تقرير هام جدا … باكستان، هوامش من الإنتخابات التشريعية ليوم 25/07/2018 / الطاهر المعزّ

نتيجة بحث الصور عن عمران خان ونواز شريف

الطاهر المعزّ* ( تونس ) الإثنين 7/8/2018 م …




*باحث سياسي وفي الإقتصاد السياسي …

بعد كشف ما عُرِف ب”أوراق بنما” سنة 2016 عن ممتلكات وحسابات مصرفية هامة لمُقَرّبين من رئيس حكومة باكستان آنذاك “نواز شريف” وخاصة تورط أبنائه الثلاثة وصهْره في تهريب الأموال إلى الخارج والتهرب من الضرائب وامتلاك أُصُول غير مُعْلَنَة، اغتنم خُصُومه الفرصة (بدعم من الجيش) للعمل على إزاحته، دون تقديم بديل “شَعْبِي” أو “تَقَدُّمِي”، وأصدرت المحكمة العُلْيا في باكستان خلال شهر تموز/يوليو 2017 أمرًا بعزل رئيس الحكومة “نواز شريف” من منصبه (بسبب الفساد وامتلاك أُصُول غير مُصَرّح بها)، ثم أعلنت المحكمة أيضًا في شباط/فبراير 2018 تجريد نواز شريف من منصبه كرئيس لحزب الرابطة الإسلامية الذي أسّسه، وسجنه لعشرة سنوات، وبغرامة مالية تقدر بعشرات ملايين دولارات لتورطه بالسرقة والفساد، ويُعْتَبَرُ قرار المحكمة ضرْبَة لنُفُوذ السعودية في باكستان، بعد خسارتها مواقع أخرى في ماليزيا، مع هزيمة نجيب عبد الرزّاق في الإنتخابات التشريعية الأخيرة…

أعلن زعيم “حركة الإنصاف” عمران خان – وهو لاعب كريكت سابق – عن فوز حركته في الانتخابات العامة بباكستان (التي جرت يوم الإربعاء 25 تموز/يوليو 2018)، على حساب حزب رئيس الوزراء السابق المعتقل نواز شريف الذي يمثل “الرابطة الإسلامية، وحصل حزب “حركة إنصاف” على 115 مقعدا، وهي أغلبية نسبية، لأن ما يُسَمّى “النّصاب القانوني” لتشكل الحكومة، أو “الأغلبية المُطْلَقَة” (أي 50% + 1 ) تتطلب الحصول على ما يقل عن 137 مقعدا، ولكن يمكن التحالف بين عدد من الأحزاب لتشكيل حكومة لها أغلبية برلمانية تَدْعَمُها…

ينحدر “عمران خان” الفائز في الإنتخابات من عائلة ميسورة، وكان أبوه مُهندسًا (عند ولادته سنة 1952) ودَرَس في جامعة “أكسفورد” ببريطانيا، وهي جامعة مرموقة، مُخَصَّصَة للأثرياء، وكان متزوجًا من “جميما” ابنة رجل الأعمال والسياسي (الصهيوني) البريطاني “جيمس غولد سميث” من 1995 إلى 2004، ولم يقدم برنامجًا بديلاً خلال الحملة الإنتخابية، واكتفى بتصريحات فضْفَاضَة عن “محاربة الفساد، وارجاع القرار السياسي في البلاد الى الحكومة بعد ان باعه” نواز شريف وحزبه  للسعودية ودول خليجية أخرى…”، وأعلن أيضا اعتزامه “تحسين قطاع التعليم والرعاية الصحية فضلاً عن تعزيز نظام جمع الضرائب والحد من الفساد في البلاد”، ووَجّه لَهُ خُصُومه اتهامات بأنه يستفيد من تدخل الجيش ضد منافسيه، وكان قد دخل الحياة السياسية سنة 1992 (بعد اعتزال رياضة الكريكت) وذلك عبر المنظمات “غير الحكومية” أو ما يُمكن إدراجُهُ في باب “العمل الخيري” (أو الإنساني) وأصبح يمتلك منظمات خيرية متعددة الجنسية تتجاوز حُدُود باكستان إلى منطقة جنوب آسيا، قبل تأسيس حزبه سنة 1995، ويجدر التذكير بدَعْم “عمران خان” للجنرال “برويز مُشَرّف” الذي افْتَكّ السّلطة سنة 1999، عبر انقلاب عسكري على حكومة سَلَفِهِ “نواز شريف”، كما واجه “عمران خان” اتهامات بالتساهل مع مجموعات إسلامية متطرفة، مما جعل خصومه يكَنُّنَهُ “طالبان خان”، وكان رَدُّهُ إنه “دعا لإجْراء محادثات سلام مع هذه الجماعات الإسلامية، بهدف وضع حدٍّ للصراعات في باكستان”…

