محمد خروب ( الأردن ) الثلاثاء 30/10/2018 م …

في راهِن حال الانحطاط والإنهيارات والهزائم العربية المتلاحِقة,التي في مُعظمها من صنع «العرب» انفسهم، ثمة اسئلة مُمِضَّة تُطرح في هذا الفضاء العربي المسموم,يقف في مقدمتها السؤال الكبير الذي يَبرز كلما ذهب بعض العرب في اتجاهات مُتضادة ومُتعاكِسة وناسِفة لأبسط الثوابت الوطنية والقومية لِلأمة بأسرِها,وبخاصة تلك التي «توافق» عليها بعض عرب في شأن ما كان يُسمّى الامن القومي العربي والوحدة الاقتصادية والتعاون والتنسيق وخصوصاً العمل العربي المشترَك,الذي ثبت وبعد سبعة عقود ونيِّف على قيام «هيكل» أسموه «جامعة الدول العربية»,أصابه الوَهن منذ سنواته الاولى,وانكشفت عدم جدية مَن أقاموه أو الذين انتسبوا اليه لاحقاً,وبروز نِياتهم المُسبَقة بتحويله الى مجرّد ديكور وتجمّع فلكلوري للخطابات والإحتفالات المُفتعَلة والتقاط الصُور وإصدار البيانات ذات اللغة والمصطلحات الخشبية التي تقول كل شيء ولكنها في الوقت ذاته لا تقول شيئا البتة,بل هي في الواقع تقول عكس كل ما تحفَل به تلك البيانات والقرارات,التي لا تجِد مَن يُنفِّذها او يأخذها على محمل الجد,او يُغامِر برفع سقف التوقّعات حولها,حتى في أبسط الامور وخصوصا تلك التي لا علاقة لها بـ»السياسة»,أو ما اصطُلِح عليه وتمسّكت به معظم الانظمة العربية وأشهَرَته عند كل مُنعَطف,وهو همروجة «القرار السيادي»,الذي تُلوِّح به هذه الدولة العربية او تلك,كلما خَرَجَت على «الإجماع العربي» المُفترَض,وذهبَت في اتّجاه التغريد بعيدا عن»السِرب العربي» المُبعثّر,والذي لم يعد يُوجَد من يضبِطه أو يُعيد تعريفه،بعد ان مضى عرب اليوم بعيدا في الإنقلاب على البدهيات والثوابت,والتنكّر لأبسط المُقوِمات والروابط,التي تُبقي على تماسُك ما تَبقّى من النسيج القومي العربي او حتى قابِلِّيّته للترميم واحتمالات البقاء.
وإلاّ…
كيف يمكن تفسير كل هذا «التغريد» خارج السرب,الذي لا رادع له او عاصِم؟ والذي يأخذ طابع الإزدراء وإدارة الظهر لِكرامة ومشاعر كل الشعوب العربية,التي باتت لا تعرف ما اذا كنا نستعد كـَ»عرب» للولوج إلى عصر الإنقراض او الخروج النهائي من التاريخ؟ أم ان المرحلة السوداوية والكئيبة التي تُلقي بظلالها على مساراتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلاقات العرب البينية،هي مجرّد فصل عابِر ومثابة الفترة حالكة السواد التي تسبِق انبلاج الفجر وتبدّد الظلام؟.
لم يعد ثمة جامع او»جامعة» تحول دون هذا الخروج السافر على مُقوِّمات بقاء الامة,واستدراك ما فاتها ومحاولة شعوبها المشروعة اللحاق بقطار العصر,إن كان ثمة «فُرصَة» لركوب آخر عرباته, بعد ان بدأت حركته بالتسارع.
ليس ثمة حاجة لطرح المزيد من الاسئلة,عن تراث من الخيبات والهزائم آخذ في التراكم,حول تخلِّي عرب اليوم عن معظم – إن لم نقُل كل – ما يُسهِم في لمّ صفوفهم المُبعثرة,وعن كل ما يُبقي عليهم في دائرة الفعل والتأثير,وعدم الانقراض والهزيمة النهائية امام اعدائهم,الذين يتكاثرون كالفِطر ويجِدون بين كثير من عرب اليوم,مَن يحتضنهم ويدافع عن مشروعاتهم العدوانِية,ويُسهِّل لهم مخططاتهم بل ويشارِكهم احلامهم ومعارِكهم ويحتفل بانتصاراتهم,التي هي هزائم موصوفة لهم,لكِنّهم في غِيِّهم ماضون,وفي صفقاتِهم وصِفاقاتِهم… فِرِحون.
يلف الحزن المحمول على غضب شديد ساحاتنا العربية,وتقف شعوب أُمّتِنا أمام مشهد عربي غير مسبوق من الرثاثة والرداءة والإنحطاط,الآخذ في التعاظم اذا لم يجد احدا يُوقِفه,او يضع حدا له ويقول بملء الافواه والحناجر والقلوب:كفى…لقد مَلّلناكم, فلدينا من مُقوِّمات البقاء وصناعة التاريخ والإسهامات الحضارية,والقدرة على الصمود ورفض الخنوع والإذلال,ونبذ المُساوِمين والمُغرضِين والمُتربِصين,ما يسمح لنا بمواصلة مسيرة امتنا,التي وإن حاول البعض بلؤم ونذالة عرقلتها وعَرض حقوق شعوبها للبيع,لكنها قادرة على لفظِهم وإلقائِهم في مزابل التاريخ,وعليهم أن يثوبوا الى رُشدِهم قبل فوات الأوان.
ماذا عن جامعة الدول العربية والحاجة اليها؟.
ليس ثمة قدرة لأحد على إحياء الموتى,سوى خالق الكون والعِباد.ــ الراي
[email protected]