محمود عبّاس يتسوّل تأشيرة نيويورك: هكذا ينتهي «السلام»! / ريم رضا

ريم رضا ( الثلاثاء ) 18/9/2018 م …




عندما صرخ ياسر عرفات «لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي»، كان يتذكر أن في اليد الأخرى سلاحاً، أو بقية من سلاح، يمكن أن يقاتل بها حتى لو لمجرد الضغط وتحريك الأوراق. وعندما قرروا التخلص منه، حوصر الرجل وسمّم في مشهد يليق بعسكري سابق… لكن «النضال» الدبلوماسي الذي يقوده محمود عباس، و«جولات» المنابر الإقليمية والدولية، كان يكفيهما حرمانه تأشيرة دخول إلى نيويورك حيث من المقرر أن يلقي «خطاباً مهماً» في الأمم المتحدة، لتجعله واشنطن في صورة من يتسوّل «الفيزا»، بعدما طردت «سفيره» لديها، ولاحقت أبناء السفير لتخرجهم من حضانة للأطفال.

في مشهد سبق أن تعرض له رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات، عام 1988، يحاول رئيسها الحالي محمود عباس، منذ أيام، الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث من المقرر أن يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد في نيويورك. المشهد متشابه، لكن الظروف مختلفة، والأهم أن الرجلين مختلفان. فبينما كان عرفات قادراً على المساهمة في تحريك الانتفاضة، ليس لدى عباس أي وسيلة فعلية للضغط على إسرائيل أو الولايات المتحدة، إذ إن فكرة حل السلطة استبقتها واشنطن بإغلاق مقر «منظمة التحرير» ثم طرد السفير الفلسطيني هناك «من الفور» وإغلاق حسابات المنظمة المالية، لترسل رسالة وصلت فحواها كاملة إلى قاطن المقاطعة في رام الله. أما تل أبيب، فعملت على التجهيز لسيناريو يتمثل في شبكة سياسية وأمنية واقتصادية تضبط الوضع على شكل «كانتونات» في حال رحل عباس طوعاً أو كرهاً. وجلّ ما خرج به عقل الرجل الثمانيني في خيارات المواجهة هو فكرة «قلب الطاولة» عبر «قطع التمويل كاملاً عن غزة… كي تنفجر في وجه إسرائيل»!

بالعودة إلى «أزمة» التأشيرة، كان العمل منذ أشهر على قدم وساق من أجل مشاركة عباس في اجتماعات الجمعية العامة، إذ جرى الترويج لـ«خطاب مهم سيلقيه الرئيس في السابع والعشرين من الشهر الجاري»، بجانب حملة تحشيد ومناصرة تعتمد على «زيارات استباقية» إلى كل من فرنسا (يحط أبو مازن رحاله في باريس غداً الأربعاء)، وأيرلندا، وذلك لـ«حشد رأي عام مساند ضد صفقة القرن»، أو «صفعة القرن» كما يسميها. وبالنسبة إلى «جدول أعمال الرئيس» على هامش الاجتماعات في نيويورك، خاصة بعدما لم يؤدِّ التنازل الأخير (راجع العدد 3557 في 5 أيلول) إلى النجاح في تنسيق لقاء له مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإنه كان ينوي لقاء المدّعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودة، كي يفجر مفاجأته هناك، وهي مطالبتها بإعلان موعد بدء التحقيقات في جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي رفعت إلى المحكمة.

لكن، كي ينجح البرنامج، يحتاج أبو مازن إلى تأشيرة أميركية للوصول إلى نيويورك. تكشف مصادر مطلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن هناك عرقلة و«إهانة» أميركية لعباس والوفد المفترض أن يرافقه في الحصول على «فيزا» الدخول. ورغم أن هذه الخطوة «إجراء روتيني» يسير مع كل الدول وفق البروتوكولات المعمول بها، فهذه هي الزيارة الأولى لمسؤول فلسطيني بعد أن أُغلقت مقار بعثة المنظمة في واشنطن (راجع العدد 3562 في 11 أيلول).

    لاحقت السلطات الأميركية أطفال السفير الفلسطيني وأخرجتهم من حضانتهم

ولغاية كتابة التقرير، لم يحصل أبو مازن والوفد الفلسطيني على تأشيرات الدخول، بعدما كانوا قد أرسلوا جوازات السفر إلى المكتب القنصلي للسفارة الأميركية في تل أبيب. هذا المكتب (حيث كانت السفارة قبل نقلها) اعتذر وأبلغهم أنه لم يعد الجهة المعنية بعد التطورات الأخيرة، وأن السفارة في القدس المحتلة هي المخولة إعطاء التأشيرات، والأمر خاضع تحديداً للسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، لكن السلطة لم توافق على الاتصال بفريدمان (في ظل موقف عباس الرافض للتعامل معه بل المطالب بتغييره). جراء ذلك، نصح مكتب تل أبيب بإرسال الجوازات إلى السفارة الأميركية لدى عمّان، لكن الأخيرة لم ترد بعد.

