هل سيقود النزاع الامريكي الايراني الى (ام الحروب)؟ / د. عبد الحيّ زلوم




د. عبد الحي زلوم * ( الأردن ) الخميس 26/7/2018 م …

لم يكن سراً ان مخططات المحافظين الصهاينة الجدد في عهد الرئيس جورج دبليو بوش الذي جاء لتنفيذ مشروع (القرن الامريكي الجديد) والذي كان يدعو الى الاحادية والهيمنة الامريكية الكاملة الشاملة على العالم . وحيث أن السيطرة على اوراسيا كما يقول الجيواستراتيجي البريطاني ماكيندر هو ركن الاساس لاي امبراطورية عالمية وحيث أن  الوطن العربي و الاسلامي يكونان منتصف اوراسيا اصبحا مستهدفين لفرض الامبراطورية الامريكية عبر عولمتها وذراعها العسكري الطويل . فكان ان تم تسمية ايران والعراق وسوريا بمحور الشر ورفع المحافظون الجدد شعار من ليس معنا فهو ضدنا . بالاضافة الى الاستراتيجية الجغرافية والاقتصادية ومكامن النفط في هذه المنطقة فلقد تميزت تلك الدول الثلاث باستقلاليتها وكفايتها الاقتصادية وبالتالي سيادتها السياسية وهو امرٌ يخالف قاموس العولمة والهيمنة الامريكية .  لم تكن أي من الدول الثلاث مدينةً وخصوصاً لادوات الاستعمار الجديد كصندوق النقد الدولي .

بدأ استهداف ايران منذ بداية ثورتها الاسلامية وفُرض عليها كافة انواع الحصار وصمدت حتى تاريخه .

قام الاستعمار ووكلاءه بتشجيع العراق على ضرب الثورة الاسلامية الايرانية وهي في مهدها في حربٍ وصفها كسينجر بانها حرب يجب أن يكون بها خاسران . دخل العراق تلك الحرب وكان لديه فائضاً يعادل 40 مليار دولار سنة 1980 بينما كان انتاج النفط يتراوح ما بين 2.5- 3 مليون برميل يومياً . خرج العراق من تلك الحرب منهكاً ومديوناً بمئة مليار دولار وبمليون قتيل وجريح . وتمّ احتلال العراق سنة 2003 فأين العراق اليوم ؟ اصبح انتاجه من النفط يزيد عن 5 مليون برميل في اليوم واصبح مديوناً لصندوق النقد الدولي بــ 150 مليار دولار .أن نظام ما قبل الاحتلال الامريكي في العراق كان نظاماً شمولياً الا أنه وفر الغذاء و نظاماً صحياً وتعليمياً من افضل انظمة المنطقة على الاطلاق . كما وفر البنية التحتية الحديثة من خدمات وماء وكهرباء. اما اليوم فيتظاهر العراقيون مطالبين بأبسط حقوق الانسان بعملٍ يقيهم شر الجوع وماء يشربونه وكهرباء تقيهم شر حرارة 55 درجة مئوية وخدمات صحية غير متوفرة وكل ذلك في بلد دخله حوالي 400 مليون دولار في اليوم . فهل يعتقد ترامب والامريكان ان هذا هو النموذج الذي سيغري الجماهير الايرانية لتركض الى نعمة الاحتلال الامريكي ولو بالوكالة؟

أما سوريا فالبرغم من بعض مساوئ النظام وشموليته  الا ان الهجمة عليه كانت لاحسن ما فيه وليس لتقديم الديمقراطية الامريكية التي يَنعم بها حلفائهم بالمنطقة ! وبعد حوالي 7 سنوات تم خلالها تهجير نصف الشعب السوري الطيب وتقتيل حوالي 500 الف من البريئين  من السوريين وتجهيل اطفاله القابعين في مخيماتٍ لا تقيهم شر برد ولا  حر  فشل المخطط الامريكي في تغيير النظام لكنه نجح في تدمير البنية التحتية لذلك البلد وخسارته ما  يزيد عن 200 مليار دولار يحتاجه لاعادة الامور لما كانت عليه. والمؤسف أن الامبراطورية الامريكية قد تعلمت درسها من الاحتلال المباشر فجندت عبر وكلائها من المظللين في كافة انحاء الارض وبتمويل من بترودولارات مشيخات النفط.

