” الإخوان المسلمون ” …” الجماعة ” فَ ” الحركة ” فَ ” التّنظيم السّياسيّ ” : من ” النّشأة ” و حتى ” الحرب العالميّة الثّانية ” ( 1 ) ] / د. بهجت سليمان

 

 نتيجة بحث الصور عن الإخوان المسلمين

 د . بهجت سليمان ( سورية ) الخميس 25/10/2018 م …




يمكن اعتبار جميع الحركات الإسلاميّة ، بما فيها حركات “التّحديث الإسلاميّ” في القرن التّاسع عشر ( جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و محمد رشيد رضا ) ، حركات “أصوليّة” ( Fundamentalism ) أو “إسلامويّة” ( Islamicis ) انطلاقاً من محدّد تاريخيّ و هو العمل الفكريّ ذو البعد السّياسيّ في هدف هذه “الحركات” ، و الذي يتضمّن “تغيير” العلاقات الاجتماعيّة- السّياسيّة -بما فيها “الدّولة”- و جعلها تطبيقاً من تطبيقات “الشّريعة” بناء على أيديولوجيا “إسلامويّة” تعود في المنطلقات و المبادئ إلى “السّلف” الدّينيّ في “النّصّ” و لو في “خطاب إنسانيّ” حداثيّ ، و الذي يعتمد “الأصول” الدّينيّة المزعومة في “الفقه” الإسلاميّ السّنّيّ الرّسميّ وفق ما جاء عمّن يُسَمّون أنفسهم أصحابَ “الوحي” و “النّقل” كما هو ، زعم الأيديولوجيا السّياسيّة للدّين الإسلاميّ .

لقد بدأت ، إذاً ، الحركات الأصوليّة الإسلاميّة تأخذ لها ، عمليّاً ، طابعاً أيديولوجيّاً و سياسيّاً ، منذ الأفكار الإصلاحيّة في “التّحديث” الإسلاميّ (“الحداثة الإسلاميّة”) علي يد “روّاد” الإصلاح الإسلاميّ على أعتاب القرن العشرين و بداياته ، (جمال الدين الأفغانيّ) و (محمد عبده) و (محمد رشيد رضا) و بضعة آخرون.

كان تاريخ الإسلام حتى عهد قريب يشهد دعوات متكرّرة ، ينصِّب القائمون عليها أنفسهم مدافعين عن الدّين ضدّ ، ما زعموه ، كلّ “خطر”و “انحراف” ، مع إدانة “المجتمع” و “الدّولة” بالانحراف الذي يحتاج إلى “تقويم” و “إصلاح”

و استمرّ هذا الأمر حتى “فجر الحداثة” ..

فقد شهدت “دار الإسلام” جملة من “الهبّات” الإصلاحية التي كانت تدّعي إصلاح ما انهدم من شؤون “الدّين” ، و بعث ما اندثر من تعاليمه و عقيدته و شرعه .

و من جملة هذه “الحركات” كانت حركة (محمد بن عبد الوهّاب) في نجد (1703-1791م) ، و الحركة “السّنوسية” في شمال أفريقيا (1859-1878م) ، و “المهديّة” في السّودان (1881- 1898م) ، وحركة “دان فوديو” في نيجيريا (1754-1817م) ، و “الدّهلوية” في الهند (1702-1762م)، وغيرها في بقاع أخرى كثيرة من العالم الإسلامي.

وقد سبقت هذه الحركات التي غلب عليها الطابع “السّياسي” و عاصرتها و لحقتها حركات أخرى كثيرة “روحيّة” و “اجتماعيّة” ؛

و نشأت وانتشرت الطّرق الصّوفية الحديثة : “الخلوتيّة” و”الإدريسيّة” و “التيجانيّة” و “السّمانيّة” و “الخَتميّة” في القرنين الثّامن عشر و التّاسع عشر ؛ علاوة على عودة الرّوح إلى طرق صوفيّة قديمة شهدت انبعاثاً و سعة انتشار شعبيّ ، مثل “النقشبندية”و “الشاذلية” و “القادرية” و “الجيلانيّة” و “الرّفاعيّة” و غيرها .