تحالف “عُمران خان” مع عدد من السّياسيّين الذين يُطلق عليهم الباكستانيون إسم “المُنْتَخَبُون”، لأنهم انتهازيون ينتقلون من حزب إلى آخر لضمان فوزهم في الإنتخابات، عبر ثرواتهم التي تجتذب الأحزاب المتنافسة، كما تجتذب عددًا هامًّا من النّاخبين، وبَرَّرَ ذلك بالقول: “إن هؤلاء يعرفون فن خوض الانتخابات، فهم يُساعدوننا على الفوز بها، لكنهم لن يؤثروا على الموقف الأيديولوجي للحزب” (هل هم من الصّنف الذي “لا يُرِيد جزاءً ولا شُكُورً”؟)، كما تحالف الجيش معه بسبب رفض معظم قيادات الجيش الزّج بهم في حروب خارجية مثل اليمن، وفي صراعات داخلية أخرى…

تعيش البلاد مشاكل عديدة أهمها سوء حال البنية التحتية وعدم توفّر الطاقة وعدم قدرة عشرات الملايين على توفير الغذاء الكافي والدّواء، ولذلك فإن دَواعِي تَرْكِيز وعود “عمران خان” خلال الحملة الإنتخابيىة على تحسين الخدمات التعليمية والصحية، ودعم الفقراء والمزارعين وأصحاب المشاريع الصغيرة، وتحفيز الاستثمار والسياحة، تكمن في ارتفاع حِدّة هذه المشاكل، فقد أكّد “عمران خان: “إن خمسة وعشرين مليون طفل، من إجمالي 200 مليون نسمة، خارج المدرسة، ولدينا أعلى معدل لوفيات الأطفال في العالم”، ويعود نَشْر آخر تقرير حُكُومي (لجنة التخطيط الباكستانية) بشأن الفقر في البلاد إلى منتصف حزيران سنة 2016، وتعود الأرقام إلى سنة 2014، وأَظْهر التقرير آنذاك أن نحو 7,6 ملايين عائل أُسْرة يتقاضون أقل من 3030 روبيه شهريا (30 دولارا عند صدور التقرير)، أو ما يُعادل دولارا واحدًا في اليوم لكامل الأسرة ما يجعل 29,5% من السّكان تحت خط الفقْر المُدْقَع وحوالي 40% من الباكستانيين فقراء، على حدود خط الفقر، فيما لا يستطيع 51% من السّكّان توفير ما يحتاجونه من السلع والدواء والغذاء والخدمات، ويرتفع المُعدّل في المناطق الرّيفية، وإلى 70% لدى  سكان المناطق القبلية شمال غربي البلاد وفي محافظة بلوشستان جنوب البلاد، فيما ينخفض لدى سكان بعض المدن الكبرى مثل إسلام أباد ولاهور وكراتشي إلى حوالي 10% وفق البيانات الحكومية، لكن العديد من أحياء المدن الكبرى والمتوسطة تفتقر إلى البنية التحتية ومؤسسات التعليم والمراكز الصحية، وإلى مياه الشّرب والصرف الصحي، مما يُعَمِّق الفجوة الطبقية بين الأثرياء والفُقراء، مع استفحال قضايا  الفساد والسرقة، وتعتبر بعض المنظمات الدولية إن التقديرات الحكومية للفقر والإفتقار إلى ضرورات الحياة، دون الواقع بكثير…  أهم البيانات وردت في مواقع محطة “بي بي سيووكالاترويترز” و “فرنس برس” (أ.ف.ب) بين 25 و28/07/18

 

انطلقت التّهديدات الأمريكية مباشرة بعد صدور نتائج الإنتخابات، وهي لا تُمثِّلُ أي تهديد لمصالح أمريكا، باستثناء انخراط باكستان في البرنامج الصيني الطّمُوح “طريق الحرير الجديد”، وبدأت الشركات الصينية أشغال إنجاز مشاريع الطاقة وإنتاج الكهرباء وتوسيع ميناء “غوادار”، وبعد نشر أخبار عن احتمال لجُوء حكومة باكستان لاقتراض 12 مليار دولارا من صندوق النقد الدّولي، أطلق وزير الخارجية الأميركي (“مايك بومبيو”، رجل المُخابرات السابق) تحذيرات (أو تهديدات) عبر شبكة “سي إن بي سي”، من احتمال “استخدام أي برنامج إنقاذ مالي لغاية سداد ديون مستحقة لمصارف صينية” (بسبب العقوبات التي أقرّتها أمريكا ضد الصين)، لكن ناطقةً باسم صندوق النقد الدّوْلِي سارعت للرد: “نؤكد أن إدارة الصّندوق لم تَتَلَقَّ حتى الآن أي طلب لترتيب تمويل من باكستان وأننا لم نجر محادثات مع السلطات في شأن أي نوايا محتملة”، فيما صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية: “إن لصندوق النقد معايير وقواعد عمل خاصة عند التعاون مع الدول المعنية”… يعتمد احتمال طلب القرض من صندوق النقد الدولي على أزمة التّمويل، ونقص العملة الأجنبية ونقص السّيُولة، لتمويل مشاريع البُنْيَة التّحْتِيّة، ولذلك اقترضت الحكومة السابقة حوالي خمسة مليارات دولارا من الصين، لتمويل مشاريع بنية تحتية، كما سَعت الحكومة لاقتراض مليار دولار من أجل استقرار احتياطي النقد الأجنبي، ولكن الدولة ستعاني من عجز التمويل لفترة لا تقِلُّ عن خمس سنوات، مما يُشَكِّل مخاطر على استقرار الوضع في البلاد… عن صحيفةفايننشال تايمز” + رويترز 31/07/18

