أرض بلا شعب: جدليّة اليهودي والعبري / سيف دعنا




الى الرفيق الحبيب رجا اغبارية في زنزانته:

السجن للحُرّ، وإنْ كان مُرّ،

ولا مَرّة فكّرني

بالتوبة من دي النوبة،

ولا مَرَّة!

***

“أنا لا أحاول القول إنّ الرواية ــــ أو الثقافة بالمعنى الواسع ــــ ’سبّبت‘ الإمبرياليّة… لكنّ الرواية، أو الحِرفة الثقافيّة، في المجتمع البورجوازيّ من جهة، والإمبرياليّة من جهةٍ أخرى، لا يمكن التفكيرُ فيهما، الواحدة في معزلٍ عن الأخرى” (إدوارد سعيد، الثقافة والإمبرياليّة).[1]

***

في أيّار عام ١٦٠٧ “كانت ثلاثُ سفنٍ صغيرة تُبْحر عبر خليج تشيسابيك، بين ميريلاند وفيرجينيا، باتجاه نهر جايمس، بحثًا عن مكانٍ لإقامة المستوطِنة الإنكليزيّة الأولى الدائمة في أميركا الشماليّة.” لم يكن خيارُ شبهِ الجزيرة تلك، المعروفةِ اليوم باسم جايمس تاون، مثاليًّا، لكونها منخفضةً ومليئةً بالمستنقعات. لكنّ هذا السبب بالضبط (أيْ لكونها شبهَ جزيرة) هو الذي جعلها الخيارَ الأفضلَ للمستوطنين من الناحية الدفاعيّة في مواجهة أيّ “اعتداءاتٍ” محتملةٍ من السكّان الأصليين.[2] وفي هذا الخيار، كان المستوطنون الإنكليز يؤكّدون حقيقتين مهمّتين:

ــــ الأولى أنّ هذه البلاد ليست خاليةً من السكّان. وهو ما يفسِّر إعطاءهم الهمَّ الأمنيَّ أولويّةً قصوى في تحديد المكان.

ــــ والثانية أنّ جايمس تاون ليست مجرّدَ جسرٍ بحريّ آخر أقامته القوى الاستعماريّةُ في مناطق مختلفة من العالم ليكونَ قاعدةً متقدّمةً للحراسة، أو لحمايةِ الطرق التجاريّة، بل هي مشروعٌ استعماريّ من نوعٍ جديد، سيؤدّي إلى الإمبراطوريّة الأميركيّة.

بعد تلك الحادثة بخمسة وأربعين عامًا (١٦٥٢)، كانت ثلاثُ سفنٍ أخرى، ترفع العلمَ الهولنديَّ هذه المرّة، وتُبْحر عبر رأس الرجاء الصالح، لترسو في خليج الطاولة[3] (Table Bay قرب كيْب تاون في جنوب أفريقيا. الهدف، هذه المرّة، لم يكن تأسيسَ مستوطنةٍ كجايمس تاون، وإنّما بناءَ استراحةٍ للسفن الهولنديّة (وسفنِ شركة الهند الشرقيّة) في رحلتها الطويلة باتجاه قاعدتها الأساسيّة في باتافيا في جزيرة جاوة (أندونيسيا). لكنّ قائد الحملة، يان فان ريبيك، “لم يكن يَعْلم أنّه، بتنفيذه لأوامرِ تأسيسِ هذه الاستراحة، كان يؤسِّس في الحقيقة لمسارٍ تاريخيّ، سيقود، بعد تأسيس مدينة كيْب تاون تدريجيًّا، إلى الاستعمار الاستيطانيّ الأبيض في جنوب أفريقيا.”

لو كنتَ مؤرِّخًا يعيش في القرن السابع عشر، أو مجرّدَ شاهدٍ على أيٍّ من الحدثيْن، لما اعتبرتَ حينها أنّكَ تشهد حدثًا خاصًّا على الإطلاق؛ فالاختراقات الأوروبيّة لأفريقيا وآسيا والأميركتيْن كانت كثيرةً، وكان الأوروبيون يقومون خلالها بتجميع الثروات والعودةِ بها الى بلادهم (كما حدث في أميركا الجنوبيّة من قبل). لكنّ هذين الحدثيْن سيكونان مفصليّين في التاريخ الإنسانيّ، إنْ كنتَ تنظر إليهما اليومَ بأثرٍ رجعيّ، وخصوصًا إنْ كنتَ مهتمًّا بالاستعمار وعلمِ الاستعمار المقارِن. فقد كانت تلك أُولى المحاولات الأوروبيّة الناجحة لاستيطان أراضٍ غيرِ أوروبيّة ــ ــ وهو ما نعرِّفه اليوم بـ”الاستعمار الاستيطانيّ.” وكانت قد سبقتْها طبعًا، قبل استعمار “العالم الجديد،” الحملاتُ الصليبيّة، التي كانت التجربةَ الأوروبيّةَ الأولى للتمدّد خارج القارّة الأوروبيّة؛ لكنّها انتهت عام ١٢٩١ بالفشل في المعركة الفاصلة في عكا.