وليس بعيداً عن الأذهان ما يصلها أو يتّصل بها و بخاصّة مع “الوهّابيّة” و “المهديّة” و “السّنوسيّة” و “الشّاذليّة” ، مع “حركة الإخوان” في شكلها السّياسيّ المعاصر على يد (حسن البنّا) (1906- 1949م) الذي كان لِ(محمد رشيد رضا) التّأثير الأكبر على فكره الأيديولوجيّ الإسلاميّ و لو أنّه أضاف إليها بعدها “الأيديولوجيّ” الظّرفيّ في نزعته إلى “التّحديث” .

قابل ذلك و رافقه وسط سياسيّ بدائيّ ، قبليّ و إقطاعيّ ، في دول عربيّة- إسلاميّة خرجت للتّو من قميص “الاحتلال العثمانيّ” للمكان العربيّ ، بما في ذلك من إرهاق تاريخيّ في التّخلّف و التّعويق المباشر الذي فرضه “الاحتلال” على سياقات التّقدم .

و كان للظّروف الاجتماعيّة و الثّقافيّة و السّياسيّة في مصر و المشرق العربيّ دورٌ كبيرٌ في تقبّل فكر جماعة “الإخوان المسلمين” التي أسّسها (حسن البنّا) في عام (1928م) ، بعد احتكاكه بالشّيخ الصّوفيّ (عبد الوهّاب الحصافيّ) ، شيخ الطّريقة الحصافيّة “الشّاذليّة” و انتسابه إلى هذه الطّريقة في عام (1923م) ، و الذي كان له أثر كبير في تكوين شخصيّة (البنّا) العقائديّة بعد أن كان لِ(محمد رشيد رضا) (1865- 1935م) ، كما وجدنا أعلاه ، الأثر الأكبر في تنشئته الفكريّة .

في هذا المناخ الفكريّ و العقائديّ ، منضافاً إليه المناخ السّياسيّ للتّشتّت العربيّ و الإسلاميّ في ظلّ آثار استعمار تاريخيّ و حديث مركّب و معقّد ، عثمانيّ و بريطانيّ و فرنسيّ و إيطاليّ ، تحدّدت شخصيّة (البنّا) السّياسيّة التي لخّصها قوله :

” إنّ الإسلام عقيدة و عبادة و وطنٌ و جنسيّة و دينٌ ودولة و روحانيّة و مصحف و سيف” ؛

و ذلك بما في هذه “العقيدة” المشبوهة الجديدة من خروج على جميع مبادئ الإسلام كدينٍ روحيّ عباديّ “ينظّم” علاقة الإنسان- الفرد ، بربّه ، و بما فيها من مستحدثات سياسيّة في “الإسلام” و الخروج على الإسلام نفسه بما هو “دين” لا “دولة” .

بدأ (البنّا) بنشر هذه “العقيدة الجديدة” لِ”الجماعة” في الرّيف المصريّ الفقير و المتخلّف ، و بالتّحديد من “الإسماعيليّة” حيث عمل مدرّساً ، ثمّ انتقل إلى المدن المصريّة التي كانت ترزح تحت وطأة اليأس “الحضاريّ” جرّاء جرائر التّاريخ السّياسيّ القاهر لمجتمع مقهور تحت وطأة التّخلّف و الاستعمار .

مارس (حسن البنّا) تبشيره السّياسيّ الرّاديكاليّ (العنفيّ) في الأوساط الشّعبيّة المتخلّفة التي انطلت عليها أكاذيب (البنّا) الأيديولوجيّة ، انطلاقاً من أنّه وصيّ على الإسلام و الوفاء لقيمه و صاحب مهمّة التّذكير بمبادئ الإسلام ، منصّباً من نفسِه حامياً للإسلام مذكّراً بدعوته الأولى التي قصّر عنها المسلمون كما يدّعي ، و بالتّالي لا مانع من العنف و الإكراه في سبيل العودة إلى العمل بمبادئ الإسلام و تطبيق “الشّريعة” .

