليم الكنعانية (لا العبرانية) عام 1923، من اولئك اليهود المتدينين مستهجنا حركاتهم الغريبة عند حائط المبكی فرثی لهم “اولئك الحمقی الذين لا زمن لهم ولا حياة” ليستنتج انه ليس بحاجة الی نصوصهم ولا الی تأويلاتهم المسطحة التي تغتال الله في الانسان وقد تغتال الانسان في الله .. واضاف “يكفي ان انظر في المراة ككائن بشري، ليس اكثر، لأری الله” .. أي أن تركيب هذا الكائن يفوق أي معجزة أخری حيث ان هناك 86 مليار خلية في الدماغ الذي يطلق مليارات الشحنات الكهربائية في الثانية!

ومن عمر ابن الخطاب لعلي ابن أبي طالب .. ومنهما إلى عبد الملك بن مروان، فابن رشد!

نصر ونعيد ونكرر أن الصراع الإقليمي يدور حول قضية الاستقلال الوطني .. وفلسطين في القلب منه! .. ولن نمل أو نيأس أو ننسحب من تفكيك سردية “الحرب المذهبية” في المنطقة لنكشف جوهر الصراع وننفس أبواق وأزلام نخبة المحور الصهيوأعروبيكي حيث ما مافتئوا يحاججون أن الصراع مذهبي مغلف بخطاب مقاوم وتحرري .. ويستمر هؤلاء الأزلام بعملهم على “تسطيح التاريخ” ومحو كل “تضاريسه” لتبدو المنطقة وكأنها حكمت منذ أربعة عشر قرنا لمذهبين جامدين (السنة و الشيعة) يخوضان حربا مقدسة حول أحقية الخلافة! .. أما اليوم فيكفيني مؤونة الرد عليهم الرجوع لصرختي عمر ابن الخطاب: “لولا علي لهلك عمر” و”لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن”! .. أما عبد الملك بن مروان – عند تسلمه الخلافة – فقد وضع المصحف (القرآن الكريم) في حجره وخاطبه قائلا: “هذا فراق بيني و بينك” .. حين تكون هناك السلطة، و يكون هناك السلطان، توضع النصوص المقدسة وراء القضبان ليأتي ابن رشد، بعد ذلك بحوالي قرون خمسة، مؤكدا ان وضع القران الى جانب السيف يأتي لتغطية الدم والقهر بالنص المقدس! .. فالصراع الإقليمي اذن ليس صراعا دينيا أو مذهبيا.. انه صراع يدور حول قضية الاستقلال الوطني، وفي القلب منه فلسطين.

فهل يسترد الله إذن  صناعة الاديان من أيدي الاجهزة والاستخبارات التي تدفع باتجاه نهاية العالم من خلال القاعدة وداعش والنصرة وأخواتهم وبناتهم؟! .. هل نخرج من “السقيفة” وننقل دياناتنا من ديانات عامودية قوامها التشريع والمأسسة الی ديانات افقية قوامها المحبة والتسامح والضمير الذاتي وقبول الاخر؟!

اما “جاريد كوشنير” فما فتيء يری في الايرانيين “قتلة الله” لأن “قنبلتهم الذرية” موجهة – حسب زعمه – لتدمير “الوديعة الالهية” واسمها الحركي “اسرائيل”! ولعل هذا ما يفسر استدعاء “فارسية” ايران و”مجوسيتها” و”شيعيتها”يوم خلعت النجمة السداسية ورفعت محلها العلم الفلسطيني في طهران!!! .. حسنا؛ تريدون ازالة الوجود الاستراتيجي لإيران و اقتلاعها من الشرق الاوسط؟ .. اذن افرضوا علی اسرائيل اقامة الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس علی حدود 4/6/67 المتواضعة .. و افرضوا عليها الانسحاب من الجولان و مزارع شبعا و تلال كفرشوبا! ونكرر اليوم أن الايرانيين هم حاكة السجاد العجمي ولاعبو الشطرنج .. وهم من توج العشق بين التاريخ والايديولوجيا بزواج أثمر اللحظة التكنولوجية النووية .. وهم الشعب الأول في التاريخ الذي بنى حضارة فارس منذ قرابة 7000 سنة قبل الميلاد لتكون الحضارة الأولى التي عرفها الانسان.

عاشت المقاومة .. عاشت القدس كلها عاصمة لفلسطين كلها .. تعالى الله والأردن العربي و تحيا سوريا لتحيا فلسطين والأمة!
ديانا فاخوري
كاتبة عربية أردنية

قد يعجبك ايضا