صورة لعائلة من قبيلة “الشيروكي” 

إنّ فهمَنا لهذيْن الحدثيْن يساعد على فهم تاريخ العالم بأسره، ولفهمنا أيضًا للاستعمار الاستيطانيّ الصهيونيّ لفلسطين. فقد كان استيطانُ شمال شرق الولايات المتحدة وجنوب جنوب أفريقيا ممكنًا بسبب تميّزهما بمناخٍ “معتدلٍ” كأوروبا ــ ــ على عكس المناطق الاستوائيّة التي استعمرها الأوروبيون لكنّهم لم يستطيعوا استيطانَها (لأسبابٍ بيئيّة أو ديمغرافيّة أو بسبب التنظيم الاجتماعيّ المحلّيّ)، فاكتفوْا بنهب بعض ثرواتها والعودةِ بها إلى أوطانهم. ولأنّ أميركا وجنوبَ افريقيا كانتا كذلك، فقد كانتا أفضلَ لصحّة المستوطنين، ولتكاثرِ حيواناتهم، ونموِّ نباتاتهم، من أوروبا ذاتها.[4] ومع ذلك، فإنّ تلك البلاد لم تتميّزْ بوفْرة المعادن ومصادر الطاقة السهلةِ الاستغلال أو النقل (إلى أوروبا حينها)، وإنّما تمثّلتْ ثروتُها الحقيقيّة في الأرض التي يُمكن زراعتُها والرعيُ فيها. ولهذا كانت الأرض هي قضيّةَ الصراع مع السكّان الأصليين هناك منذ اللحظة الأولى. وعليه، فقد بدأ المستوطنون البيض في التوسّع نحو الداخل. ومع نهاية القرن التاسع عشر كانوا يسيطرون على أغلب الأرض التي كانت مشاعًا بالإجمال.

هكذا يُشْبه نموذجُ أميركا الشماليّة الاستيطانيُّ نموذجَ جنوب إفريقيا من حيث السيطرة على الأرض، لكنّهما يختلفان من حيث العلاقة بالسكّان الأصليين. ففي حين حُصرتْ ملْكيّةُ الأرض في جنوب أفريقيا بالأقليّة البيضاء، عبر استدخال الملْكيّة الخاصّة بديلًا للمشاع السائد آنذاك؛ وفي حين جرى تحويلُ السكّان الأصليين إلى يدٍ عاملةٍ يُمكن استغلالُها؛ فإنّ الغزوَ الأبيض في أميركا الشماليّة شمل الأرضَ والعملَ معًا: فطُرد السكّانُ الأصليون من الاقتصاد أولًا، ثمّ من التاريخ. هكذا أسّس المستوطنون الأوروبيون لأبشع عمليّة إبادة في التاريخ ضدّ السكّان الأصليين.

والحقّ أنّ التشابه والاختلاف بين النماذج الاستيطانيّة المختلفة يجب أن يُشّكلا إحدى مرجعيّات فهمنا لعدوّنا الذي يستوطن فلسطين، ولجذور “قانون القوميّة” الصهيونيّ. وهذا ما سنتناوله هنا.

آخرُ يهوديّ وأوّلُ عبريّ

“لقد أصبحتُ اشتراكيًّا لأنّني أكرهُ الفقراء، وأصبحتُ عبريًّا لأنّني أكره اليهود”: هذا ما جاء في تدوينة المستوطِن الصهيونيّ، جوزيف، الشخصيّةِ الرئيسةِ في رواية آرثر كوستلر، لصوصٌ في الليل، ذاتَ أحدٍ من أيّار ١٩٣٩.[5]

هذه العبارة قد تكون أكثرَ عبارات الأدب الصهيونيّ كشفًا لجدليّة اليهوديّ/العبريّ التي صاغها أحاد هعام، الأبُ الروحيُّ للصهيونيّة الثقافيّة. الأهمّ أنّها قد تكون أكثرَ عبارات ذلك الأدب تكثيفًا وتفسيرًا لمعنى “نفي المنفى،” وهي المقولة الأساسيّة في الصهيونيّة الثقافيّة، التي تفسِّر مسارَ الاستعمار الصهيونيّ في فلسطين ــ ــ من تأسيس مستوطنة بتاح تكفا سنة ١٨٧٨، حتى قانون القوميّة في ١٨ تمّوز ٢٠١٨.