و لاقت هذه التّبشيريّةُ الجديدة قبولاً في المجتمع المصريّ بفئاته المختلفة ، جرّاء الجهل و الفراغ الثّقافيّ الذي فرضه تاريخٌ من الاستعباد و القهر و الظّلم ، حتّى أنّ دعوته لاقت لها أصداء حتّى في بعض أوساطٍ “علمانيّة” كاذبة و مزيّفة ، أيضاً ، انطلاقاً من أنّ دور “الدّين” الإسلاميّ قد تراجع كثيراً و أنّ الحركات الإسلاميّة تسعى إلى إحيائه و هي قادرة على ذلك ، في حين شكّك بعضُ هؤلاء من “العلمانيين” بهذه الإمكانيّة و اعتبرها مهمّة مستحيلة ، فيما اعتبرها البعض أنهّا مهمّة غير جاذبة و غير مرغوب فيها .

ظهرت جماعةُ “الإخوان المسلمين” ، كما قلنا ، في ظروف تدّعي الإصلاح الإسلاميّ .

و لئن كانت حركة الإصلاح الحداثيّة المتأثّرة بأفكار و إنجازات “الحداثة الأوربيّة” في التّغيير ، سواء كان ذلك تأثّراً حقيقيّاً في مجمل القناعات ، أو كان فعلاً “وظيفيّاً” في فضاءات سياسيّة مخترقة من قبل “أدوات” و وسائل و مشاريع “الاستعمار الحديث” ، فإنّه من الثّابت تاريخيّاً انتهازيّة و عمالة جماعة “الإخوان المسلمين” و ازدواجيّتهم السّياسيّة في مقابل ما يطرحونه علناً من شعارات .

و لم يتأخّر الوقت حتّى صار لِ”الجماعة” طموحاتُ “حركيّة” أوسع ، فبدأت ممارساتها السّياسيّة “الانتهازيّة” من أجل ذلك ، صريحة و واسعة في “الجغرافيا” المصريّة و في “المؤسّسات” ، أيضاً .

يقول كتاب “الإخوان المسلمون- قراءة في الملفّات السّريّة” :

” انزلق “الإخوان” في مستنقع الانتهازيّة منذ البدايات على يد الشيخ حسن البنّا ؛ و هذا بشهادة و تعبير الشيخ أحمد السّكّري صديق عمره و رفيقه في تأسيس الجماعة” .

 [ الإخوان المسلمون- قراءة في الملفّات السّرّيّة . عبد الرحيم علي .الهيئة المصريّة العامة للكتاب . الطبعة الأولى – 2011م] .

و يقول :

” يهادنون الوفد ثمّ ينقلبون عليه .. يدعمون الملك ثم يناصبونه العداء .. يتعاونون مع رجال ثورة يوليو في البداية ثمّ يتصادمون معهم .. يساندون السّادات ثم يتمرّدون عليه .. يصرخون ليلَ نهار بالعداء لأميركا و يسعون في الخفاء لمدّ الجسور معها.. ، و ذلك في سياق سلسلة من التّحالفات تنتهي دائماً بالغدر بالحليف ” …

” فقد بدأ حسن البنّا دعوته ، و عَينُه على القصر الملكيّ و حاول أن يرتبط معه على اعتبار أنّ من مصلحة العرش أن تكون جماعة الإخوان ركيزة له” .

“فالملك فؤاد هو حامي الإسلام و رافع رايته” .. ص (7 – 13) .

“و قد كتب حسن البنّا في مجلّة الإخوان المسلمين في 29-2-1937 بعنوان “حامي المصحف” يقول :

” إنّ 300 مليون مسلم في العالم تهفو أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبيعهم على أن يكون حامياً للمصحف ، فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف ، و أكبر الظّنّ أنّ الله قد اختار لهذه الهداية العامّة الفاروق ، فعلى بركة الله يا جلالة الملك و من ورائك أخلص جنودك” .

” و أطلق الإخوان على الملك فاروق لقب “أمير المؤمنين” . ” . ص (13-14) .

