ادلب ام المعارك السورية: تركيا اللاعب الابرز.. ودمشق عائدة بقوة الى الساحة العربية / حاتم رشيد




حاتم رشيد ( الجمعة ) 7/9/2018 م …

يحتشد الجيش العربي السوري شمال سوريا. محاصرا القوى المسلحة التي تحتل معظم محافظة ادلب وهي القوى الاكثر تطرفا وظلامية. ومثل معركة الجنوب السوري فان القرار السوري مقيد بتفاهمات دولية و اقليمية..

في معركة الجنوب رفعت الولايات المتحدة راية الانسحاب. واعلنت التخلي صراحة عن القوى المسلحة التي تقاتل ضد النظام ولمصلحة جهات معادية . فتبعها الاردن واسراىيل. بينما تقبلت السعودية الامر الواقع. وهذا ما ستفعله من جديد في ادلب.

في ادلب فان تركيا هي الحاضر الابرز. لذا فان الجهود الروسية تنصب على تحييد العامل التركي. وضمان انهاء المعركة بدون ازعاج يسببه الاتراك..

تتميز معركة إدلب بخصوصية فريدة في سياقات الحروب المفروضة على سوريا, ففي إدلب تجمع و احتشد أكبر عدد من العناصر الأكثر تطرفاً، فكل رافضي التسويات و المصالحات انتقلوا اليها  ليواصلوا حربهم. إنهم الأشد تعصباً و الأكثر مغالاة في تطرفهم ومعاداتهم لبلدهم سوريا.

إدلب بمثابة الصخرة الايديولوجية للتطرف الديني و الطائفي، لذا ستكون المعركة فيها الأكثر ضراوة في مواجهة من يعتبروا الموت متعتهم الروحية, وأمنيتهم الأغلى والأعز في طريقهم الى جنتهم الموعودة.

سيكون الجيش السوري بمواجهة جيش حقيقي محترف مدجج بالسلاح والحقد. وليس مجرد عصابات متناثرة ضعيفة التسليح. وهذا ما يفسر حشد آلاف الدبابات و العربات و المدافع على جبهات إدلب. معززة بدعم روسي جوي وصاروخي من البحر.

والمؤسف في هذه المعركة ضريبة الدم المتوقع أن يدفعها الجيش السوري, وبقدر ما تتعاون تركيا مع الروس بقدر ما تتقلص خسائر الجيش السوري.

تقع تركيا في قلب معركة إدلب, فهي الدولة التي سمحت و نظمت تسرب آلاف المقاتلين الأجانب .منهم المرتزقة .ومنهم المضللون. ومنهم المهوسون دينياً وطائفياً .ولدى تركيا المعلومات الدقيقة عن هؤلاء.

وتقف تركيا نفسها أمام معضلة التعامل مع هؤلاء من محترفي القتل.والمشبعين بروح جهادية معكوسة.وخياراتها الصعبة في هذا الإتجاه. من المرجح ان تترك أغلبهم يواجهون موتهم الحتمي. ويظل من المحتمل ادخار بعضهم لمهمات مستقبلية. وربما تستفيد تركيا من توسل دول كثيرة إليها بان لا تسمح بعبور هؤلاء الى الدول التي انطلقوا منها.

بعد فشل المراهنة التركية على ايجاد نظام متعاون بديل في سوريا, لم يعد امامها إلا التسليم بالأمر الواقع, متمثلاً في بقاء سوريا واحدة وبنفس نظامها السياسي. لذا فسوف تغلق حدودها أمام اللجوء .فلم يعد بوسعها توظيفه سياسياً فهذه ورقة استهلكت، كما لن تسمح بعبور جماعي للهاربين من المسلحين الى أراضيها. لكنها ستحاول جاهدة الحفاظ على أشلاء الجيش السوري الحر لمساومة و مقايضة الدولة السورية والبقاء في اللعبة.فلم تتخل تركيا بعد عن طموحها بالمشاركة برسم مستقبل سوريا.لذا فان ورقة الجيش الحر لم تزل عزيزة عليها.

إن حاجة تركيا لروسيا تتزايد باضطراد و بمعنى استراتيجي ببعد اقتصادي وببعد عسكري ليس أقله حاجتها لإنجاز صفقة الصواريخ المضادة للطائرات.

ويكتسب التعاون مع روسيا أهمية راهنة وبعيدة المدى بمواجهة أزمة متصاعدة في العلاقات التركية الأمريكية. التي وصلت الى مستوى عال من التوتر الى حد ان القادة الاتراك اصبحوا أقرب الى تيار أوروبي متنام يميل لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية عن واشنطن وبما يوحي بسمات عالم جديد تضعف وتتراخى فيه قبضة واشنطن على حلفائها.

ان واقع العلاقات التركية الروسية يصب الان في مصلحة الدولة السورية, وسيكون مغريا لتركيا غض الطرف عن تحرير ادلب.

إن تحرير و استرجاع إدلب الى سيادة الدولة السورية بات محسوماً ولا يتعدى الأمر هامشاً زمنياً محدوداً, وباسترجاع إدلب فإن الدولة السورية تكون قد حسمت لصالحها الصراع والحرب المفروضة عليها، ليتبقى أمامها مخلفات الحرب متمثلة بالوجود التركي في بعض المدن السورية الحدودية. وتصفية التمرد الكردي المرتبط بالولايات المتحدة. ويبدو أن القيادات الكردية باتت أقرب للاتفاق مع دولتها السورية.

أما الوجود العسكري الأمريكي خاصة في منطقة التنف فيظل تحدياً يحتاج لجهد أكبر وقد يتطلب تعاون روسي تركي سوري كردي لطرده من سوريا. خاصة اذا واصل الأمريكيون تبني المطالب الإسرائيلية التي تريد مقايضة الرحيل الأمريكي من سوريا برحيل ايراني موازي من سوريا. وهو أمر أصبح أكثر تعقيداً باتفاق ايراني سوري يرسخ الحضور الايراني في سوريا.

كما ان غياب استراتيجية أمريكية في سوريا جعل الاستراتيجية الإسرائيلية بديلاً جاهزاً يتبناه الأمريكي بلهفة من يعشق ولده المدلل. وهذا ما يجعل التعامل مع الوجود الامريكي اكثر صعوبة. ومع استنفاذ معظم الفرص المتاحة للامريكيين في سوريا فان ادلب تكتسب اهمية خاصة لكونها من الفرص الاخيرة المتاحة, فقد تسارع امريكا للتحرش بطريقة او باخرى بغرض اثبات الوجود. والابقاء على وسائل التاثير على مستقبل سوريا بعد انقشاع غبار الحرب, ومع ذلك فمسار الحرب تقرر لغير رجعة باتجاه استرجاع الدولة السورية لسيادتها على اراضيها, ولموقعها القيادي في العالم العربي.

قد يعجبك ايضا