مقدّمات الحرب الأميركية / الصهيونية على سوريا / د. ساسين عساف

نتيجة بحث الصور عن ساسين عساف

د. ساسين عساف  ( سورية ) الأحد 22/7/2018 م …




أوّلاً: الأسباب/ الاتهامات

منذ قيام الانتفاضة الأولى في فلسطين، ومنذ بدء عمليات “حزب الله” في جنوب لبنان نشأ خلاف أميركي/ صهيوني من جهة وسوري من جهة أخرى حول أفاهيم المقاومة والإرهاب والعمليات الاستشهادية والحقّ في مقاومة المحتلّ.

من هنا كانت دعوة الرئيس حافظ الأسد إلى مؤتمر دولي لتحديد معنى الإرهاب ومعنى المقاومة. ومن هنا صنّفت سوريا دولة راعية للإرهاب في المفهوم الأميركي/ الصهيوني.

سوريا اختارت أن تكون إلى جانب الإرهاب وقرّرت، قالت واشنطن، أن تشجّع “الاعتداءات الانتحارية” رافضة التفريق بين المدنيين والعسكريين الذين تستهدفهم تلك “الاعتداءات”.

سوريا تؤوي الإرهاب وتحميه وتعدّ جيلاً مقبلاً من الإرهابيين وتشكّل قوّة سلبية في المنطقة! هذا هو الادّعاء الأميركي/ الصهيوني.

الحكومة السورية تنتهك القرار 1373، وهو قرار دولي خاص بمكافحة الإرهاب!

“عاموس بن جلعاد”، الذي كان مسؤولاً في وزارة الدفاع الإسرائيلية، صرّح في 2003/10/19 بالآتي:

“في العامين الماضيين زاد دعم سوريا للشبكات الإرهابية. إنّ مدى الدعم السوري للمجموعات التي تتّخذ من دمشق مقرّاً لها أهمّ ممّا كنّا نتصوّر”.

سوريا رفضت الاتفاقات المنفردة مع العدو وتشبّثث بحقوقهما كاملة في مواجهة المطامع الصهيونية. رفضت الانصياع للأوامر الأميركية الداعية إلى تصفية المقاومة ونزع سلاح “حزب الله” وإقفال ملفّ مزارع شبعا وإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب حرساً لأمن الكيان الصهيوني. وهي أصرّت على أنّ الإرهاب الصهيوني هو إرهاب الدولة المنظّم.

أمّا أميركا المتصهينة فأصرّت على أنّ “حزب الله” هو “أعتى المنظّمات الإرهابية” وأنّ عناصر من “القاعدة” تسلّلت إلى صفوفه.

قبل الاحتلال الأميركي للعراق وقفت سوريا ضدّ العدوان عليه ومحاصرته.

وافقت سوريا على القرار 1441 الصادر عن مجلس الأمن والمتعلّق بأسلحة الدمار الشامل، ولكنّها رفضت التفسير الأميركي لتنفيذه بالقوّة وبدون العودة إلى مجلس الأمن. وافقت عليه بشرط عدم استخدامه ذريعة لشنّ الحرب على العراق. ودعت إلى امتناع الدول، خصوصاً الدول العربية، عن المشاركة في أيّ عمل عدواني عليه.

أمّا العدوان والاحتلال فأدانتهما سوريا وطالبت بالانسحاب الفوري وبالعودة إلى مؤسسات الشرعية الدولية واحترام ميثاق الأمم المتّحدة ومبادئ القانون الدولي.

غابت عن جلسة مجلس الأمن الدولي التي شرّعت الاحتلال الأميركي/ البريطاني. رفضت التعامل مع الاحتلال باعتباره وضعاً عادياً. استقبلت عراقيين من جميع الأطياف والاتّجاهات السياسية وجدّدت دعمها للشعب العراقي في استرجاع وحدته ودولته وسيادته وقراره الحرّ. وأعلنت التزامها وحدة الأراضي العراقية.

أمّا الجانب الأميركي فاتّهم سوريا بأنّها:

– دعمت المقاومة العراقية وسهّلت عبور المقاومين للاحتلال منها ومن خارجها (اتهام جاء على لسان بول بريمر: “عدد المعتقلين من المحاربين الأجانب 278 بينهم 123 من سوريا و62 من إيران و31 من الأردن. السوريون لم يفعلوا ما هو كاف لمراقبة حدودهم”).

– هرّبت أسلحة الدمار الشامل العراقية إلى أراضيها.

– مدّت المقاومة العراقية بأسلحة متطوّرة (اتهام جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركي جون بولتون أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط في الكونغرس).

– آوت الهاربين من رجال النظام السابق (اتهام جاء على لسان الرئيس بوش: إيواء البعثيين الموالين لصدّام).