اتّسعت ، في هذا “الطّور” ، علاقة “الإخوان” بالغرب في ممارسات علنيّة رسميّة و واضحة ؛

فقد كان (البنّا) صريحاً في مدح الفكر الغربيّ و الفكر الإسلاميّ في وقت واحد . و هو الذي اقترح أن يرسل صحفيين من “الإخوان” ليدرسوا الصّحافة في الجامعة الأميركيّة في القاهرة ؛ كما اقترح ذهاب مجموعة أخرى إلى مدرسة “الخدمة الاجتماعيّة” و هي مدرسة غربيّة أخرى ، و كان يفضّل تعليم الّلغات الأجنبيّة في المدارس لملء “الفراغ”بتدريب مجموعة من الشباب ليكونوا وعّاظا متحمسين مجهزين بطرق التعليم الحديثة، وتكون مستقلة عن الحكومة، والمؤسسة الدينية، ومدعومة بالاستفادة المؤثرة من وسائل الإعلام الجديد .

“و قد وصل الأمر بالإخوان أن يطلب حسن البنّا من السّفارة الأميركيّة تكوين مكتب مشترك بين الإخوان و الأميركان لمكافحة الشّيوعيّة ، و تتولّى أميركا إدارة المكتب و دفع مرتّبات أعضاء الأخوان” ص (19) .

في عام (1932م) انتقل البنّا مع “مركز إدارة الجماعة” إلى (القاهرة) لما وصفه ضرورات معالجة المجتمع .

و في هذه الغضون أخذَ يكسب إلى صفّ “الحركة” “الطّبقةَ الوسطى” المصريّة ، إضافة إلى “طبقة العمال و الفلاحين” .

رفض (البنّا) جميع أشكال الدّولة القوميّة العربيّة ، و استبدل بها تبشيره بالدّولة القوميّة الإسلاميّة ، الأمر الذي جذب إليه عواطف الكثير من المسلمين في مختلف أصقاع الدّول الإسلاميّة و زاد من شعبيّة “الإخوان” في سائر الأوساط المتخلّفة الإسلاميّة في مصر و خارج مصر .

عمل (البنّا) على تفسير تأويليّ للقرآن يتماشى مع “الإصلاحات”لجميع الأنظمة الاجتماعيّة و السّياسيّة التي كانت تعمل عليها “الجماعة” ، و بذلك هاجم (البنّا) التّراث الدّينيّ لِ”الأزهر” و جعل مفهوم “الجهاد” مفهوماً رئيسيّاً من أركان المفاهيم و المفردات السّياسيّة لِ”الجماعة” ؛ و قد توجّه التّبشير بالجهاد إلى ما أسماه (البنّا) الاحتلال الدّاخليّ من قبل الدّول الإسلاميّة و الاحتلال الخارجيّ من قبل “الاستعمار” .. !

و في محاولاتها لكسب المزيد من الشّعبيّة المزيّفة ، دعت “الحركة” في الأربعينات إلى تقارب بين “السّنّة” و “الشّيعة” في الإسلام .

و سواءٌ تمّ النّظر إلى مثل هذه “الحركات” المجتمعية- السّياسيّةعلى أنها جاءت في فراغ اجتماعيّ و تاريخيّ و سياسيّ ، أو أنّها كانت تلبّي وظيفة سياسيّة داخليّة و خارجيّة ، أو أنّها من علامات الصّراع التّاريخيّ في المجتمعات التي لا تملك هويّة حضاريّة ، فهي ، بالتّأكيد ، و في جميع الحالات تأتي كنتاج للاختلالات “الاجتماعية” و “الثّقافيّة” و “الأيديولوجيّة” التي تحتلّ “النّظام العامّ” من داخله ؛

كما تؤشّر إلى طبيعة العلاقة بين قوى المجتمع و سلطاته الاستراتيجيّة التي وفّرتها له سياقات التّخلّف ، و بين القوى السّياسيّة و الثّقافيّة الممحونة تاريخيّاً في هذه السّياقات ؛

بمعنى أنّ التّحليل المعرفيّ يكشف عن درجة مناسبة لتطابق القوى التّاريخيّة مع القوى “التّاريخانيّة” المشتغلة على كبح تلك القوى التّاريخيّة و منعها من إنتاج نظام “القيم” الضّروريّ و المعاصر .

ما يهمّنا هنا ، في هذا الجزء من الحديث ، هو إظهار حقائق النّشوء المشبوه لحركة “الإخوان” ، و ذلك من خلال شهادات ، إن أمكن ، لأشخاص كانوا في تأسيس “الجماعة” ، أو ربطهم بها رابط سياسيّ أو اجتماعيّ أو شخصيّ .