ففي هذه التدوينة، لا يَستخدم جوزيف، الذي ينتمي إلى جيلِ “الروّاد” و”الصباريين” بحسب الأدبيّات الصهيونيّة، كلمةَ Jew لوصف يهوديّ “الشتات،” بل كلمة Yid التي تنطوي على احتقارٍ كبيرٍ لنوعٍ من اليهود يتكلّم الييديّة (الييديش) ويقطن شرقَ أوروبا، وذلك حين يستخدمها الأوروبيُّ غيرُ اليهوديّ، أو حين استخدمها، لاحقًا، “اليهوديُّ الجديد” (الإسرائيليّ أو “العبريّ”) الناطقُ بالعبريّة. واحتقارُ “اليهوديّ الجديد” لذلك النوع من اليهود يُفسِّره، كما سنرى، سياقٌ ثقافيٌّ صهيونيٌّ استعماريٌّ متعدّدُ الطبقات وذو جذور اقتصاديّة ــ سياسيّة استعماريّة.[6] فالـYid هو نقيضُ اليهوديّ الجديد الذي كانت الصهيونيّةُ تعمل على بنائه ليكون بدايةَ سلسلةٍ جديدةٍ تقطع مع الماضي اليهوديّ في “الشتات.” لكنّ هذه العلاقة، بالذات، كما سنرى، هي التي ستحدِّد مصيرَ الفلسطينيّ، في سياق هذا المشروع، بالإبادة.

مستوطنة “بتاح تكفا”

في عبارةٍ واحدة، إذًا، يختصر كوستلر معنى المقولة الأساسيّة في الصهيونيّة الثقافيّة، “نفي المَنفى” (Negation of Exile)، التي تتضمّن آليّةَ محو الـYid، الآخر، ونقيضَ ما يجب أن يكون عليه العبريُّ أو اليهوديُّ الجديد. وفي تفصيلٍ أكبر لهذه الفكرة الصهيونيّة الجوهريّة، يسرد كوستلر مقارنةً بين المستوطنين “الروّاد” الذين أقاموا المستوطناتِ الأولى في فلسطين، وآبائهم الذين لم “يهاجروا” من أوروبا قطّ (أو اليهود الذين لم “يهاجروا” قطّ، ويمثّلون الماضي اليهوديَّ الذي تسعى الصهيونيّةُ إلى تجاوزه)، بطريقةٍ لا تترك مجالًا للشكّ في أنّ يهوديَّ الشتات، في الثقافة الصهيونيّة، ينبغي محوُه، على طريق خلق المستوطِن، ولتَكشفَ أيضًا المكانةَ الدونيّةَ التي احتلها “يهودُ الشتات” في المخيِّلة الصهيونيّة الجمعيّة:

“كان آباؤهم العِرقَ الأكثرَ كوزموبوليتيّةً على وجه الأرض؛ أمّا هم [الأبناء] فريفيّون وشوفينيّون. كان آباؤهم حِزَمًا من الأعصاب، ذوي أجسادٍ غريبة؛ وكانت أعصابُهم أوتارًا مفتولةً، وأجسادُهم أجسادَ قطيعٍ من طرزاناتٍ عبريّين يجوبون تلالَ الجليل. كان آباؤهم حادّين، مصمِّمين، عصبيّين، مليئين بالطعمِ والمذاق [البهارات]؛ أمّا هم، فبلا طعمٍ، ولا بهارات، بائتون، جلِفون. كان آباؤهم معروفين بتعدّد لغاتهم؛ أمّا هم فترعرعوا بلغةٍ واحدةٍ فقط، ظلّت في حالةِ سباتٍ طوال عشرين قرنًا، قبل أنْ يجري إحياؤها بشكل مصطنع” (ص ١٥٠ من رواية كوستلر).

لكنْ، بعد هذه المقارنة بمئة وأربع وعشرين صفحة، يرِد احتقارُ يهود “الشتات” بتفصيلٍ وشرح أكبر:

“قبل أن يموتَ أبي، مضى وقتٌ كان يأخذني فيه كلَّ يوم أحدٍ إلى أحياء البؤس. هناك تعلّمتُ أنّ الفقراء ليسوا الناسَ اللطيفين المتفوّقين كما يظهرون في الروايات الخياليّة، بل هم بائسون وأميّون وسكارى؛ نساؤهم شمطاوات، وأصواتُهنّ صاخبة، وأطفالُهم مليئون بالقمل. لهذا أصبحتُ اشتراكيًّا، لا لأنّني أحبّ الفقراءَ، بل لأنّني أكرهُهم. لقد كانوا نتاجَ ظروفهم، ولهذا وجب تغييرُ هذه الظروف.

“بعد هذه الحادثة، بدأتُ أتردّد على مَن بدأتُ أعتبرهم، منذ ذلك الوقت، شعبي. ومثلَ الفقراء، كانوا هم أيضًا مخيِّبين للآمال (…). كرهتُ طاقتَهم التحليليّةَ المُرّة، وعجزَهم عن التحرّر من التوتّر (…). كرهتُ انتقالَهم السريعَ من المجاملة إلى الألفة، ومزجَهم الغطرسةَ بالتذلّل. لقد كانوا العِرقَ البائسَ في هذا العالم: أحياؤهم البائسة كانت الغيتوات، أكانت جدرانُها مصنوعةً من الحجر أمْ من التمييز.