بعد إعلان فوز “عمران خان” في الإنتخابات التّشريعية، طلب وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) من صندوق النّقد الدّولي عدم الموافقة على أي قَرْضٍ قد تطْلُبُه باكستان بشكل طارئ، من أجل إنقاذ مالِيّتِها المُتَدَهْوِرَة، لأنه يعتبر “إن مثل هذه القُروض سَتَسْتَخْدَمُ لخدمة القروض الصينية”، مما يَعْنِي “إعلان حرب” اقتصادية ومَالِية ضد دولة كانت (ولا تزال) مَرْتَعًا للمخابرات الأمريكية، وقاعدة للإعتداء على البلدان المجاورة (إيران وأفغانستان)، مهما كان الحزب الحاكم (وهما حزبان “عائِلِيّان” أحدهما “حزب الشعب” وحلفاؤه، على ملك آل بوتو، والآخر “الرابطة الإسلامية” وحلفاؤها، ومنها مؤسسة الجيش، على ملك آل شريف، المُوالي للسعودية)، كما عبّرت معظم وسائل الإعلام الأمريكية عن موقف سَلْبِي من فوز “عمران خان”، فما هي أسباب انقلاب الموقف الأمريكي؟  

استخدمت الولايات المتحدة أراضي باكستان (خصوصًا في غرب البلاد) كقاعدة لتدريب “المُجاهدين” الذين أصبحوا يُسَمّوْن “القاعدة” أو “طالبان” أو “النّصرة”، ثم استهدفت الطائرات الأمريكية (الكلاسيكية أو الطائرات الآلية) مناطق شاسعة من البلاد لِقَنْصِ واغتيال المواطنين بذريعة “الحرب على الإرهاب” التي ذهبت ضحيتها أُسَرٌ بكاملها في مراسم فَرَح أو عَزاء، وأصبحت باكستان، وأفغانستان مُنْطَلَقًا للمجموعات الإرهابية التي توزعت في العراق وسوريا وليبيا والصحراء الكُبْرى، لتنشُرَ المَوْتَ في الأرض العربية والإفريقية، ولِتُهَدِّدَ منافسي وخُصُوم الولايات المتحدة (روسيا والصين) بنشر فيالق الإرهاب على حُدُودِها، أو حتى داخلها، بمساعدةٍ وتمويلٍ من السعودية التي تستَغِلُّ وجود أقلِّيات مُسْلِمَة، وبقيت هذه المناطق الباكستانية محرومة من الإستثمارات والبُنية التحتية، فيما تعاني كافة مناطق البلاد من الفَقْر ومن انقطاعات التيار الكهربائي ومن غياب الصرف الصحي ومختلف المرافق الضرورية…

عندما كانت أمريكا في حاجة لباكستان في حروبها العدوانية، منذ أكثر من أربعة عثقُود، وافق صندوق النقد الدّولي على أكثر من عشرة قُرُوض “إنقاذ” منذ 1980، ولكن البلاد سَدّدت ثمنًا باهضًا لتبعيتها لسياسات الولايات المتحدة التي حرمت باكستان من تطوير قطاع الطاقة، بسبب منعها من استيراد الغاز من إيران (على الحدود الغربية لباكستان)، بل عرقلت أمريكا مشروع مد خطوط أنابيب الغاز من إيران إلى ميناء “غوادار” الباكستاني… لجأت حكومة باكستان السابقة إلى القُرُوض الصينية، فيما كانت الصين تُنَفِّذُ مشروعها الضخم “طريق الحرير الجديد”، فالتَقَتْ مصالح البَلَدَيْن، واتفقت حكومتاهما على إنجاز مشاريع صينية بقيمة تفوق ستين مليار دولارا، وتُبَيِّنُ كافة المؤشِّرات إلى تعزيز هذا التّعاون، ليس مع الصين فقط، بل ومع إيران وروسيا أيضًا، حال تنصيب حكومة “عمران خان”، وهذا “مَرْبَط الفَرَس”، أي إن موقف وزير الخارجية الأمريكية (أي الحكومة)، وموقف وسائل الإعلام الأمريكية نابع من هذا التّحَوّل في سياسة باكستان، وخروجها من بوتقة الهيمنة الأمريكية والسعودية، ولو بِبُطْءٍ، ولو في اتجاه لن يكون تَقَدُّمِيًّا بالضّرُورَة، ولكنه مُؤَشِّرٌ على تغييرات “جيو- استراتيجية” هامة في آسيا وفي العالم… المعلومات عن “مركز الحوار العالمي” في “لاهور” – باكستان + “غارديان” + “بلومبرغ”  من 02 إلى 05/08/18

 

قد يعجبك ايضا