– احتفظت في مصارفها بأموال عراقية مقدّرة بثلاثة مليارات دولار (اتهام جاء على لسان كولن باول: إخفاء وثائق وحسابات مصرفية عائدة إلى النظام العراقي السابق).

هذا فضلاً عن اتهامها بتكديس السلاح الصاروخي الاستراتيجي وبحيازة أسلحة دمار شامل وأسلحة كيماوية وبيولوجية.أوردت وكالة رويترز في نشرتها في 2003/11/8 أنّ تقريراً نصف سنوي قدّمته وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية إلى الكونغرس أبدى قلقاً من “النيات النوويّة” لسوريا، جاء فيه:

“لدى سوريا مركز للأبحاث النووية في دير الحجر. وانّ قدرتها في الحصول على الخبرة الأجنبية توفّر فرصاً لتوسيع الإمكانات”. وأضاف:

“نحن نتطلّع إلى النيات النووية السورية بقلق متزايد”.

ثانياً: الأهداف :

أ- أهداف متعلّقة بالصراع العربي/ الصهيوني:

– وقف الدعم للانتفاضة في فلسطين وللمقاومة في لبنان والمساعدة على تصفية “حماس” و”الجهاد الاسلامي” و”حزب الله”.

– طرد القيادات الفلسطينية من دمشق وإقفال المكاتب الاعلامية ومعسكرات التدريب.

– قبول العودة إلى العملية التفاوضية وفق شروط صهيونية جديدة مخالفة لأسس مدريد وقرارات الأمم المتّحدة ومجلس الأمن ومبدأ الأرض مقابل السلام ومبنية على عدم الاعتراف “بوديعة رابين” القائلة بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للجولان إنهاء كلّياً والعودة إلى خطوط ما قبل الرابع من حزيران عام 1967.

– قبول توطين الفلسطينيين في لبنان وسوريا وسائر دول الشتات والكفّ نهائياً عن المطالبة بحقّ العودة شرطاً أساسياً للتسوية وتطبيقاً للقرار 194.

ب– أهداف متعلّقة بالعراق:

– إحكام الرقابة على الحدود السورية/ العراقية ووقف الدعم للمقاومة.

– المساعدة على كشف الأشخاص الذين لهم الحقّ في تحريك الأموال العراقية المودعة في المصارف اللبنانية والسورية.

– الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي والتعامل معه.

– تسهيل إرسال قوّات عربية إلى العراق عند الضرورة.

ج- أهداف متعلّقة بالوضع السوري الداخلي وبالعلاقات اللبنانية/ السورية:

– إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية (الديموقراطية والتعدّدية السياسية واقتصاد السوق) وإدارية (إلغاء دور مؤسسات حزب البعث في نظام الحكم والادارة)

– انسحاب القوات السورية من لبنان تحت عنوان السيادة والاستقلال والقرار الحرّ، وفكّ الارتباط بين المسارين وإسقاط مقولة “وحدة المسار والمصير” التي حكمت ثوابت تلك المرحلة.

ثالثاً: المخاطر:

التهديدات الأميركية/ الاسرائيلية لسوريا كانت بداية تنفيذ لحلقة من مخطّط إعادة تشكيل الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، كما صرّح آنذاك كولن باول ومسؤولون أميركيون غير مرّة، على قياس المصالح الأميركية.

“إعادة التشكيل” هذه تعني العبث بالخرائط السياسية والجغرافية القائمة على قاعدة المزيد من التجزئة والتفكيك (تجزئة المجزّأ وتفكيك المفكّك) وهذا ما شكّل مكمن الخطورة فيها.

ضرب سوريا بعد العراق في الإستراتيجيا الأميركية مدخل لإحداث التغيير في بلاد الشام وبلاد النيل ومنطقة الخليج العربي بما يتعداها إلى إيران…

الحرب الأميركية على العراق لن تبلغ أهدافها، كما صرّح غير مسؤول أميركي، ما لم تشمل سوريا ولبنان (كوندوليسا رايس وجّهت تهديدات مباشرة الى لبنان بأنّها ستستخدمه وسيلة ضغط على سوريا).

الحرب الإسرائيلية على فلسطين كذلك لن تبلغ أهدافها، كما صرّح غير مسؤول إسرائيلي وفي طليعتهم شاؤول موفاز وزير الدفاع، ما لم تشمل سوريا ولبنان ومصر.. وعليه،

إنّ وجه الخطورة الدائم على الوطن العربي هو في وحدة المواقف والمصالح الأميركية/ الاسرائيلية في مرحلة ما بعد احتلال العراق التي اعتبرتها الحكومة الصهيونية فرصتها الذهبية لتحقيق مشروعها التاريخي في تجزئة المنطقة وشرذمتها كيانات مذهبية وإتنية هزيلة كي تتمّ لها السيطرة التامّة من النيل إلى الفرات (بوش أهدى شارون في أثناء زيارة له لواشنطن خارطة تمثّل الأطماع الصهيونية التي تصل إلى بابل وهي خارطة يهودية قديمة سرقت من المتحف العراقي بعد احتلال بغداد).

