عولمة – احتكار الأراضي الزراعية الخصبة في العالم

نتيجة بحث الصور عن العولمة الزراعية

الطاهر المعز ( تونس ) الإثنين 17/9/2018 م …

اشترت بعض أكبر الشركات الأجنبية من الولايات المتحدة وهولندا واليابان وبريطانيا وغيرها مزارع ومناطق زراعية شاسعة وغابات في عدد من مناطق العالم، مباشرة بعد الأزمة المالية، بفضل التيسير المالي (القُروض الرخيصة من المصارف المركزية في أمريكا وأوروبا) وانخفاض نسبة الفائدة، بهدف السيطرة على الإنتاج الزراعي والمُضاربة بقُوت الإنسانية، وتحقيق الأرباح الضخمة عبر عمليات المُضاربة، وتهجير السكان والفلاحين الفُقَراء، واستخدمت الشركات متعددة الجنسية شركات محلّية (تابعة لها في معظم الحالات) للإستحواذ على الأراضي عبر تزوير سندات الملكية، وإرشاء المُوظّفِين لتسجيل ملكية الأراضي المَنْهُوبة في السّجِلاّت الرّسْمِيّة، وتجنيد مجموعات الجريمة المنظمة لنشر الرعب بين السّكان الرافضين مغادرة أراضيهم.




استثمارات مُرْبِحَة باسم البحث العلمي:

جمَعت بعض المنظمات المُدافعة عن حقوق السكان الأصليين وصغار المُزارعين في أمريكا الجنوبية، شهادات عدد من المُتَضَرِّرِين من أساليب الشركات متعددة الجنسية للإستيلاء على أراضيهم ومورد رزقهم، منذ 1991، وتستخدم الشركات الكبرى أساليب الترهيب، بواسطة عصابات مسلحين يُطلقون النار على السكان ويحرقون مساكنهم (أكواخ في معظمها)، ونشرت بعض المنظمات وثائق وشهادات بعض المتضررين في البرازيل خلال  انعقاد المنتدى الإجتماعي العالمي في “بورتو أليغري”- بالبرازيل (كانون الثاني/يناير سنة 2001)…   

اكتشفت جمعيات الدفاع عن هؤلاء المُزارعين تَوَرُّط صناديق تحوُّط ومراكز بحث وجامعات في ترهيب السكان الأصليين والمُزارعين، وطَرْدِهم بهدف الإستيلاء على أراضيهم، ومن بينها جامعة “هارفارد” (أثْرَى مُؤَسّسة جامعية في العالم)، منذ بداية عقد تسعينات القرن العشرين، بالشراكة مع جامعات وشركات مَحَلِّيّة برازيلية، بذريعة تطوير البحوث العلمية وتحسين إنتاجية الأراضي الزراعية وغيرها من التّعِلاّت ذات الصّبْغَة العلمية، واستَوْلَتْ على مساحات شاسعة  في منطقة الشمال الشرقي للبرازيل، حيث الفلاحين الفُقراء، وتقدم بعض المزارعين المدعومين من قِبَلِ بعض الجَمْعِيّات بقضايا أمام القضاء البرازيلي، مُتّهِمَةً الجامعة المرموقة وشركاءها باستخدام الحيلة والتّزْوِير للاستيلاء على الأراضي وتشريد المُزارعين، والإشراف على إدارتها بواسطة طواقم من خارج الجامعة، وبلغت قيمة الممتلكات والعقارات التي استولت عليها شركة فرعية أنْشَأتها الجامعة تحت إسم “هارفارد مناجمنت”، حوالي 37 مليار دولارا، من خلال شراكات محلّية في مختلف أنحاء “البلدان النّامية”، ولكنها بقيت تحت سيطرتها الكاملة، واستثمرت جامعة “هارفارد” ما لا يقل عن مليار دولار في شراء الأراضي الزراعية خلال العقد 2008 – 2017، وفقا لتقرير أصدرته جمعية ( GRAIN ) بالشراكة مع شبكة العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان (ساو باولو – البرازيل)، منها أراضي مزروعة بكروم العنب في كاليفورنيا  ومراعي شاسعة ومزارع في نيوزيلندا، وحوالي 855 ألف هكتار من مزارع القطن وفول الصويا وقصب السكر في البرازيل وجنوب أفريقيا وأستراليا وروسيا وأوكرانيا… أما التَّعْلِيل الرسمي لجامعة “هارفارد” فيظهر من خلال نَشراتها الرّسمية التي تَدّعِي إن هذه الأراضي  تُشكّل ميدانًا للبحث العلمي، ودراسة سُبُل تحسين المُحيط والبيئة الإجتماعية وتحسين ظروف عَيْش المُزارعين وسُكّان الأرياف في مختلف المناطق الفِلاحية في العالم…