“إنّ الفصلَ المستمرّ يُعوِّق أكثرَ الأعراق صحّةً؛ فإذا واظبتَ على قذف الناس بالوحل، فستصبح رائحتُهم كريهة. والاضطهاد لم يتوقّف خلال القرون العشرين الماضية، ولا يوجد سببٌ يدفعنا إلى توقّع توقّفه في القرن الحادي والعشرين. لن يتوقّفَ الاضطهادُ حتى يُلغى سببُه، وهذا السببُ موجودٌ في نفوسنا. فمع كلّ النِعَم التي جلبناها إلى البشريّة، فإنّنا لسنا محبوبين، وأشتبهُ في أنّ السبب هو أنّنا غيرُ جديرين بالمحبّة. وإذا كان الفقراء على الصورة المؤمثَلة التي ترسمها الدعاية، فسيكون من الجريمة التدخّلُ في [إفساد] سعادتهم. وإذا كان اليهود كما يصفهم محبّو اليهود، فلن يكون هناك سببٌ لهذه العودة [إلى فلسطين]. لكنّ اليهود عِرقٌ مريض؛ ومرضُهم هو التشرُّد، ولا يمكن الشفاءُ منه إلّا بالقضاء على التشرّد…” (ص ٢٧٤ ــــ ٢٧٥).

ماذا يخبرنا “الأدبُ العبريّ” أيضًا عن جدليّة العبريّ واليهوديّ؟

لم يكن كوستلر الأديبَ الوحيدَ الملتزم ببناء “اليهوديّ الجديد،” ولا الأديبَ الوحيدَ الملتزم بالايديولوجيا “الصباريّة.”[7] فعبارتُه “أصبحتُ عبريًّا لأنّني أكرهُ اليهود” دليلُ عملِ كلِّ كاتبٍ ومثقّفٍ صهيونيّ حتى النكبة على الأقلّ؛ ذلك أنّ المستوطنين الذين جاءوا بعد النكبة هم، بحسب الثقافة الصهيونيّة، أقربُ، بصفاتهم، إلى يهود “الشتات،” لكونهم ــــ عكسَ “الروّاد” ــــ لم يختاروا القدومَ إلى فلسطين منذ البداية ولم يختاروا القتال و”التضحية.”

هناك، إذًا، إجماعٌ على تصوير الروّاد بالشجاعة، والوقاحة (forwardness)، والغرور، والقسوة ــ ــ وهي كلُّها، على ما يجادل إسحق لاؤور، تبدو “مشتقّةً تمامًا من صورة اليانكي الأميركيّ في الأدب الأميركيّ المبكّر.” وهذه الفكرة كان قد توسّع فيها، وفكّكَها، قبل لاؤور بسنين، المفكّرُ العربيّ منير العكش، في سلسلةِ كتبه عن الولايات المتحدة، وأصرّ فيها على أنّ التفسيرَ الاقتصاديّ ــ السياسيّ لفهم عمق علاقة الصهيونيّة الاستعماريّة بالإمبرياليّة الأميركيّة يبقى قاصرًا من دون أخذ متغيّر الثقافة أيضًا في الاعتبار.

والتماثل مع اليانكي الأميركيّ يظهر بوضوح في الأدب العبريّ بين العامين ١٩٤٠ و١٩٧٠، حتى ليبدو كلُّ “عبريٍّ” أشقرَ، بل أزرقَ العينين أيضًا (يظهر هذا التمثيلُ في أغلب كتابات عاموس عوز، مثلًا). لكنْ كان لتطوّر السينما لاحقًا، على ما يشير لاؤور، دورٌ في كبح استخدام هذه الصورة، إذ لا يوجد في الكيان الصهيونيّ ما يكفي من أصحاب الشقرة والعيون الزرق لأداء هذه الأدوار! اللافت أنّ جيلَ الأدباء ذاك، مثل موشيه شامير في روايته الشهيرة سارَ في الحقول، لم يتورّعْ عن إهانة الناجين من المحرقة النازيّة، لكونهم جزءًا من “يهود الشتات،” بل وصفهم بأبشع الألفاظ أيضًا.

وفي كلّ الحالات، لا يبدو اليهوديُّ الجديد نقيضًا ليهودي الشتات، أو للمستوطن الذي جاء بعد العام ١٩٤٨، فحسب، بل تبدو كلُّ مواصفاته مبرَّرةً جدًّا كذلك. فقسوتُه ووقاحتُه وشجاعتُه واستعدادُه للتضحية هي نتاجٌ لقسوة التاريخ اليهوديّ ذاته، الذي يعمل اليهوديُّ الجديدُ على الانقلاب عليه. هكذا نجد في مسرحيّة مروج النقب، لييغال موسنسون، قائدَ “كيبوتس” محاصَرًا من قِبل الجيش المصريّ في حرب ١٩٤٨، يطلب من ابنه عملَ المستحيل لاختراق الحصار. يُقتل الابنُ، ولا يتدخّل اللهُ لإنقاذه، كما أنقذ إسماعيلَ (بحسب الرواية الإسلاميّة)، أو إسحقَ (بحسب الرواية التوراتيّة). فكانت قساوةُ قلب الأب مثالًا على نوع اليهوديّ المطلوب لهذه المرحلة.