و مبكّراً ، فسرعان ما أخذت “الجماعة” في إطار “الحركة” شكل “التّنظيم السّياسيّ” ؛

حيث بدأ “الإخوان” في أوائل الثلاثينات “برنامج الجوالة” ، وفيه كان الشّباب يتدرّبون على أسلوب الحياة الرّياضي الزّاهد، و تمثيل القيام بالأعمال الخيريّة ، و تبادل الزيارات بين فروع “الإخوان” لتوطيد الرّوابط ما بينهم ، و أصبح “برنامج الجوالة” بأناشيده و شعاراته من أهم الوسائل في تجنيد أعضاء جُدُد ، فرأى فيهم (البنّا) أنه أسلوب جيّد يقدّم الشّباب تدريجياً إلى “التّديّن” .

في عامي (1930-1932 م) نشبت في “الإخوان” مآزق داخليّة ، فقد تحدّى كثير من الأعضاء سيطرة (البنّا) على خزينة الجماعة ، وكذلك إصراره على أن يكون له نائب من طبقة اجتماعية منخفضة حيث كان النائب يعمل “نجّاراً” ، و كان هذا المرشح ليكون نائباً ، مدعوماًبشكل ساحق في “الجمعية العامة” لِ”التنظيم” ، و مستعداً لسداد ديون الجماعة الكبيرة مما عزّز موقفه ، و لكنّ “الأزمة” استمرّت حتى هدّد (البنّا) بفصل معارضيه من “الإخوان” ، و عندئذ استقالوا .

عكست هذه الأزمة مزيداً من الإعتراض على مفهوم (البنّا) من رسالة “الإخوان” ، و شعر الانفصاليّون أنّ “الجماعة” يجب أن تكون جمعية “خيرية إسلامية تقليدية” لا “تنظيماً سياسيّاً” ، و أن يكون لها قادة من ذوي الشأن اجتماعياً .

على أثر هذه الأزمة ، بحث (البنّا) في تصفية قواعد “القيادة” في الجماعة ، مؤكدًا على أنّ الصفات الأخلاقية و التّضحيات الشّخصية ، أكثر أهمية من الألقاب و الوضع الاجتماعي ، و المؤهلات الرسمية .

و في صياغة قانون الجمعية العامّ عام (1934م) ، زاد (البنّا) من سلطاته الشخصية على “الإخوان” ، مؤكداً أن السلطة داخل التنظيم يمكن أن تكون على أساس الثقة الكاملة في القيادة ، رافضاً الدعوات المتزايدة لِ”الشُورى” ، معبّراً عن شكّ عميق تجاه الانتخابات ، التي شعر أنها أظهرت فشلاً لهم خلال أزمات (1930-1932م) ، كما أسّس لجان تسوية للمساعدة في نزع فتيل الأزمات عند ظهورها ..حتى استتبّ وضع “التّنظيم السّياسيّ” الجديد .

و بدأ (البنّا) في وضع مزيد من التّأكيد على مسئوليات “الجماعة السياسية” فيما يتعلق بمختلف القضايا و بخاصّة منها التي تتّصل بالمجتمع مثل “التعليم الدّينيّ” غير الكافي في المدارس .. ، و نفوذ البعثات المسيحيّة .

في ردّه على الانتقادات التي اتّهمت “الإخوان” بكونهم “جماعة سياسيّة” ، أجاب (البنّا) بأن الانشغال بالسياسة كان جزءاً دائماً و أساسيّاً من “الإسلام” ، فالإسلام لديه سياسة “احتضان لهذا العالم” .. !!؟

طوَّر “الإخوان” في منتصف الثلاثينات بناءً هرمياً رسمياً ، على رأسه المرشد العامّ (البنّا) ، و يساعده “مكتب إرشاد” و “مساعد” و”نائب” ، و كانت “الفروع المحلية” منظمة إلى “مناطق”، و كان لإدارتها قدر كبير من الاستقلال ، و كان للعضوية طبقات عديدة ، بمسؤوليات متزايدة ؛ فهنالك “المساعد” ، و “الزّميل” ، و “العامل” ، و “النّاشط” ، و كانت رسوم العضوية تعتمد على إمكانيات كلّ فرد ، و كان الأعضاء الفقراء معفيين من الرّسوم ، و كانت التّرقية في السّلّم الهرميّ تعتمد على إنجاز الواجبات الإسلاميّة ، و على المعرفة المحصلة من المجموعات الدراسيّة للجماعة .

في عام (1938م) ، بدأ (البنّا) يتخوّف من أنّ كبار الموظفين المحليين قد حقّقوا مزيدًا من النّفوذ ، فأدخل تعديلات تنظيمية رئيسيّة في السّنوات القليلة التّالية ، و أصبحت “الّلجان التّنفيذيّة للفروع” ، بعد ذلك ، يتم اختيارها بواسطة “مكتب الإرشاد العام” بدلاً من انتخابهم، و في عام (1941م) ، استُبدلت “الجمعيّة العامّة” المنتخبة بهيئة أصغر “معينّة” تعييناً تسمّى “الجمعيّة الاستشاريّة” ، و بقيت البنية العامّة لِ”الجماعة” غير مركزيّة ، و لذلك استمرّت “الفروع” في العمل في حال اعتقال أعضاء قياديين .

كان (البنّا) يتشكّك دائماً فيما يتعلّق ب”الانتخابات” . و لكنّه من باب “السّمعة” السّياسيّة أكّد نظريا على “الديموقراطيّة” عندما صاغ “وجهة نظره” في المبادئ التي تحدّد “الإسلام السّياسيّ” في عام (1938م) .

لقد سلّمَ و اقتنع الكثيرون من “المفكّرين” و “المثقّفين” المعاصرين بأنّ “دولة لن تقوم للإخوان إلّا بالعلاقة المباشرة مع “الدّول الغربيّة”. ” ، كما يقول مؤلّف كتاب “سرّ الجماعة” ص (26) .

 [سرّ الجماعة . تأليف علي بن السّيد الوصيفيّ . دار سبيل المؤمنين للنّشر و التّوزيع . القاهرة . الطّبعة الأولى – 2012م] .

و يقول “المؤلّف” على لسان “الأستاذ (المأمون الهضيبيّ) ، المرشد السّابق للحركة” :

” و للإخوان سلف سابق في ذلك – حسن البنّا – الذي التقى من وراء دولة الملك فاروق الأوّل – ملك مصر – مع (فيليب أيرلاند) ، سكرتير السّفارة الأميركيّة ، حيث قال (محمود عسّاف) : وافق الأستاذ – و يعني حسن البنّا – على المقابلة و لكنّه فضّل أن تكون في بيت (أيرلاند) حيث أنّ المركز العام للجماعة مراقب من قبل “القلم السّياسيّ” .. و تمّ الّلقاء و تبادلا الحديث في الشّيوعيّة .. و قال حسن البنّا : “فكرة التّعاون فكرة جيّدة .. و حبّذا لو فكّرتم في إنشاء مكتب لمحاربة الشّيوعيّة ، فحينئذٍ نستطيع أن نعيركم بعض رجالنا المتخصّصين في هذا الأمر ، على أن يكون ذلك بعيداً عنّا بصفة رسميّة ، و لكم أن تعاملوا هؤلاء الرّجال بما ترونه ملائماً دون تدخّلٍ من جانبنا غير التّصريح لهم بالعمل” [“مع الإمام الشّهيد” ، ص (13) ، مكتبة “عين شمس” ( 1993 م ).

” و قد حكى (فريد عبد الخالق) أنّ لقاءً مثل هذا الّلقاء السّرّيّ و لنفس الهدف قد تمّ في “المركز العامّ للإخوان بين ممثّل الحكومة البريطانيّة و بين حسن البنّا مباشرة” ص (27- 28) [سرّ الجماعة- المرجع أعلاه] .

في الحقيقة لا تعوزنا مثل تلك “الشّهادات” المباشرة على “الخيانة” والعمالة والتبعية التي ارتبط بها تاريخ نشوء هذه “الجماعة” في مصر ، والتأكّد من أنَّ هذه الجماعة هي صناعة بريطانية بامتياز ..

و من ثم استمرارها ك “حركة” سياسيّة و من ثمّ تنظيم حزبيّ سياسيّ و انتشارها خارج مصر .