أما جامعة “كولومبيا” الأمريكية، فتستثمر أيضًا أموال الوقف الذي تمتلكه ( من تبرعات الشركات والأثرياء وقدماء الطلبة الذين ساعدتهم الجامعة على اكتساب أو تَضْخِيم ثرواتهم…) في الأُصُول والعقارات والموارد الطبيعية، بالشراكة مع صناديق التّحوُّط (التي  اشتهرت بالمُضاربة) في عدد من البلدان، ومن بينها نيوزيلندا وأوروغواي…

استثمارات رأسمالية باسم المحافظة على البيئة:

تَوَجَّهَ بعض الطُّلاّب والباحثين وخرِّيِجِي هذه الجامعات بالنّقد، لأن استثمارات الجامعات تتعارض مع القِيَم التي تَدّعي الدّفاع عنها، وتأثّر قيمة (سِعْر) أسهم الشركات التي تملكها أو تشترك الجامعات في ملكيتها بهذا النّقد، مما اضطرّها إلى  التخلي عن الأسهم في شركات الوقود الأحفوري  وفي ملكية السجون الخاصة (معظم السّجون في الولايات المتحدة هي سُجون خاصّة)، والشركات التي تتعامل مع الكيان الصّهيوني، وأطلقت هذه الجامعات حملة إشهارية عن استثماراتها (الوَهْمِيّة) في الطاقة النظيفة وفي مجال المحافظة على البيئة…

حققت استثمارات جامعة “هارفارد”، من عمليات المضاربة بالأراضي الزراعية، أرباحًا كبيرة، خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن الأرباح بدأت تتراجع منذ سنة 2013 في بعض المناطق و2015 في مناطق أُخْرَى، بسبب تعثّر بعض الأسواق المُسَمّاة “ناشئة”، ورغم التّراجع، بقيت هارفارد تُحَقٍّقُ أرباحا بقيمة ثلاثة مليارات دولارا سنويا، بمعدل ربح (أو فوائد) نسبته 4,4% سنويًّا، حتى سنة 2017، في قطاع الأراضي الزراعية واستغلال الخشب من الغابات في البرازيل، أي التّربّح من إزالة الأشجار من غابات “أمازون”، رِئَة العالم، وكذلك في بعض البلدان الإفريقية والآسيوية، باسم “الإستثمارات صديقة البيئة”، كما تَدّعي إعلاناتها الإشهارية…

