بحث هام جدا … المسيحيون هم الهدف القادم / فهد الطاهر

فهد الطاهر ( الأردن ) الإثنين 19/11/2018 م …




* إنحسار دعم “الوهابية” والتنطع على “الإنفتاح والتسامح” ليس من قبيل الإعتراف بالذنب وتصحيح الأخطاء (إن صح تسميتها بأخطاء) التي أودت لتجريح دين ما يزيد عن مليار وسبعمائة مليون إنسان. ولكن، الهدف الحقيقي هو إنتهاء عمر مشروعها “الوهابي” الذي بلغ قمة إسفافة وتخريبة بسوريا، الذي أدى لعدم جدوى الإستثمار به أكثر من ما تم إستثماره بالسابق. الآن هناك محاولة لإعادة إجترار هذه التجربة بصناعة منظمات إرهابية مسيحية على طراز “داعش” لتهديد روسيا أمنياً في المقام الأول، وجر الطوائف المسيحية الآخرى للحضن الأوروبي الأمريكي في المقام الثاني – بهذا المقال سأفسّر لماذا المسيحيون هم الهدف القادم.  

للتوطئة، كانت هناك محاولات للولايات المتحدة الأمريكية لإحداث صراع كاثوليكي-أرثوذوكسي تحديداً في بدايات الأحداث بأوكرانيا بالعام 2013 – هذه المعركة التي كانت إستكمالاً لحصار روسيا أمنياً وعسكرياً وهي وجزء لا يتجزأ من ساحة المعركة الرسمية بسورياً. تحديداً في آذار من العام 2014 تمكنت الولايات المتحدة من إحداث “دَفعة أمنية” بلباس ديني طائفي والذي نقل الصراع على مستوى المجتمع حتى وصل إلى “صربيا” الصراع الذي وصل لحد أن جماهير كرة القدم الصربيين الأرثوذوكس رفعوا يافطات تقول “أيها الأخوة الأكرانيين، عندما تسفكون دماء الأرثوذوكس – الشياطين الغربيين يتبسمون ويفركون أيديهم. فكروا بهذا!” – ولكن قرار الدولة الروسية كان صارماً بعدم خوض معركة دينية و العضّ على الأصابع ومحاولة التعويض في مناطق ومواقف آخرى. مع التعتيم الإعلامي الشديد.

لأن بعد محاولات الولايات المتحدة وأوروبا إجترار تجربة هذا الصراع بأنماط وصور أخرى، وأعني الصراع الشيعيّ السنيّ، و إستطاعة الإعلام الروسي (خصوصاً الناطق بالروسية) تجنيب المجتمع صراع طائفي من العام 2014 – إستطاع الأمريكيين و الأوربيين من إختراق الكنيسة الأرثودكسية و إحداث أسوأ إنقسام بالمسيحية من 1000 عام و إنهاء وصاية روسيا للكنيسة الأرثودوكسية في أكرانيا الذي ستتأثر به طوائف المسيحيين العرب خصوصاً (بالأردن، فلسطين، لبنان و سوريا) بعد وصاية دامت 332 سنة من العام 1668.

ولتزداد المخاوف من نشوب صراعات حول الأبرشيات والممتلكات الكنسية بعد قطع علاقاتها مع بطريركية القسطنطينية التي تحولت رمزاً فقط من العام 1435 بعد دخول العثمانيين عليها وموافقة الروس وبقية الأرثوذكس بالعالم الإبقاء على رمزية البطريركية فيها. ووضع ملف وثيقة “نسترا إتاتي” التى وقعت عام 1965 والتي إعترفت الكنيسة الكاثوليكية على إثرها بالكنيسة الأرثودكسية و الكنيسة “البروتستنتية” على طاولة الإستثمار والتفاوض المناوئ لروسيا، تمهيداً لسحب إعتراف الفاتيكان “الذي آثر الصمت المريب” بالكنيسة الأرثوذوكسية الروسية بعد عزلها كنسياً وإعتبارها محتلة لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس الموجودة بسوريا.

فمن باب الإستثمار بهذه الحرب الضروس التى أودت لإزهاق ما يقارب العشرة آلاف إنسان، وتَصنّع الإنسانية و حقوق الإنسان – رحب المبعوث الأميركي الخاص إلى أوكرانيا كورت فولكر بهذا بقرار ولتأكيد البصمة الأمريكية لهذا المشروع “علناً” بجهد للسفير الأمريكي لدى اليونان “جيفري بيات” نُشرت صورة للمسؤول السابق عن الشؤون الروسية في مجلس الأمن القومي الأميركي “مايكل كاربنتر” مع رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية البطريرك فيلاريت في آيلول، وقال بهذه التغريدة “الأوكرانيين يستحقون كنيسة مستقلة كما يستحقون دولة مستقلة”.

ومن باب منع الإعلام الروسي التغطية على لأحداث إعلامياً، تم إنتقاء “أهداف أمنية” يضطر الجميع التحدث عنها كإختيار “المجهولون” يوم الخميس الماضي كنيسة القديس آندرى، في كييف لإلقاء الزجاجات الحارقة عليها، الكنيسة التي تعود الى القرن الثامن عشر والتي أعطتها السلطات الأوكرانية في تشرين الأول، لبطريركية القسطنطينية، التي ستجعل منها ممثلة لها في كييف، بعد قرارها الإعتراف بكنيسة مستقلة عن وصاية موسكو بالمقابل.

فبهذا يكون البطريرك المسكوني “فبرثلماوس” الذي يشعر بأن شعبية وقوة البطريرك كيريل من بطريركية موسكو قد طغت على غبطته ومكانته بين البطاركة ال 14 وإن كانوا متساويين وقُدّم عليهم بسبب دعم الكرملين الذي يسعى لنفوذ طاغي للكنيسة الروسية على سائر الكنائس الأرثوذكسية بالعالم محاولاً أن يجعل المسيحيين الأرثوذوكس “كأمه” على الطراز الإسلامي، ليحابي النفوذ التركي على الأقل في حوضه الأمني.

فبهذا يكون قد إنتقم لغبطته من البطريرك كيريل الذي أرسلته موسكو للإحتفاء بخروج العثمانيين من بلغاريا في آذار الماضي، والذي عنّف البلغاريين بقولة (ليس الفنلنديين ولا البولنديين) بل الدماء الروسية هي من كتبت هذا التاريخ. وللعلم، بولندا كاثوليكية وفنلندا إنجيلية لوثرية – الأمر الذي إستفز الأمريكيين والأوروبيين على حد سواء لإرسال الكرملين رجل دين بوزن البطريرك كيريل وليس وفداً سياسياً أو إجتماعياً فقط.

وبهذا قد أهدى أيضاً لتركيا التي غضِبت بصمتّ لمحاولة الكنيسة الروسية التغلغل بالبلاد “صفعة عثمانية” على طبق من ذهب لتصفع بها موسكو بدون صخب. التي شاهدت موسكو وهي تقوم بضم “لوغانسك” و “دونيتسك” بالإضافة لضم شبه جزيرة القرم وجميعهم أرثوذوكس تابعين لبطريركية موسكو ودعمها لهم ضد الأغلبية القومية الأوكرانية الكاثوليكية غرب البلاد الذين يتحكمون في المشهد الميداني والسياسي في أوكرانيا منذ الانقلاب عام 2014.

ومنعها أي موسكو من محاولة إمتدادها لشرق أوروبا وتركيا. الأمر الذي حوّل صراع المسكونية (إسطمبول) مع الكنيسة اليونانية إلى صراع حقيقي ذو طابع أمنى مع الكنيسة الروسية وأراح تركيا من كل تبعاتها الإجتماعية و السياسية.

وهنا نؤكد على فشل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتن” بعد إعلان إستقلال كنيسة أوكرانيا عن تنفيذ خطة قام بها سلفه السوفيتي “جوزيف ستالين” الذي حاول بسط نفوذ بطريركية موسكو على دول الإتحاد السوفيتي لمحاصرة النازية في شرق أوروبا. الأمر الذي أراد منه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الإلتفاف الديني على “الناتو” وتقليل قوة القوميات التركية داخل المحيط الأمني الروسي و إمتلاك كرت ضاغط على أنقرة بهذا الخصوص من خلال المسيحيين الأتراك التابعيين للكنيسة الارثوذوكسية.

وبهذا تمكنت قوى الإمبريالية الغربية الإقتراب من إستكمال هدم المسيحية المشرقية الأرثوذكسية بعد قتل وتشريد ابنائها في العراق و سوريا وفلسطين وبعد منح جمهورية  التشيك و سلوفاكيا حق الاستقلال وإنفصالها عن البطريركية المسكونية في خضم الصراع مع موسكو دينياً و أمنياً وعسكرياً بالوكالة على الأراضي العربية السورية. ولعل ذلك ينهى مشكلة تركيا مع البطريركية المسكونية وموسكو بسبب عدم إعترافها بكونية البطريرك المسكوني و على مسيحيي الشرق وإعترافها بأنه بطرياركاً على أرثوذوكس تركيا فقط و تنهى ملف قضية أقفال معهد “خالكي” في 1971 أيضاً بالمحصلة.

ومن هنا أريد أن أُذّكر البطريرك ثيوفيلوس الثالث،الذي لم يكن محل ترحيب في فلسطين بسبب تعامله مع الولايات المتحدة و بيعة أملاك الكنيسة الارثوذكسية بفلسطين لكيان العدو، وتذكير البطريرك المسكوني بارثولوميو بما قال القديس يوحنا الرحوم الذي يوحفى بمرور 1400 سنة على رقاده في تشرين الثاني هذا العام، حيث قال: “وإذا ما خطر ببالكم أن تتقصوا خفايا الناس و تتحكموا في أمورهم، فلا نصيب لكم في هذة الخدمة”.

*كاتب أمني واجتماعي
بريد[email protected]

قد يعجبك ايضا