الغزو الفقهي .. فتاوى تضليلية / عبد الحفيظ ابو قاعود

*عبدالحفيظ سليمان ابو قاعود* ( الأردن ) الإثنين 3/9/2018 م …




* صحافي ومحلل سياسي / رئيس تحرير ” الأردن العربي ”

احكام وقواعد الاسلام ألحنيف ثبتت المسائل ألرئيسية في العلاقات بين الناس والمجتمعات، وتركت التفاصيل للحياة ومرجعتيها البشرية من خلال الإنجاز الحضاري الإنساني ألمتراكم للأمم والشعوب في انسجام تام لحفظ التوازن بين قواعد الدين والدنيا للقيام بأعمار الارض وفق منهجية الإستخلاف الالهي للإنسان ” التراكم الحضاري الانساني للتعمير .

فالمرجعية البشرية ، قد تتحكم بسلوك الانسان السياسي اليومي ، لكنها في الوقت ذاته تتأثر بهذا السلوك في ظل تفشي الفساد والفقر والاستبداد والدماء التي تسيل يوميا في أرجاء المعمورة ،والسلوك الانساني ؛ تتلاعب به فتاوى دينية ،واخرى منسوبة للدين، تتحكم في أتناجها مطامع خاصة للفئات والنخب السياسية في تسخير الفتاوى لخدمة السياسة وأغراضها ،التي قد تتعارض مع أحكام المرجعية الالهية في تحقيق مقاصد الشريعة.

ومن هنا يغالطنا بعض الأخوة حين نتحاور معهم حول الدين والسياسة خاصة عندما يطلب أليهم عدم الخلط بين ما هو ديني بحت، كمرجعية ألهيه وبين ما هو سياسي دنيوي كمرجعية بشرية. فلربما تكون العلاقة بينهما عضوية أو أساسية ،بحيث يتوجب أن تنسجم المرجعية البشرية في الشأن السياسي الدنيوي مع أحكام المرجعية الالهية ،لكننا نبني ما نقول على تمنيات الأمام الراحل الشيخ الشعراوي، فقد قال يوما أتمنى ان يصل الدين الى أهل السياسة ولا يصل أهل الدين الى السياسة، لانهم إن كانوا أهل دين فلا جدارة لهم بالسياسة.

من هنا ؛ فالذي نقوله ،هو ؛ اهمية بيان ما هو ديني بحت وما هو سياسي دنيوي، فما نشهده اليوم من اختلاط ‘الحابل بالنابل’ يخيفنا أشد الخوف ، كيف لا، ونحن نسمع بعضا من العلماء الاجلاء يجأرون الى الملأ الاعلى ..   كفى فتاوى وكفى تضليل سواء بالخطب المنبرية وقنوات الفضاء المفتوح .

 فالإفتاء، هو؛ التوقيع عن الله تبارك وتعالى ولا يجوز لاحد كائنا ما كان، أن يفتي بأمر لا يعرف مالاته على الحضارة والانسان والمقدرات الاقتصادية والمالية . والدليل ماثل أمامنا في بضع دول عربية تشهد ساحاتها القتل الأعمى والدمار الفادح الممنهج ، نتيجة لفوضى الفتاوى، ونتيجة لتورط دول وحكومات شتى ،في تسخير الفتاوى لخدمة السياسات والمشاريع المتواطئة مع الاجنبي، ويضاف الى التقتيل والدمار خطر تقسيم المقسم، وتفتيت المفتت  والاقتتال بين الاخوة الاعداء في العديد من الساحات في البلاد العربية.  والاسلامية .

نقول للبعض من الأخوة الذي يغالطنا في دور الفتاوى في تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي ، لا يكفي المرء ان يكون عالما وفقيها وحكيما ، حتى مجتهدا في أمور الدين حتى يتصدر المجلس ويفتي في مسائل خطيره لا يعرف مآلاتها في تدمير الحضارة وهلاك البشر وتوقف عجلة النشاط ألاقتصادي .