لم تحترم جامعة “هارفارد” وشركاتها الفَرْعية (لإدارة الأموال والممتلكات ) رفات السكان الأصليين في أستراليا، حيث حَفَرَتْ قنوات لِرَي مزارعها (مزارع القُطْن) داخل مقبرة لدفن السكان الأصليين، وأقامت حواجز تمنع المواطنين من زيارة قُبُور المَوْتَى، كما تعلقت بها قضية بسبب الإعتداء والإستحواذ على أراضي السّكّان السود في إفريقيا الجنوبية، واشترت “هارفارد” عبر شركة إدارة أُصُول، وفي ولاية “باهيا” الشمالية الشرقية في البرازيل، شركة “كاراكول أغروبيكواريا” المدعومة من جامعة “هارفارد” مزرعة مساحتها 140 ألف هكتار، وأقامت عليها مشاريع بقيمة 87 مليون دولارا، وتستغلها منذ 2004، لكن احتجاجات السّكان والمزارعين الذين فقدوا أراضيهم (بمساندة من بعض المنظمات السياسية والنقابية والحقوقية المَحَلِّية) أجبرت المُدّعي العام للولاية على فتح ملف قضية، وصرح “إن ثُلُثَيْ مساحة العقار غير قابلة للبيع والتّصَرّف”، لأنه وقع تزييف عقود ملكيتها أثناء البيع، ولذلك نشر القضاء قضية ضد شركة  “كاراكول أغروبيكواريا”، بتهمة الإحتيال والتزييف وفساد عقد البيع، وكذا الشّأن بخصوص إحدى المزارع التي بيعت جزئياً في ولايةٍ مُجاورة، لشركة “غورديان بيوإنرجي” المدعومة من جامعة “هارفارد” أيضًا، والتي تَدّعي إن نشاطها يتمثل في “العمل على تطوير المزارع لإنتاج كل من المحاصيل والطاقة”، وسبق أن رفضت إحدى المحاكم البرازيلية (سنة 2018) دعوى ضد شركة “سوروتيفو أغروبكواريا” التي تُسَيْطر عليها جامعة “هارفارد” أيضًا، بشأن الإستحواذ على أراضي زراعية مساحتها 27 ألف هكتار، بمساعدة بعض مُوظّفِي الحكومة الإتحادية في البرازيل، وكانت ملكية جماعية لمجموعات من السّكان، لا يمتلك أفرادها عقود ملكية فردية، ولكن هذه المجموعات السكانية توارثت الأرض منذ قُرُون، وعمدت الشركات الأجنبية (بدعم من شركات محلية ومن موظفي الولاية والدولة) إلى تزوير عقود الملكية… عمدت جامعة هارفارد أيضًا إلى تأسيس شركة أمريكية، وأسست بدورها شركة برازيلية تُدْعَى “إنْسُولو أغْرُوإندوسْتْرِيال” للإستحواذ على مزارع شاسعة، وقُرى بأكملها، مما حَرَم السّكّان المحلِّيِّين من طريقة العيش، عبر النّشاط الزراعي والصيد وجمع العسل والنباتات الطبية على الهضاب والجبال، وهَجّرت الشركة المئات من مساكنهم، التي أقيمت مكانها المزارع الشاسعة التي تعمل بالآلات الزراعية، ولا تُشَغِّلُ سوى القليل من السكان المحليين في أسفل سُلّم الوظائف،

الجامعات، من شركات تعليم، إلى  شركات زراعية وصناعية متعددة الجنسية؟

أنشأت جامعة “هارفارد” شبكة من الشركات لشراء الأراضي والإستحواذ عليها، عبر كافة الطرق (التهديد والعُتف والطرد وتزوير الوثائق والإحتيال ورشْوة الموظفين الحكوميين…) في البرازيل وفي جميع أنحاء العالم نيابة عن الجامعة، التي خصصت حوالي 930 مليون دولارا لعملية شراء الأراضي سنة 2017 في مناطق عديدة من العالم (الولايات المتحدة والبرازيل وروسيا وأوكرانيا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا…)، واستخدمت أيضًا هياكل تجارية متنوعة للحصول على أراضي زراعية واسعة في البرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا وأوكرانيا ونيوزيلندا وأستراليا وغيرها، وزادت من الإهتمام بالأراضي الزراعية مباشرة بعد الأزمة المالية والإقتصادية (2007-2008 )، وبعد انهيار سوق العقارات في الولايات المتحدة.   

