كوبا وفلسطين … علاقة وطيدة / د. فايز رشيد

د. فايز رشيد ( الأحد ) 11/11/2018 م … 




كتبنا في مقالة سابقة على صفحات “الوطن” عن حجم التأييد الكبير للقضية الفلسطينية وللقضايا الوطنية العربية عموما , من قبل الشعب الكوبي ,وعن الحصار الأمريكي الظالم  لهذه الجزيرة ,التي اختارت الحرية نهجا وتأييد القضايا العادلة ممارسة , كما التشابه في جوانب كثيرة بين الشعبين . أيضا هناك علاقات كوبية – عربية مثبتة في كتب التاريخ الكوبي , وهي بمثابة جذور عربية  فلسطينية في هذا التاريخ  . تؤكد المصادر التاريخية الكوبية أن عربا صاحبوا كريستوفر كولومبوس عندما اكتشف كوبا عام 1492, وهم أول من شاهدوا تلال جبال الجزيرة من البحر, فأخذوا يصيحون قبّة..قبّة,الأمر الذي دعا المكتشف لتسميتها كوبا, ويقال أن هناك أسبابا أخرى للتسمية. ظلت كوبا في حيازة الإسبان 400 عاما, غير أن أبا الاستقلال  الكوبي خوسيه مارتيه,كان ثائرا, مفكرا وشاعرا, كتب مسرحية شعرية عن العرب أسماها “عبدالله”, وكل أبطالها من العرب.

كان مارتيه معجبا بالحضارة الإسلامية وكان كثير الإشادة والإعجاب بالعرب. ظهر ذلك في أعماله التي بلغ مجموعها 28 مجلدا. فيقول مارتي عن العرب: “إنهم كائنات رشيقة جذابة, تكوّن شعبا هو الأكثر نبلا وأناقة على وجه البسيطة”. ومن أقواله عن الأوربيين البيض :”ذلك هو منطقهم: أن يعلي قيمة بلطجي أيرلندي أو مرتزق هندي ممن خدم الدول الأوروبية على حساب عربي من المتبصرين في الأمور, المترفعين عن الدنايا, والذين لا تثبط عزمهم هزيمة,ولا يعرفون التخاذل حيال الفارق العددي بينهم وبين أعدائهم, بل يدافعون عن أرضهم ورجاؤهم على الله.” كما أن اثنين من الفلسطينيين ,أحدهما صحفي واسمه فيلكس الموسى( هناك جائزة حتى الآن تمنح للصحفيين الكوبيين باسمه), والثاني هو أنطوان داود من القدس ,كانا من بين رجال كاسترو , وشاركا في الهجوم على المونكادا عام 1959(كانوا 82 رجلا منهم راؤول كاسترو وتشي غيفارا). ومع انتصار الثورة ذات العام, وللتأكيد على وقوف كوبا إلى جانب القضية الفلسطينية ,أرسل كاسترو الثائر جيفارا إلى المنطقة ,وكان من بين الدول والمناطق العربية التي زارها قطاع غزة عام 1959, وأعطت تلك الزيارة بعدا عالميا لقضيتنا الوطنية.

أيضا, هناك زهرة تربط بين كوبا وفلسطين ,تسمى “زهرة أريحا” , وهي تنبعث من اليباس! هي فريدة من نوعها  تسمى أيضا بـ  “زهرة القيامة” فهي  تحقق نبوءة المسيح وتقوم من الموت, لذلك  اطلق عليها اسم زهرة القيامة ,وزهرة العذراء . في الجفاف, تنكمش على نفسها لشهور طويلة متكورة ضامة أغصانها, وبمجرد ملامستها للماء تتفتح من جديد. الزهرة تنبت بأريحا في فلسطين  أحبها أهلها  واستبشروا بقيامتها من الموت, وقد  عرفوها في القرن الثاني قبل الميلاد كتعويذة تجلب السلام والعزة والقدرة, إضافة للازدهار والوفرة الاقتصادية, زينوا بها وبأطراف أغصانها بيوتهم لتفائلهم بها فأعطوها أهميتها كزهرة الانبعاث ليعرفها العالم عبرهم.كما أحضروها معهم من أسفارهم الطويلة وخصوصاً في منطقة تواجد هذه الزهرة على ضفاف البحر الأحمر وفي الصحراء المصرية والسورية والسعودية, وتذكر الحكايات الشعبية أنه إذا كانت لدى الإنسان  رغبة في الحصول على مال وفير وحياة سعيدة, ما عليه إلا الحصول على زهرة أريحا ووضعها في وعاء ثم غمرها في الماء  وترديد تعويذتها “يا وردة أريحا احملي لنا الخير والرفاه والسعادة”. نقل الحجاح الكوبيون إلى الأراضي الفلسطينية  المقدّسة,  هذه الزهرة أثناء عودتهم إلى كوبا, وجرى توزيعها على عائلات كوبية مسيحية متدينة, ما تزال تتوارثها حتى الآن. وعلى جدران بيوت وأماكن كوبية قديمة كثيرة, نقشت آيات قرآنية وكلمات عربية ما تزال موجودة,فاكتشاف كوبا جاء في الفترة الأندلسية.