لكنّ المثالَ الأفضل، الذي يشير إليه لاؤور، هو سلسلةٌ كلاسيكيّةٌ من أدب المراهقين تسمّى هاسامبا (Hasamba)، كتبها أيضًا موسنسون، ويقرأها (أو قرأها) أغلبُ المراهقين في الكيان الصهيونيّ، وتتحدّث عن منظمةٍ سرّيّةٍ لشبابٍ يهودٍ في منطقة تل أبيب يحاربون الإنكليز (والعرب) والمجرمين، وترسم صورةً لما ينبغي أن يكون عليه اليهوديُّ الجديد من شجاعة وقسوةٍ واستعدادٍ للتضحية. وقد تحوّلتْ هذه السلسة، التي تذكِّر بما ذكره غرامشي عن سلسلة رواياتٍ أنتجها الفاشيّون في إيطاليا في سعيهم إلى الهيمنة، إلى سلسلةٍ تلفزيونيّةٍ مؤخّرًا بعنوان: هاسمبا ــــ الجيل الثالث.

إيديولوجيا الهولوكوست: ليذهبوا إلى الجحيم

يَعْرف الأميركيون عن الهولوكوست (المحرقة النازيّة) أكثرَ بكثيرٍ ممّا يعرفونه عن الحرب الأهليّة الأميركيّة (التي هي أهمُّ الأحداث، وأكثرُها دمويّةً، في التاريخ الأميركيّ)، سواءٌ من ناحية تاريخ الحدث أو تفاصيلِه أو عددِ قتلاه، على ما يجادل نورمان فنكلستين في صناعة الهولوكوست. وللدلالة على مكانة المحرقة في المخيّلة الجمعيّة الأميركيّة، يذكر فنكلستين أنّ المحرقة تكاد تكون:

“المرجعَ التاريخيّ والثقافيّ الوحيد، أو النموذجَ والمثلَ الوحيد، في كلّ الحياة الأميركيّة، الذي يعرفه كلُّ الطلبة جيّدًا في كلّ الصفوف الجامعيّة الأميركيّة، ويشكّل المرجعَ الوحيدَ الذي لا يحتاج إلى أيّ تفسير أو أيّ شرح كغيره. في الحقيقة، وكما تشير الاستطلاعات، يميل الأميركيون إلى التماثل مع الهولوكوست أكثرَ من تماثلهم مع بيرل هاربر نفسها.”[8]

لكنّ الأمر لم يكن كذلك على الدوام حتى حصول حرب ١٩٦٧، بحسب فنكلستين. فحتّى نهاية الستينيّات، كان عددُ الكتب المتخصّصة عن الهولوكوست أقلَّ من أصابع اليد. ولم تكن مادّةُ الهولوكوست تدرَّس إلّا في صفّ جامعيّ واحد في كلّ الجامعات الأميركيّة (يذكر فنكلستين أنّه حين كتبتْ حنا أرندت آيخمان في القدس عام ١٩٦٣، لم تستطع الاستفادةَ إلّا من مرجعيْن أكاديمييْن فقط عن المحرقة). أكثر من ذلك: كان همُّ القيادات والمنظّمات اليهوديّة في أميركا بعد الحرب العالميّة الثانية هو الانخراط في السياسة الخارجيّة الأميركيّة، التي كان عنوانُها الأساس “محاربةَ الشيوعيّة،” إلى درجة تأييد إعادة تسليح ألمانيا وغضِّ النظر عن التراجع الرسميّ الأميركيّ عن سياسة استئصال الميول النازيّة في ألمانيا (de-Nazified Germany)، بل العمل أيضًا على احتواء موجة معاداة ألمانيا بين اليهود (ص ١٤ ــــ ١٥).

هذا التحوّل الهائل في مكانة المحرقة في الحياة الأميركيّة عمومًا، وحياةِ اليهود الأميركيين خصوصًا، تفسِّره فكرةُ فنكلستين عن تحوّل الهولوكوست إلى “إيديولوجيا.”(ص ٣)[9] أمّا لدى المستوطنين الصهاينة في فلسطين، فلقد كان الأمرُ مختلفًا، على الرغم من حدوث انقلابٍ مشابهٍ في التعاطي مع الهولوكوست. فجذورُ الانقلاب في الكيان الصهيونيّ، من اللامبالاة والشماتة بما حلّ بيهود الشتات، يفسّرُها السياقُ الثقافيّ، أي الصهيونيّةُ الثقافيّة، ومشروعُ بناء اليهوديّ الجديد.