أنفق صندوق جامعة “هارفارد” الإستثماري حوالي مليار دولار للحصول على ما يقرب من 850 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، مما يجعل الجامعة واحدة من أكبر المستثمرين الزراعيين العالميين، ومن أكثرها انتشارًا في العالم، وقَضَت على الزراعات التقليدية، عبر نشر الزراعات المُكثّفة وعبر استخدام التجهيزات والآلات الحديثة، بهدف زيادة الإنتاج وإنتاجية الأرض وبالتالي زيادة الأرباح، وأسهمت في تسريح آلاف العُمال الزراعيين وصغار الفلاّحين، وفي تشريد السّكّان الفقراء وتهجيرهم من مساكنهم ومن قُراهم، باستخدام عصابات الجريمة المنظمة لتخويفهم وإرهابهم وتشريدهم بالعنف وبالتهديد، كما أسهمت في تدمير البيئة وتلويث الأرض والمُحيط ومصادر المياه، والقضاء على التّنوُّع البيولوجي، خُصُوصًا في البرازيل، حيث اشترى صندوق الإستثمار التابع ل”هارفارد” حوالي 300 ألف هكتارا (أكبر من مساحة دولة لكسمبورغ) في منطقة “سرّادو”، إحدى المناطق الأكثر تنوعًا بيولوجيّا في العالم، باحتوائها على المياه الوفيرة والأراضي الزراعية الخصبة وعلى السباسب (أو ما يُسمى في الجغرافيا “سافانا”) والمنطق الخضراء شبه الغابية والمراعي، وقضت الجامعة (مهد العلم ) بذلك على حياة المُجتمعات الأصلية، أو التقليدية، التي حافظت طوال قُرُون على التوازن البيئي، بين الطبيعة ومتطلبات الحياة البشرية… بعد شراء هذه الأراضي، بين سَنَتَيْ 2008 و 2016 ، أصبحت جامعة “هارفارد” أكبر شركة فِلاَحِيّة في العالم، ومن أكبر مالكي الأراضي الزراعية في البرازيل…

أصْدرت جمعيات محلية برازيلية وبعض منظمات المُجتمع المدني ومُنَظّمات حُقُوقِية تقريرًا مُفَصَّلاً عن استثمارات جامعة “هارفارد” المَشْبُوهة، ويدعو التقرير الطلاب وخرّيجي جامعة هارفارد وأعضاء هيئة التدريس للمطالبة بوقف استثمارات الصندوق (وهي أموال من الهبات وبعضها مخصص لتقديم مِنَح للطلاب المُحتاجين) في الأراضي الزراعية، وتعويض المُجتمعات المتضررة من هذه الإستثمارات، التي تمّ بعضها بالشراكة مع مقاولين بَنَوْا حَواجز تحيط بالقرى والأراضي المُصادَرَة (في منطقة “ميلانسياس” على سبيل المثال)، التي تحولت إلى مزارع صناعية ضخمة لفول الصويا، وأصبح سكان المنطقة يعانون من مشاكل صحية جديدة وأمراض غير معروفة في السّابق، ناجمة عن رش المُبيدات في البر والجو، فدمرت هذه المبيدات صحة الإنسان والحيوان والنبات والمحاصيل الزراعية لصغار المُزارعين، في مُحيط واسع، ولَوّثَتْ مصادر المياه، وأدىت عمليات الري المكثف وإزالة الأشجار والغابات إلى تجفيف الأنهار والينابيع العديدة التي كانت مصدَرًا لصيد الأسماك، وللرّي “المُعْتَدل” (حسب الحاجة) لبعض أنواع الزراعات، وكانت هذه المياه صالحة للشُّرْب، قبل تلويثها…

