لا هدنة مع الاحتلال والمطلوب تحقيق المصالحة / د. فايز رشيد

 



د. فايز رشيد ( فلسطين ) الثلاثاء 14/8/2018 م …

بدلا من الانشغال بقضايا التهدئة, فليتم تحقيق المصالحة, هذه التي تأخرت سنوات طويلة, فلا مبرر مطلقا لبقاء الانقسام, الذي يغذيه العدو, وبخاصة في المرحلة الأبأس في التاريخين الفلسطيني والعربي, فالمرحلة رثّة ومهينة ورديئة, تقتضي ترتيب البيت الفلسطيني على القواسم المشتركة, والوصول إلى جبهة وطنية فلسطينية عريضة, وإلغاء اتفاقيات أوسلو الكارثية, وقطع التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني, وإصلاح مؤسسات م. ت. ف…خطأ كبير بل خطيئة إنسانية بكل المعاني الوطنية عقد هدنة مع مطلق احتلال, وبخاصة مع هذا الاحتلال السوبر فاشي, الاحتلال الاقتلاعي, الإحلالي السوبر عنصري الصهيوني, مقترف الفظاعات والموبقات والمذابح بحق شعبنا وأمتنا. هذا الاحتلال الذي يعتبر كل فلسطين التاريخية حقا إلهيا له, العدو الذي يتستر بعض قادته على أحلامهم الحقيقية, التي يجاهر بها الحاخامات والمؤسسة الدينية بشكل عام وأحزابه اليمينية الأكثر تطرفا, في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى, التي تمتد إلى ضفتي النيل والفرات! هذا العدو صاحب آخر احتلال قي التاريخ, الاحتلال الذي تعجز كل الكلمات القذرة في القاموس اللغوي العالمي عن وصف حقيقته الدنيئة والقميئة خبثا وتطرفا وأنانية وعدوانا وفاشية وعنصرية. ولأن كل خطوة سياسية يتوجب أن تقاس في سياقها الزمني والعوامل والظروف المحيطة بها وفقا للفلسفة, فإن الهدنة مع العدو الصهيوني تتماهى ـ شئنا أم أبينا ـ مع مخططات صفقة القرن الصهيو ـ أميركية الهادفة إلى فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة بشكل نهائي, وإيجاد أحد أشكال الحل للضفة الغربية, بشكل يضمن سيطرة الكيان الصهيوني عليها من الناحيتين الأمنية العسكرية, والسيادية. بعد الهدنة ستلي الخطوة التالية وهي استبدال ما يسمى بـ”السلام السياسي” بما يسمى بـ”السلام الاقتصادي”, والذي سيضمن مشاركة إسرائيلية في الإشراف على الميناء والمطار المنتظرين, والتدخل في نوعية البضائع الداخلة برا وبحرا وجوا إلى القطاع! بمعنى آخر, إنه احتلال ولكن بشكل جديد.
ليس صدفة, أن تستقبل دولة الكيان الصهيوني جملة الأفكار المطروحة من البعض العربي للتهدئة, بضرب ما يزيد عن مئة هدف في غزة, بما فيها مركز ثقافي إنساني! والتسبب باستشهاد عائلة وجرح العشرات من أبناء شعبنا, إنها طبيعة الصهيونية الإجرامية منشأ ومسارا ومآلا، طالما لم يتم اجتثاثها وتطهير أرضنا من جذورها! للتاريخ الجديد. هدف الاعتداء تمثل في رسائل عدة وجهها القادة الصهاينة إلى القائمين على الأوضاع في القطاع: الهدنة لن تعني عدم مهاجمة إسرائيل للقطاع. الهدنة لا تعني تحكم الفلسطينيين في القطاع, الهدنة لن تعني وقف قصف أهداف منتخبة في القطاع, إذا ما تم تطيير حتى الطائرات الورقية باتجاه المزارع على حدود القطاع مع المنطقة المحتلة عام 1948. الهدنة المعقودة بهذا الثمن يفهمها الكيان الصهيوني رضوخا لاشتراطاته, ومحطة لانطلاق قطار الحل التصفوي المعبّر عنه من خلال ما يسمى بـ”صفقة القرن”, التي ـ وإن تم تأجيل إعلانها أميركيا ـ فهي لن تغادر العقلين الصهيوني والأميركي. وستشهد المرحلة القريبة القادمة استنفارا أميركيا على البعض العربي, وممارسة ضغوطات عليه ليمارس الضغوط بدوره على ما يسمى حكومتين فلسطينيتين, وهما في واقعهما محتلتان, للتعامل إيجابا مع المراحل التي أصبحت بالفعل متدرجة, طويلة الأمد نوعا من صفقة القرن, الأهداف المتحدثة عن خطط تنموية اقتصادية, لكنها كما المغلفة بورق ذهبي, رغم أنها تحمل في جوفها أطنانا من الديناميت السريع الاشتعال.
إن القاعدة العامة لكل الشعوب المحتلة أرضها والمغتصبة إراداتها معروفة منذ حمورابي, مرورا بهنيبعل القائد القرطاجي العسكري الكبير(الذي درسته دولة الكيان الصهيوني وطبقت قواعده حتى العام الماضي) وصولا إلى حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد, التي أرسيت قواعدها النظرية في نهاية القرن قبل الماضي, وطبقت عمليا على طيلة خمسة عقود شكلت النصف الأول من القرن الماضي، ووصولا لجملة الرئيس الخالد عبدالناصر الذي قال عام 1968 “ما أخذ بالقوة, لا يُستردّ بغير القوة”, الحرب الشعبية أثبتت فعاليتها العملية في التعامل مع كل المستعمرين المغتصبين في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية, هذا في أحوال الأعداء المستعمرين العاديين, فما بالك بالعدو الاقتلاعي الإحلالي الفاشي العنصري الصهيوني؟ الذي تلزمه دزينة من المقاومات الفلسطينية والعربية مجتمعة! نعم بدلا من الهدنة معه, فإن المطلوب هو مواجهته عسكريا, ومقاومته بكل الوسائل المتاحة، وتوسيع دائرة الاشتباك معه. لقد علّمتنا تجربة الثائر القائد الشهيد محمد محمود الأسود(جيفارا غزة) قواعد الاشتباك مع العدو, فاستلهموها.
وبدلا من الانشغال بقضايا التهدئة, فليتم تحقيق المصالحة, هذه التي تأخرت سنوات طويلة, فلا مبرر مطلقا لبقاء الانقسام, الذي يغذيه العدو, وبخاصة في المرحلة الأبأس في التاريخين الفلسطيني والعربي, فالمرحلة رثّة ومهينة ورديئة, تقتضي ترتيب البيت الفلسطيني على القواسم المشتركة, والوصول إلى جبهة وطنية فلسطينية عريضة, وإلغاء اتفاقيات أوسلو الكارثية, وقطع التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني, وإصلاح مؤسسات م. ت. ف. وعقد مجلس وطني فلسطيني توحيدي جديد في مقر جامعة الدول العربية, بمشاركة كافة الفصائل والقوى الفلسطينية, والاستمرار في مسيرات العودة, والطلاق مع نهج المفاوضات, وقطع الصلات نهائيا مع العدو الصهيوني والولايات المتحدة, فهي كانت سابقا, وهي الآن, وستظل لاحقا ببغاء للكيان الصهيوني. ما نطرحه ليس مستحيل التحقيق إن توافرت الإرادة السياسية لدى طرفي الانقسام. ما قلناه يشكل مطلبا جماهيريا فلسطينيا ملحًّا, فهل من مستمعين؟

قد يعجبك ايضا