إنّ صورةَ يهود الشتات في المخيّلة الجمعيّة لمن استوطن فلسطينَ من يهود اوروبا (بسبب سعي الصهيونيّة إلى خلق اليهوديّ الجديد نقيضًا ليهوديّ الشتات، وبسبب هيمنة الإيديولوجيا الصباريّة) تفسِّر إلى حدٍّ بعيد ما رواه توم سيغيف عن مدى اللامبالاة الصهيونيّة (والشماتة) بما حلّ باليهود على يد النازيين.[10] فجريدة دافار، جريدةُ الهستدروت “الأكثر انتشارًا،” لم تنشرْ في ٣٠ حزيران ١٩٤٢خبرَ “مقتل مليون يهوديّ في أوروبا” إلّا مختصَرًا وفي صفحةٍ داخليّة. وهي تنصّلتْ من تقرير عن قتل يهودٍ في منشأة غاز بالقرب من قرية شيلمنو البولنديّة، وذلك بالإصرار على نَسبِه إلى مصدرٍ آخر (وكأنّ دافار لا تتبنّى القصّة!). وحين نشرتْ دافار لاحقًا “خبرَ مقتل نصف مليون يهوديّ في رومانيا” فإنّها “أتبعته بعلامة استفهام (؟)” وكأنها تشكّك في صحّته. وعدمُ النشر واللامبالاة لم يكن سببهما أنّ المعلومات عن مصير اليهود في أوروبا لم تكن متوفّرةً حينها؛ على العكس، فالأخبار عنهم، على ما يقول سيغيف، كانت تصل من الغرب “بشكل دائم ومن مصادر متعدّدة، ومن دون أيّ مصاعب تُذكر، وبلا تأخير، بالبريد أو التلغراف أو الهاتف. وكانت هناك أيضًا تقاريرُ من الدرجة الأولى، بعضُها من شهود عيان نجحوا في الهرب من البلاد المحتلة…” ومع أنّ “ما كان معروفًا في مناطقَ أخرى لم يكن معروفًا [كلّه] في فلسطين [بين المستوطنين]؛ وعلى الرغم من أنّ ما كان معروفًا لدى قادة الوكالة اليهوديّة لم يكن معروفًا [كلّه] مباشرةً للإعلام؛ فإنّ المعلومات المتراكمة والمتوفّرة لمحرّر صحيفةٍ يوميّةٍ في تل أبيب كانت كافيةً كي تُمكّنه من إبلاغ القرّاء أنّ النازيين كانوا يقتلون اليهودَ بشكل منهجيّ، وأنّ غرفَ الغاز كانت من ضمن الأساليب المستخدمة.” لكنّ الصحف عمومًا نشرتْ مثلَ هذه القصص عن اليهود، بجانب التقارير الرئيسة من جبهات الحرب، وكأنّها مجرّدُ زاويةٍ محليّةٍ للدراما الحقيقيّة؛ أي إنّهم تعاطوْا معها كجزء من قصص الحرب لا لأنّها تتناول يهودًا بشكل خاصّ.

أمّا صحيفة هآرتس، فأحدُ تقاريرها المُرعبة عن قتل اليهود في أوكرانيا نُشر في عمود صغير أسفلَ الصفحة الثانية، فيما تصدّر تلك الصفحةَ خبرُ فوز فريق كرة قدم يهوديّ في دمشق في إحدى المباريات! ويبدو أنّه “لولا عاملُ المنافسة بين الصحف،” كما يقَدِّر سيغيف، لما نَشرتْ أيٌّ من الصحف الصهيونيّة أخبارَ الهولوكوست على الإطلاق. (ص ٧٤)

أرضٌ بلا شعب: أين الفلسطينيّ؟

إنّ السياق الذي يفسِّر مقولة “أرض بلا شعب” هو عينُه سياقُ إنتاج “اليهوديّ الجديد” (مشروع الصهيونية الثقافيّة)؛ ومن هنا ضرورةُ السرد أعلاه عن جدليّة اليهوديّ/العبريّ. المقولة إذن، ليست مؤسَّسةً على جهلٍ بالجغرافيا والتاريخ، بل على فكرةٍ استعماريّة عنصريّة متأصّلة في المشروع الصهيونيّ، تنفي إنسانيّةَ الفلسطينيّ والعربيّ. ولأنّ تعريفَ الذات يقتضي تعريفَ الآخر، فإنّ التأسيس لبناء اليهوديّ الجديد نقيضًا ليهوديّ الشتات، وليس في وصفه نقيضًا للفلسطينيّ، هو الذي أسّس لإلغاء الفلسطينيّ وتفريغِ فلسطين من أيّ شعب.

لكنّ فلسطين لم تتحوّل الى “أرض بلا شعب،” الى “أرضٍ عذراء،” إلى “مَجاهل،” وإلى غير ذلك من المتَّكآت اللغويّة التي يَحفل بها الخطابُ الصهيونيّ، إلّا في سياقٍ استعماريّ استيطانيّ خاصّ. لهذا، لا يمكن فهمُ الصهيونيّة الثقافيّة، وإنكارِها للوجود العربيّ الفلسطينيّ ولإنسانيّته، في معزلٍ عن المشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ. وإدراكُ طبيعة الاستعمار الصهيونيّ مهمّ ليس فقط لفهم “قانون القوميّة،” بل لصياغة استراتيجيّة مُقاومةٍ مناسبةٍ أيضًا.

