اليمن .. وغياب المشروع الوطني / احمد الشاوش

نتيجة بحث الصور عن احمد الشاوش

احمد الشاوش ( اليمن ) الخميس 30/8/2018 م …




كل الوقائع والمشاهد والمؤشرات على الارض تؤكد أن الاحداث السياسية والعسكرية في اليمن منذ ” طوفان” الربيع العربي الذي التهم شوارع ومدن اليمن تحت ايقاعات العدل و المساواة وشعارات الحرية والديمقراطية واسقاط النظام وهيكلة الجيش وأقلمة البلاد والعباد ، مروراً بالمبادرة الخليجية الملغمة واتفاقية السلم والشراكة المبرمجة والصراع الدامي والدمار المرعب الذي خلف آلاف القتلى والجرحى والمعوقين وملايين المشردين والنازحين والفقراء ، وحول مؤسسات الدولة المدنية ومصانع القطاع الخاص والمدارس والمستشفيات والمعالم الاثرية والمساجد الى اطلال منذ بدء عاصفة الحزم ، ومروراً بإعادة الامل ،وانتهاء بالسهم الذهبي ، تؤكد أن سيناريو الفوضى الخلاقة في اليمن انجز.

وفي تقديري أن تلك المعارك العبثية بين مراكز النفوذ والاحزاب الايدلوجية والتقدمية والمثقفين والاعلاميين وعلماء ومشايخ وقبائل مغامرين ، يفتقدون الى المشروع ” الوطني” والرؤية الصادقة والرشد السياسي بعد ان تحولوا الى ” أوصيا “على الوطن وتجار حروب ، نتيجة للإرث الثقافي التاريخي الفاسد والحقد السياسي الاعمى والخلل الاجتماعي الكبير والنزعات المذهبية الدخيلة والتعبئة الخاطئة وتراكمات الدولة الفاشلة ، وقبل هذا وذاك الافراط في ” التبعية” والاستقواء بالأجنبي للتهميش والانتقام من الاخر.

ورغم تلك المآسي أمل اليمانيون خيراً بعد تلك المبادرات العقيمة والقنابل الموقوتة وتنفسوا الصعداء بوصول هادي الى السلطة عبر التداول السلمي للسلطة ، وشراكة المؤتمر مع القوى السياسة الأخرى التي تزعمها ” الإصلاح” وقادها الشيخ حميد الأحمر لكن الشراكة حكم عليها بالفشل من اليوم الأول بفجور الطرفين ومغازلة كل منهما الثعلب القادم من كهوف صعدة “الحوثيين” ، لاسيما بعد ان تقمص حزب الإصلاح دور “الأنصار” ورحب بالحوثيين في خيام وساحة التغيير تحت زامل حيا بهم وآثر على نفسه وتقاسم مع الحوثيين الخبز والدجاج والرز والمظلومية والصرخات الثورية للانتقام من صالح ، في حين كان صالح يدعم الحوثيين في الخفاء للانتقام من خصمة الإصلاح ، ما اعطى الحوثيون فرصة نادرة للانقضاض على قيادات وكوادر حزب الإصلاح والانتقام منهم واسقاط قوتهم في عمران والفرقة الأولى مدرع بصنعاء والاطاحة بالدولة اليمنية والتهام صالح فيما بعد ، بعد ان فك الشراكة وشن عليهم الحرب في 2 ديسمبر، كل ذلك الانحطاط يحدث في غياب الرؤية الوطنية الصادقة والافلاس الأخلاقي والتجرد من العقل والحكمة والاتكاء على الرهانات الخارجية المفلسة التي حولت اليمن الى ساحة حرب للتصفيات المحلية والاقليمية والدولية .

والحقيقة المرة التي يجب ان تقال ان الحرب القذرة في اليمن هي نتاج لطغيان واستبداد مراكز النفوذ وتجار الحروب والثارات السياسية والقبلية والمذهبية والاحقاد التاريخية ، فالرئيس علي عبدالله صالح خاض الحرب ضد ” العدوان” السعودي بعد انقطاع شهر العسل مع الرياض ، بالشراكة مع جماعة الحوثي رغم قناعته بمشروعهم الخارج عن ثوابت الجمهورية اليمنية وثورة 26 سبتمبر وواقع البيئة اليمنية وفشلهم في إدارة الدولة ، وانما للثأر من السعودية وقبلها التنكيل بحزب الإصلاح ومعاقبة القوى السياسية الاخرى التي أسقطته ، و”حزب التجمع اليمني للإصلاح” ” الذي حرك طوفان الثورة في اليمن لا يؤمن بالديمقراطية والحرية والعلمنة والوطنية لان مشروعه عالمي ، وكانت علاقاته مع صالح أشبه بـ ” المتعة ” السياسية جعلت الحزب أكثر المستفيدين في السلطة والنفوذ والتجارة ، لكن نغمة التوريث ، وخلاف حميد الأحمر مع صالح ونجله احمد ، والارتباط بواشنطن دفعه للخروج الى الساحات وركوب الموجة ، وخاض معارك طاحنة دفعت قياداته منذ الوهلة الأولى الى الارتماء في أحضان السعودية وقطر وتركيا ، في حين سيطر “الحوثيون” على صنعاء وغيرها من مدن الامر الواقع وقدموا الاف القتلى والجرحى ضد السعودية وامريكا والامارات تحت ايقاعات العدوان وتحرير الوطن ، وتمكن انصار الله من الإطاحة بالسواد الأعظم من مراكز القوى العابثة والخونة والمرتزقة من الحرس القديم ، إلا ان تبعية ” الحوثيين ” لـ ” إيران ” ودعم “قطر” ومؤازرة “حزب الله” وأكليشة الموت لامريكا قد تخرجه عن المشروع الوطني لطموحاته الايدلوجية الاكبر من الوطن ، بينما نجد “حراس الجمهورية “بقيادة “طارق صالح” الذي قاتل الى جانب صفوف الحوثيين ضد التحالف السعودي ” فر “من صنعاء بعد مهاجمته وقتل عمه الزعيم صالح من قبل الحوثيين وخسارة المعركة قد أرتمي في أحضان “الامارات” والسعودية لقتال الحوثيين والثأر منهم لتصبح ” الوطنية ” مجرد ” مزايدة “وتصفية حسابات وربح لكل امراء الحروب وخسارة فادحة لليمن أرضاً وانساناً.