لذلك،…:

انّ التهديدات الأميركية/ الاسرائيلية لسوريا آنذاك كانت جزءً من حرب استراتيجية طويلة المدى على الوطن العربي. فالولايات المتّحدة أحدثت تغييرات أساسية في أوروبا وآسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وباحتلالها العراق عقدت العزم على إحداث تغييرات أساسية في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط بدون مواربة. وعنوان هذه التغييرات، كما ادّعت، الاستقرار “الإقليمي والدولي”. ومن أجل ذلك عملت على تغيير عدد من الأنظمة والحكومات وإزالة أسلحة الدمار الشامل وادّعت القضاء على الإرهاب.

الاستقرار الإقليمي في التصوّر الأميركي/ الصهيوني يعني أمن الكيان على حساب سيادات دول المنطقة وأمن شعوبها.

الاستقرار الدولي في التصوّر الأميركي يعني الأمن لأميركا على حساب سيادات دول العالم وأمن شعوبه.

الأمن للكيان الصهيوني يعني فرض أمنه على الدول العربية المحظّر عليها امتلاك الأسلحة المتطوّرة لتبقى هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة دمار شامل.

فرض الأمن الإسرائيلي على الدول العربية يعني حكماً فرض السلم الإسرائيلي فيها أي فرض الاستسلام على العرب وتصفية القضيّة الفلسطينية.

الأمن لأميركا يعني، بدوره، فرض أمنها على دول العالم لتبقى الدولة الوحيدة التي تمتلك مصادر الطاقة وقوّة التدمير النووي الشامل.

فرض الأمن الأميركي على دول العالم يعني حكماً فرض السلم الأميركي فيه أي فرض التسليم لها بالقيادة الأحادية.

القضاء على الإرهاب في الحساب الأميركي/ الصهيوني هو قضاء على “الانتفاضة” في فلسطين وتصفية “حماس” و”الجهاد” وسائر فصائل المقاومة، وهو قضاء على “حزب الله” في لبنان والمقاومة في العراق وتخريب سوريا.

بعد كلّ هذا في حال تحقّقه ماذا يبقى للعرب سوى الرضوخ النهائي للاحتلال!

إدارة بوش الابن طوّرت جدول الأعمال الأميركي المعدّ منذ بداية التسعينيات، وقبل أحداث الحادي عشر من أيلول راحت تعدّ نفسها وتضع خططها لاحتلالات خارجية.

مركز الاحتلال الأوّل أرادته في قلب آسيا ومنه انطلقت في اتجاه العراق و هدّدت باستكمال مسيرتها في اتّجاه سوريا.. كلّ ذلك من أجل هدفين ينطويان على مخاطر تهّدد مستقبل الوطن العربي:

1- وضع اليد على النفط في استراتيجية السيطرة على مصادر الطاقة في العالم.

2- حماية أمن الكيان الصهيوني في استراتيجية التصفية النهائية للقضية الفلسطينية وفرض الاستسلام على العرب منفردين ومجتمعين وتمكين هذا الكيان من أن يصبح هو المركز في نظام إقليمي جديد تتحلّق حوله أنظمة وحكومات عربية تابعة.

قيام النظام الإقليمي الجديد استدعي القضاء على المؤسسات العربية الجامعة والعمل العربي المشترك، وفي طليعتها الجامعة العربية.

أولويات إدارة بوش الابن:

– احتلال العراق والسيطرة على النفط العراقي

– تصفية الانتفاضة الفلسطينية

– فرض الاستسلام على الفلسطينيين والعرب

– تسييد الكيان الصهيوني على الوطن العربي المجزّأ.

لقد تمكّنت من احتلال العراق وسرقة نفطه وراحت تسعى، بمساعدة الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة والحكومات العربية التابعة، إلى إنجاز ما تبقّى.

ومنذ البداية كان مقدّراً في نظر المحلّلين والاستراتيجيين الأميركيين والاسرائيليين قبل غيرهم أنّ الحرب لن تتوقّف باحتلال العراق بل ستنتقل إلى سوريا ولبنان ومصر كما كانت ترغب حكومة شارون. من هنا إشارة المسؤولين الصهاينة إلى خطر الأسلحة الأميركية في يد الجيش المصري.