ونقول ايضا هناك دول وحكومات لها سياسات معلنة وغير معلنة في الغرف السوداء المغلقة ،وأجهزة ومؤسسات أبحاث استراتيجية متخصصة في كل الشؤون، ولها اطماع ومصالح ولديها محترفون يقومون على رعاية مصالحها، ويلعبون في كل الدول سعيا لتحقيق مكاسب وأهداف لهم، وربما لغيرهم أيضا وفق مقتضيات محسوبة ،وهناك أجهزة في هذه الدول تواقف الشر وترسم له القنوات والسبل للتضليل عن الحقائق والمصالح الحيوية للامة والملة .

لقد استعان صناع القرار في الغرب المتصهين  بمئات الدراسات  والتوصيات التي تعدها مراكز الدراسات الاستراتيجية في العواصم العالمية حول القضايا والمشكلات الاقليمية والدولية والمحلية في ترتيب الاوضاع في البلاد العربية والاسلامية خدمة لمصالح الامبريالية الامريكية وقوى الاستكبار العالمي الحيوية في حين سخرت فتاوى علماء السلطان والحركات الدينية والاسلام السياسي في خدمة قوى الاستكبار العالمي ومصالحه الحيوية وإدامة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة ،والمنافع المتبادلة بقصد او بدون قصد . لكن مخرجاتها كانت مدمرة وكارثية على الامة والملة .

وهنا نسأل والسؤال يشمل الجميع من يعرف كيف تفكر أو فيما تفكر هذه الدول للأخر، ومن في الاصل يثق بها وبسياساتها؟!!! .لكن الاجابة يجب أن لا تعمينا عن حقيقة دور هذه الدول في السيطرة والتحكم في الشعوب ونهب ثرواتها الطبيعية ، والبحث عن إمكانياتها وقدراتها البشرية ،وماذا باستطاعتها ان تفعل في تغيير الاتجاهات وبناء التحالفات الامنية المشبوه لتسخير الفتاوى لتحقيق أهداف تصب في نهاية المطاف في خدمة أعداء الامة والملة ؟!!! .

لقد تحقق للعدو الحقيقي للامة والملة الشيء الكثير جراء الحروب والدمار في الساحات العربية .. فنحن أمة تعيش في مرحلة تأريخيه من أسوأ مراحل تأريخها .. أنها مرحلة أنحطت فيها دول وجماعات ، ضلت طريقها وغابت عنها الحكمة؛ مرحلة ” نعيش لنأكل ونأكل لنعيش ” منذ سقوط بغداد الاول في العام 1258 . فكانت السبب الاساس لكل هذا الموت والدمار الكبير في  المثلث الحاكم  في البلاد العربية .. العراق ، سورية ومصر ، وبعضها مع الاسف يدعي أنه يمتلك الحقيقة وحده.

لذا نرى ونشاهد الحركات الدينية ،التي ظهرت في البلاد العربية في عصر الاستعمار الغربي ،التي تحالفت مع الانظمة ،واستولدتها اتفاقية سايكس – بيكو ، تم توظيفها في ضرب الحركات القومية واليسارية والعروبية والوطنية ، وخدمة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة، والمصالح الحيوية الامريكية في الشرق عبر الاذرع الاستخبارية الاقليمية بحجة التصدي الى” النظام الاشتراكي العالمي ” الاتحاد السوفيتي السابق في افغانستان ، واحتلال العراق وتدمير حضارته  والحرب الكونية من سورية وعلى سورية، واعلان ” دولة الدواعش ”  المزعومة  في العراق  نموذجا .

نجد ان هذه الحركات الدينية التي اصبح لها النفوذ السياسي والاجتماعي والاقتصادي ،ووصلت احزابها الى الحكم عبر صناديق الاقتراع بموافقة امريكية في البلاد العربية والاسلامية ،التي تقيم مصالحة مكشوفة مع إسرائيل ،وتعترف بيهودية الدولة العبرية ،ومنضوية في منظومة التحالف الامني الاقليمي .

اذرع واحزاب ” الاخوان ” في تركيا ومصر والاردن وتونس، و”الحركة الوهابية ” في نجد والحجاز وقطر؛ اصدرت الفتاوى التحريضية لتأجيج الفتن والصراع المذهبي والطائفي والاثني عبر وسائل الاتصال الجماهيري  وقنوات الفضاء المفتوح والخطب المنبرية خدمة للمشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة والمصالح الحيوية للغرب المتصهين.