ويستمر مسلسل” الوطنية” الزائفة متنقلاً في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه وتنشط ثقافة الفيد بعد ان تم تدمير المؤسسة العسكرية والأمنية واسقاط الدولة ، وتوزيع ماتبقى من الجيش اليمني بين هادي والحوثيين والإصلاح والسلفيين والقاعدة والحراك بأطيافه وتنشط تجارة ” التوريث ” وتوريث التوريث على مستوى” الاسرة” والقرية و في السلك العسكري والأمني والدبلوماسي والسياسي والمناصب العلياء هنا وهناك بين كل الاطراف ، والصفقات التجارية وبيع الولاءات دون خجل .

وأغرب من الخيال ان تتحول مدينة تعز الحالمة والقلعة الثقافية وبوابة الحرية والديمقراطية الى بيئة للإرهاب تحتضن القاعدة والإصلاح والسلفيين واشتراكيين وناصريين وصعاليك وقطاع طرق ومؤتمرين وحوثيين ، تحت ايقاعات تحرير الوطن وتبادل الاتهامات وبث الرعب وتبني مشاريع رخيصة وحروب بالوكالة بثمن بخس.

ومازال البحث جارياً في الحديدة التي تعاني الامرين بعد ان ضربها ذوي القربى من الجو والبر والبحر دون رحمة وحولو كل شبر الى جحيم ، مدعين بإن تلك الطلعات والضربات برداً وسلاماً وثمناً للحرية رغم انتشار الجوع والفقر والعطش والمرض، في حين واصل الاخوة الأعداء الى حفر الخنادق وقطع المياه والاتصالات والكهرباء وتقطيع أوصالها وبلغت قلوب الأطفال والنساء والشيوخ الحناجر ، ويتطاير شرر نار الفوضى الخلاقة وتمزق الجوف وينشطر أبناؤها وتسلم دولة العرادة في ” مأرب” وتبكي البيضاء وإب.

ويتواصل مسلسل الرعب والمستقبل الغامض والفوضى العارمة في جنوب اليمن تحت ايقاعات الشرعية والوطنية ونزعات الانفصال ، وما الصراعات الدموية والتفجيرات والاغتيالات والسجون السرية في الحزام الأمني بمحافظة عدن والحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي والهبة الحضرمية و الشبواني والابيني والضالعي والمهري والسقطري ، إلا مكمل غذائي مسموم لسيناريو تدمير وتجزأه اليمن ، ولاندري أين سيضرب ذلك الاعصار ومن سيصمد وكيف سيتم احتوائه وتجاذبه وتقسيمة بين بريطانيا والسعودية والامارات وايران وقطر وامريكا ، نتيجة لهوى النفس وثقافة الثأر.

والحقيقة المرة ان المشروع الحقيقي والرابط المشترك الذي يجمع ماتبقى من القادة العسكريين والنُخب السياسية والمليشيات والمشايخ والقبائل تحولهم الى تجار حروب بالوكالة وقطاع طرق ومافيا متخصصه في الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والتخوين ، والعمل على استمرار الحرب لجني الأموال واستنزاف اليمنيين بعيداً عن الدستور والقانون ودولة المؤسسات ، في حين يحمل البسطاء من الجنود والمجاهدين والمواطنين الشرفاء قضية اليمن على عاتقهم بإيمان كبير ووطنية بلاحدود مقدمين دمائهم وأموالهم فداء للدفاع عن اليمن وسيادته بكل صدق بعد ان سطروا أروع الملاحم والتضحيات وانصع الصفحات والصمود الاسطوري الذي يشهد له العالم في مواجهة جيوش العالم.

ورغم ذلك التناقض الرهيب والمريب والمخجل ، سيظل الوطنيين الشرفاء في اليمن رافضين للخيانة والعمالة والتبعية والتآمر وطرق أبواق الفتنة والمشاريع الفاشلة ومغريات فنادق الرياض وابوظبي وشقق الدوحة واجنحة إسطنبول ولندن وواشنطن وباريس وطهران كالنجوم المضيئة في سماء اليمن من عسكريين وامنيين ومدنيين وكل الطيف السياسي وهم سر قوة وعزة اليمن رغم الجوع والعطش والفقر المدقع ، يدافعون عن حياض الوطن وينشدون التسامح والتعايش والسلام ويسعون الى إقامة علاقات إقليمية ودولية قائمة على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وأخير.. نأمل من جميع الطيف السياسي اليمني ، وحكومة الشرعية والامر الواقع بصنعاء وكافة المليشيات والحركات والقادة والعلماء والمثقفين والحكماء وخز الضمير واستحضار المسؤولية الاخلاقية والوطنية والدينية والنخوة العربية بفتح صفحة جديدة والذهاب الى كلمة سواء في مشاورات جنيف تخرج الجميع من النفق المظلم وتفتح أبواب السلام فهل من رجل رشيد؟

[email protected]

قد يعجبك ايضا