وبهدف تحقيق هذه الأولويات رفعت الولايات المتحدة شعار الحرب على الإرهاب وشعار الإصلاح والديموقراطية والحريات والسلام والتنمية لشعوب المنطقة.

لقد شنّت الإدارة الأميركية حربها على الوطن العربي تحت هذه العناوين المضلّلة التي استجمعتها المبادرة التي قدّمها باول في العام 2002 بعنوان: “مبادرة الشراكة من أجل الديموقراطية والتنمية” و”المذكّرة التنفيذية” الملحقة بها والتي تنصّ على أنّ التغيير يبدأ في بداية العام 2003 وينتهي في مرحلته الأولى عام 2006.

ومنذ شباط 2003 قال ريتشارد بيرل، المستشار السياسي للبنتاغون حينذاك، أنّه “يأمل أن يستمرّ التغيير من العراق إلى سوريا، ويأمل أن ينظر الرئيس السوري بشّار الأسد في إجراء إصلاحات حتى لا يكون الهدف التالي”.

وفي 2003/11/6 أعلن الرئيس بوش “إستراتيجية الحرية” في المنطقة وذكر فيها أنّ أميركا تبنّت “إستراتيجية مستقبلية للحرية في الشرق الأوسط” وفيها توجّه بعبارات قاسية إلى سوريا: “زعماء سوريا خلّفوا تركة من التعذيب والقمع والبؤس والخراب”.

كلّ هذا الضغط على سوريا يعود إلى أنّها، وفق ما قالته كوندوليسا رايس، “تشكّل عقبة أمام تغيير المنطقة” وإلى أنّها “لم تحاسب ويجب محاسبتها”.

من هنا يتأكّد أنّ المخاطر التي حملتها التهديدات الأميركية/ الاسرائيلية لسوريا تتجاوز سوريا وهي تكمن في الخلفية الإستراتيجية التي انطلقت منها هذه التهديدات: تغيير المنطقة.

وهل من أمر أشدّ خطراً على العرب من انكشاف ما تبقّى من وطنهم أمام الشراكة الأميركية/ الإسرائيلية في التغيير ليصبح الوطن العربي برمّته نهائياً تحت السيطرة المشتركة؟

رابعاً: سياسة ضرب الأعناق :

سياسة ضرب الأ‘ناق في الوطن العربي بدون هوادة وردت في جميع الدراسات والخطط الإستراتيجية الأميركية:

– الخطة الإستراتيجية لعقد التسعينيات من القرن المنصرم التي أعدّتها “مؤسّسة التراث”.

– الإستراتيجية الكونية للولايات المتّحدة حتى العام 2010 التي أسهم في وضعها كيسينجر وهانتنغتون وبريجينسكي وذلك منذ العام 1988.

– تقرير معهد واشنطن للسياسة الشرق/ أوسطية الذي هو بعنوان: “الولايات المتّحدة والصراع العربي/ الاسرائيلي”.

– كتاب ويسلي كلارك، مرشّح سابق للرئاسة الأميركية عن الحزب الديموقراطي، الذي هو بعنوان: “كسب الحروب الحديثة” (كشف عن وجود خطّة تستهدف سوريا ولبنان والسودان وايران والصومال في إطار الحرب الشاملة على ما تسمّيه إدارة بوش الإرهاب والأنظمة المارقة).

– خطاب الرئيس بوش بتاريخ 2002/1/29. (صنّف الدول ما بين “دول مارقة” يتشكّل منها محور الشرّ، العراق وايران وكوريا الشمالية، وما بين دول راعية للإرهاب ومنها سوريا.)

– وثيقة أعدّها البنتاغون ونشرتها الصحف الأميركية في آذار 2002 (تضمّنت نقطة مهمّة تتعلّق باستخدام الأسلحة النووية ضدّ سبع دول، بينها سوريا).

لذلك،…:

ما يحدث الآن وما هو متوقّع حدوثه في الوطن العربي والمنطقة بكاملها ليس بجديد في الموقف الأميركي. وهو لا ينفصل عن أهداف هذا الموقف وفي رأسها السيطرة المباشرة على منطقة الشرق الأوسط لأنّها تحتوي على 65% من الاحتياطي النفطي العالمي ولأنّ فيها أنظمة رافضة لحراسة الأمن الإسرائيلي والمصالح الأميركية وساعية إلى بناء توازن عسكري استراتيجي مع الكيان الصهيوني.

من أجل هذه السيطرة تمّ تدمير الجيش العراقي وقاعدته التكنولوجية الإستراتيجية وتمّ القضاء على الكفاءات العلمية العراقية (علماء، مؤسّسات، مصانع…) وتمّ الاستيلاء على النفط العراقي.

