” دور الناقد في التعامل مع المُنجز الأدبي ” … محاضرة الكاتب الباحث حنا ميخائيل سلامة في مقرِّ مكتب الأردن الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية

 

الأربعاء 24/10/2018 م …




الأردن العربي –

في مُستهلِّ المُحاضرة التي ألقاها الكاتب الباحث حنا ميخائيل سلامة نُعمان في مقرِّ مكتب الأردن الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية مساء يوم السبت الموافق 20 من الشهر الجاري بعنوان” دور الناقد في التعامل مع المُنجَز الأدبي” أشار المُحاضِر إلى مقالٍ بقلم الأديب محمد أمين كان نشر سنة 1936 في مجلة الرسالة بعنوان” النقد أيضاً” يقول فيه : “كان الكتاب اذا ظهر هبّت الصحف والمجلات لعرضه ونقده ، فاللغوي ينقده  نقداً لغوياً، والمؤرخ ينقده  نقداً تاريخياً، والأديب ينقده  نقداً أدبياً، وتثور معركة حامية بين أنصار الكتاب وأعداء الكتاب، وتظهر في التأييد والتفنيد المقالات الضافية والبحوث العميقة الشائقة.. وكان شوقي أو حافظ يقول القصيدة  فيقوم ناقد معترض يبين ما ورد فيها من معايبَ ، أو مادح مقرض يبين ما ورد فيه من محاسِن. ومن هذا وذلك يستفيد الأديب”.

من هذا التقديم الذي يتضح منه كيف كان تعامل النُّقاد الجّاد والمُلتزممع ما يصدر من مؤلَّفات إنتقلَ المُحاضِر إلى ما صار إليه الحال اليوم،يقول” نجد الآن تدنياً لمستوى مؤلفات كثيرة متدفقة من المطابع ودور النشر على ساحتنا الثقافية وهذه المؤلفات في نسبة راجحة منها، حتى وإن كانت تحمل عناوينَ بارزة غيرَ أنها لا تحمل أفكاراً جديدة أو أهدافاً نافعةً ولا تتضمن مُحصلة تجارب وخبرات تهدف إلى إرشاد القارىء وتوجيهِه وزيادة معرفته! وأضاف قائلاً: ” إن مِن هذه المؤلفات الصادرة  ما نُحِرت فيها اللغة، بما يولد لديك قناعة أن مؤلِّفيها لم يُراعوا  قواعد اللغة وعِلم َالصرف من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر لم  يُراعوا عِلم النَّحو، الذي يبين أحوالَ الألفاظ عند دخولِها في التركيب وأصل تكوين الجمل وقواعد الإعراب ومواضع الكلمة في الجملة” .وشدَّد الكاتب الباحث سلامة علىأن الكُتب الأدبية بمسمياتها المختلفة تتطلب إلماماً بالبلاغة لما تقتضيه الموضوعات الأدبية من التخيلات الشعرية والكنايات وما ماثل ذلك، وأضاف قائلاً ” ومن هنا ينبغي على الكاتب أن يوسِّع مداركَه بالقراءة والبحث ليبقى بنشاط ذهني، وأن يتأنى ويدقق ما يكتب، وأن يعيد قراءة ما يكتب أكثر من مرة وأن يضع نفسه مكان قارئ اليوم وقارئ الغد فهو الفصل في الحكم على إنتاجه “.

وعلى قول الأديب الناقد عباس محمود العقاد” إن الأدب هو قِوام الحياة وهو عزة الأمة وكرامتها ” أكد المُحاضر ما يعنيه الأدب في  نظر المفكرين والأدباء الثِّقات: “إن الأدب هو صورة النفس التي لا بُدَّ ان ترتسم فيه مشاعر الفرد، وهو مرآة الحياة التي عليها تنعكس ألوان المجتمع.. كما أن للأدب غاية ومكانة  في مجموع التجربة الإنسانية  ولكل فنٍ من الفنون الأدبية طبقة من الناس تتذوقُ ما يَطيبُ لها منه” وقد عدد المُحاضِر ما يندرج تحت مسمى الإنتاج الأدبي “من القصة والقصيدة والرواية والمسرح والمقال وغير ذلك من فنون  أدبية  وفكرية مثل الخواطر والخِطب والسِّيَر الذاتية”  .

وأضاف قائلاً:” إزاء هذا، كان لا بُد من وجود النقد الأدبي الذي جرى تعريفُه بالعِلم الذي يبحثُ في طبيعة الأعمال الأدبية، وتحقيق النصوص وتحليل مضامِينهِا وإصدار الأحكام على قيمتهاأما النقد اليوم فيشمل أيضاً تاريخ الأدب ووصف الفنون الأدبية بالإضافة إلى تحديد وظيفة النص والعلاقة التي تربطه بقضايا الإنسان الأخرى” .