يقول مؤلّف “سرّ الجماعة” :

” الإخوان صرح مفتون و منهج منكوس ” .

” إنّ الإخوان المسلمين صرح مفتونٌ بُنيَ على العَفَنِ.. ، العَفَن بالمفهوم العقائديّ.. ، فهو يجمع كلّ العقائد و يُقرّب بينها من أجل تحقيق مشروع حسن البنّا الاستحواذيّ الاستئصاليّ الفاشيّ .. ،

فعندهم الشّيعيّ الرّافضيّ و القدريّ و الصّوفيّ و المعتزليّ ، و عندهم النّصرانيّ و الّليبيراليّ و اليساريّ ، و عندهم كلّ الأطياف و الألوان ، حتّى لا يخسروا أحداً ، و حتّى يتباهي الجميع بهم ، و من أجل ذلك فهم يخترقون بكوادرهم جميع التّنظيمات و الأحزاب و الهيئات ، حتّى يتجسّسوا على الجميع

و إذا أرادوا فعل جريمة من الجرائم فعلوها بتلك الكوادر خُفيةً ، دون أن يُنسبَ إليهم منها شيء ، كما حدث في قتل رئيس وزراء مصر (أحمد ماهر) فقتلوه لخلاف سياسيّ برجل إسمه (محمود العيسويّ) ، كان من الإخوان و أدخلوه الحزب الوطنيّ ، ليخرجوا من الجريمة أبرياء ، و قد شهد بذلك الشّيخ (خالد محمد خالد) ، كما نُشرَ في جريدة الوفد .

” قال ” الشيخ خالد محمد خالد ” في جريدة “الوفد” بتاريخ 15/10/1992م :

” إنّ التّنظيم السّرّيّ كان بارعاً في التّنكّر ، فهو بعد تدريب أعضائه على كلّ أفانين الإرهاب ، يأمر بعضهم بأن يلتحق ببعض الأحزاب و الجماعات ، حتّى إذا اختير لعمل من أعمال الاغتيال أو الإرهاب ، لم يَبدُ أمام القانون و لا الرّأي العامّ من أعضاء الإخوان .. و من هذا النّوع كان (محمود العيسويّ) . [“مع الإمام الشّهيد” . ص (152)] ؛ و قد اعترف بذلك (خليفة عطوة) أحد قيادات “التّنظيم السّرّيّ الإخوانيّ” مؤخّراً ، فقال : “إنّ أوّل ظهور علني للتّنظيم السّرّيّ للإخوان كان عام (1944م) ، حيث بدأ تكوين مجموعة من الخلايا العنقوديّة المسلّحة ، و كلّ خليّة مكوّنة من زعيم و أربعة أفراد ، و كلّ خليّة لا تعرف الأخرى ، و بدأنا بالعمل المسلّح باغتيال (أحمد ماهر باشا) عن طريق (محمود العيسويّ) .” [المصريّون – نت 7/2/2009م] . ” .

[ المرجع . ص (37 و 38) ] .

هذه لمحة من تكوّن و تشكيل و تطوّر “الإخوان المسلمين” ؛ عملنا فيها على إظهار طبيعة تطوّر هذا “الكيان” الإرهابيّ ، من طّور “الجماعة” فإلى طَور “الحركة” فإلى طَور “التّنظيم السّياسيّ” الذي أصبح يضاهي و يفوقُ أكثر التّنظيمات فاشيّة و نازيّة و صهيونيّة في التّاريخ الحديث و المعاصر .

و لا بد من البحث لاحقا في تاريخ “التّنظيم” و أدائه الإرهابيّ العنفيّ منذ الحرب العالميّة الثّانية و حتّى “تسلّمه” مقاليد الدّولة في مصر عام 2012 ، وسقوطه السريع ، مع توضيح أدوار آخرين “مؤسّسين” أيضاً ، و بخاصّة الشّخصيّة الفاشيّة الأخرى و المعروف (سيّد قطب) (1906- 1966م) .

مع ضرورة إلقاء نظرة ، على هذا “التنظيم” الفاشيّ و أسماء قادة عصابته ، في سورية ، حتّى حرب “الإرهاب” التي نعيش ، اليوم .

قد يعجبك ايضا