ومن أجل استكمال هذه السيطرة فقد مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً سياسية واقتصادية وعسكرية موضعية على سوريا للدخول في مفاوضات السلم الإسرائيلي. مانعت سوريا فلجأت الولايات المتّحدة إلى إطلاق يد شارون في توجيه ضربات مؤلمة إليها.

الإرادة الأميركية في السيطرة المباشرة على المنطقة وضرب أعناق الممانعين يترجمها الاحتلال العسكري، ونموذجه العراق، والاحتواء السياسي/ الثقافي/ الايديولوجي، ونموذجه عدد من دول الخليج.

خامساً: المهادنة والتعاون:

التعثّر الأميركي في العراق أضعف الضغط على سوريا فألقت أميركا عليها تبعة الموقف الصعب الذي واجهته في العراق. هادنتها فدمشق كان لها الدور الأوّل وربّما الأوحد في تهدئة الوضع في جنوب لبنان، وكان لها الدور الأفعل في شؤون العراق وتشكّلاته الداخلية، وكان لها الدور الذي لا يقلّ فعلاً في الوضع الفلسطيني وشؤون الانتفاضة، وكان لها الدور الأكثر قدرة على لجم الإرهاب الديني والسياسي.

هذا ما أدركته جيّداً واشنطن التي كثّفت زيارات موفديها إلى العاصمة السورية إقراراً منها بذلك. وعليه،

انّ التعاون مع سوريا كان البديل المتاح آنذاك أمام إدارة بوش بعد تصاعد التحدّيات التي واجهتها في العراق بفعل المقاومة والرفض الشعبي الشامل للاحتلال.

المأزق الأميركي في العراق احتاج إلى مساعدة سوريا. لذلك،

على الرّغم من إقرار قانون محاسبتها في مجلسي النواب والشيوخ فانّ الضغوط عليها انحسرت والمطالب الأميركية اقتصرت فقط على “دور إيجابي” لسوريا في القضيّة العراقية لأنّ استقرار الوضع في العراق شكّل أولوية الأولويات في اهتمامات الادارة الأميركية.

في هذا السياق كتب سمير صنبر، المسؤول الإعلامي السابق في الأمم المتّحدة. “في ضوء تطوّر الوضع في العراق سيتقرّر مصير المنطقة. فالرهان الأميركي كبير وخطير وجدّي في العراق، فان هي نجحت فيه تحصل تحوّلات كبيرة في المنطقة وان هي فشلت فسوف ينتج عن ذلك مضاعفات وانتكاسات”.

ما كان واضحاً هو أنّ جيش الاحتلال غرق في الرمال العراقية. وساحة المواجهة في العراق بين الاحتلال والمقاومة قد عسّرت “الحروب الأميركية” التي كانت قد أعدّتها إدارة بوش لعدد من دول المنطقة وفي مقدّمها الدولة السورية.

سقوط المزيد من القتلى في صفوف جيش الاحتلال، فضلا” عن تنامي المعارضة الشعبية في داخل أميركا وفي ساحات العالم كلّه “للحروب الأميركية” المتنقّلة على خلفيّة التوسّع الإمبراطوري، حمل هذه الإدارة على إعادة النظر في تلك الحروب وجدواها. ومنها، بالطبع والتأكيد، حرب “ضرب الأعناق” في سوريا فاقتصر الأمر فقط على تأجيل الحرب عليها.

سادساً: الموقف الإسرائيلي:

التهديدات الإسرائيلية لسوريا تجاوزت حدّ التهديد إلى العدوان العسكري المباشر. فالتهديدات لا تشبع حاجة اسرائيل في أي زمن. ما يشبعها هو الحروب الدائمة.

العدوان على “عين الصاحب”، قرب دمشق، كان أوّل عدوان إسرائيلي على الأراضي السورية منذ العام 1974.

هذا العدوان جاء ليؤكّد أن مشروع الحرب الدائمة هو الحاكم الفعلي في الكيان الصهيوني. والحرب هي حاجة دائمة لإنقاذ هذا المشروع وهذا الكيان. فالحرب تحرّر الكيان وحكوماته من الاختناقات الداخلية. المجتمع الصهيوني مذعور ومستنزف وراح يشهد هجرات معاكسة.

فكيف لحكومات الكيان أن تجد له ولها مخرجاً من كلّ هذه الاختناقات بدون حرب أو بدون نقلها إلى خارج “الكيان”؟

إرهاب الدولة لم يعد كافياً ولم يحقّق أغراضه في خنق الانتفاضات الفلسطينية.. ونسبة عالية من الشعوب الأوروبية وبرلماناتها في دول مؤيّدة تقليدياً لهذا الكيان باتت تعتبر دولته الصهيونية خطرا على السلام العالمي كما أظهر أحد استطلاعات الرأي في تشرين الأوّل 2003 على الرغم من تحكّم الصهاينة بكبريات وسائل الاعلام العالمية.

