د. نوفان العجارمة : الاسلام دين الدولة : اشكالية المفهوم والتطبيق ؟

د.نوفان العجارمة* ( الأردن ) الثلاثاء 13/11/2018 م … 
* وزير أسبق / رئيس ديوان التشريع والرأي



الأردن العربي – عمون – 

تنص المادة (2) من الدستور الاردني على ان (الإسلام دين الدولة)، وهذا النص الدستوري هو مقتضى يحدد دين الأغلبية في الدولة ، وهذا النص الدستوري توجيه عام من المشرع الدستوري لكافة مؤسسات الدولة بان تأخذ هذا بعين الاعتبار دون اقصاء باقي الأقليات الدينية، فالإسلام في حد ذاته يضمن حرية العقيدة للآخرين، فالدستور نفسه في المادة (6) منه يساوي بين الاردنيين امام القانون، فهم سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين، كذلك اوجب الدستور على الدولة حماية حرية القيام بشعائر الاديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخلة بالنظام العام او منافية للآداب وفقا للمادة (14) منه ،كما بين في المادة (104) انواع المحاكم الدينية وهي على قسمين : المحاكم الشرعية (للمسلمين ) ومجالس الطوائف الدينية الاخرى (للمسحيين).
أن النصوص الدستورية يجب أن تفسر بالنظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن النصوص الأخرى، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بفهم مدلوله بما يقيم بينها التوافق بالنأي بها عن التعارض، فالأصل في النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجا متآلفا مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض، ولا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ، أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي.
فالأردن ليست دولة دينية ، فالكثير من الدول الاوروبية العلمانية – مثلا- لديها في دساتيرها دين رسمي ولم يقل احد يوما بانها دول دينية فالدين الرسمي للدولة ” لا يعني اعتماد الدين كمصدر للتشريع أو للقوانين أو المحرك الاساس لإدارة الدولة فدستورنا – خلافا لبعض الدساتير العربية والاسلامية – لم ينص على ان الشريعة الاسلامية (المصدر الرئيسي للتشريع) ، فالإسلام هو أحد مصادر التشريع بالنسبة للدولة.،وبالتالي وجود الدين الرسمي (لا يعني أن الدولة اصبحت دولة دينية) بل ان غالبية الاردنيين مسلمين، كما أنه لا يعني أن الدولة تستلهم قوانينها من الدين لأن معظم القوانين المعمول بها بالدولة هي قوانين وضعية حديثة ، باستثناء قوانين الأحوال الشخصية، والتي تأثر بها مشرعنا بقانون العائلة العثماني .
لكن البعض ولفرض أيديولوجيتهم والتي لا تتفق مع الديمقراطية والحياة الطبيعية للإنسان بوجه عام، يستغل المتطرفون عبارة (الإسلام دين الدولة) التي ترد في الدساتير العربية لتحقيق مآربهم الخاصة وقد أصبحت هذه العبارة غير المنضبطة (قميص عثمان) يرفعونه في وجه كل من يحاول أن يوقف زحفهم نحو السلطة والعودة بالأوطان إلى الخلف ؟؟
فالمتطرفون يؤمنون بجزء من الدستور ويكفرون ببعضه و الشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة ، يتمسكون بالنص الدستوري الذي يقول ان الاسلام دين الدولة- مع ان الدستور قانون وضعي و بدعة غربية من وجهة نظرهم – في حين لا يلقون بالا لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة، بل لا يستسيغون الامر من اصله ، مع ان الدستور ينص على ذلك صراحة ؟؟
لا يمكن ان تصمد عبارة (الإسلام دين الدولة) أمام النظرة الفلسفية والسياسية و القانونية ولا حتى العملية لمفهوم الدولة لسبب بسيط هو أن الدولة ليست شخصا طبيعيا بل هي شخصية اعتبارية ، ولا صفة دينية لها ، والقول بان الهدف من ايراد مثل هذا النص هو دسترة دين المواطنين مردود لأنه ليس من وظيفته الدستور باعتباره الوثيقة الاسمى بالدولة التدخل في وجدان الناس وعقائدهم ؟؟ علاوة على اتفاق هذا الامر مع مبدأ المواطنة هو السائد في الدولة الديمقراطية الحديثة والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.
واخيرا ، ونؤكد بهذا الصدد كما يؤكد عدد من رجال الدين بأنه لا يوجد تعارض بين الدين و الديمقراطية بل على العكس فالأديان تعتمد على الشورى والتخصص والدخول في الاتفاقيات مع الغير ويوجد مفهوم دار الحرب ودار السلم ، اضافة الى ضمان حقوق الأقليات الدينية والمساواة أي أن مبادئ الدولة الديمقراطية لا تتعارض مع مبادئ الدين على الاطلاق . فالدولة الديمقراطية لاتعادي الدين أو ترفضه فيظل الدين عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. فالمرفوض هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، لأنه في هذه الحالة يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة الحديثة، اضافة الى تحويل الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.

قد يعجبك ايضا