مع ذلك، تتوقع المصادر أن عباس سيحصل على تأشيرة غالباً، خاصة أن هذا السيناريو سبق أن واجه الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو والفنزويلي الراحل هوغو شافيز، والرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، ومسؤولين آخرين في أعوام سابقة. وكان لافتاً في حالة عرفات أن الجمعية العامة قررت آنذاك نقل مناقشات قضية فلسطين إلى جنيف ليتمكن أبو عمار من إلقاء خطابه، رغم أن ما تحدث به كان يحوي موافقة على الشروط الأميركية، بل اعترف الرئيس الراحل ـــ رغم منعه من دخول الولايات المتحدة ـــ بإسرائيل (عبر شعار الدولتين)، ووافق على القرار 242 ونبذ «الإرهاب»، ليلقى ترحيباً من الجنرال فيرنون ولترز الذي حضر في سويسرا ممثلاً عن الولايات المتحدة خلال أعمال تلك الدورة.

ومن وجهة قانونية، تظهر دراسات عدة (إحداها صدرت عن جامعة ييل الأميركية) أن قراراً كهذا لا يتوافق مع الفقرة 80-357 من القانون العام، التي تنص على أن «السلطة التنفيذية ليس لها الحق في منع ضيوف الأمم المتحدة الذين يعتبرون خطراً على الأمن القومي من الدخول إلى الولايات المتحدة، ولكنه يمنحها الحق بتحديد حركتهم في نطاق مقر الأمم المتحدة وما حوله». وفي ظل أن عباس حصل على تأشيرات دخول سابقاً، فإن الهدف لا يتعدى سوى إذلاله، كما تقول المصادر نفسها، التي تتوقع كذلك أن يُحدّد عدد أفراد الوفد المرافق، وأن يكونوا من وزارة الخارجية التابعة للسلطة بعيداً عن «منظمة التحرير» لتأكيد المقاطعة الأميركية للفلسطينيين.

ملاحقة أطفال السفير

في شأن متصل، وبعدما أكد ممثّل بعثة المنظّمة لدى واشنطن، حسام زملط، إلغاء إقامته مع عائلته وتجميد حساباتهم المصرفية (راجع عدد أمس)، علمت «الأخبار» أن السلطات الأميركية توجهت إلى حضانة الأطفال التي يرتادها أطفال زملط، حيث سحبوا منها بالقوة، ثم طولب السفير بالمغادرة وعائلته فوراً وإغلاق الممثلية. أكثر من ذلك، تشير تلك المصادر إلى أن هناك مخاوف في أوساط السلطة من نقل وضع «منظمة التحرير» تدريجياً إلى ما قبل أوسلو، أي في دائرة المنظمات الإرهابية، خاصة أن الإدارة الأميركية لا تزال حتى اليوم تصنف فصائل وقيادات في المنظمة ضمن قوائم الإرهاب، رغم اتفاق التسوية.

ومن الجدير التذكير بأن السنوات اللاحقة لـ«أوسلو» شهدت إزالة بعض الأسماء، مثلما حدث مع «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» عندما توسط عرفات لدى الأميركيين من أجلهم. وهذا يعني أن الموضوع استنسابي، خاصة أن موضوع قوائم الإرهاب مرتبط بوزارة الخزانة الأميركية، والأمر هنا لا ينفصل عن عملية الضغط المنهجي، خاصة أن التزاوج بين السياسة والمال يتحكم في أسماء المنظمات والجمعيات والأفراد المدرجين على قوائم الإرهاب، فتصير وسيلة ابتزاز، بدليل الانتقائية في التعامل مع أولئك الإرهابيين وفق تجاوبهم مع السلطات الأميركية المختلفة، وزيادة فوق ذلك سياسات دونالد ترامب الموسومة بالابتزاز عموماً.

«هدم المعبد» على غزة

أبو مازن، الذي يقول مقربون حوله إنه في حالة استفزاز دائمة ويشعر بالوحدة والحصار والاستثناء، لا يجد أمامه حالياً سوى سياسة «هدم المعبد»، في ظل أنه ينوي خلال الأسابيع المقبلة قطع المخصصات المالية كلياً عن قطاع غزة، ووقف التحويلات الطبية، ووقف «سلطة النقد» هناك، وتبعاً لها حركة البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، في رسالة إلى المجتمع الدولي، وبالأخص مبعوث الأمم المتحدّة لـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف (قدّمت شكوى من السلطة بحقه في الأمم المتحدة)، والمصريين، وبالطبع حركة «حماس»، في مشهد يجعل فيه غزة تنفجر في وجه إسرائيل، وهو السيناريو الذي يحذر منه المحللون الإسرائيليون منذ أسابيع. والغريب أن عباس يمضي في هذا الاتجاه رغم أن القاهرة استجابت لمطالبه وأوقفت مباحثات التهدئة ووساطتها بين الفصائل والعدو الإسرائيلي.

قد يعجبك ايضا