كيف كان لحكومة الكيان أن تواجه هذه المصاعب إلاّ باستغلال مفاعيل الاحتلال الأميركي للعراق والرهان على تفعيل الخطط الحربية الأميركية المرسومة لمرحلة ما بعد هذا الاحتلال؟

في الرابع من أيلول 2003 كتبت “هآرتس” ما يلي:

“أمل وزارة الدفاع الإسرائيلية في أن يتوجّه المدفع الأميركي من العراق إلى سوريا و”حزب الله” وإيران..”

حكومة شارون آنذاك سعت إلى افتعال صدام حقيقي مع سوريا بغطاء أميركي كثيف محاولة الاستفادة من “اللحظة الحرجة” التي مرّت فيها العلاقات الأميركية/ السورية.

بعد العدوان على “عين الصاحب” المرخّص أميركياً بشعار الحق في الدفاع عن النفس كما أعلن الرئيس بوش لم يوفّر شارون أيّ فرصة للتحرّش بسوريا ولبنان وفتح الجبهة الشمالية. فالجبهة، باعتقاده، باتت مستباحة. والعدوان على سوريا ولبنان يمكن أن يتكرّر بأشكال متعدّدة..

حكومة الكيان التي لم تتمكّن من توفير الأمن لمواطنيها بالقضاء على الانتفاضة وإحداث الفتنة بين الفلسطينيين، والتي هزمت في لبنان والتي لم تتمكّن من اخضاع سوريا لشروط السلم الذي أرادته وتريده، بعد احتلال العراق اعتمدت على الأميركيين لتحقيق ما لم تتمكّن من تحقيقه بنفسها، وأرادت الإفادة من هذا الاحتلال لتوسيع أرض المواجهة فأمعنت في التحريض على سوريا. ومن قبيل هذا التحريض وصف شارون للرئيس السوري بانّه “خطير” وقوله انّ سوريا وإيران هما مصدر المتاعب الأميركية في العراق ومصدر المتاعب الإسرائيلية في جنوب لبنان.

من خلال هذا التحريض حاول شارون إقناع الإدارة الأميركية بأنّها وحدها تستطيع الإمساك بأمن مصالحها في المنطقة بشرط أن تترك له حرية “التصرّف” بالشكل المناسب مع إيران وسوريا ولبنان.

 

وفضلاً عن هذه الدول الثلاث تحوّل الجميع إلى خطر يداهم الكيان الصهيوني:

– موفاز، وزير الدفاع الاسرائيلي، لفت الأنظار إلى الخطر المصري (شراء أسلحة متطوّرة من الولايات المتّحدة)

– شارون تحدّث عن الخطر النووي الليبي.

– رئيس الاستخبارات العسكرية أهرون زئيفي أعلن عن محاولات سعودية لشراء أسلحة نووية من باكستان.

ما كانت الجدوى من اختراع أركان الكيان مخاطر بديلة “للخطر العراقي”؟

ما كان تأثير ذلك على تطوّرات الوضع في المنطقة وعلى الموقف الأميركي بالذات من هذه الدول الثلاث: مصر وليبيا والسعودية؟

لماذا إثارة هذا القلق لدى الأميركيين بعد أن غرقت قواتهم في الرمال العراقية؟

كلّها أسئلة لم تحمل إجابات تؤشّر لاحتمالات مبنية على هذا “الاختراع” الصهيوني.

لم تقم قيادة في مصر لتبدّل الموقف من الكيان وتمزّق اتفاقات كمب ديفيد!

طائرات ف16 التي نشرتها السعودية في قاعدة تبوك على مقربة من الكيان الصهيوني لم تقم فجأة بأيّ غارة على هذا الكيان لتدميره!

لم يتمكن شارون من إقناع الأميركيين بهذه “المخاطر المزعومة” والمضافة إلى المخاطر الحقيقية التي يشكّلها كلّ من سوريا وإيران ولبنان.

المباحثات الإستراتيجية نصف السنوية التي تجري بين واشنطن وتل أبيب تناولت تلك “المخاطر”. وهي استمرّت وحددت الهدف التالي الذي هو سوريا.

توجيه ضربات إلى سوريا كان أمراً مطروحاً بصورة دائمة على جدول أعمال الحكومة الصهيونية وقيادة أركان الجيش. والصحف الاسرائيلية تحدّثت عن وجود خطط عسكرية جاهزة للتنفيذ. وهذا ما أبلغه موفاز إلى رامسفيلد بالشكل الآتي:

“إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي إذا عمدت سوريا ثانية إلى تأييد المنظّمات الإرهابية التي تنفّذ عمليّات ضدّ اسرائيل. إنّ إسرائيل لن تتردّد في تنفيذ عمليات مشابهة (لعملية عين الصاحب) في المستقبل اذا استمرّت سوريا في تأييد الإرهاب”.