لقد ميّز ديفيد فيلدهاوس[11] بين نوعين من الاستعمار: استيطانيّ وميتروبوليّ. الأوّل يتضمّن سيطرةَ مجموعة كبيرة من المستوطنين الأوروبيين على أرض غير أوروبيّة، وإقامةَ مجتمعٍ يشبه وطنَهم الأوروبيَّ الأصليّ. والثاني يُعنى بالسيطرة الإداريّة والعسكريّة والاقتصاديّة على منطقة استراتيجيّة للسيطرة على الفائض، بدلًا من أن يكون معنيًّا بالسيطرة على الأرض والعمل. ولاحقًا، ميّز جورج فريدريكسون[12] بين مختلف أنواع الاستعمار الاستيطانيّ، خصوصًا في دراسته المقارنة بين استيطان أميركا وجنوب إفريقيا. ومنذ ذلك الوقت تسارع تطوّرُ علم الاستعمار المقارِن كحقل معرفيّ مستقل.

وتُميِّز أدبيّاتُ الاستعمار المقارن، أيضًا، بين ثلاثة أنواع من الاستعمار الاستيطانيّ: المستوطَنة المختلطة، والمستوطَنة الزراعيّة، والمستوطَنة النقيّة أو الصافية. ما يميِّز النوعيْن الأوليْن هو استيطانُ الأرض، واستغلالُ اليد العاملة المحليّة (في حالة المستوطنة المختلطة) أو استيرادُ اليد العاملة (في حالة المستوطَنة الزراعيّة). وحدها المستوطنة الاستعماريّة النقيّة/الصافية، كحال الكيان الصهيونيّ، تستوطن الأرضَ والعملَ معًا. وبالتالي فإنّ بنيتها تتضمّن رفضًا لوجود السكّان الأصليين بطردهم من الحياة الاقتصاديّة، بل من مجال الأيدي العاملة (التي يمكن استغلالُها). ومن يُطْرَد من الاقتصاد يُطْرَد من التاريخ.[13] ومشروع الإبادة، هذا، بدأ بشكلٍ منهجيّ مع الموجة الثانية من الاستيطان (١٩٠٤ ــــ ١٩١٤)، التي شَملتْ أهمَّ القيادات الصهيونيّة على الإطلاق (بن غوريون، إسحاق بن زفي، بيرل كاتسنيلسون، إسحاق تابنكين)؛ وتجذّر لاحقًا في الموجة الثالثة (١٩١٩ ــــ ١٩٢٣)، التي كانت إحدى تبعات وعد بلفور، وضمّ بعضَ قيادات الكيان الأهمّ في المرحلة اللاحقة (غولدا مائير).[14]

مظاهرة في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري

خاتمة: إبادة لا أبرتهايد

في نصٍّ عن جنوب افريقيا، يذْكر ايمانويل والرشتاين أنّ التصنيف العرقيّ (racial taxonomy) في نظام التمييز العنصريّ في جنوب أفريقيا اشتمل على أربع فئات هي: الأوروبيون (البيض)، والهنود، والملوَّنون، والبانتو (الأفارقة). وتبعاتُ هذا التصنيف على الأفراد تضمّنتْ تمايزَ حقوقهم السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.[15]

في نظام الفصل العنصريّ هذا، يظهر بوضوح أنّ تعريفَ كلّ فئة، وتحديدَ حقوقها ومكانتها، مشروطان بتعريف الفئات الأخرى وتحديدِ حقوقها ومكانتها. لنقارنْ هذه الترتيبات القانونيّة، وتبعاتِها السياسيّةَ والاجتماعيّة، بفقرةٍ واحدةٍ فقط من “قانون القوميّة” الصهيونيّة (وهو قانون أساس، أيْ له مفعولُ قوّة الدستور في غياب أيّ دستور للكيان الصهيونيّ): “ممارسة حقّ تقرير المصير في دولة إسرائيل حصريّة للشعب اليهوديّ.”[16]

النتيجة: فلسطين ليست جنوب افريقيا. فالمشروع الصهيونيّ غيرُ قائم على نظام امتيازاتٍ لليهود على حساب العرب، ولا على أساس اللامساواة، بل ولا على أساس استغلال العرب كأيدٍ عاملة، كما كانت الحالُ بالنسبة إلى البيض في جنوب إفريقيا، وإنّما على إبادتهم. وفي الحقيقة، كان المستوطنون في فلسطين، أثناء فرض سياسة “عبرنة العمل” وسياسة شراء “البضائع اليهوديّة فقط،” يَدفعون ثلاثةَ أضعاف التكاليف من أجل استثناء اليد العاملة العربيّة وعدمِ شراء البضائع العربيّة. المشروع الصهيونيّ قائم، إذن، على إبادة العرب.

