قصة إنسانية واقعية من الأردن، وتفاصيل مؤلمة .. توفي ابنه صغيرا فنذر حياته لخدمة مقبرة بلدته في اربد!
يتناقل سكان بلدة جديتا هذه الايام قصة الشاب هلال بني ملحم، الذي فقد فلذة كبده « عون « ابن العامين تقريبا ، وسط صمت وحزن كبيرين لم يعرفهما من قبل ، لازم المقبرة طول الوقت يجاور قبر ابنه ، لا يفارقه لحظة من خوفه عليه ، كأنه حي يلعب أمامه، فكان ينظف ويزيل الاعشاب ويرتب الممر الصغير حول القبر حتى يبقى صغيره يحس بالامان ويرتاح جسده الملائكي بروعة الجمال.
وذات يوم ، يقول المكلوم هلال بني ملحم ، جالت بخاطري اسئلة كبيرة ، حين كنت افترش قبر ابني ، اليس هؤلاء الموجودون تحت التراب ، كانوا يوما ما ينعمون بدفء الحياة وجمال المنظر ؟ بيوتهم نظيفة وشوارعهم معبدة ، وحدائق منازلهم تكسوها اشجار ونبات الزينة التي تفوح منها روائح الطيب والعنبر ، فلماذا لا يستمر الاحياء منا بخدمتهم بذات النظافة وذاك الجمال ؟ ام اننا اناس سرعان ما ننسى من هم تحت التراب ؟. واضاف « لم اتمالك نفسي وهذه الاسئلة بدأت تتفاعل بداخلي وتطاردني مثل «دب النار بالهشيم» ، فكنت اسأل واجد الجواب واحيانا كنت ابحث عن المبرر ، لكن قبر عون بقي يشدني ويرسم الاسئلة امامي ، قلت ، ما العمل اذن ؟ اليس من الواجب الديني ان نحافظ على حرمة مقابرنا ؟ ولماذا لا نحقق ذلك ؟ ومع ذلك كنت احس ان المرحوم عون من تحت التراب يناجيني ، افعل يا ابي ، ابدأ بنفسك ، وان الله لا يضيع اجرك ، كبرت هذه الايحاءات برأسي ، وبدأ المشوار بجعل مقبرة «بني ملحم» حديقة بقالب القبور.
ويؤكد هلال ، ان العمل الذي سوف يقوم به يحتاج الى فزعة ودعم من الاهالي ، فقرر نشر منشور بصفحة العشيرة على الفيسبوك يدعو الشباب لمساعدته في مشروعه الخيري التطوعي ، حيث لاقى رواجا وقبولا ملحوظا ، تمكن بعده وبمساعدة من الشباب البدء بعمل الممرات على شكل الدرج ، الى جانب جدران استنادية للقبور منعا لانهيارها ، وترميم القبور القديمة والسور الخارجي.
فبعد الحزن يأتي العزم والقوة والعمل الصالح المطلوب اجره من الله قبل العباد ، فباشرت انا ومن قاسمني الفكرة والخدمة التطوعية بوضع خطة عمل شاملة ، سوف تؤدي في المستقبل القريب الى تحويل المكان الى حديقة تنتشر بها لحود اجدادنا وابائنا وابنائنا ، وهم فرحين ان الاحياء لا ينسون تكريم الاموات حتى تحت التراب ، وان غدا لناظره قريب. ويقول هلال انني اقضي سحابة يومي وانا اجول واتنقل بين القبور ، اتخيل وافكر في كيفية تحقيق مشروعي العظيم الذي اعتبره اجرا وثوابا عن روح ابني عون ، الذي مكث بالدنيا اشهرا معدودات ، لا يعلم ان هذا القبر سوف يلف جسده الطري الى الابد ، ويتركني ابحث بين القبور عن الاجر والثواب ، داعيا الله العلي القدير ان يتحقق مشروعه لا سيما انه الاول في بلدته وربما في البلدات الاخرى.