سابعاً: تكامل موقف أميركي/ إسرائيلي في حدّه الأقصى (نعم للعدوان) ووحدة موقف في حدّه الأدنى (لا للحرب الشاملة)

العدوان الإسرائيلي على “عين الصاحب” أجازته الإدارة الأميركية وسوّغته.

“قانون محاسبة سوريا” أجازته بعد طول امتناع.

وبهذا تكون إدارة بوش قد انتقلت من موقع الانحياز الدائم إلى الكيان الصهيوني إلى موقع الشراكة الكاملة في عدوانه على سوريا.

إنّ رفضها لصيغة القرار التي تقدّمت به سوريا من مجلس الأمن بعد العدوان على “عين الصاحب” أشّر بوضوح لتمادي الادارة الأميركية في التغطية على جرائم الكيان الصهيوني من موقع الشريك في العدوان لا من موقع المنحاز إليه أو المؤيد له.

إدارة بوش لم تقرأ في مشهد المنطقة سوى عنوان واحد:

النفط لأميركا والأمن للإسرائيل.

والشراكة الأميركية/ الإسرائيلية بنيت على هذا العنوان.

حكومة الكيان حاولت استغلال هذه الشراكة بهدف اقتسام الهيمنة على ثروات المنطقة ومصائر شعوبها فشنّت حرباً سياسية على مصر والسعودية وحرباً عسكرية على سوريا ولبنان وحرب إبادة على فلسطين وسعت إلى أن تجد لها موطئ قدم في أرض العراق.

هذه الشراكة فرضت، منذ الاحتلال الأميركي/ البريطاني للعراق واستمرار شارون في حرب الإبادة على الفلسطينيين، حالة حرب ومواجهات مفتوحة ومتنقّلة ما حدا على السؤال:

هل إسقاط النظام السوري بالقوّة العسكرية بات قراراً أميركياً وارداً تنفيذه إشباعاً لضرورات صهيونية؟

على الرّغم من وفرة المتحمّسين لهذا القرار بدا أنّ الأميركيين من خلال تعاملهم بمنطق مزدوج مع سوريا كانوا يتطلّعون دائماً إلى حوار معها فلم تنفجر الأوضاع على الجبهة الشرقية/ الشمالية كما كان يشتهي شارون. ولكن ما شجّعه على معاودة العدوان على سوريا قول بوش إنّ ما قامت به إسرائيل هو دفاع شرعي عن النفس، وتعطيله لقرار مجلس الأمن بإدانة العدوان.

كلام الرئيس بوش والموقف الأميركي في مجلس الأمن على أبواب انتخابات رئاسية أميركية لا يستنتج منهما أنّ أميركا كانت تدفع بالمنطقة إلى حرب إقليمية جديدة يشتهيها ويخطّط لها شارون تخلّصاً من مآزق حكومته الداخلية ومآزق كيانه.

الولايات المتحدة لم تجاره في هذا المنحى خصوصاً بعد أن بدأت تعيش ورطة حقيقية في العراق.

جارته في الضغط على سوريا للمساعدة في “استقرار الاحتلال” ولكنّها لن تسمح له بإشعال حرب إقليمية تقودها إلى المزيد من التورّط في رمال المنطقة وإلى المزيد من الخسائر البشرية والمادية.

الموقف الأميركي، في بعده وفي عمقه، هو موقف ضغط لا مخطّط حرب على سوريا في تلك المرحلة.

الموقف الإسرائيلي هو مخطّط حرب دائم عليها.

هذا التباين المرحلي والتكتيكي بين الموقفين لا يعني التناقض. وهذا ما أكّد أن العدوان الموضعي والمحدودة على سوريا كانت واردة خصوصاً في ضوء الردود والردود المضادّة واشتداد المقاومة العراقية وتكثيف عمليات الانتفاضة.

وعليه…:

ظلت المنطقة رهن التجاذب بين تداعيات الاحتلال وعمليات التحرير والتهديد بالحرب الأميركية/ الاسرائيلية الشاملة.

انّ مرحلة جديدة في المنطقة كانت قد بدأت. ونقطة البداية فيها تعويل الحكومة الصهيونية على وحدة الموقفين الأميركي والاسرائيلي من إيران وسوريا ولبنان ظنّاً منها بأنّ ضربة موجعة لهذه الدول الثلاث تسهّل عليها تنفيذ مشروعها في كامل فلسطين وتسهّل على الأميركيين تنفيذ مخطّطهم كاملاً في العراق والمنطقة.