إن تشبيه الجامعة بشركة متعددة الجنسيات أو “عابرة للقارت” ليس اعتباطِيًّا، بل نتيجة فَحْصٍ لبعض التّقارير والدراسات وبعض النصوص التي نشرتها صُحف مُخْتصّة بشأن الهيكل التنظيمي المُعقّد والمعتّم والضّبابي، وهي ضبابِيّة مقصودة، لرَدْعِ مُحاولات فهم أو تَتَبُّع حركة أموال صناديق “هارفارد”، وأهمها “صندوق هبات الجامعة” الذي أسس مجموعتين كبيرتين، وأسّسَت كل مجموعة شركات أخرى تُشرف على شراء واستغلال الأراضي الزراعية في كل منطقة من العالم، وأدّى هذا التّعْقِيد التّنْظِيمي إلى صعوبة تأكيد ملكية الجامعة لقائمة الأراضي التي تمتلكها بالفعل، عبر شركاتها الفرعية العديدة، المعروفة والمَغْمُورة، مع الإشارة إن هيكل الاستثمار في الأراضي الزراعية (ومقره “بوسطن) التابع للجامعة، معفى من الضّرائب، وهو يُشْرِفُ على قرابة سبع شركات تابعة لجامعة “هارفارد”، مُخْتَصّة في الإستحواذ على الأراضي الزراعية ، بالإضافة إلى عدد من الشركات (التابعة للجامعة) المُسَجّلة في الملاذات الضّرِيبية، لتتمكن من تحويل الأموال من شركة إلى أخرى، دون محاسبة أو مُساءلة…

الجامعة تُدَمِّرُ البيئة والتّراث والثقافات المحلية:

يُفْتَرَضُ أن تحرص جامعة شهيرة مثل “هارفارد” على تراث الشعوب، وهو جزء من تاريخ وحضارة وتراث الإنسانية جمْعاء، لكن استثمارات هذه الجامعة، عبر هياكل تنظيمية ضبابية، تَعَمّدت تخريب المُجتمعات المحلية، والإعتداء على الأحياء والأموات في أستراليا وجنوب إفريقيا، ودمرت شركة تابعة لها مواقع الدفن للسكان الأصليين سنة 2015 في أستراليا، كما دمرت النباتات المحلية، على أراضي مَنْهوبة من أصحابها الذين أصبَحُوا محرومين (ممْنُوعين) من دُخولها، حتى لزيارة مقابرهم، في ولاية “نيو ساوث ويلز”، حيث دَمّرت الجامعة والشركات التابعة لها ما لا يقل عن 18 موقعًا تاريخيا وأثَرِيّا…

في جنوب إفريقيا احتالت إحدى الشركات الفَرْعِية لجامعة “هارفارد” على السكان الأصليين، واستولت على مناطق كان السكان يناضلون من أجل استرجاعها من المُسْتَوْطِنِين البيض، وحصل العمال الزراعيون السابقون السود (الأفارقة) وأُسَرُهم على حقوق استغلال هذه المزارع، كجزء من الإصلاح الزراعي (المُحْتشم جدًّا ) في جنوب إفريقيا بعد انتهاء حقبة الميز العنصري، كنظام حُكْم رسْمِي، لكن طالت إجراءات “التّسْوِيَة القانونية” لوضع هذه الأراضي، وبقي المواطنون الأصليون يستغلونها بدون عقد ملكية رسمي، وبدأت إحدى شركات “هارفارد” تحتال على المواطنين منذ 2011، وادّعت ملكية المَزارع، لكنها وقَّعَت عُقودًا مع الأُسَر لاستخدام الأرض ورعي المواشي، بشروط مُجْحِفَة تُيَسِّرُ سَلْب الأرض وطرد “المُخالِفِين” للشُّرُوط، بالإضافة إلى الضغوطات اليومية العديدة، ونظام العقوبات الذي يَصِلُ التّرْحيل، مع تَجَنّب اللجوء للترحيل الجماعي، لأن مُقاوَمَة الأُسَر أصبحت قَوِيّة، ورفضت جميعها مُقْتَرَحَ نقلها إلى أراضي أخرى سيئة النوعية وبعيدة عن الخدمات الأساسية، وقررت “هارفارد” التّخلُّص من الأرض وبيعها (وهي لا تملكها أصلاً) خوفًا من تَطَوّر النزاع وتداعياته على صورة الجامعة، التي يخوض ضدّها مُزارعُو منطقة “باسو روبلز” و”وادي كوياما ” في ولاية كاليفورنيا (الولايات المتحدة) صراعًا بسبب استحواذ الجامعة على مزارع كُروم، وعلى المياه، مما تسبب في مخاطر الجفاف ونقص المياه للسكان والمزارعين المحليين، الذين يتهمون جامعة “هارفارد” بالمناورة والإحتيال للسيطرة على كافة الموارد المائية المتبقية في المنطقة، واستفادت الجامعة وشركاتها من خبرة مستشاريها القانونيين لإنشاء شركات عقارات وشركات مياه تستفيد من المنح الحكومية (أي من ضرائب الأُجراء والمواطنين)، مع الضغط على السكان، وهم سليلو عائلات تعيش هناك منذ أكثر من قَرْنَيْن، وإغرائهم في نفس الوقت، لبيع بمبالغ تَفُوق سعر السّوق