الصهاينة كعادتهم, يحاولون التسلل إلى كلّ النشاطات. حتى في كوبا , تماما مثل ذلك اليهودي , الذي يدّعي التقدمية ,والذي أرسل طلبه للمشاركة كبريطاني , فهو يحمل جنسية بريطانية ويعمل في مركز أبحاث في لندن . لم يكن يعرف كاتب هذه السطور  ذلك من الأساس. ذات دقيقة ,بينما كان كاتب هذه السطور يقف مع أحدهم من المشاركين العرب في باحة المبنى المخصص لأعمال المؤتمر. فجأة يقترب منا شاب أبيض طويل , حيّا العربي, الذي تبين أنه التقاه قبلا, وانتقل إلى كاتب هذه السطور, الذي ردّ تحيته بأحسن منها, وسأله  من أين جاء, فردّ المعني, من إسرائيل, فنّ جنون الكاتب الذي استغرب أن يكون أحد الحاضرين يمثّل الدولة الصهيونية في دولة مناصرة للقضية الفلسطينية مثل كوبا! كل ذلك حصل في دقائق قليلة, فأخذ الكاتب الفلسطيني زمام الحديث متوجها إلى اليهودي قائلا باللغة الإنجليزية: “بأنك تعرف أن إسرائيل التي تذّعي المجىء منها لم تكن موجودة, وأنك في صميمك أنت وكل المستوطنين أمثالك تعرفون أنها فلسطين, وأن دولتكم أنشأت قسرا بفضل الاستعمار , وأن دولتكم إلى زوال, لذلك مهما عاشت دولتكم , فستظلون تفتقدون الانتماء إليها, لأنها تلفظكم”. ذهل اليهودي, وأجاب, بأنه ولد في إسرائيل , فأجابه الكاتب : “ولكن اسأل جدك وجد جدك من أين هو؟”, فأجاب بأنه يهودي تقدمي يحب السلام مع الفلسطينيين, قال له الكاتب, اهجر إسرائيل وتخلى عن جنسيتك الإسرائيلية, وحتى  لا يطول الحديث تركه والعربي وانسحب غاضبا.

في سؤال مدير المعهد ونائبه  عند سبب حضور هذا الصهيوني للكونفرنس؟ أجاب النائب بأنه بريطاني! حدثهم  الباحث الفلسطيني بما حصل ونقل إليهما أجوبته , فوجئا وأكدا بأن المعهد سوف لن يستجيب لطلبه وأمثاله في مرة قادمة, وذكرا أن له ورقة عمل عن الشرق الأوسط سيقرأها في الثالثة بعد الظهر من ذات اليوم. حضر الكاتب الفلسطيني بداية الجلسة المحددة, وفي بداية قراءة الصهيوني لورقته, أعلن انسحابه من الجلسة احتجاجا على وجود هذا الصهيوني المدّعي زورا وبهتانا بالتقدمية للكونفرنس .تابعتُ خطابه  من الخارج من سماعة الترجمة .ادّعى بأنه  من أنصار السلام ,غير أنه لم يتحدث مطلقا عن حقوق الشعب الفلسطيني ,ولم يدن الاستيطان وحرب الإبادة الجماعية التي تقترفها دولته ضد الفلسطينيين والعرب, ولا هدم البيوت ولا حرق الأطفال وغيرها من الفظائع والقبائح الصهيونية. وفي لحظة فتح باب  المناقشة, دخلت, (وفي حديثي قلت وبالروسية ,عندما افتقدت مترجمي, وكنت قد تعرفت على كوبي درس في موسكو,ترجم لي) : أن فلسطين كانت , وهي , وستظل فلسطين عربية خالدة أبد الدهر, وأن ادّعاءات الصهيوني عن السلام ما هي إلا ادّعاءت كاذبة, رأينا مثلها ونرى وسنرى  مستقبلا, وسأل الحاضرين, عماذا يقترحوا على الفلسطينيين للوصول إلى حقوقهم الوطنية, بعد أن أغلقت  الدولة الصهيونية كل الأبواب أمامهم؟ عمليا فإن سن قانون “القومية” يغلق الطريق على ما يسمى بـ “حل الدولتين”, وحل الدولة الواحدة, وما يسمى بـ حلّ “الدولة الثنائية القومية”. صفق الحاضرون طويلا, ولم يعد يرى الصهيوني في أيّ من جلسات الكونفرنس.

 

قد يعجبك ايضا