 لابد من العودة الى البداية وما اصطلح على تسميته ب”الربيع العربي”، لنتذكر كيف ان “الناتو” أنبرى للقتال نيابة عن الشعوب معززا بالأعلام والفتاوى المضللة  المعروفة . ونسأل عن الحال في ليبيا اليوم ، أما في سورية والعراق فالصورة أوضح ولا نستثني مصر وغيرها..

وفي المحصلة والاستنتاج  ؛

الاستقرار في الدول الحديثة، لن يتحقق الا من خلال منظومة سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية، تتبنى المساواة التامة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية واللون والجنس حتى تستقيم حياة الافراد والمجتمعات في دولة مدنية ديمقراطية تتناوب مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية السلطة سلميا . لذا تبرز اهمية التركيز على ضرورة التمييز بين ما هو ديني بحت وما هو سياسي دنيوي وعدم الخلط بينهما.

– ان ما نشهده من تصرفات وسلوكيات لبعض “الجماعات” التي اصبحت تقود تيارات دينية وسياسية ، هو؛ خروج على واقع الاستقرار المتعارف عليه، مما سيتتبع إثارة خلافات وصراعات عميقة يمكن ان تتطور الى ما هو أسوأ من ذلك .

– التأكيد على أهمية ان تكون الأقوال والأفعال معا محسوبة حسابا صحيحا ودقيقا لكل من يريد ان يتخذ موقفا وقرارا تجاه أحداث المنطقة فحسب ، بل والاحداث السياسية والاجتماعية في العالم .وعدم الركون الى قنوات الفضاء المفتوح التضليلية في استقاء المعلومات منها عما يجري من الاحداث حول العالم للبناء عليها من مواقف واتجاهات دون تمحيصها والتدقيق فيها. فالحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها اخذ بها .لكن أمة اقرأ لا تقرأ. لان ما بني على خطأ او على معلومات غير صحيحة ودقيقة يكون مواقفه وقرارته مبنية على حسابات خاطئة ، تكون نتائجها كارثية مدمرة.

– ليس من  الضرورة  تفصيل المواقف عشوائيا وكيل الاتهامات جزافا وتحديد الكافر والمرتد والعدو والخائن، فهذه اولا ليست من صلاحيات البشر ؛ الافراد او الجماعات ، وثانيا انها الطريق الواسع الى الفوضى ومن ثم الاقتتال الأعمى و الدمار ألشامل.

– لمواجهة الغزو الفقهي وجوب تأسيس حوزات علمية دينية تابعة لاتحاد علماء بلاد الشام ، كمنظمة دينية مستقلة ماليا واداريا ،تتولى عملية التأهيل في علوم الدين والشريعة ؛ خطوة اولى لبناء اجيال من علماء الدين وتخريج الائمة والخطباء غير تابعين للأنظمة في اطار الاصلاح الديني  لايجاد مرجعية دينية للنسق السياسي ، والاشراف على المساجد واصدار الفتاوى الشرعية في امور الدين والدنيا .

– ان الغزو الفقهي ، هو؛  فتاوى تضليلية من “المشايخ “؛ اصحاب العمائم وعلماء السلطة والسلطان المرتبطين بالاجهزة الاستخبارية الاقليمية والعالمية،الذين لبسوا عباءة الدين بغير حق ،وبالاجرة الرخيصة “الوظيفة” المأجورة للقيام باصدار فتاوي الفتنة لتفتيت الاوطان وفتنة الشعوب لصالح قوى الاستكبار العالمي للتحكم بمصير الامم ونهب ثرواتها وحضر المعرفة العلمية عنها حتى لايكون لمفكريها وعلمائها دور بالحضارة الانسانية لتبقى في نهاية السلم الحضاري العالمي والتبعية والاستسلام وتحت الوصاية الاستعمارية ، لكن الايام دول بين الناس فسرعان عجلة الزمان تدور لتغيير الواقع والوقائع لاحداث ثقب في جدار الحضر العلمي التطبيقي ، الذي احدثته الثورة الاسلامية الايرانية بامتلاك الخيار الاسترتيجي الكاسر ” .

قد يعجبك ايضا