رحيل المفكر الماركسي المصري سمير أمين // الطاهر المعزّ

نتيجة بحث الصور عن المفكر سمير أمين

الإثنين 13/8/2018 م …




الأردن العربي – كتب الطاهر المعزّ …

توفي المفكر المصري سمير أمين في باريس (مَوْطن أُمِّهِ) يوم 12 آب/أغسطس 2018.

أهم إضافات سمير أمين للماركسية:

طَوّر سمير أمين مفاهيم عديدة تتعلق بالعلاقة بين الدول الرأسمالية المتطورة، أو الإستعمارية (بلدان “المَرْكَز”) والدول التي وقعت تحت الإستعمار والهيمنة الإمبريالية (بلدان “المُحيط”)، ومسألة “التّبَعِيّة” التي تُؤَدِّي إلى إلغاء مفهوم أو مُحْتَوى “الإستقلال” الذي يفقد معناه وقيمتَهُ في بلد يبْقَى “تَابِعًا” اقتصادِيًّا للقوة الإستعمارية أو لِقُوى أُخْرَى مُهَيْمِنَة، لأن حركات النضال من أجل “التحرر الوطني” والإستقلال كان بقيادة فئات “الأعْيان” أو البرجوازية “التّقْلِيدية” ويفتقر (النضال) إلى برنامج اقتصادي واجتماعي يُنادي بالعدالة الإجتماعية وبالديمقراطية والقَطْع مع الإستعمار العسكري والسياسي والإقتصادي، في مجتمعات يُشَكِّل القطاع الزراعي عمودها الفقري، وهي ما اصطُلِح على تسميتها ب”العالم الثّالث” أو البلدان “التابعة” أو “الأطراف” (المُحِيط)، مما يعِيد إحياء مفهوم الإمبريالية الغائب عن برامج ونقاشات اليسار الماركسي الأوروبي والأمريكي، والتّركيز على البُعْد الطبقي داخل كل بلد، وعلى البعد الإمبريالي و”العلاقات غير المُتَكافِئة” بين “المركز” الامبريالي و”المُحيط” في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وانتقلت طبيعة هذه العلاقات من الإستعمار العسكري المباشر إلى علاقات استغلال وهيمنة وتبعية جديدة، وبدل استخدام الجيُوش والسلاح، أصبحت الإمبريالية تستخدم أدوات أخرى أنشأتْها بنهاية الحرب العالمية الثانية، ومن بينها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي للإنشاء والتعمير الذي أصبح يُسَمّى اليوم “البنك العالمي”، وكذلك ما أصبح يسمى “منظمة التجارة العالمية”، وجميعها أدوات نهب ووصفها سمير أمين ب”تجمُّع قُطّاع طُرُق”…

شَكّلت هذه الإضافات مرجعًا للمناضلين الإشتراكيين والوطنيين في البلدان الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية، كما شكّلت مصدر إثراء لمناهضي العولمة الرأسمالية، وكان سمير أمين مُفَكِّرًا ومُدَرِّسًا جامعيا وموظفًا كبيرًا في برامج التنمية للأمم المتحدة ( مدير معهد الأمم المتحدة للتخطيط الاقتصادى  بداكار، عاصمة السنغال، لفترة عشر سنوات)، ولكنه بقي مُناضِلاً يعمل من أجل “تغيير العالم”، واهتم بمسار حركات التحرر الوطني وبالمسألة الفلاحية وبالمُجتمعات الإفريقية، وبنضالات شعوب جنوب شرقي آسيا، وأسس مراكز بحوث ودراسات ولقاءات وتجمعات في مالي وفي السنغال والكونغو، وغيرها، وحَلَّلَ ونَقَد الوضع الذي آلت إليه البلدان الواقعة تحت الهيمنة بعد مرحلة الإستعمار المُباشر، كما نَقَد بشدّة مفهوم “الحداثة” ومفهوم “التّنْمِية” بالشكل الذي رَوّجت له الشركات الإحتكارية والقوى الإمبريالية، بهدف تَبْرِير عملية النّهب المنظم والمَنْهَجِي لثروات دول إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، أو ما سُمِّي “العالم الثالث”، وهذه إحدى الإضافات الهامة لسمير أمين الذي اجتهد ليدرس نمط الإنتاج في هذه البلدان، بعلاقة بالتقسيم الدولي للعمل بين بلدان تُصَدّر المواد الخام وأخرى تُصدّر المواد المُصَنّعة، مما يخلق تبادلا غير متكافئ، كما درس عملية التراكم على الصعيد العالمي (مما قاده إلى إعادة دراسة قانون القيمة)، بدل الإكتفاء بدراستها في كل بلد على حِدَة، وأوصلته هذه الدراسات إلى طرح تساؤلات عن ماهية “الطبقة والأمة في التاريخ وفي المرحلة الامبريالية”، وقام بتحديث نظرية أزمات الرأسمالية في مرحلة الإمبريالية…  

دعا سمير أمين سنة 2006 إلى تأسيس “أُمَمِيّة خامسة”، وتَصَوَّرَها مُتجاوزة القوى الماركسية (أو ما تبقّى منها) والإنفتاح على حركات المقاومة الشعبية، من فلاحين وشعوب أصلية وأقليات وحركات المقاومة بكافة أشكالها…

تَذَبْذَبت مقولات سمير أمين بشأن المَسْلَة القومية، وتناقضت مقولاته أحيانًا لتصبح في بعض منها معادية للقومية العربية، استنادًا منه على التجارب الفاشلة (الناصرية والبعثية) بدل تناول المسألة من حيث المبدأ بقطع النّظر عن من ادّعى تطبيقها، وبدل تقديم بدائل لربط المسألة القومية في عصرنا بمناهضة الإمبريالية وببرنامج اقتصادي واجتماعي تقدّمي (وهو ما كان يطرحه سمير أمين خلال فترة سبعينيات القرن العشرين)، كما تداخلت مفاهيم مناهضة الفكر الظلامي ( للإخوان المسلمين وللمجموعات الإرهابية) مع مفاهيم “العلمانية” و”الحداثة” من وجهة نظر القوى الإمبريالية، وكان من نتائج هذا التداخل والتّضارب دَعْم سمير أمين للعدوان الفرنسي المسلح على مالي، بذريعة محاربة الإرهاب في منطقة الصّحْراء الكُبْرى، وسبق أن أرسلْتُ مَوقِفَهُ الواضح بالفرنسية إلى بعض الأصدقاء في حينه…   

لكن هذا النّقد لمواقف سمير أمين يبقى في إطار النقاش الفكري داخل التّيارات الإشتراكية والشيوعية (باستثناء التروتسكيين – في فرنسا على الأقل، حيث كان يعيش – الذين لا يعتبرونه مُفَكِّرًا ماركسيا أو اشتراكيا)، ولا ينقص هذا النقد من قيمة الأفكار الأساسية ولا من إضافات واجتهادات الراحل سمير أمين.   

قد يعجبك ايضا