خاتمة:

تحولت الأراضي الزراعية بعد أزمة 2008 إلى إحدى بدائل المُضاربين والمستثمرين والشركات، أي إلى “أُصُول” كما يُقال بلغة الأسواق المالية، في ظل تقلبات أسواق الأسهم، وباعت حكومات إفريقيا وبعض دول أمريكا الجنوبية وحتى أوروبا الشرقية (بما فيها روسيا وأوكرانيا)، وأستراليا، أراضي زراعية خصبة لشركات احتكارية عالمية، وباعت حكومات شرق إفريقيا (الحبشة وكينيا وموزمبيق…) ومدغشقر (نصف مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الجزيرة) ومالي، وجنوب إفريقيا، وغيرها مساحات كبيرة لزراعة منتجات مُعَدّة للتصدير وللإستهلاك الأوروبي والأمريكي…  

  أدّى استحواذ الشركات الأجنبية على أراضي دول فقيرة عديدة إلى نزوح سكان الريف إلى ضواحي المدن الكبرى أو الهجرة إلى دول أخرى، كما أدى الإستغلال الصناعي للأراضي الزراعية لإنتاج فول الصويا وقصب السكر وبعض أنواع الحبوب، والقُطْن، إلى تكثيف استخدام المبيدات السامة، مما أدى إلى تدمير البيئة والقضاء على بعض الكائنات الحية والنباتات، والتأثير على صحة الإنسان، عبر زيادة بعض الأعراض، مثل السعال والإغْماء وبعض أنواع آلام المعدة، وانخفاض ضغط الدم، بالإضافة إلى زيادة في حالات السرطان، بسبب التلوث الناجم عن رش المحاصيل بالمبيدات…  

إنها عملية شبيهة باستيلاء الكيان الصهيوني على أراضي فلسطين، مع فارق هام، وهو إن هذه الشركات تستهدف الربح المالي، ومشروعها ليس استيطانيًّا وإنما استغلالِيًّا، وسواء كان الإستيلاء على الأرض يهدف الإستثمار أو الإستيطان، فإن مقاومته لن تكون فَرْدِية، بل مُقاومة جماعية ومُنظّمة، أي لها برنامج يجعل من كل موضوع فَرْعِي أو جُزئي يَخدم مصلحة (أو يَصُبُّ في) البرنامج الإستراتيجي، لخلق تَراكُم نضالي يتحول إلى تراكم نَوْعِي، للتّحرُّر من الهيمنة ومن الإستغلال ومن الإضطهاد ومن الإستعمار بكافة أشكاله…  ** وردت معظم المعلومات في نشرات البنك العالمي (أيار 2018 وجمعية غراين” ( GRAIN ومقرها مدينة برشلونة بإسبانيا، وفي نشرة بلومببرغ بزنيس ويك  06 أيلول/سبتمبر 2018، بالإضافة إلى دراسة قصيرة باللغة الإنغليزية (ترجمة غير احترافية) بعنوان ( Harvard’s Foreign Farmland Investment Mess ) على موقع بلومبرغ. كوم .

قد يعجبك ايضا