المقارنة مع جنوب أفريقيا مُغرية من الناحية الدعائيّة، بسبب الصورة البشعة التي يحملها العالمُ عن نظام الفصل العنصريّ الذي كان سائدًا هناك. لكنّها تصبح إشكاليّةً إذا اعتُمدتْ أساسًا لصياغة استراتيجيّات مقاومة. مثلًا، المقاطعة مهمّة جدًّا جدًّا جدًّا حتى ينقطع النفَس، لكنْ يجب أن لا تُفهم استراتيجيّةً للتحرير، بل تكتيكًا للمقاومة، لا يُغْني عن غيره من أساليبَ أثبتتْ فاعليّتَها.

بكلام آخر: ثمّة بالتأكيد أوجهُ شبهٍ بين تجربتيْ فلسطين وجنوب أفريقيا. بيْد أنّ الاستناد إلى التشابه في الفصل في السكن وطرقِ العبور والتعليم والصحّة وغيرها هو في الحقيقة انجذابٌ إلى القشور وإهمالٌ للجذور. فتبنّي سياسات الفصل (في سياق اقتصاديّ، سياسيّ، تاريخيّ، ثقافيّ مختلف) لا يغيّر من الأمر شيئًا. جنوب أفريقيا ليست فلسطين، على الرغم من الكثير من التشابه الظاهريّ.

بعد مصادقة الكنيست الصهيونيّ على “قانون القوميّة” بشكل خاصّ، قد نكون أقربَ إلى نموذج أميركا الشماليّة، الذي تأسّس على إبادة السكّان الأصليين (مع مراعاة الاختلاف مع هذا النموذج هنا أيضًا). لهذا قد يَصْلح لنا، أكثرَ من أيّ شيءٍ آخر، تبنّي شعار “تكومسة،” قائدِ مقاومةِ شعبِ شكتاو في أميركا الشماليّة: “إمّا أن نقاوم، أو ننتظر الإبادة.”

[1] Edward Said, Culture and Imperialism (London: Vintage, 1994), p. 84

[2] G. M. Fredrickson, White Supremacy: A Comparative Study in American and South African History (Oxford: Oxford University Press, 1981), p. 3 – 4

[3] في العام ١٥٠٣ وصل البحّار البرتغاليّ أنطونيو دو سالدانا إلى خليجٍ يبعد ٥٠ كيلومترًا عن رأس الرجاء الصالح. وبعد أن تسلّق الجبل المواجه، أطلق عليه اسم “جبل الطاولة” لأنه يشبه الطاولة. وأطلق على الخليج كذلك “خليج الطاولة.”

[4] (Alfred Crosby, Ecological Imperialism: The Biological Expansion of Europe, 900-1900 (Cambridge: Cambridge University Press, 2004

[5] Arthur Koestler, Thieves in the Night: Chronicle of an Experiment (London: Macmillan & Co, 1946), p. 275

[6] سمّيتُه في مكان آخر “الصهيونيّة الثقافيّة”:http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2010/1/21/الصهيونية-الثقافية

[7] Yitzhak Laor, The Myth of Liberal Zionism (NY: Verso, 2009), p. xxi

[8] Norman Finkelstein, The Holocaust Industry: Reflections on the Exploitation of Jewish Suffering (NY: Verso, 2003, 2nd ed), p. 3

وقد صدرتْ نسختُه العربيّة عن دار الآداب، بترجمة سماح إدريس وأيمن حنّا حدّاد.

[9] الإيديولوجيا هنا تُفهم كبنية، كما يراها لوي ألتوسير أو جاك لاكان (ما بعد فرويد)، لا مجرّد “وعي زائف” كما يراها ماركس.

[10] (Tom Segev, The Seventh Million: The Israelis and the Holocaust (NY: Henry Holt and Company, 1991

[11] D. K. Fieldhouse, Colonialism 1870–1945: An Introduction (London: St Martin’s

Press, 1981); Economics and Empire, 1830–1914 (London: Weidenfeld and Nicolson, 1973); The Colonial Empires: A Comparative Survey from the Eighteenth Century (NewYork: Weidenfeld and Nicolson, 1966)

[12] G. M. Fredrickson, ‘Colonialism and Racism,’ in The Arrogance of Race :Historical Perspectives on Slavery, Racism, and Social Inequality (Hanover: Wesleyan University Press, 1988), p. 216–35; White Supremacy: A Comparative Study in American and South African History (Oxford: Oxford University Press, 1981), p. 3-4

[13] Seif Da’na, “Israel’s Settler-Colonial Water Regime: The Second Contradiction of Zionism,” in: Holy Land Studies, 12.1, 2013, p. 43-70

[14] (Gershon Shafir, Land, Labor, and the Origins of the Israeli-Palestinian Conflict 1882-1914 (LA: University of California Press

[15]  Immanuel Wallerstein, “The Construction of Peoplehood: Racism, Nationalism, Ethnicity,” in: Etienne Balibar & Immanuel Wallerstein, Race, Nation, Class (NY: Verso, 1991), p. 71-85.

قد يعجبك ايضا