دأب الاستعمار الامريكي بتخويف انظمة مشايخ النفط بأشباح وأوهام لامتصاص ما لديهم من ثروات . كان الشبح بداية هو صدام حسين فدفع هؤلاء الغالي والنفيس لتدميره ولتدمير العراق . اصبح الشبح بعده الجمهورية الاسلامية الايرانية .

اليوم اصبح اليمن ذلك البلد الابي الاصيل والفقير هو الشبح.

هل سيكون هناك حرباً ؟  لو تطورت الامور الى حرب فستكون هي فعلاً (ام الحروب ) . سيكون اكبر الخاسرين هم شيوخ النفط انفسهم . فمعسكرات الجيوش الامريكية التي اقيمت فوق حقول نفطهم ستكون هدفاً خلال اي حرب وهي ليست بحاجة الى صواريخ فهي على مرمى مدفعية ايران. وكذلك لن يجدوا ماء يشربونه لأن محطات التحلية ستكون هدفاً . أما بالنسبة الى الولايات المتحدة فالثمن سيكون اكبر بكثير مما تستطيع ان تتحمله عسكرياً واقتصادياً فمن الناحية الاقتصادية حتى لو تم تعطيل بعض حقول النفط في الدول التي تحتضن جيوشاً امريكية وحتى ولو بقي مضيق هرمز مفتوحاً سيرتفع سعر النفط الى ارقام فلكية سيكون الاقتصاد الامريكي اكبر المتضررين منها. ناهيك عن أن (الولاية الامريكية) المدللة دولة الاحتلال في فلسطين ستتحمل خسائر لا تستطيع تحملها فقد تعودت على حروب جيوش عربية لا تحارب وعلى حروب خارج اراضيها وهنا ستصبح الارض المحتلة هدفاً برياً وصاروخياً وليس من حزب الله فقط ولكن من المليشيات المساندة والتي تعد بعشرات الالاف من الدول الاخرى. انا لا اقلل من جبروت القوة العسكرية الامريكية ولا حتى قوة جيش الاحتلال في فلسطين لكن في ما عدا استعمال اسلحة نووية ففي اي مواجهة عسكرية ستكون الكلفة باهظة على الطرفين يمكن للطرف الايراني استيعابها ومن الصعب على الطرف الاخر تحملها.

كانت دول النفط  بالمشاركة مع اليابان والمانيا خصوصاً في تحمل نفقات حرب الخليج الاولى . أما في حرب احتلال العراق وما نتج عنها من مقاومة فلقد كلفت الولايات المتحدة  خمسة الاف قتيل وعشرات الالاف من الجرحى ومئات الالاف من المعاقين نفسياً .

اما حرب افغانستان التي كانت فاتحة الحروب الاستباقية عبر الغزو الامريكي المفتوح فقد استمرت سبعة عشر سنة لم تستطيع قياداتها المركزية واساطيلها ان تربح حرباً يقودها قائدٌ من طالبان على دراجته النارية . سببت حرب ما بعد غزو العراق خسائر بتيرليونات الدولارات كادت تطيح بالاقتصاد الامريكي  الذي ما زال يعاني …

مولت مشيخات النفط حروب تدمير العراق – ومولت كذلك حروب تدمير سوريا . وتقوم بحروبها بالوكالة  بتدمير اليمن ، وما فاض من بترودولاراتها يتم ضخه في دول على وشك أن تصبح دولاً فاشلة .

ثم  جاء ترامب وطالب بما تبقى لديهم من بترودولارات لحماية انظمتهم تماما كالاتاوات التي تفرضها المافيا.

استقراءاً للماضي  القريب نجد أن حروب الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين كانت خاسرة – بالرغم من جبروت قوتها – ولن يكون الامر مختلفاً في ( ام الحروب) لو قدر لها ان تكون .

هل لنا أن نسأل انفسنا لماذا فشلت سياسة الهيمنة الامريكية في كل مكان الا في وطننا العربي ؟ هل لاننا اطوع أمه لمخلوق واعصاها لخالق ؟

 *  مستشار ومؤلف وباحث

قد يعجبك ايضا