ولفت الباحث سلامة الإنتباه إلى أن “الإشتغال على النقد الأدبيَّ لا يُعدُّ  تطفلاً على مُنجزات الأدباء والمثقفين عامة، ولا يهدف إلى زعزعةِ أعمالهم، كما يتوقع من لم يُدرك رسالةَ النقد الأدبي، بل هو المُوجِّه لما يُنتجون بغرضِ النهوض به فيرتقي الأدب ويسمو الذوق”. وأضاف:”يعد  النقدُ موجهاً للأديب وهادياً، وبالنسبة للقُراء يعتبر مرشداً ..وفي الوقت نفسه ليس بمستطاع  مَن هبَّ ودبَّ أن  يجعل من نفسه ناقداً أدبياً  فهذا يتطلب ملكة أصيلة تمكن من تذوق العمل، وثقافة واسعة وخبرة ودُرْبة.. مع الإشارة إلىالمجهود الكبير الذي يبذله الناقد في التحليل والتركيز ورصدِ مواقع الخلل وعُيوبهِ  أو مواضع الجمال والإبداع  فيه”. ثمّ أضاف ” إن النقد لا يتوقف عند ثناء الناقد على المؤلَّف الذي بين يديه  أو إستهجانِه ، بل ما عُلِّل وتمّ جلاء أين يكمنالجمال والإبداع، أو أين تكمن مواطِن الأخطاء والمزالق.. مع بيان أسباب ذلك ، ويكون هذا مؤسَّساً على أُسُسٍ وقواعد وليس طبقاً للمِزَاج..”

“أما النقد السليم والمتكامل فينبغي- على حد قول المُحاضر-أن يتَّسِم بالصراحة والشفافية،  كما يتطلب شجاعة مِن الناقد في إعطاء النص حقَّه سلباً او إيجاباً دونَ تحامُلٍ أو تملق ومحاباة، وبالمُقابل أن يتمتع صاحب المؤلَّف برحابة صدر فلا يعتبر أن عمله أسمى مِن أن يُنتقدَ في ضربٍ من الفوقية أو العناد،  وعليه أن يضعَ بالاعتبار أنَّ الناقد بذكائه وثقافته ودُربَتِه لا يحملُ مِعولاً ليهدم المُنجز الذي بين يديه، ولا يريدُ أن يُقلل من شأن صاحبه أو يطعن فيه، إنما يشتغل على تنظيم الموجود  والتنبيه إلى نواحي الخلل او النقص”.ويمضي الكاتب الباحث سلامة في مُحاضرته فيقول” لقد بات من المعلوم أن فئة من المحسوبين على الجسم الثقافي قد تهافتت للإشتغال على النقد الأدبي دون أخذ عُدَّتِه وأدواته وقواعده. ومِن جانبٍ آخرَ، ما يلفِت انتباه المُتابع أنَّ كثرةً من النقادِ حين تصدِّيهم لنقد عَمل أدبينجدهم يشتغلون عليه دون مراعاة البيئة والظروف حين تمَّ القيام بالعَملومِن النقاد مَن لا يترك المجال للنص الأدبي كي يتحدث عن نفسه ،بل تراهم يتدخلون فيُدخلون إجتهاداتهم  ومفاهيمهم لتحل محل جوانب في النصِّ” .

وقد أظهر المُحاضر إستياءً من طبقة النُقاد التي” تقوم بوضع هالاتٍ براقة حول بعض المؤلِّفين، بدلاً من الكشف على النص الأدبي والإبداع  الكامِن فيه أو مكامِن النقص،فالإشادة بصاحب المؤلَّف وتعظيمِه، وتكريم إنتاجه على هزالته وضعفه هذا التكريم والتعظيم ينعكس سلباً على مستقبل المؤلِّف حيث يتوهم مع المديح والتكريم والبريق الإعلامي أنه وصل إلى قامة شوقي أو جبران أو العقاد او المنفلوطي دون إدراكٍ أنه بحاجة لمزيد من المطالعة والمتابعة والتَّعَلُّم من كنوز مكتبتنا العربية ومِن أفذاذِ اللغة” .

وقد غطت المحاضرةالجوانب المتعلقة بالنقد الأدبي ودور النقاد والحالة الراهنة للمنتجات الفكرية والأدبية من من جوانبها المختلفة مع تجارب عاشها المُحاضر مع نُقادٍ يُشهد بخبرتهم وغيرتهم على الأدب، هذا إلى جانب  تقديمه لجُملة تساؤلات طرحهالتصل لمن يعنيهم الأمر في الشأن الثقافي مع تقديم بعض الحلول الناجعة المدروسة للنهوض بالحركة الثقافية بما في ذلك دور المؤسسات الثقافية التي عليها أن تُخصص من الكفآءات المتوفرة لديها مَن ينظُر ويُدقق وينتقد بكل جدية وامانة مخطوطات الكُتب التي يُنتجُها الأعضاء قبل دفعها للمطابع ودَعم طباعتها”.

هذا وكان قدَّم المُحاضِروأدار مُجريات المحاضرة الأديب الشاعر عبد الرحمن المبيضين. وجديرٌ القول أن الكاتب الباحث حنا ميخائيل سلامة قد أشاد قبيل تقديم محاضرته بالدور الذي يقوم به مكتب الأردن الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمي للإرتقاء بالثقافة ودعم المثقفين. وقد حضر هذا النشاط وشارك في مناقشاته سعادة رئيس الرابطة الأستاذ الدكتور جميل محمد بني عطا ونخبة من أهل الفكر والقلم والمهتمين .

حنا ميخائيل سلامة

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا