عمال وموظفون صغار / حنان كامل الشيخ

حنان كامل الشيخ ( الأردن ) الثلاثاء 13/11/2018 م …




الأردن العربي – الغد – تحية لكل يد شابة، تستفيق غصبا عن رغبتها للبقاء قليلا تحت الرأس المنهك من التعب، تمسك بالهاتف النقال عل الساعة ترحم قليلا، ولو لدقائق. تلك اليد التي استرخت بقايا الليل القصيرة، بجانب الجسد التعبان، من الشغل في “الشيفت” المسائي، بعد أن بذل أقصى ما يمكنه للوصول في موعد العمل، بعد محاضرات النهار.
غالبية طلبة الجامعات الأردنية، الحكومية والخاصة، يعملون لتأمين أقل القليل من مصروفات حياتهم وأقساط تعليمهم، وربما حتى ليساعدوا أهلهم بعد أن تقطعت بهم السبل أثناء محاولاتهم الحثيثة، لتوفير أدنى متطلبات العيش في وطن لم يعد يكترث كثيرا، لما آلت إليه أحوال الشباب.
ليس عيبا ولا حراما أن يندفع آلاف الطلبة إلى أسواق العمل، المتاحة بالطبع، من أجل هذه الاعتبارات الأساسية في الحياة، إنما ذلك لا ينفي الخوف على قصص شبابهم المبعثرة على قارعات الطرق. ولا يسكت الشفقة على أجسادهم المرهقة وصحتهم الكهلة وهم في عز سنوات العنفوان.
أعرف طالبا يعمل بعد أوقات الدراسة اليومية عشر ساعات متواصلة، في دكان صغير يبيع المشروبات الساخنة لمارين يشعرون بالبرد مثله تماما، ويقاسمونه حكاياتهم الشبيهة بحكايته بشكل ما. وأعرف طالبة تعمل نادلة في مقهى عريق، يقدم الابتسامات المحبوكة للزبائن الكبار، إلى جانب قائمة المشروبات خيالية الأسعار.
كلاهما يعمل للسبب نفسه، والذي يضطر فيه آلاف مثلهم لترك البيوت الدافئة، وقدر حساء الأمهات الحنون، وشاشة عرض الأفلام والمباريات المسائية، وعشرات رسائل الحب المؤجلة والكثير الكثير من الضحكات بصوت عال، تحت سقوف لا تلمع وبين جدران تحتاج إلى الطلاء قريبا. هؤلاء الكبار الحقيقيون، الذين استلموا الراية في شوط مبكر، يلهثون في مضمار السبق غير العادل ليس من أجل بلوغ خط النهاية والفوز والاحتفال. إنهم يركضون نحو أهداف قصيرة المدى، تؤهلهم للمرور نحو الأشواط القادمة وهم على قيد الحياة والعافية لا أكثر!
علينا أن نعترف بأن الحياة الجامعية بمفهومها التقليدي، قد بدأت بالاندثار شيئا فشيئا ضمن مجموعات الطلبة الجامعيين في الجامعات كلها، بسبب هذه الظروف القاسية التي يعاني منها مجتمعنا والتي أثقلت على الأسرة الأردنية فردا فردا، من دون أن ترحم أحدا ممن لا يملك حجة للاستمرار في ظروف مريحة وطبيعية. لم تعد النشاطات الجامعية تتعدى أكثر من ساعات الدراسة ودقائق لشرب الشاي أو النسكافيه. وقليل من مؤسساتنا التي تكترث حقا لطاقات الشباب الكامنة، وتعطيهم فرصا للركض واللهو واللعب، فينفسوا عن غضبهم قبل طاقاتهم قليلا، قبيل أن يحين موعد اللحاق بساعة الدوام المسائي.
حتى الحياة السياسية والنشاطات الفكرية التي كانت تقودها الجامعات في الماضي، باتت صورا بألوان عتيقة لم تواكب احتياجات وظروف الجامعيين الاقتصادية والاجتماعية. بل إنها تترفع أحيانا فوق الاعتبارات الحياتية، باعتبارها المنفذ الأول للتغيير، وليس المركب القابل لتعديل مساره وينزل إلى مستوى متطلبات الشباب قبل تطلعاتهم!
لا خيار أمام هذا السيل الجارف من القوانين والقرارات الظالمة على فئات واسعة من العائلات، إلا أن يقدم شبابها أنفسهم وطاقاتهم وأحلامهم وحقوقهم في عيش أحلى أيام العمر، من أجل عيش كريم.
ألف قبلة وقبلة على جباهكم المخططة يا قدوة الحياة المشتعلة للتضحية.

قد يعجبك ايضا