واستعداداً منها لهذه الضربة الموجعة اقترح رئيسها شارون على إدارة بوش دوراً لإسرائيل في الحملة الأميركية على “النقاط العاصية” أو “البؤر غير المندمجة” في سياق حربها على الإرهاب! ولكن،كيف حاولت الإدارة الأميركية التخفيف من وطأة مأزقها في العراق؟

أتصعيداً على كلّ الجبهات أم تهدئة؟

تقاسم الإدارة رأيان:

واحد دعا إلى التصعيد، وبمساعدة إسرائيلية صريحة.

وآخر دعا إلى التهدئة، وبمساعدة سورية وإيرانية وعربية صريحة.

أيّ من الرأيين أخذ طريقه إلى التنفيذ؟

الجواب توقّف على تقدير الموقف كما كانت تراه سوريا وايران من جهة وعلى فاعلية “عرب أميركا” من جهة أخرى.

التوجّه الصهيوني/ الشاروني واضح: الحرب الشاملة لنسف المعادلة القائمة في المنطقة وإيجاد وقائع جديدة على الأرض كفيلة بتصفية القضيّة الفلسطينية وحفظ أمن الكيان الصهيوني إلى أمد بعيد ونهائي.

أمّا التوجّه الأميركي بدا وكأنّه لا يبغي الوصول إلى مواجهات حقيقية تمهّد لحرب شاملة.

التباين بين التوجّه الصهيوني/ الشاروني والتوجّه الأميركي لم يلغ وحدة الأهداف الرامية إلى تطويع مواقع الممانعة الرافضة لمشروع “السيطرة المشتركة” على الوطن العربي. فالسياسة الأميركية الدائمة، الماضية والحاضرة والمستقبلية، تحمي أهداف إسرائيل وتضمن لها أمنها وتفوّقها العسكري تسهيلاً لإنجاز مشروعها التاريخي: إقامة إسرائيل الكبرى.

وهذا ما كشف بوضوح حجم التماهي الأميركي مع المشروع الصهيوني. هذا التماهي فرضته في تلك المرحلة الانتخابات الرئاسية في أميركا ما حمل بوش الساعي إلى التجديد بأيّ ثمن بأن ينفّذ املاءات شارون. فإدارة بوش التي كان يتحكّم بها أصلاً اليمين المتصهين وضعت مصلحة الكيان الصهيوني فوق مصالح الولايات المتحدة. ولنا في “قانون محاسبة سوريا” خير دليل على ذلك:

بناءات هذا القانون تتعلّق فقط بالسلم الاسرائيلي.

مضمون هذا القانون إسرائيلي وصياغته إسرائيلية.

إنّ مسؤولاً في رئاسة الحكومة الإسرائيلية رحّب به ووجد فيه وثيقة تثبت أنّ “الأميركيين بدأوا يعون مدى ضلوع سوريا في الإرهاب”.

ولنا من تبنّي رامسفيلد لادّعاءات شارون أسطع دليل على ذلك:

بعد احتلال العراق أعلن شارون أنّ مشاكل إسرائيل لم تنته. فصوّب اتهاماته إلى سوريا. وهي اتهامات سرعان ما تبنّاها رامسفيلد في ترديده أنّ سوريا أرسلت معدات عسكرية إلى العراق ساعدت في قتل الجنود الأميركيين.

شارون ورامسفيلد اتّخذا من إخضاع سوريا وتدمير قوّتها الاستراتيجية هدفاً ثابتاً ومدخلاً لتغيير خارطة المنطقة الجيو/ سياسية لصالح الكيان الصهيوني.

رامسفيلد أراد أن يسمع سوريا غير مرّة أنّه مستعدّ لضرب كلّ من لا يذعن لأوامر شارون وكلّ من يساعد الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان والعراق.

وعليه..:

انّ التهديدات الأميركية ستستمرّ، والعدوان الصهيوني على سوريا ولبنان سيرافق إيقاعها إلى أن يلين الموقف السوري/ اللبناني ويستجيب للمزيد من المطالب الأميركية/ الاسرائيلية.

التهديدات الأميركية المصحوبة بعدوان إسرائيلي أسقط أيّ رهان على إمكان استغلال تناقض وهمي يعتقد البعض أنّه موجود بين الولايات المتّحدة والكيان الصهيوني.

وحدة الموقفين ألمح إليها عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية بقوله: “إنّ إقرار قانون محاسبة سوريا غداة العدوان الإسرائيلي على عين الصاحب يثير علامات استفهام حول الحملة المزدوجة على سوريا في هذه المرحلة الملتهبة من تاريخ المنطقة”.

قد يعجبك ايضا